السودان يخسر جنوبه

شبكة النبأ: بينما تتقلص عدد الأيام المتبقية للاستفتاء التي ستقوم به السودان لتحديد مصير مناطقها الجنوبية، فأن التوقعات التي تبشر بنتائج جيدة تتقلص أيضا حث ذكر العديد من المحللين السياسيين ان هذا الاستفتاء يحدد مصير فئة كبيرة من الشعب السوداني لاسيما وانه يمثل رمزا لحريتهم وضمانا لعيشهم.

كما وان التحذيرات تزايدت في الآونة الأخيرة مع اقتراب الموعد المحدد على ان أي خلل قد يحدث في الاستفتاء (والذي يعتقد الكثيرون على ان هناك عمليات تزوير وغش ستقوم بها بعض الجهات لما يتوافق مع مصالحها) يؤدي الى كارثة دموية وستدمر السودان لأن حينها ستعلن الحرب الأهلية مرة ثانية بعد ان تجاوزتها السودان في المرة السابقة.

من جانبها فأن الدول الغربية قدمت دعهما الكامل للسودانيين في سبيل الوقوف معهم لحين ظهور النتائج لتحديد مصير الدولة وأطرافها الجنوبية والغربية إبعادا ووقاية من ان تشن حربا قد تكبد السودانيين ملايين الأرواح وتدمير للبلاد التي تملك من النفط ما يكفيها لسد احتياجاتها ولكن الشعب يعاني من تسلط الحكومة وأنظمتها والأساليب الغير منصفة التي يتبعها معهم.

الحرب الأهلية تكلف 100 مليار دولار

حيث قال تقرير انه اذا تسبب استفتاء يجرى على استقلال جنوب السودان في يناير كانون الثاني في اشتعال حرب أهلية مع الشمال مجددا فان التكلفة سواء محليا أو في المنطقة ككل ستصل إلى 100 مليار دولار.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن يختار الجنوب الاستقلال في الاستفتاء الذي يجرى في التاسع من يناير كانون الثاني بموجب اتفاق للسلام عام 2005 أنهى أكثر من 20 عاما من الحرب الأهلية التي أسفرت عن سقوط مليوني قتيل وفي الوقت ذاته يرغب الشمال في التمسك بالمنطقة الجنوبية الغنية بالنفط.

وذكر التقرير الذي أعدته مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الأوروبيين والأفارقة أن تكلفة استئناف حرب أهلية في السودان يتعدى 100 مليار دولار وقال ان التداعيات الاقتصادية ربما تتجاوز كل الحدود.

وجاء في التقرير الذي نشرته شركة فرونتير ايكونوميكس للاستشارات "التكلفة الإجمالية ستكون هائلة على وجه الخصوص بالنسبة للدول المجاورة للسودان وتصل الى 34 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي على مدى فترة 10 سنوات." وأضاف "ربما تفقد كينيا وإثيوبيا أكثر من مليار دولار سنويا."

وذكر التقرير أن المنطقة ستبدو مكانا خطرا للاستثمار كما سيتراجع طلب السودان على الواردات وستتعرض الموارد في الدول المجاورة للضغط نتيجة تدفق اللاجئين في الوقت الذي ستوجه فيه تلك الدول أموالا إضافية لجيوشها.

ويقدر هذا التقرير تكلفة الأعمال الإنسانية وقوات حفظ السلام التي من المفترض أن يوفرها المجتمع الدولي بما يصل إلى 30 مليار دولار الى جانب خسارة السودان نحو 50 مليار دولار من الناتج المحلي الاجمالي من خلال العودة للحرب.

وتتصاعد التوترات بامتداد المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين الشمال والجنوب. واتهم جيش الجنوب قوات الشمال بشن ضربات جوية على أحد قواعده مما أسفر عن اصابة جنود ومدنيين فيما أسماه محاولة "لاستدراج السودان الى الحرب". بحسب وكـالة الأنباء البريطانية.

واذا تأكد هذا الهجوم فستكون ثاني غارة جوية على أراضي جنوب السودان خلال هذه الفترة. ونفى جيش شمال السودان الهجوم. ويقول محللون إن الاثر الاقتصادي المحتمل ما زال أكبر رادع للحرب ويعتمد اقتصاد الجانبين على إيرادات نفط الجنوب الذي لا يطل على أي سواحل والذي يمثل الشمال القناة الوحيدة لتصديره.

وقال زاك فرتين وهو محلل من المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات "النفط هو أكبر مثبط لديهما. يدرك الجانبان حقيقة أن اقتصاديهما يعتمدان على النفط وأن الحرب ستمنع الاستفادة منه."

وأضاف فرتين أن دور الشمال في تصدير نفط الجنوب -نظرا لوجود المصافي والموانئ في الشمال- ما زال أكبر ورقة تفاوضية له في عملية الاستفتاء وفي أي مفاوضات تجرى لاحقا.

وقال التقرير انه اذا توقف انتاج النفط لدى اندلاع حرب سيفقد السودان على الفور ما بين 10 و20 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي بما يعادل ما بين 6.5 مليار و13 مليار دولار عام 2011 .

وانتهت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب باتفاق سلام في 2005 وبموجبه تقاسم الجانبان الثروات والسلطة ونص على إجراء استفتاء على استقلال الجنوب. وثارت خلافات بين الجانبين فيما يتعلق بتنفيذ أغلب الاتفاق.

حرب سودانية مروعة

من جانبه حذر رئيس الوزراء الأثيوبي ملس زيناوي من عواقب "مروعة" بالنسبة لأفريقيا اذا عاد السودان الى الحرب بعد استفتاء حاسم على استقلال جنوب السودان.

وقال ملس الذي يستضيف محادثات أزمة سودانية في أديس أبابا "مثل جميع سيناريوهات يوم القيامة فان (العودة للحرب) مروعة بدرجة لا يمكن توقعها. "هذا سبب انه يتعين علينا فعل كل شيء في استطاعتنا لمنعها من الحدوث لان البديل سيكون بالغ التدمير ليس للسودان أو للقرن الافريقي فحسب بل للقارة بأكملها."

وقال ملس ان الحرب الشاملة "محتملة وليست حتمية". وصعد الجانبان من خطابهما بعد الفشل في التغلب على الاختلافات بشأن قضايا من بينها من يحق له التصويت في منطقة ابيي الغنية بالنفط. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون انه يتمنى زيادة عدد قوات حفظ السلام في السودان وسط مخاوف من احتمال اتجاه ذلك البلد الى حرب أهلية جديدة.

وسيحضر قادة من ست دول في شرق افريقيا --بينهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير ورئيس جنوب السودان سلفا كير-- الاجتماع في العاصمة الإثيوبية في محاولة لنزع فتيل التوتر. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

غير ان مسؤولين يحذرون من انه لن يكون هناك وقت كاف للتوصل لاتفاق يرضي الطرفين.

ويعقد بعض المحللين مقارنات بين وضع السودان ووضع أثيوبيا عام 1993 عندما أجرى إقليمها السابق اريتريا استفتاء بعدما أطاحت مجموعة يقودها ملس والزعيم الاريتري اسياس افورقي بنظام شيوعي.

وقال ملس ان الحالة السودانية أكثر تعقيدا من حالة إثيوبيا واريتريا اللتين وقع خلاف بين زعيميهما لاحقا وخاضا حربا بسبب صراع على الحدود قتل فيها 80 الف شخص. واضاف "لا يوجد قدر كبير من الثقة بين الجانبين في السودان مثلما كان بيننا وبين الحكومة الاريترية. من المرجح ان يكون الامر اكثر صعوبة وتعقيدا."

ويتوقع محللون ان يؤثر اغلب الجنوبيين الذين تجرعوا مرارة عقود من الحرب الاستقلال وينشئوا أحدث دولة في أفريقيا. ويعتقد حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الشمال ان الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال ربما يكونوا أكثر انفتاحا على الوحدة.

وقال ملس الذي يعتبره الجانبان وسيطا نزيها ان أثيوبيا تتمنى ان تظل قريبة من الشمال والجنوب حتى اذا أقيمت دولة جديدة. واستطرد قائلا "لدينا علاقات ممتازة مع الجانبين الآن ولا يوجد ما يبرر عدم قدرتنا على الحفاظ على هذه العلاقات لفترة طويلة في المستقبل ...وبالطبع اذا لم يحدث سيناريو يوم القيامة."

الغرب يعرض حوافز

فيما قالت النرويج ان دولا غربية تعرض على السودان حوافز اقتصادية تتضمن رفع العقوبات الامريكية وإعادة دمجه في البنك الدولي لإبعاده عن العزلة بعد أن ينفصل الجنوب العام القادم.

وقال اسبن بارت ايده نائب وزير الخارجية النرويجي "الدول الغربية تركز بشكل متزايد على الحاجة لوجود حوافز واضحة للشمال وهذا يتوقف بالطبع على استعداد الشمال للمشاركة... بطريقة ايجابية."

وأضاف في مقابلة أجريت معه في الخرطوم "رفع العقوبات والعودة الى المؤسسات الاقتصادية -البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما- الاستثمارات... ذلك الحوار مستمر." ومضى يقول ان النرويج يمكن أيضا أن تساعد السودان على تخفيف عبء الديون الخارجية التي يتعدى حجمها 36 مليار دولار.

وتخشى دول غربية من أن تزداد عزلة الشمال بمجرد انفصال الجنوب خاصة وأن المحكمة الجنائية الدولية تطلب القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير لارتكاب جرائم حرب ومذابح جماعية. وفي التسعينات أوت حكومة البشير زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وقال أيده "أتمنى أن يتغير هذا الوضع الى اتجاه أكثر انفتاحا وتعددية." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وتقدم النرويج وهي دولة رئيسية في إنتاج النفط المشورة لكل من الشمال والجنوب فيما يتعلق بالتعاون بخصوص انتاج السودان من النفط الذي يبلغ حوالي 500 ألف برميل يوميا يوجد أغلبها في الجنوب بينما توجد البنية الأساسية في الشمال. كما أنها تقدم المساعدة الفنية فيما يتعلق بالاستخراج وإدارة الإيرادات.

وقال ايده "نبحث عن سبل لتحقيق مكاسب أكبر من كل مجال... انها مسألة متعلقة بالمال والتكنولوجيا ووازنوا أنتم بين التكلفة والمكسب" مضيفا أن النرويج يمكن أن ترفع عائد السودان النفطي من 18 في المئة الى 20 في المئة. وأردف قائلا ان الإدارة السليمة لإيرادات النفط ستساعد في تنمية الجنوب الفقير.

وأردف قائلا "ستبدأ كدولة ضعيفة... لديها بعض المؤسسات لكن تلك المؤسسات لها قدرات محدودة للغاية." وأضاف أن النرويج تساعد على تقوية الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

وقال ان الحكم يعني أيضا "جمع الضرائب وحرس الحدود وكل المؤسسات الأساسية اللازمة لمباشرة الأوضاع وكل هذا لابد أن يتم بناؤه من الصفر تقريبا... لا أريد أن نفعل ذلك بالنيابة عنهم."

مليارات الدولارات إيداع البشير

كما نفي السودان مزاعم بإيداع الرئيس عمر حسن البشير ما يصل الى تسعة مليارات دولار في الخارج وقال انه امر مستحيل بسبب العقوبات المفروضة على السودان.

وصرح كبير ممثلي الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو عقب ظهور المزاعم في برقية دبلوماسية أمريكية تم تسريبها "أحقق في النواحي المالية ولدينا معلومات عن أموال البشير. يمكنني ان أؤكد أنها تصل الى تسعة مليارات دولار."

ويباشر مورينو اوكامبو إجراءات دعوى ضد البشير لاتهامه بالإبادة الجماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور بغرب السودان. ولمحت البرقية التي نشرها موقع ويكيليكس الى ان الكشف عن ثروة البشير قد يؤدي الى تأليب الرأي العام ضده.

وصرح مارينو اوكامبو "من واقع خبرتي كمدع حين تقع مثل هذه الجرائم.. حين يسرق مال فان ذلك يسهم في فقدهم للشرعية." وردا على سؤال عما اذا كان يتوقع القاء القبض على البشير قريبا أجاب "انا واثق من انها مسألة وقت." وتابع "طلبت القبض عليه لكن لا يمكن التنفيذ. الحكومة السودانية صاحبة التفويض."

ورفض البشير الاعتراف بالمحكمة الدولية ويواصل رحلاته الخارجية رغم اصدار امر بالقبض عليه من جانب قضاة المحكمة الجنائية الدولية. وقد اكسبه تحديه للمحكمة تأييدا في السودان وبصفة خاصة في الشمال حيث يشك كثيرون في نوايا الغرب. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال ربيع عبد العاطي المسؤول بوزارة الاعلام والعضو البارز في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ان هذه المزاعم مجرد دعاية وان مورينو اوكامبو يستخدم معلومات غير صحيحة لممارسة ضغط سياسي.

وقال في الخرطوم بأنه لا يعتقد بوجود حساب مصرفي باسم الرئيس البشير في أوروبا او الولايات المتحدة او العالم العربي مضيفا ان من السهل جدا مصادرة أي حساب باسم البشير او أي اسم آخر ان كان موجودا.

وتحدى عبد العاطي ان يصرح اي شخص بمكان وجود هذه الأموال وقال ان السودان يصرح لهم بالاحتفاظ بالنقود كمكافأة لهم في حالة العثور على مثل هذا الحساب. وقال مسئول سوداني بارز طلب عدم نشر اسمه "انه غير صحيح ويستحيل ان يكون صدقا.

"يخضع السودان لعقوبات مشددة. وثمة رقابة واسعة في أنحاء السودان. كيف يمكن للرئيس بشير ايداع اموال في بنك غربي." وفي برقية نشرها موقع ويكيليكس نقل دبلوماسيون عن اوكامبو قوله ان "بنك لويدز في لندن" ربما يحتفظ بأموال البشير او يعرف مكانها.

وسئل اوكامبو عن لويدز فأجاب "الأموال ليست في (بنك) لويدز.. العلاقة ان (السودان) لديه بعض الحسابات الرسمية للحكومة السودانية" ومن ثم ربما يمكنهم المساعدة في تقديم معلومات. وصرح متحدث باسم لويدز "ليس لدينا أي أدلة على الإطلاق تشير الى وجود صلة بين مجموعة لويدز المصرفية والسيد البشير. سياسة المجموعة الالتزام باللوائح القانونية والتنظيمية في جميع القطاعات التي تعمل بها."

البشير يقيم المخاطر

بينما يجازف الرئيس السوداني عمر حسن البشير بفقد نفوذه ومكانته فضلا عن النفط اذا اختار الجنوب الانفصال في استفتاء يلوح في الأفق وهي اعتبارات قد تغريه هو وحلفاءه بأرجاء أو تعطيل هذا الحدث التاريخي.

ويتوقع على نطاق واسع أن يختار ابناء جنوب السودان المنتج للنفط الاستقلال في الاستفتاء الذي وعدهم به اتفاق السلام الموقع عام 2005 والذي أنهى عقودا من الحرب مع الشمال والمقرر إجراؤه في التاسع من يناير كانون الثاني.

ويبعث البشير وحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يقوده بإشارات متضاربة بشأن كيفية تصرفهم في الشهر الأخير قبل الاستفتاء. وقال فؤاد حكمت المحلل بالمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات "حزب المؤتمر الوطني يتبع مسارا مزدوجا."

وأضاف "المجتمع الدولي ووسائل الأعلام والجميع يقولون ان الاستفتاء سيجري في موعده وسيقبلون النتائج... المسار الثاني هو القضية الحقيقية... انهم بحاجة لمزيد من الوقت لمعالجة نقاط ضعفهم السياسية والاقتصادية ونقاط الضعف داخل حزب المؤتمر الوطني." وقالت جماعة مدنية يقول الجنوب انها واجهة لحزب المؤتمر الوطني انها تعد طعنا قانونيا لوقف التسجيل للاستفتاء زاعمة وجود مخالفات.

وقال ربيع عبد العاطي وهو من كبار أعضاء حزب المؤتمر انه لا يعتقد أن التسجيل سيقبل في حين نفى أي صلة بالطعن. واتهمت شخصيات بحزب المؤتمر زعماء الجنوب بمحاولة تزوير الاستفتاء على الانفصال وهددوا بعدم الاعتراف بنتيجته.

ووجه الجنوب الاتهام للشمال بمحاولة دفعه لشن هجوم ردا على قصف داخل أراضيه بينما اتهم الشمال الجنوب "بإعلان الحرب" بإيوائه متمردي دارفور. وقال باقان اموم وزير السلام في حكومة الجنوب للصحفيين ان حزب المؤتمر الوطني ينفذ خطة ليعيد السودان الى الحرب حتى يتجنب إجراء الاستفتاء."

ويأمل دبلوماسيون ألا يخرج هذا كله عن نطاق سياسة تكثيف الضغوط للحصول على مزيد من التنازلات بشأن اقتسام عائدات النفط عصب الحياة لاقتصاد الشمال والجنوب كليهما. لكن المخاطر قد تكون شديدة.. فأرجاء الاستفتاء قسرا سيثير غضب الجنوب وقد يشعل من جديد صراعا يقود أيضا الى تعطيل إنتاج السودان من النفط.

حزمة من الحوافز

والعامل الوحيد الذي سيتقدم على هذه القضايا في ذهن البشير وصفوة حزب المؤتمر الوطني هو أن يصبح انفصال الجنوب مصدر تهديد لبقائهم السياسي. ومن شأن انفصال الجنوب أن يوجه ضربة لنفوذ ومكانة البشير ومن ثم نفوذ ومكانة حزب المؤتمر الوطني. وقال مصدر دبلوماسي "سيتذكره الناس على أنه الزعيم الذي سمح بضياع نصف البلاد."

واذا منح البشير الانفصال للمتمردين السابقين في الجنوب فقد يواجه بسرعة تحديات مكثفة من المتمردين في دارفور بغرب البلاد الى جانب متمردين في الشرق وعند الحدود بين الشمال والجنوب. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال الطاهر الفقي العضو الكبير بحركة العدل والمساواة في دارفور " نعتقد أن الشمال سيكون أضعف" بعد الانفصال. وأحزاب المعارضة في الشمال منقسمة وضعيفة وتم سحقها في انتخابات ابريل نيسان. لكن الاحزاب الضعيفة والجماعات المتمردة اكتسبت قوة بسرعة في الماضي بدعم سري من جيران السودان.

وقال مسؤول دبلوماسي اخر طلب عدم نشر اسمه ان انفصال الجنوب "يمكن أن يبعث اقليميا بإشارة على أن الشمال ليس بالقوة التي كان عليها." ويحتاج الشمال ايضا بشدة الى وقت إضافي لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط وبناء احتياطياته من العملات الأجنبية وللحد من التضخم. وسبقت العديد من التغييرات في النظام السوداني اضطرابات جماهيرية بسبب زيادة أسعار الغذاء.

وهناك حزمة من الحوافز من خارج افريقيا تقلل من حدة المخاطر التي يتعرض لها النظام من داخل السودان. فقد عرضت واشنطن حذف السودان من على قائمتها للدول الراعية للإرهاب والمساعدة في تخفيف العقوبات مقابل حل الصراع في دارفور وإجراء استفتاء سلمي.

لكن يشك كثيرون في الخرطوم في أن تكون لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما القدرة او الارادة لتنفيذ كل هذه الوعود بعد الانفصال خاصة في ظل طلب المحكمة الدولية إلقاء القبض على البشير للاشتباه بارتكابه جرائم حرب.

وزادت عزلة البشير الدولية بعد أمري اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحقه فيما يتعلق باتهامات بارتكاب أعمال وحشية في دارفور وتقلصت زياراته للخارج. وفي تحد للرئيس كتب الاسلامي البارز الطيب زين العابدين في مقال يقول ان على البشير أن يتنحى لينقذ السودان من العزلة التي توقع أن تتفاقم بعد الانفصال. وأضاف أنه لن يعود هناك شيء يريده الغرب من السودان بعد الانفصال حتى يعامله بلطف.

الاكتفاء الذاتي من الغذاء

من جانبه قال وزير الزراعة السوداني عبد الحليم المتعافي ان السودان سيضع الزراعة ضمن أولوياته بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في غضون خمس سنوات بعد الدمار الذي خلفته عقود من الحرب الأهلية.

ويجب أن يتجه السودان أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة لتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط -الذي يستمد منه حاليا أكثر من 90 في المئة من إيراداته من النقد الاجنبي- اذ من المتوقع أن ينفصل جنوب البلاد المنتج للنفط في الاستفتاء.

وقال المتعافي "نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء في غضون خمس سنوات. الزراعة هي طريق التقدم بالنسبة للسودان." وزاد السودان انتاج القمح هذا العام ليغطي 42 في المئة من احتياجاته التي تتجاوز مليوني طن ويجرب زراعة القمح اللين والصلد في مساحات شاسعة شمال البلاد.

وقال المتعافي ان رجل أعمال سعوديا ضخ استثمارات مبدئية قيمتها 50 مليون دولار في مزرعة تجريبية تشغل 50 ألف فدان في ولاية نهر النيل وتراوح أول محصول للقمح بين 1.6 طن وطنين للفدان وهو معدل منخفض نظرا لان الأرض لا تزال بكرا. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وأضاف "يتوقعون الوصول الى إنتاجية جيدة خلال عامين الى ثلاثة أعوام لتبلغ ثمانية الى تسعة أطنان للفدان." ويقدم السودان أيضا حوافز لصغار المزارعين لإنتاج القمح من خلال التعاقد مسبقا على شراء الطن بسعر 350 دولارا وتحويل مضخات المياه من العمل بوقود الديزل الى الكهرباء مما يوفر 50 في المائة من نفقات الإنتاج. كما بدأت البلاد في إنتاج أسمدة محلية لخفض النفقات بصورة أكبر.

ويملك السودان ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة وفائضا من مياه نهر النيل مما يجعل لديه مقومات إمداد المنطقة بالغذاء. لكن المتعافي قال ان السودان يحتاج الى استثمارات أجنبية لمثل هذه المشروعات الضخمة ويضع الاكتفاء الذاتي على رأس أولوياته.

وتابع "نحتاج خمس سنوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل مباشر (من القمح) وبشكل غير مباشر من خلال تصدير أنواع أخرى من الحبوب لتغطية نفقات استيراد القمح وآمل تحقيق ذلك في غضون ثلاث سنوات." وأضاف المتعافي أن السودان زاد إنتاجه من السرغوم والارز الذي يفضل زراعته في الأجواء الحارة متوقعا تصدير مليون طن من السرغوم في 2010.

لا يبالون بصعوبات الحياة

في حين لا تجد داريو سيسيليا مكانا تنام فيه ولا طعاما تأكله منذ أن عادت الى موطنها في جنوب السودان للمشاركة في الاستفتاء على انفصال الجنوب .. لكنها لا تشكو مثلها في ذلك مثل آلاف آخرين من حولها.

قالت سيسيليا وهي تجلس على شاطئ النيل في جوبا عاصمة الجنوب "كل ما تناولته اليوم هو قدح من الشاي ولم اشرب حتى الماء لكنني سعيدة... لقد عدت أخيرا الى وطني." وعاد ما يقرب من 50 ألفا من الجنوبيين الى جنوب السودان لضمان حقهم في التصويت في الاستفتاء الذي يجرى في التاسع من يناير كانون الثاني على ما اذا كان الجنوب سيبقى في اطار السودان الموحد أو ينفصل لإعلان دولة مستقلة. ويخشى الكثير من الناخبين الموجودين في الشمال تعرضهم للتهديد أو لاعمال انتقامية أو أن تتعرض الانتخابات هناك للتزوير.

ويسمح للجنوبيين بالإدلاء بأصواتهم في الشمال كما أنشئت مراكز اقتراع في ثماني دول خارج السودان. لكن القادة الجنوبيين اتهموا الشمال بالتخطيط لتزوير الانتخابات وبدئوا في تشجيع الجنوبيين النازحين على العودة للأداء بأصواتهم داخل حدود جنوب السودان.

وعاد عدد كبير من الجنوبيين في قوافل نظمتها حكومة جنوب السودان. لكنهم لم يجدوا عند عودتهم الكثير في انتظارهم من حيث الطعام والمأوى والخدمات العامة الأساسية. وغادرت سيسيليا (39 عاما) الخرطوم بصحبة طفلين صغيرين وسبعة اخرين من أفراد أسرتها قبل شهر وأنهت المرحلة الأخيرة من رحلتها على عبارة في النيل. وقالت مشيرة الى العائدين الذين افترشوا الارض من حولها "العودة الى الوطن كانت أهم شيء بالنسبة لنا."

وأضافت وهي تجلس وسط الاكياس البلاستيكية التي وضعت فيها كل ما تملك "لم نشعر بالامان قط في الخرطوم. لم يكن هناك أي عمل لنا ولم نكن نستطيع الإنفاق على أسرنا... هنا أشعر بالأمان فعلا."

وفي مكان اخر بالمدينة وقفت لوسيا توماس لورو وهي واحدة من مجموعة من العائدين تحت شجرة في ملعب مهجور تنتظر عربة الامم المتحدة التي توزع الطعام. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ولدت لورو (58 عاما) مدرسة اللغة الانجليزية في جوبا وفرت منها في 1989 بسبب الحرب. وحاولت العودة في عام 1992 لكن "أصوات الرصاص كانت تدوي في كل مكان." وقالت لورو وهي ام لأربعة أبناء "/هذه المرة/ جئت من أجل الاستقلال. لقد تعبت وسئمت الحياة في الخرطوم."

وواجهت السلطات صعوبات في الوفاء باحتياجات هذا العدد الكبير من العائدين الذين استجابوا لدعوة العودة. وقالت ماري نيوك المدير العام لمفوضية الإغاثة وإعادة التأهيل بجنوب السودان "تسلمنا 15 مليون جنيه سوداني (6 ملايين دولار) من أجل العودة... هذه الأموال أنفقت وضاع أغلبها في الانتقالات."

وطلبت الامم المتحدة 32 مليون دولار من أجل المساعدات الغذائية العاجلة والمأوى والصرف الصحي للعائدين الذين توافدوا على الجنوب. وتتوقع الأمم المتحدة عودة 150 ألف شخص من الشمال الى الجنوب حتى مارس آذار.

وقالت نيوك ان الجنوب يحاول أيضا توفير التمويل لنقل الناس الى ديارهم الأصلية في المناطق النائية. وأضافت "حيثما كانت هناك تنقلات كثيرة للناس توجد المشكلات ... لكن هؤلاء الناس يعرفون اننا نبذل قصارى جهدنا. إنهم يريدون ان يكونوا هنا. وهم مصممون على ذلك."

جلد امرأة سودانية

الى ذلك ألقت الشرطة السودانية القبض على عشرات النساء اثناء احتجاجهن على قوانين يصفونها بأنها مهينة للمرأة بعد ان عرضت على الانترنت لقطات فيديو لجلد امرأة سودانية علنا. وتنفذ عقوبات الجلد بشكل شبه يومي في السودان على مرتكبي مخالفات من تناول الخمور الى الزنا.

ولكن ثمة تضاربا في تطبيق القوانين الغامضة بشأن زي المرأة وسلوكها. وأثارت إحدى الحالات موجة غضب عالمية حين دعت لبنى حسين الموظفة السودانية في الأمم المتحدة الصحفيين لحضور تنفيذ عقوبة الجلد بحقها عقابا لها على ارتداء بنطلون.

وفي لقطات الفيديو التي رفعت من على موقع يوتيوب ظهرت سودانية وهي تصرخ بينما يجلدها اثنان من رجال الشرطة وسط جمع من الناس في مكان عام. وأجبرت المرأة على ان تركع بينما كان رجال شرطة يضحكون أثناء تنفيذ الحكم. وهتفت النساء أثناء القبض عليهن "اهانة المرأة اهانة الشعب." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وجلست نحو 50 امرأة خارج وزارة العدل حاملات لافتات وأحاطت بهن شرطة مكافحة الشغب وطالبتهن بالابتعاد. ودفع ثلاثة من رجال الامن يرتدون ملابس مدنية مراسل هيئة الإذاعة البريطانية ليسقط على الأرض وصادروا أدواته. والقي القبض على جميع النساء ونقلن لمركز شرطة قريب. ومنع محاموهن من دخول مركز الشرطة لكن سمح بدخول ساسة بارزين من المعارضة.

وأوضحت النساء أنهن حاولن الحصول على تصريح للاحتجاج ولكن السلطات رفضت. وامتنعت الشرطة عن التعليق. وقالت المحامية مني التيجاني "ما من احد يعرف ماذا يحدث داخل مراكز الشرطة هذه... هذا الفيديو مجرد مثال على ما يحدث طيلة الوقت." وذكرت وزارة العدل السودانية أنها ستحقق فيما اذا كانت العقوبة طبقت بشكل سليم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/كانون الأول/2010 - 16/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م