إسرائيل وأذربيجان... مصالح متبادلة أم استغلال صهيوني؟

علاء فاروق

أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان إلى أذربيجان الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين باكو وتل أبيب، وهل هي مجرد علاقات سياسية بين بلدين لا توجد بينهما أية مشكلات على المستوى السياسي؟ أم أنها خرجت من إطار السياسة إلى إطار "التمركز"، بمعنى أن تكون هذه الزيارة وما سبقها من زيارات محاولة – كعادة إسرائيل - للتمركز وتقوية النفوذ في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز؟، والبحث عن دور فى هذه المنطقة المشتعلة؟.

حول الزيارة

أكدت هذه الزيارة قوة وسرعة تنامي العلاقة بين تل أبيب وباكو، وخصوصًا بعدما نالت أذربيجان «شهادة حسن سلوك» بكشفها في مايو/ أيار الماضي عن إحباط «مخطط تفجير» كانت تعد له «خلية حزب الله» «لتفجير السفارة الإسرائيلية في باكو».

والمتابع لسير عملية التعاون بين البلدين يلاحظ أن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين لا تزال تراوح مكانها، وعلى الرغم من افتتاح سفارة إسرائيلية في باكو عام 1992م، لم تستعجل أذربيجان فتح سفارة لها في تل أبيب، ربما للصعوبات المالية التي مرت بها هذه الجمهورية في هذه الفترة.

وعلى الرغم من أن ليبرمان تناول في زيارته الأخيرة مسألة فتح سفارة لأذربيجان في إسرائيل، فإن باكو لا تزال تفضل - على ما يبدو - توسيع التعاون الاقتصادي وفقط، ويبدو أن الجمهورية القوقازية أجبرت على ذلك آخذة في الاعتبار مواقف الدول العربية، والجارة إيران، ولا سيما أن 85% من مواطني هذه الدولة الإسلامية يعتنقون المذهب الشيعي.

ورأت بعض المصادر الإسرائيلية أن زيارة ليبرمان الرسمية الأخيرة تمثّل دفعة جديدة لتحويل العلاقة من مجرد علاقة اقتصادية وحسب إلى علاقة استراتيجية.

وذكر المحللون أن أذربيجان التي تعاني من قوة اللوبي الأرميني في الولايات المتحدة وروسيا في نزاعها مع أرمينيا على إقليم ناغورني قره باغ، تحاول موازاته باللوبي اليهودي في العالم، كما أوضح المحللون أن النخبة الآذريّة الحاكمة تريد التغطية على الفساد المستشري في أجهزة الدولة وضمان سلامة أموالها المهرّبة إلى الخارج، وكذلك على قمعها لأيّ معارضة دينية أو علمانية وكمّ أفواه الصحافيين، وكذلك التغطية على انتقاد المجتمع الدولي لقرار باكو الأخير رفع القيود المفروضة على مدة ولاية الرئيس.

وفي خطوة لتأكيد أن السياسة الإسرائيلية فى أذربيجان ليست مجرد علاقات اقتصادية وتبادل مصالح وفقط، إنما لها بعد آخر لم يكشف عنه النقاب بعد، تناول الوزير الإسرائيلي مع نظيره الأذري ألمار محمدياروف إلغاء نظام التأشيرة بين إسرائيل وأذربيجان.

مصالح متبادلة

وانطلاقًا من هذه الزيارة وما سبقها من مساع لتوطيد العلاقات بين الدولتين نجد أن "لغة المصلحة" هي التي تخيم على هذه العلاقات قبل كل شيء، حيث إن الدولتين في احتياج متبادل لبعضهما البعض، فأذربيجان تسعى إلى شراء المزيد من الأسلحة الإسرائيلية، لتعزيز موقفها العسكري في حربها مع أرمينيا، وإسرائيل في حاجة للنفط الأذري لتعزيز مخزونها من النفط والغاز.

لكن المتابع لعلاقات إسرائيل بدول المنطقة "آسيا الوسطى والقوقاز" يرى أنها ليست مجرد علاقات اقتصادية وسياسية فحسب، بل تتجاوز ذلك لتصبح علاقات "تغلغل واضحة المعالم، حيث تسعى إسرائيل منذ استقلال هذه الجمهوريات إلى ترسيخ أقدامها هناك منافسة لأمريكا وروسيا والصين، معتبرة أن هذه المنطقة "كنز" كبير لا يجب التفريط فيه، ويظهر ذلك جليًا في علاقة إسرائيل ببلاد المنطقة خاصة كازاخستان وأذربيجان.

فكازاخستان تعد كبرى جمهوريات آسيا الوسطى، وتمتلك قدرات علمية هائلة، كما أن بها مطار بايكونور الفضائي الشهير، وهو مركز إطلاق سفن الفضاء وتجارب الصواريخ وأبحاث الفضاء في العهد السوفييتي.

كما أن كازاخستان تمتلك ما يقارب من ربع احتياطي اليورانيوم في العالم، وهو المكون الأساسي في صناعة القنبلة النووية، علمًا بأن شركة "سابيتون ليميتيد" الإسرائيلية قامت بشراء أكبر مجمع لمعالجة اليورانيوم الخام في العالم في كازاخستان عام 1999م، فإسرائيل تعلم أنه من خلال تدعيم علاقاتها بكازاخستان تستطيع توفير كل متطلباتها من اليورانيوم اللازم لتعزيز ترسانتها النووية واحتياجات مفاعلاتها، كما تستطيع أن تصبح لاعبًا مهمًا في أسواق اليورانيوم العالمية بكل ما يضيفه ذلك من أهمية استراتيجية لها على الساحة العالمية.

وبالنسبة لأذربيجان، ترى إسرائيل أنها دولة يمكن أن تكون جسرًا لإسرائيل ومصدرًا لتزويدها بالنفط والغاز، علاوة على أنها محاذية لإيران وروسيا وجورجيا، وتعتبر حليفة استراتيجية للغرب نظرًا لموقعها الاسترتيجي الخاص. وتسعى إسرائيل إلى توطيد العلاقات السياسية والتجارية مع هذه الجمهورية، خاصة في السنوات الأخيرة، ووقعت معها اتفاقيات لبيع الأسلحة بلغت قيمتها مئات الملايين من الدولارات، ووصلت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين في النصف الأول من العام الماضي إلى 180 مليون دولار، حسب ما أعلن السفير الإسرائيلي في باكوارتور لينك لوسائل الإعلام المحلية.

كما لفتت تقارير إسرائيلية منذ فترة إلى أن وسائل إعلام أجنبية كانت قد تحدثت في السابق عن تعاون استخباراتي وأمني بين إسرائيل وأذربيجان.

وقد نفذ الكيان الصهيوني إلى آسيا الوسطى والقوقاز تحت ستار الاقتصاد ومستغلاً الحاجات الأمنية من خلال ما يسمى بخطر تنامي التطرف الإسلامي في آسيا الوسطى والعمل مع الحكومات المحلية من أجل مواجهته، وقد استعان الكيان الصهيوني بأبنائه المهاجرين من الاتحاد السوفييتي والجاليات اليهودية الموجودة في آسيا الوسطى.

فأنشأت الحكومة الإسرائيلية غرفة للتجارة والصناعة خاصة بالعلاقات مع دول آسيا الوسطى، كما أقر الكنيسيت في نوفمبر 1997م بإنشاء لجنة برلمانية مختصة بشؤون آسيا الوسطى.

وثمة أمر آخر في سعي إسرائيل لتوثيق علاقتها بأذربيجان، وهو أن الأخيرة تقع في محاذاة الجمهورية الإيرانية، والتي تشكل صداعًا مستمرًا للوبي الإسرائيلي؛ بسبب برنامجها النووي، والتي اعتبرته إسرائيل تهديدًا لوجودها، ولما كانت أذربيجان دولة محاذية لإيران، كما ذكرنا, فإن بعض التقارير تتحدث عن تعاون استخباراتي وأمني بين إسرائيل وأذربيجان، ويشمل مثل هذا التعاون تبادل المعلومات وإعطاء معلومات أساسية بشكل روتيني وتحليل المعطيات (بما في ذلك المعلومات الملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية)، كما دربت إسرائيل أيضًا الأجهزة الأمنية والاستخبارتية الأذربيجانية, بالإضافة إلى أمن الرئيس الأذربيجاني خلال زياراته الخارجية, وربما يكون الإسرائيليون قد جهزوا محطات تنصت إلكترونية على طول بحر قزوين وعلى طول الحدود مع إيران.

وفي غضون ذلك، وجدت الحكومة الأذربيجانية نفسها تتعاون مع إسرائيل انطلاقًا من احترامها للدولة العبرية من جهة، ولافتقادها لأي خيار آخر من جهة أخرى. ففي عام 1990م، كانت أذربيجان هشة اقتصاديًا وغير مستقرة سياسيًا وضعيفة عسكريًا، ما جعلها توجه أنظارها إلى إسرائيل لدعمها ضد إيران الأكثر قوة، وأرمينيا المتفوقة عسكريًا، ومن جانبها وعدت إسرائيل أذربيجان بتحسين اقتصادها الضعيف عبر تطوير علاقاتها التجارية، كما اشترت النفط والغاز الأذربيجاني وأرسلت إليها أطباء وخبراء متخصصين في التكنولوجيا والزراعة، وأهم من ذلك كله كان تعهد وزير الخارجية الإسرائيلي بأن يستخدم اللوبي اليهودي ثقله في واشنطن لتحسين العلاقات الأذرية - الأمريكية وموازنته بثقل اللوبي الأرمني.

ويؤمن المسؤولون العسكريون الأذريون بأن الشركات الإسرائيلية قادرة على تسليح الجيش الأذربيجاني الضعيف، الذي يحتاج إلى أسلحة جديدة بعد انهزامه في كاراباخ، وبين الأعوام 1993م و2003م طلب الرئيس الأذربيجاني علييف شخصيًا ولمرات عدة مساعدات عسكرية من رئيس الوزراء الإسرائيلي.

استغلال لغياب الدور العربي:

ومن جهة أخرى، يرى بعض الخبراء والمحللين أن الوجود الإسرائيلي في أذربيجان يرجع لغياب الدور العربي هناك، مؤكدين أهمية التدخل بقوة لإزاحة الكيان الصهيوني من هذه الدولة ذات الأغلبية المسلمة.

وخلاصة القول أنه لولا الغياب العربي البائن ما استطاع اللوبي الصهيوني أن يمد نفوذه في هذه المنطقة، ما يؤكد ضرورة التحرك على المستويين العربي والإسلامي لإنقاذ هذه المنطقة من تمدد "السرطان" الإسرائيلي الذي يتذرع بالعلاقات الاقتصادية، وهو لا يقصد من علاقاته هذه إلا نهب الثروات، وقتل الهوية الإسلامية في نفوس أبناء هذه الدول، ولابد للدور العربي أيضًا أن لا يتوقف عند حد الحماسة والعاطفة فحسب، بل لابد أن تكون هناك تحركات مدروسة ومخططة لتوثيق العلاقات مع هذه الدول، وخاصة الاقتصادية والاستثمارية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/كانون الأول/2010 - 14/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م