حكومة الاغلبية السياسية هي الحل الناجع!

مهند حبيب السماوي

فيما يقوم رئيس الوزراء المكلّف نوري المالكي باجراء عملية تفاوض صعبة ومعقدة مع الكتل السياسية من اجل تشكيل حكومته بعد ان قام بتكليفه بهذا المهمة الرئيس جلال طالباني في الخميس المصادف 25-11-2010 ، فانه يملك في حقيبته السرية، من ناحية اخرى، كما كشفت مصادر رفيعة المستوى في التحالف الوطني، خطة طوارئ بديلة لإعلان التشكيلة الحكومية بأغلبية سياسية قبل انقضاء المهلة التي حددتها له المادة 76 من الدستور.

نفس المصادر أشارت الى ان المالكي" يحتفظ بقائمة تشكيلة وزارية كاملة، تحسباً لاية مفاجآت من ائتلاف العراقية " مع الاخذ بنظر الاعتبار الى انه " سيبقي يفاوض باقي الكتل على الحقائب واذا لم يتوصل الى اتفاق فإن لديه قائمة جاهزة بأسماء الوزراء سيعرضها علي البرلمان في اطار تكتيك لاعلان الحكومة في اطار فترة التكليف التي ستنتهي في الخامس والعشرين من الشهر الحالي".

المالكي، وفي خضم هذه المرحلة السياسية الحرجة، يتحرك في طريق تشكيل حكومته الثانية  بهاجس مبني على ظنون مدروسة وقراءة خاصة للمشهد السياسي، مفادها انه، قد يكون، محاط بنوعين من الاخطار التي تحاول عرقلة تشكيل حكومته واسقاطه سياسيا ودستوريا بعد ان لم تستطع ان تفعل ذلك في المرحلة التي سبقت تكليفه رسميا بتشكيل الوزارة حينما كان الجميع معارضا لاعادة ترشيحه لرئاسة الوزراء .

الخطر الاول هو احتمالية وجود ارادة قصدية من قبل بعض الاحزاب السياسية من اجل عرقلة تأليف وزارة المالكي وبالتالي انقضاء المدة القانونية لتشكيل الحكومة مما يعني فشل المالكي وتكليف غيره بتأليف الوزارة، اما الخطر الثاني فيتمثل فيما يمكن ان تخبئه العراقية من خطة لإحراج المالكي زمنيا عبر تسويفها ومماطلتها فيما يتعلق بمرشحيها لشغل المناصب الوزارية.

وكلا الخطرين، واقولها للتاكيد ، يدخلان في مجال الاحتمال لا اكثر ولا اقل ولم يصلا بعد درجة الامر الواقع .

ومما يعزز امكانية لجوء المالكي الى تشكيلته الوزارية الخاصة هو انه لحد الان لم يتسلم  اية ترشيحات رسمية من الكتل السياسية لشغل الحقائب الوزارية مع انه قد تسلم اسماء شخصيات معينة وسيرتها الذاتية الا ان ذلك يقع كله في اطار غير رسمي ، حيث لم تتفق لحد الان الكتل السياسية على الوزارات التي تكون من حصتها، فضلا عن وجود خلافات داخل الكتل والقوائم نفسها حول توزيع المناصب فيما بينها، وهو خلاف موجود في جميع الكتل ولا تخرج منه كتلة عن هذا الامر.

لكن من جهة ونظرة ثانية نجد ان الاحتمالين المذكورين اعلاه تُبددها احيانا الانقسامات الواضحة والخلافات الجلية بين الكتل التي تشكل القائمة العراقية حيث ان ان كبار قادة العراقية كطارق الهاشمي  وصالح المطلك واسامة النجيفي ورافع العيساوي متفقون مع المالكي بينما لازال اياد علاوي في موقف لايمكن وصفه بالايجابي من المالكي وحتى من موضوع تشكيل الحكومة العراقية برمته، وبذلك لايمكن ان تقوم هذه القائمة بالتآمر على المالكي من اجل اسقاطه.

وفي نفس السياق المتعلقة بتشكيل حكومة اغلبية سياسية، جاء تصريح القيادي في ائتلاف دولة القانون علي العلاق وهو ايضا من المقربين لرئيس الوزراء المكلف، اذا قال، في تصريح صحفي الاثنين 6-12-2010 " اذا برزت ملاحظات معرقلة لتشكيل الحكومة الجديدة من قبل احد الكتل فعندئذ سيكون التوجه لتشكيل حكومة اغلبية سياسية "، وذكّر العلاق بايمان التحالف الوطني بمبدأ التعاون والشراكة الذي اعتبره "هو الاساس" لكنه كرر من ناحية اخرى حقيقة انه "اذا ما برزت ملاحظات معرقلة من كتلة معينة يمكن تشكيل حكومة اغلبية سياسية ".

ولان الامر يعني العراقية وهي المقصود المباشر بحديث العلاق وتهديده الواضح، لهذا جاء رد القائمة العراقية سريعا ، وعلى لسان متحدثها النائب حيدر الملا، اذ انتقدت القائمة هذه التصريحات المتعلقة بامكانية تشكيل حكومة اغلبية سياسية واعتبر الملا ان هذه التهديدات التي يطلقها بعض نواب التحالف الوطني تدل على انهم بعيدون عن ما يجري من تفاهمات للاسراع بتشكيل الحكومة".

متهما، كعادة اغلب الساسة في العراق، التحالف الوطني بتأخير تشكيل الحكومة قائلا ان "من يؤخر تشكيل الحكومة ليست القائمة العراقية وانما هناك مشكلة داخل التحالف الوطني بشأن الوفد المفاوض لهذا التحالف".

ويعترض عملية تشكيل الحكومة الجديدة التي كلف بتشكيلها نوري المالكي بعض العقبات خاصة فيما يتعلق بصلاحيات المجلس الوطني للسياسات الستراتيجية وعدد نواب رئاستي الجمهورية والوزراء، بالاضافة الى توزيع المناصب الوزارية بين الكتل والاحزاب السياسية المتصارعة فيما بينها لتولي المناصب وفقا لما تراه كل منها انه استحقاقا دستوريا وانتخابيا لها.

ومع تسارع الاحداث ومجرياتها في العراق ينقضي الوقت المحدد لرئيس الوزراء لتشكيل الحكومة وحينها يجد نفسه امام جدران وعقبات صعبة يحتاج الى مزيد من الجهد لكي يتغلب عليها حيث ان  تأخر الكتل السياسية في عرض مرشحيها للوزارات الجديدة سوف يقود الى استنزاف الوقت المحدد لرئيس الوزراء المكلف الذي قد تتمناه بعض الكتل السياسية ، لذلك تؤكد المصادر ان المالكي " لن يقف بانتظار الاخرين في حال شارفت المدة الدستورية على الانتهاء" حيث حينها سيقوم المالكي، مضطرا، الى اعلان تشكيلة وزارية تمثل اغلبية سياسية.

اسباب عديدة فد تؤدي الى اعاقة تشكيل الحكومة الجديدة او بمعنى ادق تاخير اكتمالها ولعل اهمها هو المجلس الوطني للسياسات الاسراتيجية التي تتصادم الاراء فيما يتعلم بقبول علاوي بهذا المنصب مهما يكن، او اشتراطه من اجل القبول به ان يكون المجلس بصلاحيات تنفيذية تمكن علاوي من ان يكون احد مصادر القرار التنفيذي في العراق، والا... فانه لن يشارك في الحكومة المرتقبة.

وحينما اقول ان علاوي لن يشارك او انه يهدد بعدم المشاركة في الحكومة فان المقصود من ذلك علاوي وحركة الوفاق الوطني التي تملك  24 عضوا في القائمة العراقية البالغة مقاعدها 91  في البرلمان والتي تشكل أحدى مكونات القائمة العراقية لا العراقية جميعها التي بدات فعلا بالحصول على المناصب السيادية في العراق كما حصل مع رئيس البرلمان اسامة النجيفي، ولا اظن انهم سوف يتخلون عن هذه المناصب اذا ماعلاوي قرر اتخاذ قرار الانسحاب.

ولا مراء ان تصريحات علاوي خلال اليومين المنصرمين مافتأت تُلمح لذلك فقد كانت له لقاءين منفصلين مع الواشنطن بوست الامريكية والتايمز البريطانية قال في اولهما" ان المالكي يعلم جيدا انه بدوني شخصيا سيكون من الصعوبة لدول الجوار المحبة للديمقراطية ان تتقبله، واذا لم يقبل المالكي بالتسليم بالمشاركة بالسلطة... فسنقول وداعا للديمقراطية للابد..ويجب ان نفكر بوسائل اخرى سلمية لكي نغير القرار"، اما في اللقاء الثاني الذي جرى مع صحيفة التايمز البريطانية الثلاثاء 7-12-2010 فقد هدد فيه علاوي علانية بالانسحاب من اتفاق تقاسم السلطة.

تهديد علاوي هذا يمنح المالكي فرصة حقيقية لكي يفكر بحكومة اغلبية سياسية في العراق والتي تبدو في الوضع الراهن، في رأي البعض ممن لا اوفقهم الراي، انه اقرب للخيال منه الى الواقع، لكن مبدأ الغالبية السياسية هو الأمر الصحيح الذي يبنغي ان يكون عليه أساس الحكومة العراقية الجديدة بعد 2011 خصوصا بعد سنوات من سقوط النظام السابق التي عرفنا بها كيف كانت تجربة الحكومة التي كانت قائمة على المحاصصة الحزبية والفئوية سيئة وفاشلة افضت الى ما افضت اليه من تبوء شخصيات غير مؤهلة لمناصب يُفترض بها ان تكون حصرا لاكفاء لشخصيات يتمتعون بالزاهة والكفاءة.

حكومة الغالبية السياسية لاتعني استئثار فئة او حزب او حتى من فاز بالانتخابات بالحكومة ومراكزها التنفيذية والتشريعية والقضائية، بل تعني على وجه التحديد هي الحكومة التي تتشكل من غالبية الاحزاب والتيارات الفائزة بالانتخابات ممن تتشابه في أطروحاتها السياسية وبرامجها التنموية ورؤاها المستقبلية للدولة العراقية لا ان تتشكل حكومة عراقية على اساس ترقيعي من احزاب وتيارات وقوائم سياسية تختلف في برامجها السياسية وتتناقض في اسلوب عملها وفي رؤيتها للدولة العراقية.

السياسيون العراقيون الذي يعترضون على مبدا الاغلبية السياسية في الحكم يتناسون ماحدث في يوم الأربعاء 27-5-2009، عندما صرّح القيادي في المجلس الأعلى صدر الدين القبانجي، وقال " أن من حق الشيعة حكم العراق" والدفاع عن هذا الحق " واجب كونهم يمثلون الغالبية"، وفي وقتها أحدث التصريح جدلا كبيرا في داخل الاوساط السياسية اقتضى من المرجع الشيعي الكبير آية الله علي السيستاني، حسب تصريحات صحفية نُقلت من مصدر رفيع في مكتبه، أن يقول" العراق لن يحكم بأغلبية طائفية أو قومية، بل يحكم بأغلبية سياسية من مختلف أبناء الشعب، تتشكل عبر صناديق الاقتراع ".

وفي وقتها رحب الكثير بما قاله السيستاني، بل حُظي رأيه السياسي الرصين بموافقة وتأييد من قبل  البرلمانيين والسياسيين آنذاك ، واعتبروه تطمينا واضحا لكل فئات الشعب العراقي  على نظام الحكم الجديد في العراق الذي يتوجس منه الخوف الكثير من العرب والسنة العراقيين نتيجة ممارسات السنوات السابقة التي تعرض فيها الشيعة والاكراد للاضطهاد والظلم والاجحاف على يد قادة حُسبوا على الطائفة السنية، وتوقع نظرائهم والمجتمع السني في العراق فيما بعد ان الشيعة والاكراد سوف يسيطروا على نظام الحكم فيه وربما " ينتقموا" بالطريقة نفسها.

وفي الحكومة الجديدة التي يروم المالكي تشكيلها نجد ان جميع القوى السياسية سوف تشترك فيها مما يعني انه سوف لن تكن هنالك معارضة برلمانية لهذه الحكومة يمكن ان تصوّب عمل الحكومة وتقيم اداءها وتستجوب وزراءها ان اقتضى الامر ، اذ كيف تفعل ذلك ولكل وزير او مسؤول كتلة سياسية تقف وراءه و" تساوم" على استجواب غيره من قبل كتلة اخرى اذا استجوبت وزريها. 

ومع اننا في ديمقراطية وليدة مازالت تحبو ببطء الا ان هذا لايجب ان يكون عذرا لكي تتشكل لدينا حكومة على هذا النحو الذي تسير فيه الان مفاوضات الكتل السياسية ...حكومة " ترضية بين الكتل والاشخاص" على حد تعبير القيادي في الائتلاف الكردستاني محمود عثمان، فهنالك، كما يقول الاخير،"  47 منصبا من ضمنها 38 وزارة ورئيس جمهورية وثلاثة نواب ورئيس وزراء وثلاثة نواب ، بالاضافة الى رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات العليا ".

وهذا يعني، بعيدا عن التقييمات التشاؤمية، اننا ازاء صيغة او نوع جديد من المحاصصة سوف يُتبع في تشكيل الحكومة العراقية، وهي الصيغة التي لن تكون مختلفة عن سابقتها في الدلالات والنتائج التي يمكن ان تؤدي اليها ، وحينها لن يكون هنالك تقدم في مسار العملية السياسية العراقية مرافقا لتقدمها الزمني. اذا لو فُرضت القوائم وزرائها على رئيس الوزراء ولم يكن لهم دور في اختيارهم فسوف تكون النتائج سلبية وربما مُفجعة تُفرح من يتربص بالعراق واهله السوء ويُراهن على فشل العملية السياسية فيه.     

alsemawee@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 12/كانون الأول/2010 - 5/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م