مونديال قطر

عباس عبود سالم

في الوقت الذي ضاعت فيه آمال جماهير الكرة العراقية لفشل منتخبنا الوطني في الحصول على بطاقة المباراة النهائية لخليجي 20 كانت شعوب الخليج العربي و الشرق الاوسط والعالم اجمع قد تلقت مفاجئة او معجزة عبر الشاشات المرتبطة بمقر الاتحاد الدولي لكرة القدم في زيورخ.

فقد اعلن جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا عن فوز قطر بتنظيم مونديال 2022م بعد تغلبها على الولايات المتحدة الامريكية، واستراليا، واليابان، وكوريا الجنوبية لتعم الاحتفالات هذه الامارة الصغيرة التي تعد ثالث منتج للغاز في العالم.

قطر بعد فوزها الهائل دخلت التاريخ ليس من مجاله الرياضي، بل من اوسع مجالاته، فقد انتصرت على دول تفوقها في جميع المقومات، ولكن في النهاية من صافح جوزيف بلاتر ونال الشرف العالمي الرفيع هو الشيخ حمد وليس باراك اوباما الذي فقد هدوئه المعتاد ليوجه انتقادات لاذعه لقرار الفيفا.

وبعيدا عن عبارات الفرح او المجاملة التقليدية التي اتخمت وسائل الاعلام العربية والخليجية على اعتبار ان قطر تمثل الشرق الاوسط، علينا كعراقيين جميعا ان نراجع انفسنا وأن ننسى الشعارات التي تتكسر عند صخرة البحث على المناصب، ومايسمى بالاستحقاقات التي تزيد يوما بعد آخر، علينا ان نراجع انفسنا ونعرف مايجري حولنا، فهل السياسة لدينا تخدم المصالح العامة للبلاد وهل مازلنا نعتقد اننا افضل الجميع.

فمنذ مطلع القرن العشرين وقيام الدول الحديثة في المنطقة برز العراق مع سوريا ومصر كدول تحتكم على كل المقومات، وتسعى لمواكبة التقدم والتنمية العالمية عبر الانظمة الليبرالية التقليدية التي كانت تحكمها وحتى بعد قيام حركات التحرر وانطلاق الثورات التي تبنت الفكر الاشتراكي.

في حين بقيت دول وامارات الخليج في خانة ماكان يسمى الرجعية العربية في نظر القوى الثورية آنذاك لكن في الحقيقة تكسرت رومانسية الثوار، وانتصرت عقلية التجار الذين كانوا ومازالوا يحكمون تلك الامارات والمشايخ بديكتاتورية ابوية قل نظيرها، لكنها الديكتاتورية الاكثر مقبولية لدى العالم الديموقراطي ولدى المنطقة.

ففي الوقت الذي يقف الفيفا حجر عثرة امام الحكومة العراقية في سعيها لتنظيم البيت الكروي العراقي، ويتفنن في توجيه العقوبات تلو العقوبات ضد العراق، فأن الفيفا يقف باجلال امام المشيخة القطرية التي تتزعم الاتحاد الاسيوي لكرة القدم منذ ازل، دون الانبهار بديموقراطية العراق، او النفور من ديكتاتورية قطر.

فامير قطر الشيخ حمد يتمتع هو وزوجته الشيخة موزة بنت المسند بمقبولية عالمية كبيرة رغم انه لم ياتي عن طريق ملحمة انتخابية، او نتيجة زحف مليوني، او عملية سياسية، او محاصصة عادلة، بل الرجل لم يفعل اكثر من الانقلاب على والده الشيخ خليفة، لكنه عرف من اين تؤكل الكتف، وعرف ان الاقتصاد والمال اساس النظام العالمي القائم، وعرف كيف يصرف الاموال ومتى ولماذا.

فالامير في قطر لايمتلك برلمانا يحاسبه على الصغيرة والكبيرة، ولا هيئة رقابة، او نزاهة تدقق في تواقيعه وتعد عليه انفاسه، ولا مدة تنتهي ليترك الحكم لغيره، اما رئيس الوزراء لدينا فعليه ان يرضي جميع الاحزاب، وجميع المكونات، وجميع القوميات، وجميع الطوائف، وجميع الشرائح، وجميع الدول المجاورة، والدول المؤثرة، والا فأنه سيتعرض لعراقيل وعقبات لاحصر لها، فلا يكفيه انه حقق النسبة الاعلى من الاصوات من خلال الانتخابات، او انه الاكفا، او الاقدر، او الاشرف.

 لكن الشيخ حمد بعد ان تمكن من اقصاء والده اصبح يحلم ليلا ثم يحقق حلمه نهارا، طالما يمتلك مفاتيح المال الوفير، والشيخ عرف جيدا انه بالمال يستطيع شراء كل شيء، وبهذه الطريقة تمكن من تحقيق انجازات كبيرة وضعت امارته في مصاف التجارب التنموية المتقدمة في العالم، ووفر لشعبه مستوى متقدم من الرفاهية وجعل العالم الديموقراطي برمته يقف له باجلال واحترام.

فقد احتضن بقايا بي بي سي العربي ليصهرها في بوتقة جديدة تكونت منها قناة الجزيرة الفضائية التي توسعت الى قنوات مختلفة ضمن مؤسسة واحدة كانت الرياضية منها لاتقل اهمية عن السياسية، واصبحت تؤثر في الشارع العربي بشكل ملفت.

 وامتدت استثماراته حتى تمكن من شراء محلات هارودز الشهيرة في لندن، وشراء اسهم الكثير من شركات السيارات، والمصانع والماركات العالمية المرموقة، وكذلك جعل من امارته موقعا لتنظيم المؤتمرات الدولية والبطولات الرياضية العالمية، مثل كاس العالم للشباب، والبطولة الاسيوية، وبطولات رالي السيارات، والعاب القوى، والتنس، والطيران الشراعي وغيرها.

فقطر التي عملت على تحويل نقاط ضعفها الى نقاط قوة وعرفت الطريق الى العالمية تمكنت من تحقيق امر كان الى وقت قريب يحسب من الخيال وانتصرت على الولايات المتحدة التي لايمكن لعاقل ان يعقد مقارنة بينها وبين الامارة الصغيرة.

لكن العاقل من يعقد مقارنة بين التجربة القطرية في تلميع ديكتاتوريتها الناعمة، وتجربة العراق في التعاطي مع ديموقراطيته الوليدة، فمبروك لقطر التي اثبتت انه ليس بالديموقراطية تعيش الدول، وحظا اوفر لنا كعراقيين في نيل مانستحقه، اكبر من الديموقراطية التي كانت الى وقت قريب تعد اعظم هدية ممكن ان تنالها الشعوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الأول/2010 - 4/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م