الانتخابات المصريّة ماذا بعد؟

محمد علي القايدي

كل المهتمّين بالشأن العربي أجمعوا على أن الانتخابات التشريعيّة التي شهدتها مصر مؤخّرا كانت الأسوأ في تاريخها لما رافقها من تجاوزات منذ بدايتها إلى نهايتها فكل الدلائل تشير إلى أن عمليّة تزوير كبيرة مكشوفة وفاضحة خطّط لها من قبل قد حدثت فعلا, لم يكن ليقدم عليها النظام القائم الذي تدنّت شعبيته حتىّ أمست في الحضيض, لولا الضوء الأخضر الذي تلقّاه من الدوائر الغربيّة عامة والصهيونيّة خاصة.

 والتي بطبيعة الحال ستغمض أعينها وستسدّ آذانها وتغض الطرف على كلّ ما جرى وتلتزم الصمت وخاصة إذا ما نجح النظام المعروف بولائه الأعمى للخطّ الصهيو- أمريكي الذي يستهدف المنطقة برمّتها، في إقصاء القوى الوطنيّة الفاعلة والأكثر شعبيّة كالإخوان المسلمين وعمل على إخماد كلّ صوت معارض للسياسة التي ينتهجها الحزب الوطني الحاكم ليطمئنّ قلب أمريكا وترتاح إسرائيل لعقود ثلاثة أو الأربعة القادمة خاصة وأنّ الأجواء داخل مجلس الشعب الجديد أصبحت سانحة للغاية وملائمة للمضي في عمليّة التوريث بأسرع وقت ممكن وخاصة أن صحّة الرئيس العجوز والمريض غير مطمئنة.

 وبالأحرى فإنّ عمليّة التزوير لها ما يبرّرها وإنّ كل أعضاء البرلمان الجديد أو المنصّب سيصوّتون بـ: نعم أي دون اعتراض من أيّ أحد وهذه قمّة الديمقراطية علما أنّ المرشّحين المستقلّين لخوض غمار الدورتين هم عادة أناس يحضون بتأييد مطلق من لدن الحزب الحاكم.

فأمريكا والغرب المعروفين بنفاقهما السياسي والكيل بأكثر من مكيال، سيقبلان بالنتائج ويعربان عن أسفهما وعدم ارتياحهما من بعض التجاوزات التي شابت العمليّة الانتخابيّة برمّتها ولن يعيرا أي اهتمام للأصوات التي تنادي بإعادتها من جديد وإنّهما سيراقبان الوضع داخل مصر عن كثب وينسقان مع الأمن المركزي لاحتواء موجات الاحتجاجات وردود أفعال الجماهير الغاضبة والطائشة إن كانت هناك ردود أفعال على سياسة الحزب الوطني الحاكم بشرط أن لا تتخذ طابعا تمرّديّا أو عصيانا مدنيّا يدوم لأشهر قادمة وتنزلق فيه البلاد نحو فوضى عارمة مما يهدد أركان النظام.

 وهذا مستبعد كثيرا في ظلّ انحياز الجيش والشرطة وولائهما المطلق للحزب الحاكم زد على ذلك الجُهوزيّة العالية لقوى الأمن وفرق التدخّل السريع التي تمسك بزمام الأمور وتسيطر على الشارع سيطرة كاملة وهي بالمرصاد لكلّ من تحدّثه نفسه بالإخلال بالأمن العام الداخلي.

هرولة بعض الأحزاب كالإخوان والناصريين والوفد وآخرين وعدم الإنصات لحركة كفاية الحركة الأكثر مصداقيّة والأكثر شعبيّة والأخذ بنصائحها والمتمثـلة بوجوب مقاطعة هذه الانتخابات المزوّرة قبل حدوثها والدخول في عصيان مدني سلمي لإسقاط نظام فاسد أدخل البلاد في نفق مظلم، هي من الأخطاء الفادحة لكونها لمّعت صورة الحزب الحاكم المهتزّة والمهترئة ومنحت شرعيّة قانونيّة لانتخابات 2010 التشريعيّة المرفوضة جماهيريا ولا أدلّ على ذلك نسبة الإقبال المتدنّية على صناديق الاقتراع، إلى جانب لا دستوريّة بعض الفصول التي جرى تحويرها أو إضافتها في المجلّة الانتخابيّة ( كاستبعاد القضاء نهائيّا ومنعه من الإشراف و مراقبة أيّ عمليّة انتخابيّة مستقبليّة )، خدمة لحزب السلطة قبيل انتخابات 2005 وبعدها، وشبح تزويرها المؤكد إذا ما وضع المرشح والناخب تحت طائلة البنود المقيدة والفصول المنقّحة.

 إلى جانب عمليات البلطجة والترهيب والترغيب وصلت إلى حد العنف الجسدي و اللفظي والتصفية الجسديّة أي عراقيل وممارسات لا أخلاقيّة وضعها النظام في طريق منافسيه ليفوز بكلّ مقاعد البرلمان وكان له ما أراد.

استحقاقات كثيرة تنتظر النظام الحاكم في مصر أوّلها التخلـّص من تبعات الانتخابات المزوّرة والانتهاء من موضوع التوريث في أسرع وقت ممكن، كذلك مواصلة خنق حماس والتضييق عليها لإخضاعها وإذلالها وإجبارها على دخول بيت الطاعة الأمريكيّة، العمل على إشعال فتيل حرب طائفيّة في لبنان لإضعاف حزب الله وتجريده من سلاحه خدمة للأجندة الصهيو-أمريكيّة أي إدخال المنطقة في حالة من عدم الاستقرار, تشجيع انفصال جنوب السودان ومنطقة دارفور، تهيئة الأجواء الخليجيّة والدوليّة للتخلـّص من المنشآت النوويّة الإيرانية.

 كل هذه الخدمات الجليلة التي سيقوم بها النظام المصري في المستقيل القريب مقابل شراء ذمّة الحكومات الغربيّة وسكوتها عن التجاوزات التي صاحبت العمليّة الانتخابيّة والقبول بتوريث جمال مبارك رئيسا لدولة مصر إذا دعت الحاجة.

* استاذ متقاعد-باجة، تونس

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/كانون الأول/2010 - 4/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م