إشكالية العلاقة بين الادب العراقي وحضانة العرب

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التنافس بين العرب والعرب حالة قائمة لا يمكن لأحد نفيها أو إنكارها أو حتى تجميلها، وهذا التنافس يحتّد ويبدو للرائي ساطعا وجليا لاسيما بين السياسيين، حتى أنه يحتل المرتبة الاولى في هذا المجال، متفوقا على حالات التنافس التي تظهر في الاقتصاد والصحة والفن والادب والحراك الديني المتضارب وغيره، وأحيانا يمكن للمتابع أن يلحظ تصاعدا لمرتبة التنافس حتى يبلغ مرتبة الصراع، وهو أمر من السذاجة بمكان إنكاره أو توصيفه بما لا ينطبق عليه.

وفي الثقافة هناك تنافس عربي عربي، بمعنى أن الخيوط والوشائج التنافسية تمتد –نزولا من السياسة- الى عموم المجالات ومنها المجال الذي تتحرك فيه الثقافة بموجوداتها الادبية والفنية وغيرها، وفي الغالب تتمظهر حالات التنافس بخطوات مسيسة، أي أن القائد السياسي العربي ما يفتأ يدس بأنفه في الثقافة العربية فيؤجج الصراع بين مثقفي هذه الدولة العربية أو تلك، وهنا تكون الثقافة تابعا مطيعا للسياسة، وهذه الظاهرة مؤشرة ومعروفة عن العرب، لدرجة أن القول بعدمها يحول القائلين الى اضحوكة أمام الجميع عربا أو غيرهم.

العراق كما هو واضح من دلائل الواقع والتأريخ القريب مر ولا يزال بإشكالات التنافس الذي يتحول أحيانا الى صراع مع الحاضنة العربية، ومع ذلك هناك عقبة تخلقها الثقافة العراقية نفسها بمثقفيها من الكتاب والادباء والفنانين والمثقفين عموما، هذه العقبة تتمثل بحنين المثقف العراقي الى حضانة العرب وكأنه رضع حليب الترعرع الثقافي منها –وهو أمر واقع ولا منقصة فيه- من دون أن يبلغ أشدّه، فبلوغ الكائن أشده يتيح له هامشا من الاستقلالية المشفوعة بالوضوح كي يصل الى حالة الاستقلال التام.

الثقافة العراقية حسب اعتقادي لم تبلغ أشدها فيما يتعلق بعلاقتها مع الحضانة العربية، ومع أن هناك من يرى أن العراق كيان ثقافي قائم بذاته، أو عنصر فاعل في ميادين الثقافة العربية، وهو أمر حاصل فعلا ومتفق عليه ولا يمكن نكرانه من لدن مكونات الحاضنة او غيرها، لكن ثمة مؤشرات ومحطات أثبتت أن المثقف العراقي لم يكن قادرا على الإفلات من أُمومة الحضانة العربية، بل ثمة ما يشير الى تبعية تؤكد عدم وصول الثقافة العراقية الى حالة البلوغ التي تتيح لها هامشا مطلوبا من الاستقلال والتحرك الحر.

وإلا ما معنى تهميش العراق ثقافيا في مرحلة تضميد الجراح التي أعقبت مجريات 2003 ؟ ألا يدل هذا التهميش على انصياع الثقافة العربية لقادتها السياسيين المرضى، ثم هناك حالة اللهاث التي تلبَّست القيادة الثقافية العراقية وراء حاضنتها الرافضة لها، وأعني هنا تكرار الطلبات والنهج الملحاح الذي انتهجه اتحاد الادباء والكتاب العراقيين في طلبات العودة الى عضوية اتحاد الادباء والكتاب العرب.

ففي الوقت الذي كان على الثقافة العربية أن تحمي الثقافة العراقية وتعيد احتضانها وتسورها من عصف الاحداث التي أحرقت الاخضر واليابس، وافقت الثقافة الام على إملاءات قادتها السياسيين الذين حاربوا كل ما هو عراقي بحجة الاحتلال، وكأن الاحتلال الذي تعرّض له العراق هبط من السماء مباشرة على ارضه، ولم تمر البوارج والسفن الغربية عبر (قناة السويس) ولم تنطلق دبابات ومشاة المحتلين من أراض عربية مجاورة، ولم تُستخدَم الاجواء العربية في ضرب العراق، هكذا يمكن للقادة العرب أن يقلبوا الحقائق كما يشتهون، وهكذا يمكن أن تصطف الثقافة العربية الرسمية الى جانب ساستها فتنفّذ أوامرها بعزل الثقافة العراقية.

ويبدو أن الامر مرتبط على نحو ما بالعقدة التي يعاني منها المثقف العراقي وربما الثقافة العراقية بخصوص الحنين الى الحضانة العربية وتأثيرها فيه، ولهذا ليس العرب وحدهم المسؤولون عن إشكالية هذه العلاقة، فثمة قادة الثقافة العراقية سواء في اتحاد الادباء او في وزارة الثقافة او غيرهما.

المطلوب مراجعة متوازنة لطرفي العلاقة وما يدور في ساحتيهما،فالثقافة العراقية عليها أن تصدّق وتؤمن بأنها بلغت أشدها، وأنها تتمتع باستقلالية تتيح لها الوقوف على قدميها من دون الاتكاء على مصدر الحضانة الذي لا يزال يحجزها في خانة المراهقين، أما الأبوّة والامومة العربية فعليها أيضا أن تفصل نفسها عن الأدلجة والأوامر والتوجهات السياسية المغرضة للقادة المنعيين، وأن تؤمن بأن العراق قامة ثقافية بارّة وقادرة على التأثير والتفاعل الايجابي الملحوظ.

خلاف ذلك سيبقى الحبل الثقافي الرابط بين الطرفين (الجزء والكل) متوترا وقد ينقطع في أية لحظة فيفصل بين الجزء والكل وربما الى آماد بعيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/كانون الأول/2010 - 1/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م