اعتصامات الثقافة العراقية

جيش في المجهول وجوائز الثقافة المهزومة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اعتصم ادباء وكتاب العراق ضد اغلاق ناديهم الاجتماعي في بناية الاتحاد وضد ما وصفوه بتقييد الحريات المدنية وتصاعدها في العراق والتي بدأتها امانة العاصمة بغداد بإغلاق البارات والنوادي والملاهي، وقد سبقتها مقدمات منع اخرى في البصرة حين منعت سيركا متجولا من تقديم عروضه، وفي الحلة حين منعت الفرق الموسيقية والغنائية من المشاركة في مهرجان بابل وبالتالي الغاء المهرجان، سبق هذا الاعتصام بيوم واحد توزيع جوائز مهرجان الفيلم الوثائقي العراقي الاول على المشاركين في منافساته،

بالعودة الى موضوع الاعتصام الذي قد يختلف معه وقد يتفق اخرون حول موضوعه الراهن او حول دلالاته ورمزياته في الحاضر العراقي او المستقبل،.

احد الشعارات التي كانت مرفوعة (بغداد لن تكون قندهار) بما تحيل اليه كلمة قندهار في الذاكرة الثقافية العربية والاسلامية وليس العراقية وحدها من تطرف واستبداد ديني قاد الى ماقاد اليه من تغيير خرائط التفكير والتكفير وادت الى 11 ايلول الامريكي وتموز البريطاني واذار الاسباني، وغيرها.

الاعتصام بحد ذاته وبغض النظر عن موضوعه، مظهر من مظاهر حرية التعبير الذي هو ركن اساسي من اركان حقوق الانسان تزاوله المجتمعات الديمقراطية تعبيرا عن رفضها واستنكارها لحالة سياسية او اجتماعية او اخلاقية يمر بها البلد بغض النظر عن النتائج المتحققة لهذا الاعتصام،.

المهم لدى المعتصمين انه تسجيل لموقف معين يطمح من خلاله المعتصمون ان تتغير بعض الامور التي دعت الى اعتصامهم، وهم يطمحون ان يؤدي اعتصامهم الى تراكم التجارب وايقاظ الوعي وخلق حركة ديمقراطية وتعليم الاخرين ممارستها،

حتى الان وعبر السنوات الماضية شاهدنا وسمعنا باعتصامات عديدة تبعا للموضوعات المعتصم من اجلها، منها اعتصامات ضد محاولة تغيير قوانين الاحوال الشخصية، واعتصامات ضد تردي الخدمات، واعتصامات لإطلاق سراح السجناء، واعتصامات ضد تأخر تشكيل الحكومة قبل تشكيلها، البعض من هذه الاعتصامات وقفت وراءها جماعات سياسية قد تكون مشتركة في الحكومة او موجودة في مقاعد البرلمان لمناكفة الحكومة بشخص رئيس وزرائها ومشاكستها.

لم تحقق تلك الاعتصامات ولو الحد الادنى مما اعتصمت من اجله لأسباب عديدة لامجال لذكرها، ولو ان السبب الابرز في ذلك يعود براي الكاتب الى ان السياسة في العراق هي التي تقود الثقافة والمجتمع وليس العكس.

ما يعنينا في هذا الحديث هو الاعتصام الاخير الذي تم تنظيمه في شارع المتنبي وهو شارع الثقافة العراقية والمعبر عن احوالها وخيباتها وامالها.

سؤال يطرح نفسه، هل اعتصمت الثقافة العراقية طيلة السنوات السبع الماضية ضد نفسها ومع جوهر الثقافة؟ بعبارة اخرى هل اعتصمت الثقافة العراقية ضد الكثير من امراضها التي حملتها طيلة عقود سابقة وضد المثقفين منها الذين سخروا اقلامهم وافكارهم وكلماتهم ونبوءاتهم لتمجيد الطغيان والاستبداد والدكتاتورية واصبحت لسان احواله والممجدة بحمده وآلائه؟

وهل اعتصمت الثقافة العراقية ضد تزييف الوعي الذي مارسته خلال اعوام المكرمات والهدايا ومارسته ضد ذاتها وناسها والناطقين باسمها؟ ام انها عادت الى التنظيرات الجوفاء للمفاهيم المحنطة التي شغلت ثقافات العالم المبدع لها خلال السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، ولكنها تعود الى الحياة مرة اخرى بعد موتها في ثقافتنا العراقية، ثقافة الشعر واجياله، والان ثقافة القصة والرواية.

هل اعتصمت الثقافة العراقية من اجل جردة اخلاقية للمثقفين العراقيين بعيدا عن تبريرات الجوع والحصار الاقتصادي ومتطلبات البقاء على قيد الحياة؟

ام ان شعار عفا الله عما سلف هو سيد الثقافة العراقية الاوحد في زمن يفترض فيه ان يكون زمن المراجعات الاخلاقية الكبرى في واقع الثقافة العراقية لكي تتخلص من انكساراتها وخيباتها وهزائمها طيلة عقود سابقة.

هل اعتصمت الثقافة العراقية ضد استلاب حقوق الاخرين الفكرية ام انها تبارك مثل هذا الاستلاب وتحتفي به عبر دعمه والترويج له من خلال الكتاب المستنسخ في شارع المتنبي بالذات، والذي هو تجاوز على حقوق الملكية الفكرية وحقوق المؤلفين والكتاب الاخرين؟

ليس بعيدا عن هذا الموضوع بل هو في صلبه، ما اعلنه منظمو مهرجان الفيلم الوثائقي العراقي الاول والذي نظمته وحدة انتاج البرامج الوثائقية في شبكة الاعلام العراقي عن فوز المخرج عباس الربيعي بالجائزة الاولى عن فيلم (جيش في المجهول) لقناة آفاق الفضائية التابعة لحزب الدعوة جناح المالكي.

اصبت بالدهشة الممزوجة بالمرارة والالم لاقتران اسم عباس الربيعي بالفيلم، وكنت انتظر من المخرج ان يرفض الجائزة ويعترف بان صاحب الفيلم وكاتب السيناريو والمعد والمنفذ الفعلي للعمل من ألفه الى يائه هو الكاتب والباحث علي السعدي، كيف حصل ذلك؟

في العام 2008 شاهدت بعضا من حلقات هذا الفيلم الوثائقي (جيش في المجهول) في منزل صاحب الفيلم والذي يقدم رؤية مغايرة لما ساد في خطابات المؤسسة العسكرية والسياسية عن تاريخ الجيش العراقي منذ تاسيسه مع تاسيس الدولة العراقية وحتى العام 2003 عام اندحاره وموته وانتظار قيامته.

حكى لي المؤلف للفيلم علي السعدي عن رحلاته الى لبنان وسوريا والاردن للقاء بالأشخاص الموجودين في الفيلم، وسافر الى الكثير من محافظات العراق لنفس الغرض، وتنقل في الكثير من مناطق بغداد الملتهبة بجرائم القتل على الهوية، في فترة الاعداد للفيلم وتصويره.

والفيلم كما شاهدت بعضا من حلقاته عبارة عن كتاب ناطق ضمن مشروع ثقافي بامتياز كما اراد له صاحبه وليس برنامجا تلفزيونيا، انه لقاءات مع شهود احياء يطاردهم صاحب المشروع لتسجيل شهاداتهم قبل ان يغيبهم الموت ويرحل بهم بعيدا مع ذكرياتهم ومع الحقائق التي يحملونها، وهو لا ينفصل عن بقية مشاريعه في تسجيل الحاضر التاريخي للعراق كما بداه في كتابه (حزام النار) عبر احد الصانعين والمشاركين في حقبة مابعد العام 2003 وهو الدكتور ابراهيم الجعفري اول رئيس وزراء في اول حكومة عراقية منتخبة.

لضرورات فنية ادرج صاحب المشروع اسم عباس الربيعي كمخرج للفيلم بعد مرور عام كامل على تهيئته والعمل عليه، وذلك بحكم علاقة شخصية تربطه به ولغرض اكمال التايتل الذي عادة ما ينتهي باسم للمخرج، وقد حمل عقد التنفيذ التفصيلي مع القناة الممولة اسم علي السعدي وليس عباس الربيعي.

ماحدث لهذا الفيلم مشابه لما يحدث في الثقافة العراقية او انه احد تجلياتها المعاصرة، حيث تذهب الجوائز لأجهزة الاستنساخ والفوتو شوب، وليس الى اصحابها الاصليين، وقد نسمع لاحقا وكما تشي به حالة الثقافة العراقية ان يفوز مصمم غلاف احد الكتب بجائزة افصل كتاب، ويفوز الكاتب بجائزة احسن تنضيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/كانون الأول/2010 - 29/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م