
شبكة النبأ: مصر كما هو معروف تعتبر
أكبر دولة عربية، وشعبها يُعد الأكثر عددا من بين الدول العربية، ولمصر
تجارب في السياسة والاقتصاد والفن، تسبق تجارب العرب الآخرين، ولهذا
السبب كانت هذه الدولة، محط أنظار الدول العربية الاخرى، حتى بلغ الامر
بنظام جمال عبد الناصر، أن يجعل من التوجه القومي والوحدة العربية،
شعارا له، حاول من خلاله ربط العرب عموما، بنظام عربي موحد، حين كان
المد العربي القومي في ذروته.
تلك كانت بدايات صنع النموذج المصري للعرب كي يحتذوا به، وقد وظّفت
مصر قدراتها السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وغيرها من القدرات، كي
ترسّخ هذا التوجه العربي وتدعمه، أي تجعل من نفسها كدولة، نموذجا يسير
خلفه عموم العرب، ويقتربون من سماته، ويفيدون من تجاربه ويعملون بها.
وقد حدث ذلك فعلا مع بعض الدول العربية، حتى بعد تراجع المد القومي
في مصر وغيرها، وبقيت مصر السادات ومبارك والى الآن، ترى في نفسها
نموذجا للعرب، ولهذا فإن أزمة الانتخابات المصرية الاخيرة –كما هو
مفترض- ينبغي أن لا تمثل مصر وحدها، بل هي أزمة نظام عربي شامل.
ولسنا هنا بصدد تقييم مدى صحة هذا الاستنتاج، ولكن لا أحد يمكنه أن
ينكر تأثير الثقل المصري في الواقع العربي بصورة عامة، سواء في الجانب
السياسي او الاقتصادي او الفني وغيره، من هنا فإن ما تمخضت عنه عملية
الانتخابات المصرية التي جرت مؤخرا، يمكن أن يعطي للمتابع صورة مقاربة،
لأزمة الأنظمة العربية حيال شعوبها.
واذا حاولنا البحث في الاخطاء الواضحة التي وقعت فيها الديمقراطية
المصرية، فإننا سنكتشف من دون عناء كبير، بأنها لا تتجاوز الشكل الى
الجوهر، وقد أشَّرت الكثير من المنظمات العالمية، والاقليمية الرقابية
المستقلة، أخطاءً فادحة في هذه الانتخابات، تصل الى حد التزوير
والانتهاك متعدد الجوانب الذي رافق عملية الاقتراع، وقد أشارت الحكومة
الامريكية مثلا الى أنها أصيبت بخيبة أمل حيال ما رافق الانتخابات
المصرية من خروقات وتجاوزات، أكدت غياب الجوهر الديمقراطي لهذه التجربة.
وهذا تحديدا ما يفسر نتائج الفوز الساحق للحزب الوطني الحاكم، الذي
ينتمي إليه الرئيس المصري حسني مبارك، حتى أن النتائج التي حصل عليها
الاخوان المسلمون –بوصفهم المنافس الوحيد- حيث خسروا ثمانين مقعدا ولم
ينالوا شيئا في الجولة الاولى، وهذا يدل على الهيمنة الكبيرة للحزب
الحاكم على هذه العملية التي بدت صورية وشكلية أكثر من أي وقت مضى، كما
أكدت ذلك، المنظمات والحكومات المهتمة بالديمقراطية عربيا ودوليا.
وهكذا تظهر صورة الديمقراطية المصرية الزائفة بأجل صورها، ومن
خلالها تشعّ أمام المراقبين أزمة الانظمة العربية حيال شعوبها، وهي كما
يظهر للرائي أزمة مستعصية، وليس غريبا أن يتابع الجميع خطوات التمهيد
لتنصيب (جمال مبارك) ليخلف أباه رئيسا لمصر بعد أن قارب العجز عن قيادة
الدولة، وهذا ديدن القادة العرب الذين جعلوا من كراسي الحكم حكرا على
عوائلهم، وهو أمر متعارف عليه، ولا يستحي منه قادتنا، لأنهم يعتقدون
ويؤمنون بأن العروش حق من حقوقهم الثابتة، ولا يجوز للشعب أن يختار
غيرهم، لأنهم –حسبما يؤمنون- هم من أعطوه الطعام والملبس ومنحوه المال
والامان ووفروا له كل ما يرغب ويشتهي، وكأنهم بديلا للخالق الرزاق، فلا
أحد منهم يستحي من نفسه في هذا المجال، ولا من تمسكه بالكرسي، حتى يأتي
عليه المرض والموت، عند ذاك لا يجد من هو أنسب للعرش سوى إبنه، وكما
يفعل الآن الرئيس القذافي في ليبيا، والرئيس المصري حسنى مبارك، ناهيك
عمّن ملكوا العروش بنهج الملوكية الذي خلّصهم من حالات الاحراج أمام
العالم الحر، اذا كانوا يعرفون معنىً للحرج.
ولسنا مغالين في قولنا حين نرصد تخوفا واضحا لبعض الانظمة العربية
من تجربة العراق السياسية الجديدة، بل طالما وضع عرب الجوار وغيرهم
كثيرا من العراقيل أمام العراق وصدروا له الارهاب، حيث نشطت عشرات
الشبكات المناوئة التي قدمت من دول عربية معروفة الى العراق في مسعى
تدميري واضح ومخطط له مسبقا، وكما ذكر ذلك أحد الادباء المصريين
معاتبا، حين قال إن (العراق صدّر لنا السيّاب –في اشارة للشاعر العراقي
الريادي بدر شاكر السياب- ونحن صدّرنا له الزرقاوي).
لقد أظهرت التجربة المصرية، تكريسا متناميا لظاهرة الاستبداد،
يقابلها خنوع متواصل للشعوب العربية ازاء حكامها، بدلا من تكريس ثقافة
التحرر والمشاركة في صنع القرار، ولكن لا حل يلوح في الأفق، سوى التحرك
الشعبي السلمي الذي يعمل بنفسه للنهوض من حالة الهيمنة المطلقة، لأحزاب
متفردة بالسلطة، ورؤساء لا يزيحهم عن عرش السلطة سوى الموت. |