الحمد لله ...خسر المنتخب العراقي مباراته في نصف النهائي لبطولة
كاس الخليج العربي امام نظيره الكويتي الشقيق في ضربات الجزاء
الترجيحية التي جرت يوم الخميس الماضي وهي نتيجة معقولة ومنطقية في
قوانين الالعاب الرياضية كـ" كرة القدم" التي لايخرج الفريق من اي
مبارة بعدها الا فائزاً او خاسراً خصوصا في مباراة نهائي بطولة ما او
في نصف النهائي او اي مباراة اخرى تتطلب ان يخرج منها فائزا واحد.
ربنا لك الحمد والشكر على هذه الخسارة...اذ لم يتبع هذه المباراة
احتفال صاخب وهستيري لبعض المستهترين من ابناء هذا الوطن الذي تورط بهم،
ممن يعبرون عن فرحهم ويجسدون سرورهم الشخصي بطرق همجية تؤدي الى اثارة
استياء الاخرين، هذا اذا لم تلحق الضرر والاذى الجسدي المباشر بمن
يقعون ضحية لعياراتهم النارية التي يطلقوها في سماء بغداد، وفي بعض
الاحيان امام مرأى ومسمع رجال الامن العراقي.
مايدعوني لشكر الله على هذه الخسارة والخروج من البطولة هو شعور واع
واحساس عقلاني يشاركني فيه الكثير ممن أمسوا غير قادرين على احتمال
الممارسات الجنونية التي يقوم بها بعض من المراهقين ممن يطلقون
العيارات النارية عقب كل انتصار للمنتخب العراقي في البطولات المهمة.
وهو فعل سلبي وُمنكر ومُدان لم تستطع، لكل أسف، وسائل الضبط الاجتماعية
السيطرة عليه والحد منه ووأده.
هذه الظاهرة ليست جديدة على المجتمع العراقي، فالتاريخ الحديث ولن
اعود للقديم والسحيق منه، يخبرنا بان العراقيين كانوا يحتفلون بهذه
الطريقة في زمن النظام السابق الذي حول العراق الى ساحة للحرب والسلاح
ودمر شخصية الانسان عبر حروبه العبثية ومغامراته الصبيانية التي سحقت
الانسان في داخل الانسان العراقي واوصلته الى هذه الحالة المزرية التي
يعيشها بعض من مواطنيه.
وقد اطلت هذه الظاهرة براسها عدة مرات واخرها ماحدث بعد المباراة
التي جرت مع الفريق العماني في بطولة كأس الخليج التي خرج منها المنتخب
العراقي متعادلا وتأهل على اثرها الى الدور نصف النهائي، اذ قام العديد
من المواطنين العراقيين باطلاق النيران من اسلحتهم الخاصة في شوارع
بغداد وبصورة عشوائية مما تسبب في جرح واصابة العديد من المواطنين
الابرياء في الشوارع، واستقبلت بعدها بعض المستشفيات، كما نقل بعض شهود
العيان ، الكثير من الجرحى والمصابين المدنيين.
ولايقتصر تاثير مايحدث على اصابة بعض المواطنين بالاطلاقات النارية،
او الترويع الذي يحصل في المجتمع من جراء هذا العمل، بل يمتد الامر الى
ابعد من ذلك على مستوى المستقبل الآتي ، اذ سوف يؤدي هذا التصرف الى
خلق بيئة تزخر بالعنف وثقافة هي اقرب الى العدوانية منها الى السلام،
وحينها لن يستقر مجتمع تنمو فيه هذه الظاهرة ولن تجد مواطنيه ينعمون
بالامان .
وعلى الرغم من تحذير مكتب القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ
الاجراءات القانوينة الرادعة بحق من يفعل ذلك، الا ان هذا التحذير لم
يمنع من يطلق النيران عن القيام بذلك فاستمر في غيّه وفي تجاهله الصارخ
للقانون والاخلاق وسط دهشة وتعجب العديد من الاهالي والمواطنين
الابرياء ممن ساءهم بشدة هذا التصرف الذي وصفوه بالمجنون والمتهور
والارهابي ايضاً.
الباحثون والاكاديميون المختصون الذي أثارتهم الشخصية العراقية لم
يتعرضوا بالتفصيل للاسباب التي تقف وراء هذا السلوك الــ" عدواني...الهمجي...اللانساني..الارعن"
بل اكتفوا بدراسة وبحث صفات معينة فيها لاتتعلق بهذا الصفة التي اصبحت
طاغية عليهم مع انني لست مع من يزعم وجود صفات وخصائص عامة يمكن ان
تنطبق على جميع افراد شعب ما، متفقا في ذلك مع البرفسور قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية الذي يقول " انه ليس من الصحيح علميا
وعمليا القول بوجود شخصية عراقية نموذجية او منوالية تمثل المجتمع
العراقي، بمعنى انك اذا حللتها يمكن تعميم نتائجها على العراقيين جميعا"
بطريقة مشابهة لتحليل قطرة من دم انسان لتعمم النتيجة على دمه كله وانت
مطمئن".
ولكن ماذا يعني ذلك ؟ وكيف يمكن تفسير هذا السلوك وفقا لـ"علم نفس
الشخصية" او لــ"علم الاجتماع" ؟ هل يعني ان المواطن العراقي ممن يطلق
النار في الهواء قد استمرئ هذه الحالة العدوانية واصبحت تشكل لديه صفة
من صفاته التي يحملها ؟ ام ان الظروف الاجتماعية التي عاشها والحروب
التي خاضها جعلته عدوانيا بطبعه هجميا بتصرفاته فوضويا بسلوكه لايكترث
بالاخرين ولاتعني له معاناتهم ومايمرون به؟.
الانكى من ذلك ان احتفال المواطنين في العراق بانتصارات المنتخب
الوطني تأتي في ظل ظروف وتحديات امنية صعبة في بيئة يترقب فيها
الارهابيون الجبناء اي هدف او تجمع سكاني من اجل استهدافه مما تقتضي
منهم توخي الحذر واليقظة مع ادراكي ويقيني ان الكلمات والتحذيرات
لاتجدي نفعا ولاتجد اذان صاغية في التجمعات اللاعقلانية للمبتهجين
بالنصر الذين ارى فيهم جمهورا نفسيا غير خاضع للتفكير الهادئ المنفرد
كما أكد ذلك غوستاف لوبون في كتابه "علم نفس الجماهير" الصادر 1895.
فما زالت ذاكرتنا مجروحة بماحدث في يوم الاربعاء بتاريخ 25 /07
/2007 حينما تم تفجير سيارتين مفخختين في مكانين مختلفين من بغداد
مستهدفة الجماهير التي خرجت للإحتفال بفوز المنتخب العراقي لكرة القدم
وصعوده إلى نهائي لبطولة الأمم الآسيوية. وكان حصيلة ذلك حوالي (25)
قتيل و (45) جريح .ولهذا افاد مراسل وكالة اخبارية بان قوات تابعة الى
لواء مكافحة الارهاب والقوات الامنية الاخرى انتشرت في اغلب مناطق
بغداد قبل نهاية مبارة العراق وعمان تحسبا لوقوع عمليات ارهابية مستغلة
فوز المنتخب العراقي لكرة القدم .
وهكذا حفظت هذه الخسارة الرياضية ارواح المواطنين واجسادهم من
الوقوع ضحية لأعيرة المبتهجين بالانتصار ممن لم يردعهم سلطة القانون
الحكومي وتحذيراته المستمرة ولا مبادئ الضمير الانساني الذي من المفترض
انها موجودة لديهم والذي ارتاب، بصراحة وبشدة، امام الادعاء القائل ان
هؤلاء يمتلكون ذرة من ضمير وهو يقومون بعملهم الطائش المتهور.
[email protected] |