ديمقراطية العم مبارك

صفاء إبراهيم

انتهت قبل يومين واحدة من ألطف المسرحيات الكوميدية التى عودنا عليها الرئيس مبارك وأكثرها طرافة وإمعانا في السخرية.

انها الانتخابات التشريعية المصرية صمتت أصوات الدعاية الانتخابية وتوقفت الحملات الترويجية لتبدأ حملة أخرى ومن نوع آخر ابرز ملامحها الأصوات المتصاعدة التي تشكك بنزاهة الانتخابات وشفافيتها.

الانتخابات المصرية كانت وبالإجماع الأكثر فسادا وبعدا عن المصداقية والنزاهة على الإطلاق وصاحبها اكبر حجم من العنف والعنف المضاد قياسا للسنوات السابقة.

السلطة وأعوانها ومن يوليها استخدموا اشد أنواع العنف والتخويف ضد مرشحي الإخوان المسلمين والمرشحين المستقلين الآخرين ممن لم يركبوا قطار الحزب الحاكم ولم يسيروا في خطه

عشرات من المرشحين ومن مديري الحملات الانتخابية الخاصة بهم اعتدي عليهم بالضرب وهوجمت مهرجانات انتخابية أقامتها المعارضة وسقط عدة قتلى وجرح كثيرون.

وفي حملة استباقية لا تحدث إلا في ديمقراطية مبارك الفتيه قامت السلطات باعتقال اغلب قيادات الإخوان قبل مدة من موعد الانتخابات وزجت بأغلب مناصريهم في غياهب السجون ورفضت بعيد ذلك قبول أوراق ترشيح أكثر المحسوبين عليهم, والأكثر طرافة في الموضوع أنها منعت ناخبيهم من دخول مراكز الاقتراع في أماكن تعد من معاقلهم.

السلطات المصرية وفي سابقة لاتحصل إلا في ديمقراطية العجوز مبارك رفضت دخول أي مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات لتقييم مدى نزاهتها وشفافيتها ومطابقتها للمعايير الدولية ولم تبد في ذلك أية أسباب مقنعة كانت أم غير مقنعة.

النتائج أعلنت خلال وقت صاروخي هو أربع وعشرون ساعة فقط ولا نعلم بأية آلات حاسبة او موارد بشرية متوفرة تمكنت السلطات من هذا في تلك المدة القصيرة وفي بلد فقير بموارده وإمكانياته  البشرية والتكنولوجية مثل مصر.

كل الأصوات التي تكلمت عن حدوث حالات تزوير واضحة وعمليات تصويت جماعية لمصلحة الحزب الحاكم أنصتت لها اللجنة المشرفة على الانتخابات بإذن من طين وأخرى من عجين كما يقولون ولم تدرسها أو تحقق فيها كما هو مفروض.

الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتدنا منها أن تدعم الانتخابات الصورية التي تجريها الأنظمة الحليفة لها في المنطقة وتحكم بصحتها ومصداقيتها لم تستطع هي الأخرى وبرغم العلاقة الوثيقة التي تربطها بمبارك ونظامه أن تغض الطرف عن الدلائل الواضحة بخصوص عمليات التزوير واسعة النطاق التي شابت الانتخابات المصرية.

النتائج التي أعلنتها اللجنة المشرفة تشير إلى أن نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع بلغت خمسا وعشرين بالمائة من إجمالي عدد الناخبين المسجلين , وإذا أخذنا بالاعتبار أن هذه النسبة لم يؤكد صحتها أي مراقب مستقل أو جهة مستقلة وان مصدرها هو جهة حكومية تريد أن تعطي للانتخابات صورة مقبولة إعلاميا لذا فلا يمكن الاطمئنان إلى صحتها بل بالإمكان أن نختزلها إلى النصف من ذلك أو اقل.

والعجيب فعلا أنهم مازالوا يتوقعون من الشعب المصري أن يأتي لمشاهدة هذه المسرحيات المبتذلة التي ما عادت تضحك احد ونراهم يتخيلون نسبا وأرقاما ما انزل الله بها من سلطان.

أية ديمقراطية عوراء هذه التي يزينونها ويجملونها ويتباهون بها؟ وعلى من يضحكون؟

بأي ديمقراطية يتربع السيد مبارك على عرش مصر منذ تسع وعشرين عاما؟ وبأي ديمقراطية أيضا يعمل جاهدا من اجل توريثه لابنه جمال؟ من الذي انتخبه؟ ومن اختاره؟ بل من رضي أو يرضى به أصلا؟

ماذا حقق العجوز الذي تجاوز الثمانين ببضع سنوات لمصر ولشعب مصر خلال سنوات حكمه الطويل؟

مصر التي تحولت إلى اكبر مستورد للحنطة في العالم , مصر التي لا تقدر إن توفر فرص العمل لأبنائها فترمي بهم في مشارق الأرض ومغاربها يعانون ذل الغربة وإذلال الغرباء من اجل أن يطعموا الأفواه الجائعة التي تركوها خلفهم.

مصر التي تسرق آثارها ويستباح اقتصادها وتنهار عملتها ويغادرها مثقفوها وعلماؤها ومبدعوها بحثا عمن يحتويهم ويحترم إبداعاتهم.

مصر التي تتنكبها النكبات وتحاصرها الأزمات فمن الغلاء والبطالة إلى أزمة الخبز والمحروقات إلى أزمة السكن التي جعلت سكان بلاد يوسف الصديق  يقتحمون المقابر والمدافن الخاصة ليتخذوا منها سقوفا تضلهم وجدرانا تسترهم أو يلجئون إلى العوامات والزوارق الصغيرة لتكون لهم سكنا  متأرجحا فوق مياه النيل الزرقاء.

أية بركة أتى بها مبارك لمصر ولشعب مصر طيلة فترة حكمه التي ستدخل قريبا عقدها الرابع بعد إعلان حزبه الوطني الديمقراطي عن ترشيحه لفترة رئاسية جديدة سيكون فوزه في الاستفتاء الذي سيجري فيها بنسبة99.99.99 من الثوابت التي لا يتطرق إليها الشك.

ما الذي أبقاه الانفتاح والتطبيع من مصر وقوة مصر وعظمة مصر ومكانتها الرائدة في العالمين العربي والإسلامي؟

مصر التي يجيرها مبارك الان لحسابه وحساب أولاده وحزبه اللاديمقراطي هي نسخة مشوهة وممسوخة من مصر العظيمة التي نعرفها ونحبها ونرفع رأسنا بها عاليا.

آن الأوان لان تعود مصر العظيمة المعطاء حاضنة العرب وبيتهم الكبير إلى محيطها الحقيقي, آن  الأوان أن تعود مصر درة الشرق ورمز سحره وجماله إلى محيطها الإقليمي وتمارس فيه دورها الذي أناطه الله بها بما حباها من ميزات, آن الأوان أن تعود مصر الفاطميين والأيوبيين والأزهر والفسطاط إلى محيطها الإسلامي المترامي الإطراف وتمارس فيه دورها المؤثر الكبير الذي يتناسب مع مكانتها العظيمة.

مصر بحضارتها ومكانتها ودورها التاريخي الكبير في مسيرة  الإبداع الإنساني , مصر بمفكريها ومبدعيها وأدباءها وشعراءها وعلماءها , مصر بعظمة إنسانها..

لايمكن أن تستلب

 لايمكن أن تختزل

 لايمكن أن تهمش

 لايمكن إلا أن تبقى مصر أم الدنيا

شاء العم مبارك ذلك أم أبى

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 4/كانون الأول/2010 - 27/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م