الفكر الجديد وطاعون التزوير

أحمد بلال

قرأتُ صبيحةَ يوم انتخابات مجلس الشعب 2010 كلمة " عرس الديمقراطية " في صدر بعض الصحف القومية، والذي ما لبث أن حولَّه الفكر الجديد إلي مأتمٍ في نهاية اليوم!!

 لقد وجد هذا الفكر الجديد أن هناك نوعين من التزوير، نوعاً ربما يفضحهم أكثر وعائده أقل، وهو منع الترشيح واعتقال الأنصار وتمزيق اللافتات وملاحقة الجولات وفض المسيرات وإطلاق الشائعات، فهذا النوع لم يَحرِموا منه أنفسهم، ولكنهم لم يُعوِّلوا عليه كثيراً في تغيير النتيجة، فعمد الفكر الجديد إلي النوع الثاني من التزوير، ففضيحته في ظنِّهم أقل وعائده من الأصوات المزورة أكبر، فهذا النوع هو الذي نفذوه بدقةٍ وبراعةٍ تفوَّقوا علي أنفسهم فيها، فإذا كان بالدائرة أربعون مقرّاً مثلاً، فهم يتركونها دون تزوير، حتي يتندرَ الناسُ فيها بالنزاهة، ثم يعمدون إلي مقرَّيْن أو ثلاثة منها، وهي التي بها أصواتٌ تزيد عن عشرة آلاف صوتٍ غالبا، فيهجمون عليها هجوما قصيرا مباغتاً لا يتجاوز نصف الساعة، تكفي لطرد المندوبين وإرهاب الموظفين لكي يفتحوا الصناديق لإضافة البطاقات ولا يفتحوا أفواههم بأيٍّ من الكلمات، ثم يخرجون سريعاً حتي لا يبدأ الناس في الشك في نزاهتهم المقدسة.

 وفي بعض المقرّات تأتي الصناديق منذ بدء اليوم، وقد مُلئت بمئات البطاقات المسوَّدة، لتوفرَ علي الأحباب عناء الذهاب إلي صندوق الانتخاب، ثم بعد هذا تنتقل الصناديق نفسها، " أو غيرها "، إلي لجنة الفرز، التي يرأسها قاضٍ من قضاة الانتخابات، والذي قد تعرَّض غالباً للفرز قبل ذلك ليناسبَ هذه المهمة، وعندما تُرفع له الشكوى من تلك الصناديق سابقة التعبئة، وبها العوارُ البيِّن من تلك البطاقات التي دخلت ككتلة واحدة، يتظاهر بالاهتمام بها، ويقوم بالاتصالات، ويمتد الوقت إلي آخر الليل لكي ينفض الجمع، وفي النهاية تُحتسب هذه الصناديق المعيبة لتنقلب النتيجة إلي ما يُحبون من نجاحٍ كاسحٍ للحزب، وبعض الفتات لأفرادٍ اختيروا بعناية من بعض الأحزاب، ولا بأس من عددٍ قليل من المستقلين ذراً للرماد في العيون، وينتهي بذلك عرس الديمقرطية المزعوم باغتيال أمل التغيير وأمنية التحرير لإرادة الناس من أيدي غاصبيها.

 وهنا تثور عدة أسئلة: ما مصير مجلسٍ بُنِيَ علي الزور؟، وما مشروعية قراراته التي سيتخذها؟، وبماذا توصف انتخاباتُ الرئاسة المُزمع عقدها بواسطة هذا المجلس؟، وإذا كان التزوير من الجرائم الكبيرة فكيف يكفِّر عنها من وقع فيها، وبلغ سنه السبعين والثمانين، وخشي أن يأتيَه أجله مثلما أتي زملاء له في المجلس؟، ومن هو المتسبب في أن تتسرب جرثومة هذا الطاعون، طاعون التزوير في كل انتخاباتنا، في شعبٍ معروف أساسا بالطيبة والصفاء، وكم بلغ عدد المشاركين في دولاب التزوير في هذه الانتخابات من أجهزة الدولة ومن رجال الأمن وموظفي الدولة؟

 ومن الذي يشترك في هذه الجريمة اختياراً؟، ومن الذي يشترك فيها إجبارا؟، وهل تتم بعلم القيادة العليا أم بغير علمها؟، برضاها أم بغير رضاها؟، بأمرها أم من وراء ظهرها؟، ومَن الآمر بها ومن المأمور، ومن هم أكابر مُزوِّريها الأصليين، ومن هم المشاركون التابعون؟، وهل هناك جهات خارجية معادية تطلب هذا التزوير لإبعاد الإسلاميين والمستقلين الغيورين عن النصح للبلاد والعباد لكي تظل مصر تحت الوصاية الخارجية تسير علي خطواتٍ رسمها لها أعداؤها؟.

إنني رجعتُ بعد يوم الانتخاب مرهقَ الأعصاب مشفقاً علي المواطن الذي رجع بخيبة أمل بعد الاكتساح المزعوم لحزب النظام، بل ومشفقاً أيضاً علي هؤلاء المزورين الذين اشتروا متاعاً عاجلاً بخسارةٍ كبيرةٍ مؤجلة،.. رجعت وأنا أادعو الله أن يطهِّرَنا من هذه الجريمة، ويخلصنا من أكابر مزوِّريها، لتعود الي بلادنا حريتها و كرامتها، وعندي ثقةٌ في أن هذا سيحدث عن قريبٍ بإذن الله، إما بتوبة المزورين، أو.. برحمةٍ من الله تخلصنا منهم أجمعين.

ahmadbelals@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الثاني/2010 - 23/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م