تجارُ الألعاب يسرقون بسمة العيد

نبيل نعمه الجابري

ثقافة الطفل جزء لا ينفصل عن ثقافة المجتمع، والأنشطة المهمة في مرحلة الطفولة تمثل محاكاة لنشاطات المجتمع، والمجتمع العراقي ومنذ عقود مرت، خيمت عليه ظاهرة العنف بكل صنوفها، نتيجة الحروب التي خاض غمارها، وسعي الحكومات المتعاقبة على توطيد ثقافة العسكرة والاقتتال بين صفوف أبنائه.

 وما زاد من أمر تعاظم هذه الظاهرة، الأحداث التي عاشها العراق بعد سقوط اللانظام، إثر مروره بموجة عنف هي الأوسع، وتعاظم دور الماكنة الإعلامية لتهويل الأحداث، وبثها لمجريات عمليات القتل والتفجير، إضافة إلى الدور الذي تقوم به أجهزة الأمن الداخلي وقوى الدفاع من أعمال مداهمات وتفتيش، كل تلك العوامل أثرت وبشكل سلبي في طفولة الطفل العراقي الذي راح ينظر إلى عالم الكبار نظرة أعجاب، دعته لتقليد مجريات الواقع الذي يعمل على قبر البراءة، وقتل الطفولة.

 شغف الأطفال بتقليد الواقع، جعلهم يقعون في شِباك جشع تجار اللعب، الذين دفعتهم أطماعهم لسوق براءة أبنائنا في حرب جديدة هي الأخطر على الإطلاق، وذلك باستيرادهم أحدث ما أنتجته ترسانة الألعاب العالمية والصينية منها على الحصر، من سيوف، ومسدسات، وبنادق، ورمانات يدوية، وقاذفات، وبنادق قنص مزوّدة بمؤشرات ليزيرية، وملابس مارينز، وشتى أنواع الأسلحة المطابقة تماماً من حيث الشكل والمضمون للأسلحة التعبوية التي تستعمل في الحروب، والتي دأب أطفالنا إلى رؤيتها، وإمعان النظر في طريقة استعمالها، سواء كان ذلك عن طريق الواقع أو من خلال شاشات التلفاز، وما تعرضه القنوات الفضائية..

 وقد حرصت أسواقنا على تجهيز أكبادنا بالعتاد اللازم لخوض المعارك والمداهمات مع أقرانهم في الأزقة والأفرع، استغلالاً لتأثر الأطفال بالواقع وحرصهم على اقتنائها، وكونها تحقق إيرادات مالية مضمونة، وبعيدة عن المراقبة من قبل الجهات المسئولة سواء من قبل المنظمات الحكومية أو المنظمات غير الحكومية.

 هذه الأسلحة تؤدي في كل موسم لإصابة المئات من الأطفال - حسب الإحصاءات الصحية - بإصابات بالغة، وفي مناطق حساسة من الجسم، وينظر منظرو علم النفس إليها سايكلوجياً، بأن لها أثراً مستقبلياً في صياغة شخصية الطفل، وتكوين الاتجاهات والميول، ونظرتهم إلى الحياة القابلة؛ لذا فأن الاستمرار في شراء هذه الألعاب، واستخدامها المستمر من قبل الأطفال، سوف سيؤدي إلى تنشئة جيل يميل إلى العنف والقوة والخشونة.

 ومن أجل أن نخلق جيلاً نعوّل عليه في بناء ناهض مرتقب، على الكل تقع مسؤولية الحد من هذه الظاهرة، ابتداء من الجهات التشريعية، وسعيها للوقوف وقفة صارمة بوجه جشع التّجار، عن طريق سن القوانين، ووضع الضوابط لاستيراد ما يمكن أن يحقق فائدة لأطفالنا بعيدا عن ثقافة العسكرة والاقتتال، ومروراً بالحكومات المحلية، ودورها في بث البرامج ونشر الإعلانات، وعقد الندوات الخاصة بهذا الأمر، ومنظمات المجتمع المدني، وقنوات الاتصال الإعلامي، متمثلة بالفضائيات، والصحف، والدور الكبير الملقى على عاتق الأسرة، ثم المدرسة، والمجتمع، للوقوف بوجه التحديات التي تعرض عالم الطفولة إلى هزات كبيرة، وتعمل على العبث بعقولهم البريئة، ما لم تجد حلولاً جذرية شاملةً، تُسهم في استبدال ثقافة العنف، والتخلص من رواسب الفترات التي مرت وما زالت تمر على أبناء هذا الشعب، لذا نحن نرى:

1- على منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون الطفل والمجتمع، الوقوف بوجه جشع تجار سلاح قتل ابتسامة الطفولة، عن طريق إقامة المزيد من المؤتمرات، وعقد الندوات التي تهدف إلى إبعاد الطفل عن أجواء العنف، والحد من ظاهرة تسليح الأطفال بلعب الحروب، وتقديم رؤى وتصورات إلى التّجار للإتجار بشراء لعب تنمي لدى أطفالنا حسّ الخَلق والإبداع.

2- على المدرسة بوصفها حاضنة ثانية للطفل، إشاعة ثقافة السلم، والابتعاد عن العنف، وحض الأطفال- قبل مواسم الأعياد - على عدم شراء تلك اللعب، وإطلاق حملة مدرسية كبرى تتبناها مديريات التربية في المحافظات، لإتلاف اللعب العسكرية، وتوزيع شتلات ورود بدلاً عنها، يقوم الأطفال بزراعتها في مقتربات الطرق والأماكن العامة.

3- على قنوات الاتصال الجماهيري والإعلامي وبكل صنوفها، أن تبدأ بحملة واسعة، مكفولة من قبل دوائر الدولة المعنية بخلق ثقافة الطفل العراقي الجديد، عن طريق بث برامج علمية، وأخرى تثقيفية، موجهة للأسرة والمجتمع، تعمل على توعيتهم، لابتياع ألعاب تبعث على التعلم والتأمل لدى الطفل.

4- على الأسرة يقع الدور الأكبر في مراقبة الأبناء، وترويضهم على اقتناء اللعب التي تنمي المواهب والأفكار.

5- الإيعاز إلى أجهزة الدولة الأمنية، بالتقليل من إظهار المظاهر المسلحة، خصوصاً في قلب المدن التي تشهد تواجداً سكانياً واسعاً، وبالقرب من المدارس والمناطق السكنية.

 نعتقد أن العمل بهذه الأمور، سيقلل من تزايد تأثر الطفل العراقي وولعه المفرط في اقتناء الألعاب العسكرية، وبذا تنتفي حاجة التّجار لإغراق السوق بهذه اللعب، وسيتوجهون لخلق ترسانة أخرى أكثر براءة، تستجيب لما سيرغب به الطفل، لا العكس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/تشرين الثاني/2010 - 23/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م