من خلال رد فعل ذكي ونبيه بامتياز اجاب رئيس جمهورية العراق جلال
طالباني احد الصحفيين، في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد زيارته مقر
الهيئة السياسية لمكتب الشهيد الصدر مساء السبت 27-11-2020، بعد أن
سأله، بخبث او ببراءة، عن الوزارات التي ترغب كتلة التحالف الكردستاني
في أن تكون من حصتها، فكان جواب طالباني
للصحفي" أنا رئيس جمهورية العراق وليس رئيس التحالف الكردستاني وأنا
ألبس العباءة العراقية وأمثل الجميع وليس التحالف فقط ويجب توجيه هذا
السؤال للأخوة في التحالف الكردستاني."
الجواب ال" طالباني" هذا على سؤال الصحفي يمكن ان يرسم لنا خارطة
طريق لمستقبل الحكومة المقبلة التي سيشكلها السيد نوري المالكي خلال
اسبوعين كما قال في مؤتمره الصحفي الاخير بمشاركة جميع الكتل السياسية
التي حققت فوزا كبيرا في الانتخابات الاخيرة، والتي سوف تكون مكوّنة من
وزراء يُفترض فيهم صفة النزاهة والكفاءة التي افتقر لها الكثير من
الوزراء في المرحلة السابقة.
ان جواب طالباني آنف الذكر يشير بوضوح الى شروط العمل الحكومي
الصحيح والامثل في البلدان الديمقراطية الحديثة التي من المفترض ان
يتسامى فيه الموظف الحكومي، صغيرا كان في احدى مؤسسات الدولة ووزاراتها
او كان وزيرا مرموقا، فوق ميوله الطائفية والاثنية ويعمل من اجل وطنه
وفي سبيل شعبه الذي يجب ان لاينسى انه انتخبه ووضعه في مكانه الذي هو
فيه.
الهويات الثانوية وما يتشظى عنها من تمظهرات في الحكومة العراقية
يجب ، كما يؤدي اليه مضمون جواب طالباني، ان تتراجع لصالح هوية وطنية
شاملة لا تستثني فردا من العراقيين ولا تقتصر على فئة او شريحة معينة
من شرائح المجتمع العراقي دون غيرها، فهي " جامعة مانعة " اذا جاز لنا
استعارة هذا اللفظ المنطقي وحشره في المجال السياسي الذي يستوعب امثاله
على نحو منهجي واجرائي.
فلا ينبغي، وفي حقيبة الكتل السياسية هذه التجربة السياسية التي
خرجت الى رحم الوجود العراقي بعد 2003 وتضمّخت بالدم وتعطرت بجراح
العراقيين ، ان نكرر ماحدث من اخطاء جسيمة، بل أكاد أسميها خطايا
كارثية، في مجال اختيار بعض المسؤولين لقيادة البلد ممن عملوا لصالح
مصالحهم الذاتية أولا واقربائهم ومعارفهم ثانيا واحزابهم وكتلهم
السياسية ثالثا وطوائفهم ومذاهبهم رابعا ونسوا وتجاهلوا شيء اسمه الوطن
وكائن مستضعف اسمه المواطن العراقي الذي ذاق ويلات مريرة لايتحملها فرد
اعتيادي في هذا العصر .
الاهتمام بالهويات الأولية والأساسية للإنسان الوطني واعتبارها
محددات فعليه لعمله ومسارات واعية لاهدافه وخرائط واضحه لبرامجه لايعني
باية حال من الاحوال التنصل من هوياته الثانوية الاخرى او الغائها
وإشاحة بصره عنها، فالاخيرة ترسم صورة لحياته الشخصية التي يجب ان
يميّزها عن حياته الاخرى وهو يخوضها في خضم وجوده في وطن يحتاج منه
العمل لصالحه .
ان فحوى كلام الرئيس طالباني المتعلقة بكونه رئيسا للعراق وليس
التحالف الكردستاني ينبغي ان يتطاير مضمونها على جميع رؤى السياسيين
الذين يستلمون مناصب في الدولة العراقية والحكومة المقبلة، فلا نريد ان
يكون السيد نوري المالكي رئيسا لائتلاف دولة القانون وهو يعمل في
الحكومة، ولانرغب ان يكون السيد اسامة النجيفي رئيس تجمع عراقيون
المنضوي في القائمة العراقية، بل نريد من الاول ان يكون رئيسا لوزراء
العراق ومن الثاني رئيسا للبرلمان العراقي وكلا الموقعين مسؤولين عن
العراق كله وليس ائتلاف معين محصور بمجموعة طائفية او عرقية او قومية
معينة.
" العباءة العراقية " بحسب وصف طالباني يجب ان يلتحف بها قادة
العراق الجدد في المرحلة القادمة ويعملوا وفقا لمقاساته بعد ان يضعوا
جانبا ردائهم الاصلي ليمنحوه إجازة مؤقتة لحين انهاء مهام عملهم الرسمي
في الدولة العراقية التي تحتاج لرجالات وقامات بطولية عالية تمسح عن
جبين ارامله وايتامه ومساكينه سنوات القحط والظلم السياسي الذي عاشوها
في تلك الأزمان .
[email protected] |