بين عيدين... عن السلوك الديني للمسلمين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يوم الخميس الماضي احتفل المسلمون الشيعة بعيد الغدير، وقبل ايام منه انهى المسلمون، سنة وشيعة، احتفالهم بعيد الاضحى المبارك، سواء في مدنهم او في كعبتهم المقدسة.

تشكل الاعياد والمناسبات الاسلامية المتنوعة وما يرافقها من طقوس وشعائر، اضافة الى الطقوس والشعائر التي يمارسها المسلم على مدار العام، فرصة للمراجعة والتأمل والتفكر سواء على المستوى الفردي في حركة المسلم في حياته او على المستوى العام، مؤسسات او مجموعات او جمعيات.

هذه الفرصة للمراجعة تتيح لنا تامل ذواتنا من الداخل عبر معرفتنا بأنفسنا ومعرفة الله اولا، ومن الداخل باتجاه الخارج ثانيا عبر علاقتنا مع الاخرين وصولا الى تجسير علاقتنا بالله عبر هذا الاخر.

هذه العلاقة والتي يمكن ان نسميها علاقة (الداخل – الخارج) تتأثر وتؤثر في سلوكنا الديني الذي يستمد ايقاعه من جملة تعاليم اخلاقية، او هكذا يفترض، من جوهر الدين الذي يدين به الانسان، وهنا اتحدث عن المسلمين.

لكن المفارقة هنا، ان سلوكنا الديني وكما يشي به الواقع اليومي المعاش يشكل خرقا فاضحا لهذا التلازم المفترض.

وهو خرق يستمد احيانا تبريراته من الدين نفسه الذي يعتقد المسلمون انه يمثل قراءتهم المتفردة له ولجوهره.

فمن يفجر نفسه في اسواق المسلمين ويقتل العشرات منهم يقول في وصيته الاخيرة انه ينفذ وصايا الدين، ومن يسرق المال العام لا يجد غضاضة في ايجاد مسوغ شرعي من الدين لفعلته، وكذا من يمارس انواعا اخرى من المحرمات او الانتهاكات الاخلاقية الاخرى لا يتورع عن الزج باسم الدين فيما يفعل.

ينبع السلوك الديني من مفهومين من مفاهيم التدين، هما : الاعتقاد الديني، والممارسة الدينية، وغاية الدين، أي دين، توجيه سلوك الناس.  وقد انشعل الكثير من المفكرين والفلاسفة بموضوعة الدين وعلاقته بالسلوك.

فقد رأى ماكس فيبر ماكس فيبرفي كتابه الأخلاق البروستانتينية وروح الرأسمالية، عند دراسته للأنماط المثالية التي تحدد طبيعة تصورات الإنسان وإدراكاته ومواقفه السلوكية في المجتمع (أنه على رأس هذه الأنماط المحددة للسلوك الموجهة للفعل توجد القيم الأخلاقية والدينية).

ومن ثم يعتبر الدين من الظواهر البارزة في المجتمع التي لها تأثير هام في الحياة الاجتماعية فبقدر ما يحدث عند الفرد حوافز النهضة لترقية حياته (فإنه يقيم جماعة متينة البناء، قوامها الإخاء والاستواء والتضامن والولاء، ثم يحقق صلاح ذات البين، في المجتمع بإقامة موازين العدالة والأخلاق وتأسيس ضوابط السلوك الاجتماعي كقاعدة صلبة تضمن حسن الالتزام) كما يذهب الى ذلك حسن الترابي في كتابه (الإيمان وأثره في حياة الإنسان).

وهذا ما ذهب إليه ايضا ابن خلدون في المقدمة بكون الديانة (تؤلف القلوب وتوجهها إلى وجهة واحدة وتذهب بالتنافس والتحاسد وتؤدي إلى اتفاق الأهواء وتحمل على التعاون والتعاضد).

وقد ذهب عالم الانثروبولوجيا مالينوفسكي في هذا الصدد الى التفريق بين الغرض من الدين ووظيفة الدين، بقوله (أن الغرض من الدين هو عبادة الإله، بينما إشباع الحاجات الإنسانية هو وظيفة الدين)، ويؤكد دوركايم في هذا الإطار على المراقبة الاجتماعية للأفراد باعتبارها أمرا ضروريا لا محيد عنه حتى لا ينهار المجتمع جراء وفرة الحرية، ومن ثم فالدين يساعد على وعي الأفراد بأنفسهم كمجتمع أخلاق تسوده قيم عامة، فهو يضفي القدسية على معايير وقيم المجتمع (فليس هناك مجتمع مجرد من جسم القوانين والممنوعات والمقدسات، إن هذه الأشياء الأخلاقية هي التي تكوّن فيه الجوهر، لأن التفوق الأخلاقي في المجتمع على الفرد هو الذي يقدم خاصة كاملة سليمة ومقبولة) عبد الكريم غريب، سوسيولوجيا التربية.

 ومن ثمة فالخروج عن هذه القيم والمعايير الجمعية يطلق عليه دوركايم (فقدان المعايير) ذلك المفهوم الذي ظهر بوضوح في مؤلفه عن الانتحار.

لقد ذكر القرآن الكريم عدة مسائل أخلاقية اصطلح على تسميتها (فضائل أو رذائل) من خلال ثلاثة طرق:

1 - طريقة الاستنكار والإدانة، وفرض عقوبات عليها مثل القتل والسرقة والزنا، وتكوين عصابات مسلحة تقطع الطريق وتهديد الناس، وذكر الناس بالباطل أو التشكيك في أنسابهم وفي سمعة آبائهم وأمهاتهم.

2 - طريقة القول أو التقدير إن هذه الصفة أو تلك ليست من أخلاق المؤمنين ففي عدة آيات قرآنية يرد أن المؤمن لا يسرق أو لا يزني أو لا يقتل أو لا يخون أو لا يكذب أو لا يمارس استغلال حاجة الناس من طريق الربا.

3 - طريقة ذكر فضائل إنسانية عامة مثل العدل والشورى والسلوك المعتدل في الإنفاق والإحسان إلى المحتاجين، والوداعة في التعامل معهم حتى لو أساءوا، ويعدّ القرآن هذه الفضائل الأخلاقية أموراً عسيرة على النفس لأنها تخالف هوى الإنسان وأنانياته الفردية، ولذلك فإن النفوس الكبيرة والقوية فقط هي التي تستطيع القيام بها.

تتحد طبيعة وجود الانسان في هذه الحياة الدنيا من خلال مستويين هما:

علاقة الانسان مع ربه، وعلاقته مع الاخرين، في العلاقة الاولى يلتزم المؤمن بفعل الخير وانتهاج كل سلوك حسن بحكم التزامه مع الله اي التزامه بالخير احتسابا وطلبا للثواب من الله.

على المستوى الثاني يلتزم المؤمن انتهاج السلوك الحسن مع الناس بمقتضى الشراكة الانسانية مع الاخرين شراكة الخلافة وشراكة اعمار الارض.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/تشرين الثاني/2010 - 21/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م