تركيا... بين حجاب الحكومة وتبرج الجيش

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تثير الحكومة التركية الحالية جدلا كبير في الاوساط السياسية الداخلية نظرا لجراتها في طرح العديد من القضايا الاجتماعية الحساسة، خصوصا فيما يتعلق بهوية البلاد والحريات الدينية، التي كانت من ابرز المسائل تعقيدا نظرا سيما انها تتعارض مع رؤية الجيش التركي الساعي الى ديمومة الصفة العلمانية للدولة والتغييب القسري لأي رمز اسلامي يبرز في المجتمع، وخصوصا مسالة ارداء الحجاب في المؤسسات الرسمية والجامعات على حد سواء.

الا ان حكومة اردوغان استطاعت بشكل تدريجي تمرير بعض القوانين التي تنتصر لحرية الاديان دون اثارة مشاكل ذات اهمية قد تسبب التصادم مع الجيش، على الرغم من تصاعد الاصوات المعارضة لتلك التشريعات، التي لم تفلح في ثني الحكومة لوقف اجراءاتها على ذلك الصعيد.

فيما تبدو مظاهر الارتياح بادية على اغلب طبقات المجتمع التركي، سيما ان اغلبيته يعتنق الديانة الاسلامية، مما اتاح لها هامش اكبر في ممارسة تعاليمها الدينية بعد عقود طويلة من الحظر.

ثورة هادئة

حيث لن تضطر بشرا جونجور الطالبة في السنة الاولى بالجامعة لوضع شعر مستعار على رأسها لاخفاء حجابها مثلما فعلت كثيرات من قريباتها وصديقاتها المتدينات لتجنب طردهن من الجامعة.

ففي قرار تاريخي أمر المجلس الاعلى للتعليم في تركيا في مؤخرا جامعة اسطنبول وهي واحدة من أكبر الجامعات في البلاد بمنع المدرسين من طرد الطالبات اللائي لا تلتزمن بحظر الحجاب من الفصول الدراسية.

ويمثل هذا القرار أحدث حلقة في نزاع سياسي وقانوني في تركيا بين من يعتبرون الحجاب رمزا لعقيدتهم الاسلامية ومن يعتبرونه تحديا للدستور العلماني للبلاد.

قالت جونجور (18 عاما) التي غطت شعرها بحجاب أخضر اللون "كنت مستعدة لوضع شعر مستعار تماما مثلما فعلت ابنة خالتي... هذا الامر يتعلق بالحرية. لا أرى سببا يجعل حجابي يمثل تهديدا لاي أحد."

وهذا الجدل لا يقتصر على تركيا فحسب .. ففي فرنسا وكوسوفو على سبيل مثال هناك حظر على ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية وفي أجزاء من المانيا هناك أوامر بمنع المدرسات من ارتدائه.

لكن القضية تتعلق بجوهر الهوية الوطنية في هذا البلد الذي يقطنه 75 مليون مسلم والذي تأسست الدولة الحديثة به كجمهورية علمانية متشددة بعد الحرب العالمية الاولى.

ويمثل النزاع حول الحجاب وغيره من الرموز الاسلامية الظاهرة جزءا من جدل أوسع نطاقا حول الطريقة التي يمكن بها التوفيق بين الحداثة والتقاليد في الوقت الذي تحاول فيه تركيا تحقيق طموحها الذي يعود الى عشرات السنين في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

والى جانب النظام القضائي فان الجيش التركي -ذا التاريخ الطويل من التدخل في السياسة والذي أطاح بأربع حكومات منتخبة- يعتبر نفسه منذ فترة طويلة حائط الصد في مواجهة أي عودة لمظاهر اضفاء الطابع الاسلامي على البلاد. لذلك فان التخفيف من غلواء القوانين العلمانية في تركيا لم يكن واردا قبل عدة سنوات.

لكن الاصلاحات التي تهدف الى تقريب تركيا من الاتحاد الاوروبي أدت الى الحد من سلطات قادة الجيش. وفي مؤشر على مدى التغير الذي يحدث للتأثيرات والمواقف العامة فان أحدث تغيير فيما يتعلق بارتداء الحجاب في الجامعة لم يصاحبه صخب عال كالمعتاد بل مجرد اعتراضات محدودة.

قال الكاتب محمد علي بيراند في مقال بعنوان "دعهم يرتدين ما يردن" معلقا على الامر "انها نفس المعركة التي تجري في تركيا منذ 80 عاما حول قضية العلمانية والتدين."

وأضاف بيراند "لقد تغير العالم. لقد تغيرت تركيا. لابد من طي هذه الصفحات القديمة والتطلع للمستقبل."

وأشعلت محاولة من حزب العدالة والتنمية الحاكم لرفع الحظر المفروض على الحجاب قبل ثلاث سنوات أزمة سياسية كبرى وكادت أن تؤدي الى اصدار المحكمة الدستورية أمرا بحل الحزب بسبب ممارسته أنشطة مخالفة للدستور.

لكن صعود طبقة جديدة من المسلمين المتدينين أصبحت تشكل الركيزة الاساسية لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية الذي يتولى السلطة منذ عام 2002 ساعد على ضعف الافكار القديمة.

وقال ارجون أزبودون وهو خبير دستوري في مأدبة غداء أقميت مؤخرا مع سفراء الاتحاد الاوروبي والصحفيين "تحتاج تركيا لايجاد علاقة جديدة بين الدولة والدين."

وأعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان -الذي فاز في استفتاء في الشهر الماضي على اصلاحات دستورية ترعاها الحكومة- خططا لقانون أساسي جديد تماما.

ومع حدوث التحولات يخشى بعض العلمانيين أن يؤدي تنامي التيار المحافظ في المجتمع والضغوط الاجتماعية الى اجبارهم على تغيير نمط حياتهم وأيضا تبني الحجاب.

وقالت بيجوم يلدز (18 عاما) التي كانت تدخن سيجارة أمام مدخل الجامعة "لا أعتقد أننا سنشعر بضغط لتغطية رؤوسنا هنا في اسطنبول لكني أعتقد أنه ربما يكون هناك احتمال في أغلب الجامعات بمدن الاناضول."

وقالت طالبة أخرى لم تذكر اسمها "لا أريد رفع الحظر. أعرف الكثير من الفتيات اللائي تجبرهن أسرهن على ارتداء الحجاب ويخلعنه في الجامعة. بالنسبة لهن الجامعة مكان للشعور بالحرية."

وقالت بينار جيديك التي تدرس اللغة العربية وتضع حجابا وردي اللون ان هذا الحظر ما زال مطبقا في بعض الكليات.

ومضت تقول "يمكن أن أحضر فصولا دراسية بالحجاب الان لكنه ما زال محظورا في الكثير من الاقسام. ما زال الضغط قائما."

وعلى الرغم من أن رموز الاسلام أصبحت أكثر شيوعا في الحياة العامة فان الحساسيات ما زالت قائمة. على سبيل المثال فان حديث الساعة في الوقت الراهن هو ما اذا كان القادة العسكريون والساسة العلمانيون سيحضرون حفل استقبال يوم 29 أكتوبر تشرين الاول في القصر الرئاسي بمناسبة العيد الوطني.

رفع الحظر

من جانب آخر حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على تأييد محدود من منافسيه على رفع حظر على ارتداء الطالبات والموظفات الحكوميات للحجاب بينما حذرت محكمة من انتهاك الدستور العلماني.

ولم يتمكن حزب العدالة والتنمية من اقناع حزب الشعب الجمهوري العلماني بالانضمام الى لجنة لحل واحدة من أكثر القضايا الخلافية في البلاد قبل انتخابات متوقعة في يونيو حزيران المقبل في تركيا المرشحة للانضمام للاتحاد الاوروبي.

وقال بكير بوزداج رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية في مؤتمر صحفي " طالبنا بتشكيل لجنة دون أي شروط مسبقة أو تحيزات."

وتتعلق قضية الحجاب بشدة بالهوية الوطنية في تركيا التي تسكنها أغلبية مسلمة والتي تطبق دستورا علمانيا منذ قيام الدولة التركية الحديثة من تحت عباءة الامبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى.

ومنعت المحكمة الدستورية محاولة من حكومة العدالة والتنمية لرفع الحظر المفروض على الحجاب قبل ثلاث سنوات وكانت هذه المحاولة على وشك أن تؤدي الى حل الحزب بسبب مزاولة أنشطة منافية للعلمانية.

وعقب اجتماع للاحزاب السياسية أصدرت محكمة الاستئناف العليا بيانا على موقعها على الانترنت تحذر فيه من التلاعب بالمباديء العلمانية للدولة التركية الحديثة التي أسسها كمال أتاتورك عام 1923 .

وقالت المحكمة "الاعتراف باستخدام الحجاب على أساس المعتقدات الدينية عند تحديد المظهر اللائق لدى طلبة الجامعات ينتهك مباديء العلمانية من خلال استخدام المباديء الدينية كأساس لتنظيم متعلق بجهة حكومية."

ويحظر ارتداء الحجاب في الجامعات لكن بعض الجامعات بدأت تخفف من القيود في السنة الدراسية التي بدأت في سبتمبر أيلول وكذلك في المدارس الحكومية لكن الطالبات في المدارس الدينية غير الحكومية يمكنهن ارتداؤه.

كما ان الموظفات الحكوميات ممنوعات من ارتداء الحجاب الذي بخلاف ذلك يعتبر شائعا في تركيا ومن أشهر الشخصيات التي ترتديه زوجة كل من رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والرئيس عبد الله جول.

ويعتقد منتقدون أن حزب العدالة والتنمية يسعى لتحقيق أهداف اسلامية. وينفي الحزب ذلك ويشبه نفسه بالاحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا المحافظة في القضايا الاجتماعية والليبرالية في القضايا الاقتصادية.

وسيسعى حزب العدالة والتنمية للفوز بفترة ولاية ثالثة في الانتخابات المقررة في 2011 . واستنادا الى الاغلبية التي حصل عليها الحزب والتي بلغت 58 في المئة في استفتاء حول مجموعة من الاصلاحات الدستورية في الشهر الماضي فان أمامه فرصا طيبة للفوز.

ومن تلك الاصلاحات التي صدرت موافقة بشأنها الطريقة التي يجري بها تعيين كبار القضاة.

ويتعهد أردوغان باعادة صياغة الدستور التركي ككل اذا ظل متوليا للمنصب في العام القادم وقال ان الدستور الجديد سيكون انعكاسا للحقوق والحريات لكل قطاعات المجتمع.

الرؤية الاسلامية

في السياق ذاته اثار رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ردود فعل مستهجنة من خلال احجامه عن التعليق على ارتداء الحجاب في المدارس التركية مع التأكيد ان هذه المسالة الاشكالية ستشكل احد عناوين حملته في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وقال "لدي رؤية مختلفة جدا حول الحريات" الفردية، ردا على سؤال للصحافيين الذين سألوه عن رأيه في تصريحات السيدة الاولى (وهي محجبة) في تركيا التي اعربت عن معارضتها لارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية. والتعليم الابتدائي الزامي في تركيا بين سن السادسة والثالثة عشرة.

وترتدي خير النساء غول زوجة الرئيس عبد الله غول منذ المراهقة الحجاب تماما كزوجة اردوغان امينة وزوجات وبنات عدد كبير من القادة في حزبه الاسلامي المحافظ (العدالة والتنمية). بحسب فرانس برس.

وقالت غول "الحجاب لا يمكن ارتداؤه في المدرسة الابتدائية"، منتقدة الاهل "الجهلة" لكثير من الطالبات اللواتي ذهبن الى مدارسهن مرتديات الحجاب في الفترة الماضية بهدف تحدي الحظر الصارم على الحجاب في مرحلة التعليم الابتدائي.

وأيد الرئيس غول موقف زوجته، مدافعا عن منع ارتداء الحجاب في تركيا المسلمة ذات النظام العلماني.

لكن مع رفضه اعلان موقفه المؤيد او المعارض للسماح بارتداء الحجاب في كافة مراحل التعليم، "قام اردوغان بكشف السر: هو يتمنى ان يتم السماح بارتداء الحجاب في المدرسة"، بحسب المعلق الصحافي محمد يلمظ في صحيفة حريات.

ولمح اردوغان، الذي يقود تركيا منذ العام 2002، الى ان الجدل بشان ارتداء الحجاب سواء في الجامعات او في المدارس او في الوظائف العامة سيكون احد عناوين الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية المرتقبة في حزيران/يونيو 2011.

واشار الى ان "الانتخابات التشريعية المقبلة مهمة للغاية (...) سنكافح مع شعبنا ليتم بوضوح اخذ هذه المسألة في الاعتبار"، من دون الافصاح عن الطريقة التي يأمل ان تتعاطى بها النصوص القانونية مع الموضوع.

ودفع حزب اردوغان ثمنا غاليا قبل عامين لقاء قانون سعى الى تشريع ارتداء الحجاب في الجامعات: فقد تم اعتبار هذا القانون مخالفا للدستور وافلت حزب العدالة والتنمية من قرار حله بسبب ممارسته "انشطة معادية للعلمانية".

ويرى العلمانيون، ومنهم الجيش والقضاء، في الحجاب تحديا للعلمانية كما يخشون اي تدبير قد يؤدي الى تخفيف تدابير منعه في الادارات والمدارس. ويؤيد غالبية الاتراك، بحسب استطلاعات الراي، ارتداء الحجاب في الجامعات.

وبالاستناد الى الدعم الشعبي لتعديلاته الدستورية الليبرالية المقرة عبر استفتاء في ايلول/سبتمبر، نجح حزب العدالة والتنمية بتليين المنع الذي يطال ارتداء الحجاب في الجامعات بفضل خطوة امام مجلس التعليم العالي، وهي المؤسسة التي كانت تفرض في السابق علمانية متشددة الا ان حزب العدالة والتنمية ادخل تعديلات عليها.

وبرأي كمال كيليشدار اوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي يظهر حساسية ازاء تفسير العلمانية في البلاد، فإن اردوغان "سيستخدم" مسالة الحجاب في حملته الانتخابية، التي قد تفضي بحال فوز حزب العدالة والتنمية - الذي لم يخسر اي انتخابات منذ العام 2002 - الى "الدستور المدني" الذي وعد به للحلول مكان الدستور الحالي الذي املاه العسكريون بعد الانقلاب العسكري عام 1980. وقد يفتح النص الجديد الباب امام الحجاب في تركيا.

الجيش وحجاب السيدة الاولى

الى ذلك رفض الجيش التركي المشاركة في حفل استقبال اقيم في القصر الرئاسي بسبب الحجاب الذي كانت ترتديه السيدة الاولى، في قرار انتقده رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي ترتدي زوجته الحجاب ايضا.

وكان كبار مندوبي الجيش ابرز المتغيبين عن حفل الاستقبال الذي اقامه الرئيس عبدالله غول في مناسبة عيد الجمهورية للاحتفال بذكرى انشاء تركيا الحديثة والعلمانية في 1923.

وقد اقام الجيش احتفالا منفصلا في الموعد المحدد للاحتفال في القصر الرئاسي، فتوافرت للجنرالات ذريعة حتى لا يلبوا دعوة رئيس الدولة.

وذكرت الصحف ان حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي ديموقراطي) ابرز احزاب المعارضة العلمانية، لم يلب ايضا دعوة الرئيس.

وترتدي خير النساء غول الحجاب الذي يغطي الرأس والعنق منذ مراهقتها. ويعتبر العلمانيون ومنهم الجيش ان الحجاب تحد للعلمانية ويتخوفون من اي تدبير قد يضعف حظره في الادارات والمدارس. وترتدي غول وامينة اردوغان وزوجات عدد من قياديي حزب العدالة والتنمية الحجاب. بحسب فرانس برس.

وانتقد اردوغان الذي يترأس حكومة اسلامية محافظة منذ 2002 الجنرالات، مؤكدا ان "القوات المسلحة كان يجب ان تكون حاضرة هنا" في القصر الرئاسي.

وكان الجنرالات يشاركون في السابق في احتفال عيد الجمهورية، لكن الرئيس وجه هذه السنة دعوة لزوجات المشاركين، مما يعني انه كان في استطاعة المحجبات المشاركة في الاحتفال.

وغول مسؤول سابق في حزب العدالة والتنمية الذي يسعى منذ وصوله الى الحكم الى رفع الحظر المفروض على الحجاب في الادارات العامة والجامعات.

مصممو الازياء الاسلامية

على صعيد متصل، في حي امينونو المزدحم باسطنبول تظهر نساء بمعاطف وأوشحة داكنة مربوطة تحت الذقن جنبا الى جنب مع نساء أخريات يرتدين ألوانا زاهية وحجابا متأنقا وملفوقا بعناية حول الوجه.

قبل نحو 20 عاما لم يكن لهذا المظهر المتأنق للملتزمات دينيا وجود في تركيا. لكن اليوم أصبح للحجاب مناصرين من أعلى المستويات مثل خير النساء زوجة الرئيس عبد الله جول وأمينة زوجة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

ما زال الحجاب يمثل في تركيا أحد أكثر القضايا اثارة للجدل في كل تفاصيله.. من الطريقة التي يجري بها ربط الوشاح الى سلوكيات من ترتديه وهي قضية تزخر بالمعاني في هذا البلد الذي تسكنه أغلبية مسلمة لكنه علماني من الناحية الرسمية.

تحول الحجاب من تغطية الرأس بشكل بسيط -الذي كان شيئا موصوما في السنوات الاولى من قيام الجمهورية التركية باعتباره يدل على الرجعية والاصول الريفية- الى زي متأنق وسلعة رائجة بصورة كبيرة وهو يجسد تحديا يواجه النخبة العلمانية في تركيا يتمثل في ظهور طبقة جديدة من المسلمين الملتزمين دينيا.

قال الباسلان اكمان وهو مسؤول تنفيذي عن انتاج وتسويق ماركة "أرمين" للمحجبات "كان من الصعب العثور على أزياء أنيقة للمحجبات قبل عشر سنوات.. لكن الازياء للملتزمات دينيا أحرزت تقدما هائلا خلال السنوات الست أو السبع الماضية."

وتشتهر ماركة أرمين بحملاتها الاعلانية ذات التأثير الكبير.. اذ يجري تعليق ملصقات هائلة في قلب حي الحانات والملاهي الليلية في اسطنبول حيث تتعارض بشدة صور عارضات الازياء المحجبات مع السائد في المنطقة.

وتجمع هذه الماركة من الازياء بين الاوشحة ذات الالوان الزاهية والمعاطف الفضفاضة والياقات الانيقة والازرار الكبيرة والاكمام المموجة.

السعر المعتاد للمعطف نحو 200 ليرة تركية (143.2 دولار) بينما يبلغ سعر الوشاح نحو 50 ليرة.

وقالت فيليز البيرق (30 عاما) التي تعمل في متجر لبيع الاوشحة باسطنبول "نحن أكثر حظا من الاجيال السابقة.. لدينا تصميمات وألوان أكثر للاوشحة يمكن المفاضلة بينها."

وتقول دراسة أجريت عام 2007 ان نحو 69 في المئة من نساء تركيا يرتدين غطاء الرأس بطريقة ما وان 16 في المئة يرتدين الحجاب الذي يلتف باحكام حول الرأس والعنق.

ويشير مصطفى كارادومان مؤسس دار أزياء "تكبير" عام 1982 الى التحديات القائمة في المجتمع ويأمل في تحقيق المزيد من النمو.

وقال "كان عملنا مبتدئا للغاية في العقد الاول. ثم في عام 1992 نظمنا أول عرض أزياء للاوشحة والذي حقق لنا اهتماما عالميا. أصبحت الان الازياء الاسلامية محل اهتمام في أنحاء العالم."

وهو يعتزم فتح المزيد من المتاجر الى جانب 90 متجرا في تركيا وعشرة في الخارج. كما أن لدى أرمين خطط مماثلة للتوسع.

وقال اكمان "نحن نشطون للغاية فيما يتعلق بالاهداف." وأضاف ممازحا "سأقول أننا نجحنا عندما يأتي اليوم الذي يتساءل فيه الناس.. من أرماني هذا.. لابد أنه تقليد لارمين" في اشارة الى أزياء أرماني الايطالية الشهيرة.

وقدرت صحيفة ميليت اليومية التركية أن قيمة سوق الملابس الاسلامية نحو 2.9 مليار دولار.

ووفر النمو الاقتصادي السريع للكثير من الناس دخلا أكبر للنفقات الشخصية في حين أن زيادة الوعي السياسي بين طبقة صاعدة من الملتزمين دينيا أدت الى انتشار الحجاب بينما تسعى هذه الطبقة لايجاد صوت مسموع لها في المجتمع.

وأصبح للمظاهر الدينية وجود أكبر في المجتمع بعد انقلاب عسكري عام 1980 وكان يجري التهاون معها باعتبار أنها تحقق توازنا مع الافكار اليسارية.

قالت ازلم سانديكجي وهي أستاذ مساعد للتسويق في جامعة بيلكنت بأنقرة ان النساء من سكان المدن بدأن يرتدين معاطف فضفاضة منزلية الصنع وأوشحة كبيرة باعتبارها وسيلة للتعبير السياسي.

وأضافت أن الازياء أصبحت تدريجيا أكثر أناقة وذات ألوان زاهية في الوقت الذي أصبحت فيه الملتزمات دينيا يرغبن في أن يكون لهن وجود ظاهر في المجتمع.

وأردفت قائلة "لدى لتركيا بالفعل معرفة بصناعة الملابس. لذلك فعندما بدأت النساء يرتدين الحجاب أصبح من الواضح أن أنشطة تجارية يمكن أن تظهر وأن تمدهن بما يحتاجن اليه. بدأت هذه الشركات الصغيرة تنمو وأصبحت أطرافا لها نفوذ متزايد."

أصبح الان المسلمون المحافظون يبدون غضبهم من تحويل صناعة الازياء الاسلامية للحجاب الى سلعة في حين أن العلمانيين المتشددين يقولون ان هذه الملابس ملفتة للنظر ولا تدل كثيرا على التواضع الذي من المفترض أن يرمز اليه الحجاب.

وقالت سانديكجي "التواضع من المتطلبات لكنه ليس المتطلب الوحيد... من المفترض أيضا أن تبدي النساء مظهرا حسنا حتى تكن قدوة ونموذجا ايجابيا للاسلام."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تشرين الثاني/2010 - 20/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م