القائد السياسي: الامام علي إنموذجا

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: السياسة بحر عميق، لا يمكن أن يخوضه كل من يرغب في ذلك، بل لابد أن تتوافر فيه مواصفات خاصة، تمكّنه من النجاح في أداء دوره، لكي يكسب رضا الله تعالى اولا، ورضا الناس الذين يسوسهم، ولكن في ظل التركيب النفسي الغرائزي المتداخل للنفس البشرية، سيكون من الصعب على السياسي ان يحقق وظيفته القيادية بنجاح ما لم تتصف شخصيته بالصفات التي تساعده على النجاح.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام):

(السياسة بحث واسع مترامي الأطراف، وبحر عميق عريض لايبلغ غوره وسواحله إلا القليل القليل.. فهي كيفية إدارة شؤون الناس في السلم والحرب، والأخذ والعطاء، والشدة والرخاء، والاجتماع والافتراق، وغير ذلك. وإذا علمنا أن الناس كما يختلفون في أشكالهم، وألوانهم، ولغاتهم.. كذلك: يختلفون في أذواقهم، وعقولهم، وعواطفهم. ويختلفون في إدراكهم، وفهمهم، وتحليلهم. ويختلفون في خلفياتهم، ونظراتهم، ومعطياتهم. فبين شباب لا ثقة لهم بفكر الشيوخ. وبين شيوخ لا ثقة لهم بتجلد الشباب. ومن هنا تلعب الأهواء، والميول، والاتجاهات.. في هذا المجال أدوارها الفعالة بين حسد، وغبطة، وتنازع على الصعود، وغير ذلك الكثير.. والكثير.. والكثير..).

لهذا السبب لايمكن أن ينجح الانسان في دوره السياسي القيادي، ما لم يتحصّل مسبقا على القدرة في التحكم بنفسه وقيادتها، بدلا من أن يحدث العكس، بمعنى اذا فشل القائد بمسك زمام نفسه والتحكم برغباتها، فإنه سيفشل قطعا ويتحول الى عبد للسلطة، وسرعان ما يصبح طاغية، لايعرف سوى مصالحه الشخصية والعائلية والحزبية، حتى لو تحقق ذلك على حساب ملايين الضحايا!

ولهذا لابد للسياسي المعاصر في الدول الاسلامية أن يتخذ له انموذجا يتعلم منه ويسير على خطاه، وأمامنا التجربة القيادية الخلاقة لأمير المؤمنين علي (ع) إذ يمكن الأخذ بها ودراستها والتبحر في مناهجها لكي يتسنى للسياسي المعاصر تحقيق وظائفه ازاء الناس، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه:

(كانت سياسة أمير المؤمنين عليه السلام العملية خير درس للقادة وللمسلمين في تطبيق حياتهم العملية السياسية عليها، كما كان ذلك بالنسبة لرسول الله صلی الله عليه و آله).

ولعل الخطوة الجوهرية التي ينبغي أن يتخذها السياسي هي حالة الايثار ونكران الذات وتفضيل الآخر على نفسه وذويه ومعيته من الحاشية او غيرهم، ونبذ الامتيازات الدنيوية التي تطيح بالقائد وتدفعه نحو الحضيض شاء أم أبى، فتحصين النفس من حب الدنيا بالطرق اللامشروعة هو السور الحصين الذي يحمي القائد السياسي من السقوط والفشل في أدائه لمهامه، في هذا المجال يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(ما كان أهون عند علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا وما فيها. فالمال، والحكم، والسلطة، والفرش، واللباس، والقصور، والأكل، والشرب.. كلها عند علي عليه السلام لا شيء، إلا بمقدار الحاجة الضرورية).

فحين تؤول الامور والاموال للقائد وتصبح بين يديه وطوع رغباته، هنا لابد له من الحذر من هذا الفخ، ولابد له من مراعاة حقوق الرعية، فالمال العام هو حق للامة ولعامة الناس، والتجاوز عليه من قبل القائد او بدفع منه، إنما يمثل خطوة اولى وخطيرة نحو الانزلاق في مهاوي الفشل الذريع، لهذا يجب أن يتعفف القائد النموذج عن السقوط في هذا الامتحان العسير، وقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه حول هذا الموضوع قائلا:

(أربع سنوات أو أكثر قضاها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والبصرة، وهو الرئيس الأعلى للبلاد الإسلامية الواسعة الأطراف. خلال هذه المدة الطويلة لم يشتر من مال المسلمين ثياباً لنفسه، ولم يأخذ من أموال البصرة والكوفة شيئاً لذلك. بل ظل على ثياب المدينة كل هذه المدّة الطويلة، إلا إذا اشترى من عطائه الخاصّ كأضعف مستضعف من مسلم آخر في طول البلاد الإسلامية وعرضها).

إن هذه القدرة على ردع النفس للحاكم او القادة عموما هي التي تمنحهم النجاح ومحبة الناس وثقتهم، فكلما كانو أكثر زهدا بمزايا الحياة والسلطة، كلما كانوا أكثر سموّا وتقديرا من قبل الامة واكثر قربا الى الله تعالى، ولهم في شخصية وسيرة الامام علي (ع) انموذجا خالدا في هذا المجال، إذ يقول المرجع الشيرازي في كتابه القيم نفسه:

(في الوقت الذي عمت الخيرات بلاد المسلمين وبفضل الإسلام، فكان المسلمون وغير المسلمين يرفلون في نعيم من الطيبات. وكانت الكوفة ـ عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ لا تجد بها إلا المنعَّم من الناس. في مثل هذا الظرف تجد سيد الكوفة، وسيد البلاد الإسلامية، وزعيم الإسلام: أمير المؤمنين عليه السلام لا يأكل حتى ما يأكله أدنى الناس).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تشرين الثاني/2010 - 20/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م