قراءة في كتاب: الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد

 

 

 

 

الكتاب: الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد- democracy in plural societies

الكاتب: آرنت ليبهارت

الناشر: معهد الدراسات الاستراتيجية

عدد الصفحات: 383 من القطع الكبير

ترجمة: حسني زينة

قراءة: عدنان عباس سلطان

 

 

 

 

شبكة النبأ: يطرا السؤال لدى بعض الناس عن معنى الانتخابات اذا كان الفاعل هو التوافقات وان اوراق الناخبين ليس لها الاهمية الرئيسية في حسم الفوز الذي يمثل ارادتهم. فيبدو السوال كانه يعني المحاصصة كصيغة لدونية التوافقات، وعدم جدوى الانتخابات الا بكونها شكلا اجرائيا صوريا. والحقيقة يمكن طرح سؤال مغاير ومضاد للسؤال الاول : هو كيف نستطيع تمييز شكل ومسوغات الحكم دون الانتخابات ؟. وفي المسافة بين السؤالين المتضادين يمكننا ان نرى جدوى الانتخابات والديمقراطية في ظل التعدد الفئوي والمناطقي الذي يحمل الخصائص المتعددة والمنوعة لمجتمع بعينه. الانتخابات تسعى الى تحقيق الامان واوراق الناخبين هي الفاعلة في اللعب تماما كاوراق القمار فمن خلال تداولها بحسب قوتها الانتخابية أي بمعنى عدد الناخبين ومقدار ما تحرزه من مقاعد في البرلمان فانها تشكل للمرشحين قوة ضغط وقوة تمثيل وقوة لعب وعلى اساسها تتم الصفقات ذلك لانها يمكن ان تستعمل بمرونة كافية وهذا ما يهيء ظروف نجاحها بدرجة معقولة لتنال موافقة الجميع. واذن فان الانتخابات تكون بمثابة رصيد مادي مشابها لرصيد لاعب القمار فبدون هذا الرصيد لايمكن ان يجلس على طاولة اللعب. وناتي الى الانتخابات واهميتها وانها ليست نافلة بل ان لها الاهمية القصوى في العملية السياسية وانها لاتهمل تحت جناح التوافقات ويبقى الناخب هو المؤثر الحاسم في النتائج من خلال اللعب بالاصوات الانتخابية.

الاصوات الانتخابية لايمكنها ان تعطي نتائج مباشرة في ظل مجتمع متعدد بل تخضع لكثير من الفعاليات والتداولات والاتفاقات وبرم صفقات وهي عكس مجتمع لايزيد انقسامه عن طرفين مختلفين كالنموذج الامريكي مثلا اذا زعمنا بانه من طرفين فعلا في هذه الحالة يمكن ان تحسم اصوات الناخبين امر النتائج اما للجمهوريين او الديمقراطيين. وسيكون احد الطرفين في موقع المعارضة. فهذه الحالة يحكمها المنطق الاجتماعي ترضي الاطراف التي اعتادت العمل الديمقراطي منذ زمن بعيد.

والحقيقة العملية في هذا التمايز والتعدد لايمكن ان نستجيب الى المسائل المنطقية أي منطق ايها من يربح الاصوات يتم تنصيبه للشان العام. من كانت له الاصوات الاكثر هو الرابح حيث ان الواقع قد يخرج على المنطق نفسه طالما ان الديمقراطية تسعى الى رضى كل الشركاء من خلال التوافق فحتى المشتركات مثل اللغة والدين والوطن لاتعمل بصورتها الكلية وانما يدخل في تفاصيل ذلك امور اثنية ثقافية دقيقة ودينية دقيقة مثل الطوائف والمناطق والتحديدات التاريخية والسلطات الحاكمة في مدى عمر من الزمن وقد يدخل التهميش التاريخي لمناطق معينة في هذا التمييز واللون المجتمعي. كذلك عدم الاعتياد على الوضع والتجارب الديمقراطية التي تعد حديثة العهد بها.

وليس كل الناس من يرضيهم المنطق ذلك لوجود هويات فرعية وفرعية من فرعية تتحكم بالقبول والرضى او الرفض والاعتراض.

فالديمقراطية اصلا تقوم على الرضى وهي ليس ضد التعدد والاختلافات والالوان المجتمعية فمن خلال الرضى يمكن تحقيق اعلى نسبة من السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي واعطاء الفرصة لكل صوت مختلف او متمايز للمجتمعات المتعددة. فالانتخابات واوراقها قد لاتكون كافية لبلوغ ذلك الرضى. فالانتخابات حتما ستفضي الى رابح وخسران ويكون من المؤكد ان الخسران وان هو يعد بالمنطق السياسي معارض وينتظر جولة اخرى الا انه يظل يشعر بعدم الرضى ومن الممكن ان يقوض العملية السياسية ويضع لها العراقيل ولن يكون بمستوى جهتين يحكمان الوضع في دولة اخرى، ففي هذه الحالة يكون الاثنين متنافسين ويعدان السياسة لعبة تقبل الخسارة كما تقبل الربح، والوضع مختلف تماما في دولة تتعدد بها الالوان المجتمعية اذ الخسارة تعني القهر والتهميش وان اوراق الانتخابات لايمكن ان تمسح الضغينة المتولدة ويفضي الامر الى عدم القبول بالنتائج التي تمخضت عنها الانتخابات. والانتخابات لن تكون الفيصل الوحيد في هذا المضمار.

واذن فان التوافقية تعد ضرورية ولازمة لمجتمع متعدد الفوارق وهي شرط رئيسي من شروط نجاح الديمقراطية لمجتمع له هذه التعددات.

وقد تفضي التجارب الانتخابية في ظل التوافقات بمرور الزمن الى عبور المرحلة التوافقية وهذا رهين بمدى الوعي الاجتماعي وعبور السياسيون حالة الاضداد الى حالة المتنافسين وعد النشاط الانتخابي نوعا من اللعب الذي يقبل الخسارة والربح وتبادل المواقع من المعارضة الى الشان العام الفاعل في الحكومة. عندما تترسخ هذه المفاهيم وتتشابك المصالح الاجتماعية وتتوزع التنمية بشكل عادل فان الشعور سيحظى بتبدلات اجتماعية مفاهيمية كبيرة سيخمد التمايز الخاص تحت عباءة المشتركات الكبيرة وهذا بالطبع سيستدعي زمنا طويلا من الحياة الديمقراطية في ظل دستور قابل للتعديل وفق مصالح المجتمع بصورة عامة ويخضع للمتغيرات ويؤصل لنهج متحضر في اهدافه البعيدة. وتتحول التعددات من كونها تعددات لها خطاب السياسي حاد الى نهج روتيني متسامح ومنفتح على الآخر بصورة مرضية. وهو المؤمل للشان العراقي على الاقل ان استطاع السياسيون فهم معنى المستقبل وحاولوا جاهدين من اجل ان يحصل.

ولكن رغم ان هذه التاملات من وجهة نظرنا تاملات طوباوية لكنها ممكنة لو واتتها الظروف الجيدة. ولكن التجربة الديمقراطية لايمكن ان تعد بالنجاح او الفشل، ذلك لان الظروف في بلد متعدد الطوائف والالوان المجتمعية سيكون من الصعب عليه ان يصل الى اقصى حالات الديمقراطية ومن الاحتمالات التي تقع في طريق تطبيقها الفيدراليات او الحكم الذاتي وللامركزية او الانفصال، فالديمقراطية غير مصونة ضد هذه الاحتمالات وخصوصا ان لم يكن بالمستطاع السيطرة على التمايزات. وظهور مطالبات حازمة وشديدة لاتخاذ هذه الاشكال الديمقراطية في الحكم. كما هي حالة كردستان العراق.

فتجربة النمسا وبلجيكا والنيذرلاند وسويسرا تقدم امثلة ملموسة لقدرة الديمقراطية التوافقية على ان تكون نظاما مستقرا وفعالا للحكم في مجتمعات تعددية.

ان التوافقية ان لم تكن الا مرحلة عابرة في تطور هذه البلدان الاوربية الاربعة فهي ليست ظاهرة مجردة تستحق الانتباه لاهميتها التاريخية فحسب وانما استطاعت ان تكون انظمة حكم مستقرة في مجتمعاتها شديدة الانقسام.

ففي دراسة تناولت 114 تنظيما سياسيا وجد بان36 بالمائة من التنظيمات السياسية ذات التعددية المعتدلة و 15 بالمائة من التنظيمات السياسية متسمة بالتعددية الظاهرة او المفرطة يمكن اعتبارها متعددة السلطات بينما اتسمت 58 بالمائة من هذه التنظيمات السياسية ذات المستوى المنخفض من التعدد الثقافي. فعلى وجه التحديد فان الكثير من البلدان غير الغربية مبتلاة بالمشكلة المتمثلة في الانقسامات الحادة وعدم الاستقرار السياسي. فالديمقراطية التوافقية نموذج تجريبي ومعياري في الوقت نفسه فهي تستخدم في المقام الاول بمثابة تفسير للاستقرار السياسي في عدد من الديمقراطيات الاوربية.

فالديمقراطية التوافقية بحسب تعريف ليمبروخ بانها ستراتيجية في ادارة النزاعات من خلال التعاون والوفاق بين مختلف النخب بدلا من التنافس الخصومي الحاد. وهي تحقق الاعتدال والاستقرار السياسيين وتتحاشى الثورة والانحطاط. وفي ظل التوافق يمكن للاطراف ان تتشاحن بامان وان تختلف بمرونة وان تتفق بلا ضغينة. وهذا الامر على السياسيين ان يفهموه جيدا وهو امر صعب لكنه يمكن ان ينجح تحت ادارة السياسي نفسه. اذ لابد من الشعور القوي بجدوى التعاون بين قادة القطاعات على الرغم من الانقسامات العميقة التي تفصل بين القطاعات وهذا يستلزم ان يشعر القادة بشئ من الالتزام بصون وحدة البلد وبالممارسات الديمقراطية بروحية الحل الوسط والاعتدال ولا بد لهم في الوقت نفسه الاحتفاظ بولاء اتباعهم ودعمهم فعلى النخب ان تقوم بحالة توازن صعبة وعليهم ايضا ان يكونوا اكثر اتصافا بالتسامح من اتباعهم ويبذلون جهدا كبيرا في ان يكونوا قدوة ليجاريهم اتباعهم بصورة سلسة وطوعية.

وطبعا لايقصد بالاتباع سواد الناس ممن لايعنيهم الامر ولا يتفاعلون معه أي الاتباع السالبة وانما اولئك الاشخاص الناشطين الادنى من النخبة. وان يتعامل الشركاء السياسيون من اجل النجاح لان الفشل سيكون كارثيا على الجميع في اية حال.

الديمقراطية التوافقية هي السبيل المتاح لممارسة الاستقرار المعقول وان كانت تمسك بعض العيوب والمتمثلة ببطئ التنمية والجهد التنموي الاقتصادي ذلك لانحياز الموارد بما يرضي المجتمع آنيا ولمعالجة ذلك فلا بد من تحسين الموارد ليتاح لها ان تمضي بخطين متوازنين ومتصاعدين على نسق واحد لإدامة الاستقرار.

كتاب الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد لمؤلفه آرنت ليبهارت يقع بـ 383 صفحة من القطع المتوسط يحتوي على الاقسام التالية بعد المقدمة:

1ـ المجتمعات التعددية والانظمة الديمقراطية.

وفيه رد على المتشائمين من التجربة الديمقراطية التوافقية وهو عرض اولي عن الديمقراطيات في العالم الاول وعن فصل السلطات والانظمة الحزبية.

2 ـ الديمقراطية التوافقية.

الائتلاف الواسع والفيتو المتبادل والاستقلال القطاعي والانفصال ومساوئ التوافقية.

3 ـ الظروف المواتية للديمقراطية التوافقية.

وفيه توازن القوى والانظمة المتعددة، وبنية الانقسامات والولاءات المتقاطعة، تقاليد التوافق.

4 ـ عناصر توافقية في ديمقراطيات غير توافقية.

انماط الانظمة الديمقراطية، والديمقراطيات المركزية واللامركزية، توافقية كندا.. واسرائيل.. وايرلندا الشمالية.

5 ـ الديمقراطية التوافقية في العالم الثالث.

التوافقية في لبنان.. وماليزيا.. ونيجيريا.

6 ـ المثال التوافقي كميراث استعماري.

نماذج المستعمرين، الديمقراطية البلجيكية.. الهولندي.. اندنوسيا.. جزر الانتل السويسري.

7 ـ الهندسة التوافقية.

اهداف بديلة، التخلف الاقتصادي، الانشطارات.

المؤلف آرنت ليبهارت استاذ فخري في العلوم السياسية في جامعة بال بالولايات المتحدة له اكثر من عشرة كتب في حقل الدراسات المقارنة للمؤسسات الديمقراطية.

المترجم حسني زينه كاتب ومترجم لبناني حاصل على ماجستير فلسفة من الجامعة الامريكية في بيروت له عدة مؤلفات وترجمات منها العقل عند المعتزلة، اطع الدولة ولا تنصرها، فكرة التاريخ عند العرب، وغيرها.

كتاب الديمقراطية التوافقية يحتوي على كثير من النماذج والتجارب الديمقراطية في العالم ولمحات من اخفاقاتها ونجاحها والاسباب التي تعاضدة في مآل تلك التجارب.

كتاب الديمقراطية التوافقية غني بالمعلومات والنصائح والعبر تهم المثقف والسياسي والناخب ايضا، ومن الضروري الاطلاع على مضمونة الثري بالمعرفة.

Idnan_123@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تشرين الثاني/2010 - 18/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م