لقد بات الإنسان المسلم اليوم تتقاذفه اتجاهات فكرية متعددة وليست
هذه الاتجاهات بين الإسلام وما يقابله من المنظومات الفكرية الأخرى
كعلاقة الإسلام بالماركسية أو الرأسمالية وما أنتجته من مفاهيم
كالليبرالية والعولمة وغيرها وإنما اتجاهات داخل الجسد الإسلامي أفرزت
قراءات متعدد ومواقف متباينة إزاء جملة من الأطر الشرعية التي يتحرك
الإنسان المؤمن في حدودها ويلتزم بها ومنها (مشروعية الجهاد).
فثمة من يرى بان وجوب الجهاد أمر ثابت وليس هنالك تقيد لأساليبه أو
تحديد لجنس القائمين به وآخر يتفق مع التأصيل الشرعي لمبدأ الجهاد ولا
يمانع من استعمال بعض الوسائل طالما تمكنه من تحقيق هذا الفرض إلا انه
يتحفظ على بعضها. وثمة رأي ثالث يختلف في حدود الجهاد من حيث الإطلاق
والتخصيص والتنفيذ والتكليف اعتقادا منه بخطورة إطلاقه لذلك يجب التأمل
في نصوصه ومداليله والغوص في مفهومة وتحليله لاسيما بعد راجت ثقافة
الاستسهال من بعض التنظيمات (الجهادية) معتمدة بذلك على بعض النصوص
الشرعية والوقائع التاريخية التي يبدو في ظاهرها تأصيلا لهذا المفهوم.
ولخطورة هذا الموضوع وجدت من الواجب الشرعي أن أقف مع القارئ
الكريم على مجمل الأدلة التي اعتمد عليها مروجي ثقافة الجهاد (جهاد
المرأة) لاسيما بعد أن برزت في الآونة الأخيرة ظاهرت استغلال وتجنيد
النساء من قبل الجماعات المسلحة في العراق وبعض البلدان الإسلامية.
ومراعاة للموضوعية في البحث فقد ركزت على المصادر التي اعتمد عليها
منظري مشروعية جهاد المرأة كي تكون الزم للحجة وأقوى في البرهان
والإثبات.
في البدء وقبل الحديث عن موضوع جهاد المرأة وغطائه الشرعي لابد من
ان نعرج الى مفردة الجهاد لنقف على المراد منها وبيان حدودها وأصنافها
وتفصيلاتها ليتسنى لنا معرفة حدود التداخل أو الاقتراب من الجهاد
بالتوصيف العام وجهاد المرأة بالمعنى الخاص خصوصا وانه أصبح مثار جدل
وخلاف بين العلماء وأفضى إلى انقسامات بين مجيز ورافض بناءا على
الاختلاف في فهم بعض النصوص التي تأصل الى الجهاد كمفهوم عام وكذلك بعض
الشواهد والوقائع التاريخية التي كان للمراة حضورا فيها ونحن وأن كنا
نتفق معهم حول بعض هذه النصوص وأصلها الا اننا نختلف حول مضمونها
ودلالتها وكذا الحال مع الوقائع التي حصلت في زمن الرسول (صل الله عليه
واله وسلم) خصوصا أنها وردت بصيغ عامه ومجمله من غير تخصيص أو تحديد
لمفهوم يحمل مصاديق متعددة لذلك فهي تحتاج الى تقييد او تخصيص او قد
تكون مخصصة لمعنى مغاير لمفهوم الجهاد بالمعنى الذي اصطلح عليه من قبل
التنظيمات المسلحة، كما يتضح في السطور التالية.
الجهاد كما قال ابن منظور في اللسان هو من (الجـَهدُ و الجُهدُ:
الطاقة، تقول: اجهد جهدك) وقيل الجَهْدُ: المشقة والجُهْدُ: الطاقة،
وجاهد العدو مجاهدة وجهاداً، والجهاد: محاربة الاعداء وهو المبالغة
واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول او فعل وعرف ايضا بانه: المبالغة
واستفراغ الوسع في الحرب او اللسان، ويبدو من مجموع التعاريف اللغوية
لهذه المفردة ان الجهاد بكسر الجيم اصله المشقة وبذل الجهد في دفع شيء
او استخراج شيء معين سواء كان ذلك في الجانب المادي او المعنوي ولذا
ورد عن الرسول (صل الله عليه واله وسلم): (من اجتهد فاصاب فله اجران
ومن اخطأ فله اجر) ومن هذا يتضح ان الجهاد لفظ عام ينطبق على مصاديق
متعددة واحد منها هو أتعاب النفس وبذل الجهد في مواجهة العدو ولذلك
أصطلح على من يقاتل في سبيل الله (بالمجاهد في سبيل الله) وهذا الوصف
نفسه يستبطن جهادا اخر ولذلك اخرج العلماء اوصافا اخرى بعد ان قيد
الجهاد بـ (في سبيل الله) وهذا يشير وجود جهاد من نوع اخر قد لا يكون
في سبيل الله ومرضاته، ومن هنا اردنا ان نؤكد ان ذهاب البعض الى حصر
الجهاد بمواجهة الاعداء وبذل الجهد في قتال الكفار وكأن هناك تلازم
بينهما لا يتحمل مصداقا اخر بحاجة الى دليل يقيد او يخصص عموم اللفظة
لوجود أدلة كثيرة تتحدث عن عمومها.
ولذا فأن معنى الجهاد يتسع ليشمل موارد اخرى غير موارد الطعن
والنزال وذلك لوجود بعض النصوص التي تطلق على غير القتل (أسم
الجهاد)كما جاء في قوله تعالى:
1-(ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا*فلا تطع الكافرين وجاهدهم به
جهادا كبيرا) الفرقان 52.
2-(يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليــهم ومأواهم
جهــــــنم وبئس المصير) التوبة 3.
3-(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
وقد حمل اهل العلم هذه النصوص على انها في الدعوة الى الله سبحانه
وتعالى والعلم والعمل وقال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى (والذين
جاهدوا فينا اي جاهدوا الكفار فينا اي في طلب مرضاتنا) وكذلك قد ذكر
السعدي ان هذه الآية (والذين جاهدوا فينا.........) نزلت قبل فرض
القتال, كما ذكر ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي. وانما هو جهاد عام
في دين الله وطلب مرضاته, وقد وضع ابو سليمان الداراني اصنافا عدة
للجهاد بقوله: ليس المراد من الجهاد في الاية (والذين جاهدوا فينا....)
قتال الكافر فقط بل هو نصرة الدين, والرد على المبطلين و دفع الظالمين,
واَعظمه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومنه مجاهدة النفس في طاعة
الله, والذي يبدو من اراء المفسرين ان المراد من هذه النصوص هو الجهاد
الذي أقرب مصاديقه طلب مرضاة الله سبحانه وتعالى وهو مصداقا عاما يشمل
الجهاد (القتال) وغيره كنصرة الدين بالقول او الفعل او مجاهدة النفس من
خلال الالتزام بأوامر الله وطاعته وترك معاصيه.
وبناءاً على ما تقدم نستطيع ان نقسم الجهاد الى اربعة اقسام:
1- جهاد النفس: لايخفى ان جهاد النفس من أعظم المراتب وأهمها, لكونه
يشكل اللبنة الاولى التي تتفرع منها كل أنواع الجهاد الاخرى وكما ورد
ان النفس ان صلحت صلح ما سواها, ولجهاد النفس مراتب عدة.
أولا: ان يجاهدها في اتباع الهدى ودين الحق (الالتزام باوامر الله).
ثانيا: ان يجاهدها بالصبر والثبات على مشاق الدين وابتلاءاته (كالصبر
على ترك الحرمات وارتكاب المعاصي).
ثالثا: ان يجاهدها بالدعوى الى ما أمن به.
رابعا: ان يجاهدها في تحدي الشيطان ووسوسته.
2-جهاد الكفار والمنافقين) ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين
واغلظ عليهم).
3-الجهاد بالمال: ويعتبر من المراتب المهمة في عملية الجهاد نظرا
لارتباطه في جهاد النفس والشيطان حيث يفضي جهاد المال وانفاقه الى جهاد
النفس وتربيتها لان النفس مجبوله على الشح (كلا بل تحبون المال حبا جما),
فضلا عن جهاد الشيطان الذي يصدك ويبعدك عن فعل الخير والسير في مراتبه,
لذلك نجد اهتمام القرآن الكريم به اذ قرن بينه وبين جهاد النفس (الذين
آمنــــوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم).....التوبة
19
وتبعا لاصناف الجهاد التي ذكرت تختلف وسائل الجهاد أيضا. فتارة يكون
الجهاد بالقلب وأخرى باللسان او المال وأخيرا جهاد النفس.
الجهاد بالنفس:
أختلف العلماء في احكام الجهاد (الجهاد بالنفس) هل هو فرض عين أم
فرض كفاية, أم تطوع شرعي, فذهب بعضهم انه فرض عين في كل حال وعده أخرون
فرض عين في احوال مخصوصة وبخلافه يعتبر فرض كفاية كما في الحالات
الأتية.
الحالة الاولى: التي يكون فيها الجهاد فرض عين وهي:
1- اذا هجم العدو على بلاد المسلمين.
وقد ذكر القرطبي في الجامع: 8/151: (لو قارب العدو دار الاسلام ولم
يدخلوها لزم ايضا الخروج اليه, حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ
الحوزة ونجزي العدو ولا خلاف في هذا)
وقال البغوي ايضا: اذا دخل الكفار دار الاسلام فالجهاد فرض عين على
من قرب, وفرض كفاية على من بعد.
2- اذا استنفر امام المسلمين او ولي امرهم.
وبهذا يتعين على كل من شمله الاستنفار النهوض الى الجهاد بعينه ولا
يجوز له التخلف عنه اذا كان النفير عاما اما اذا كان خاصا بمعنى ان
الامام استنفر جماعة من الناس بعينها دون غيرهم ولم يكن هو منهم لم
يتعين عليه ذلك. بناءا على قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ما لكم
اذاقيل لكم أنفروا في سبيل الله أثاقلتم الى الارض) وايضا ورد عن رسول
الله (صل الله عليه واله وسلم) قوله: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد
ونيه واذا استنفرتم فانفروا) البخاري: 2825 ,مسلم: 1353.
وذكر الجصاص: (لو استنفرهم الامام مع كفاية من في وجه العدو من اهل
الثغور وجيوش المسلمين لانه يريد ان يغزو اهل الحرب ويطأ ديارهم فعلى
من أستنفر من المسلمين ان ينفر)
3- عند حضور الصف.
ويكون الجهاد في هذا المورد فرض عين لمن حضر الصف وساحة القتال حتى
لو لم يكن من اهل الفرض العيني فانه يحرم عليه الرجوع وترك الجهاد وقد
استدلوا على ذلك بالنصوص التالية:
- قوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا
تولوهم الادبار)
- قوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا
الله كثيرا لعلكم تفلحون)
الحالة الثانية:
ذهب اكثر العلماء الى اعتبار الجهاد فرض كفاية في اصله الا في حالات
خاصة كالتي ذكرت في الحالة الاولى. منها ما ذكره ابن النحاس في المشارع
(1/98): (اعلم ان جهاد الكفار في بلادهم فرض كفاية باتفاق العلماء).
وقال الدردير في الشرح الكبير (2/174): (الجهاد فرض كفاية) كما قال
ابن عطية في المحرر الوجيز(2/217): (واستمر الاجماع على ان الجهاد في
أمة محمد (صل الله عليه واله وسلم) فرض كفاية, فإذا قام به من قام من
المسلمين سقط عن الباقين الا ان ينزل العدو بساحة الاسلام فهو حينئذ
فرض عين).
ومما ذكر يتضح ان الجهاد في أصله فرض كفاية مالم يرد ما يخصص ذلك
ويحوله الى فرض عين, فاذا كان اجماع الائمة واقوال العلماء تنص على
كونه كفاية في اصله لا أدري كيف تحول اليوم (حسب رأي بعض) إلى فرض عين،
بمعنى واجب وجوبا عينيا واعتقد انهم ارادوا ادخال كل المسلمين في هذا
الحكم, اذ لم تستثنِ فتاواهم حتى المرأة التي سقط عنها التكليف في هذا
الجانب وزعموا ان الجهاد اذا كان واجبا وجوبا عينيا فقد وجب على المراة
المشاركة فيه, والقيام باقصى ما تستطيع من هجوم ودفاع واعمال اخرى. ولا
يقتصر دورها فيه على شيء معين ولا تتوقف مشاركتها فيه على أذن الزوج
لان فريضة الاعيان لا يملك الزوج منع الزوجة عنها وقد ساق دعاة هذا
الرأي مجموعة من الادلة تعضد هذا التوجه وتقويه حسب رأيهم ونخص بالذكر
منها.
1- قوله تعالى: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم) التوبة.41 وقد استدلوا
من هذا النص ان الله سبحانه وتعالى أمرنا بالجهاد بالمال والنفس,
والامر يفيد الوجوب ما لم يتم دليل على خلافة, والمرأة داخلة في عموم
الخطابات الدينية والتكاليف الشرعية كالرجل لا فرق بينهما.
2- قوله تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم وما تنفقوا من
شيء في سبيل الله يؤت اليكم وانتم لا تظلمون) الأنفال. 60 وجه الدلالة
في هذا النص ان الله سبحانه وتعالى امر المسلمين – ذكورا وأناثا –
بإعداد القوة لمدافعة الاعداء وقد جاءت كلمة القوة نكره لتفيد العموم
لذلك يجب على كل بالغ ذكر او انثى اعداد القوة بكل اشكالها وصورها
والتي تؤدي الى أعلاء كلمة الله سبحانه حتى وان استلزم ذلك التضحية
بالنفس.
3- ما ثبت عن رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) قبوله وإقراره
بمشاركة المرأة في بعض الغزوات بل وتأييده لها كما كان (صل الله عليه
واله وسلم) يخرج بالنساء في غزواته لفرض الجهاد, ففي صحيح مسلم عن انس
ابن مالك قال: كان رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) يغزو بأم سليم
ونسوة من الانصار معه اذا غزا, فيسقين بالماء ويداوين الجرحى وذكر ايضا
عن ام عطية الانصاري حيث قالت: غزوت مع رسول الله (صل الله عليه واله
وسلم) فنسقي القوم ونخدمهم, ونرد الجرحى والقتلى الى المدينة. وكذلك
يجوز للمرأة حمل السلاح والدفاع عن نفسها لو هاجمها العدو كما ورد في
الاثر في صحيح مسلم أن ام سليم اتخذت يوم حنين خنجرا فكان معها فرآها
ابو طلحه فقال يا رسول الله: هذه ام سليم معها خنجر فقال لها رسول الله
(صل الله عليه واله وسلم) ما هذا الخنجر؟ فقالت: أتخذته ان دنا مني احد
من المشركين بقرت به بطنه. فجعل النبي (صل الله عليه واله وسلم) يضحك.
4- عن الربيع بنت مسعود – قالت: كنا نغزو مع النبي (صل الله عليه
واله وسلم) نسقي ونداوي الجرحى ونرد القتلى الى المدينة.
5- عن انس ابن مالك – قال: كان رسول الله (صل الله عليه واله وسلم)
يغزو بأم سليم ونسوه من الانصار معه اذا غزا, فيسقين الماء ويداوين
الجرحى.
6- عن ام عطيه الانصاري قالت: غزوت مع رسول الله (صل الله عليه واله
وسلم) سبع غزوات اخلفهم في رحالهم, فأصنع لهم الطعام واداوي الجرحى
واقوم على المرضى.
وقد استدلوا من النصوص المتقدمة التالي:
• ان النصوص القرآنية فيها امر والزام بوجوب القتال وقد ورد الخطاب
في هذه النصوص بصيغة العموم مما يعني دخول المرأة في عموم الخطابات
القرآنية باعتبارها مكلفة كما ان الرجل مكلف على حدا سواء
• اما الاحاديث التي ذكرت فتمثل وقائع تاريخية تدل على جواز خروج
المرأة في الغزو كتلك التي حصلت في غزوات رسول الله (صل الله عليه واله
وسلم) ومشاركتها في الفتوحات الاسلامية التي تعد تأصيل لمشروعية حكم
الجهاد.
بعد ان تحدثنا عن مفهوم الجهاد وبيان مدى ارتباطه بجهاد المرأة
وعرجنا الى ادلة العلماء الذين أجازوا مشاركة المراة في القتال. اذن
لابد من مناقشة هذه الاقوال حتى تظهر الصورة واضحه وغير مشوها للمرأة
المسلمة لتعرف حدود تكليفها الشرعي.
اولا: ان الجهاد بشكله العام وجهاد المراة بشكل خاص فيه الفاظ عامة
تستبطن معان متعددة وصور كثيره لا يمكن حصرها في جانب من الجوانب وكل
ما ورد في القران الكريم من اشارة حول الجهاد شيء للتمييز بين عموم
الجهاد وخصوص القتال لان (ليس كل جهاد قتال), نعم الجهاد في الاصطلاح
الشرعي يقصد به القتال ولكنه كما يقال لا مشاحة في الاصطلاح. ولهذا فان
قوله تعالى (جاهدوا بأموالكم وانفسكم) يؤكد وجود نوعين من الجهاد
- جهاد المال: فقد قال ابن القيم الجهاد بالمال ففي وجوبه قولان:
الصحيح وجوبه, لان الامر بالجهاد به وبالنفس في القران. ومشاركة المرأة
بالمال من الامور التي لا خلاف عليها بعد ان وردت ايات قرانية واحاديث
كثيرة تحث على التكافل والتعاون بين المسلمين في حياتهم اليومية
وشؤونهم الخاصة , لذلك فهي في الحرب اولى. وهو ايضا يرتبط بالاستطاعة
والقدرة على الانفاق حيث (لا يكلف الله نفسا الا وسعها).
- جهاد بالنفس: ان التكاليف الشرعية لم تشرع الا لمن هو قادر
ومستطيع وهكذا جهاد بالنفس الذي هو واجب على اهله فهو واجب مع القدرة
على القتال كحكم الحج لمن استطاع اليه سبيلا.
والاستطاعة (في مورد القتال) في اغلب حالتها تكون بدنية لان القتال
في الحرب يحتاج الى قوه بدنية والى مشقه وهو مستوحى من اصل التسمية
والتعريف، والمرأة لاتمتلك هذه المواصفات في الغالب لطبيعة المرأة
نفسها وتركيبتها التكوينية والتكاليف لم تشرع الا وهي منسجمة مع قدرة
الانسان واستطاعته، وجواب الرسول (صل الله عليه واله وسلم) فيما ورد
يؤكد ذلك، فقد ورد عن عائشة انها قالت يا رسول الله هل على النساء جهاد
فقال الرسول (جهاد لا قتال فيه- الحج والعمره) وقد بين صاحب المغني ان
علة عدم وجوب الجهاد عليها بقوله (لانها ليست من اهل القتال لضعفها
وخورها). لذلك فان من شارك وقاتل من الرجال عرف ما يحتاجه المجاهد من
قوة وصبر ومشقة أثناء القتال يدرك تمام الحكمة في ان الله سبحانه خفف
عنهن ولم يفرض عليهن الجهاد.
ثم ان هذه النصوص التي اعتمد عليها دعاة مشاركة المرأة في القتال
ألم تكن واضحة لرسول الله (صل الله عليه واله وسلم) وهو القائل في اكثر
من مناسبه بعدم مشاركة المرأة في القتال وهو الكاشف عن مراد الله
سبحانه وتعالى كما ورد في حديث عائشة. كذلك وكما هو معلوم تاريخيا ان
رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) لم يقسم غنائم الحرب على النساء
كما قسمها على الرجال وهذا يدل على عدم مجاهدتهن بالفعل. فانه كان (صل
الله عليه واله وسلم) يرضخ لهذا ولا يقسم كما جاء في جواب أبن عباس
لنجدة كما ورد في صحيح مسلم عن يزيد بن هرمز ان نجدة كتب الى أبن عباس
يسأله عن خمس خلال, فقال أبن عباس لولا ان اكتم علما ما كتبت اليه, كتب
الي نجدة اما بعد فاخبرني هل كان رسول الله (صل الله عليه واله وسلم)
يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم؟ فكتب اليه ابن عباس ,كتبت تسألني
هل كان رسول الله (ص) يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى
ويجذبن من الغنيمة واما بسهم فلم يضرب لهن.......... مسلم 1812
لذلك من حيث الاثر لم يثبت مشاركة المرأة مشاركه فعلية في عملية
القتال واعني بذلك حملها للسلاح بل ولم يكن ذلك عرفا مقبولا لدى تلك
الاقوام واما ما ذكر من مشاركة بعض النساء على فرض صحتها فهي لا تعدو.
1- ان تكون مشاركة فردية وحالات خاصة استثنائية لا تشكل ظاهره
نستطيع ان ترتب عليها حكما شرعيا
2- ان هذه المشاركات التي ذكرت كأدلة فعلية مورست من قبل بعض النساء
هي مشاركات اقتصرت على مداواة المرضى والجرحى لذلك لا يمكن الاعتماد
عليها كادلة في بناء حكم شرعي يتعلق بالدم لان قتل النفس من أشد
الكبائر والمنكرات في الاسلام ولذلك لا يعقل ان يترك أمر بهذه الخطورة
الى وقائع تاريخيه صدرت من بعض النساء وهي لا تزال محل خلاف في ثبوتها
ودلالتها أليس من الاولى ان يترك الامر احتياطاً طالما انه يحتمل النفي
والاثبات , الم يترك الصحابة تسعة اعشار الحق مخافة الوقوع في الخطأ في
موارد اقل بكثير من ازهاق الارواح وقتلها كما ثبت ذلك عنهم في الاثر.
اما ما ذكر من قصة أم سليم فهو امر اقر ه العقل قبل الشرع خصوصا
وانه متعلق بوجوب الدفاع عن النفس (وليس اقرار لاصل القتال) عند
مهاجمتها وهذا لا علاقة له بأصل الجهاد والقتال في المعركة ومتن الحديث
يؤكد ذلك بقوله (اتخذته ان دنا مني احد من المشركين بقرت بطنه) فواضح
هناك شرط وجوابه من ظاهر الحديث وظواهر الالفاظ حجة كما يقال.
كما ان الحديث يشير الى خلاف ما ذهبوا اليه اذ يؤكد ان حمل السلاح
لم يكن امراً معروفاً او مقبولاً بدليل (الاستفهام الانكاري) الذي
ابداه الصحابة ومنهم ابو طلحة عندما شاهد ام سليم ومعها خنجر حيث قال (هذه
ام سليم معها خنجر), واكده ايضا انكار الرسول بقوله (ما هذا الخنجر)
والانكار لا يأتي لامر معروف او مشاع وانما لامر غير مألوف ومقبول لذلك
لا يصح القياس على وقائع كهذه.
ثانيا: عند متابعة آراء ومواقف الجماعات المسلحة من جهاد المرأة
ومشاركتها وخصوصا تنظيم القاعدة الذي يعتبر الحاضنة الام للتنظيمات
السلفية الاخرى يجد ان موقفها الاخير من مشاركة المرأة لم يخضع لامر
وضوابط شرعية وانما أقرب ما يكون الى تكتيك سياسي افرزته المرحلة
للاسباب التالية:
أ – ادبيات التنظيم ومواقف قادته وافراده من المرأة وحسب قادة هذا
التنظيم فان دور المرأة يقتصر على تربية الاطفال وهذا الذي اكده أيمن
الظواهري حسب قناة فوكس نيوس الامريكية في معرض رده على سؤال وجه اليه
من احدى النساء حول دور المراة في الخلايا الجهادية عبر شبكة الانترنيت
فقال: انه لا توجد نساء في المجموعات الجهادية وان دور المرأة يقتصر
على الاهتمام بالاطفال في البيت. كذلك ما صدر عن احمد ياسين مؤسس حركة
حماس يعكس رؤية هذه التنظيمات للمرأة ودورها فقد تحدث تعليقا عن
العملية الانتحارية التي نفذتها (وفاء ادريس) بقوله: ان دور المرأة في
هذه المرحلة يجب ان يكون الحفاظ على الاسرة وتربية النشء التربية
الجهادية الصحيحة. كما ان هناك مقولة مشهورة للملا عمر زعيم طلبان
بخصوص المرأة (ان المرأة تخرج مرتين, مره من بيت اهلها الى بيت زوجها,
واخرى من بيت زوجها الى المقبرة) توضح رؤية هذه الجماعات حول المرأة
وتوجزها.
وعلى القارئ اللبيب ان يتأمل في اقوالهم هذه كي يستطيع ان يحدد رؤية
هذه الجماعات للمرأة وموقفهم منها, خصوصاً ان ما صدر منهم اليوم يعد
انقلاباً لثوابت هم يؤمنون بها وخير دليل ما جرى في دولة طالبان بالامس
القريب وما صدر من احكام بحق المرأة تقضي بمنعها من التعليم والعمل
والتسوق والمشاركة بالانشطة الرياضية او الاجتماعية وبإيجاز فأنهم
فرضوا عليها شبه الاقامة الجبرية في ظل هكذا احكام تحت دعوا منعا
للاختلاط والمحافظة عليها وبعد ذلك انفسهم يفتون بوجوب جهاد المرأة
ومشاركتها بالقتال!!
ب – وهناك ثمة سؤال يطرح اذا كان للمرأة المجاهدة هذه المنزلة
العظيمة والثواب الكبير كما يدعون قادة هذه الجماعات واتباعهم فلماذا
لم يقدموا نساءهم وبناتهم ليشاركن في نيل هذا الثواب ولماذا يحرمونهن
منه!؟ ام ان هناك مآرب اخرى! ثم لو كان لجهاد المرأة تأصيل شرعي في
القران او السنة يجيز مشاركة المرأة في القتال لماذا عملت هذه الجماعات
بالضد منه تماما والى وقت ليس بالبعيد كما حصل في (دولة طالبان),
بالاضافة الى ذلك فاننا عند متابعة هجرة المقاتلين الى ارض الجهاد كما
يدعون لم نجد حضورا للمرأة يرافق هجرة الرجال سواء كان ذلك في
أفغانستان او العراق بل على العكس منه تماما حيث لم تشكل المرأة رقما
يذكر مقابل أعداد الرجال الهائلة التي تتدفق يوميا كما هو حاصل في
العراق. اذ لم تسجل الجهات الامنية العراقية اختراقا للنساء عبر حدود
العراق باعتبارهن مجاهدات طيلة السنوات الست بعد مرحلة التغيير وخصوصا
الوافدات منهن من خارج البلد والذي يبدو ان ذلك يعود الى الاسباب
التالية:
1- ان يكون ذلك لعدم قناعة المرأة بل ولعدم اعتقادها بوجوب التكليف
في موضوع الجهاد.
2- ان تكون مقتنعة بهذا التكليف ولكن منعتها الجماعات نفسها من
المشاركة في هذا النوع من العمليات وهذا ايضا ايضا يحتمل امرين:
الأول: اذا كانت هذه الجماعات مسلمة كما تدعي فكيف جاز لها ان تمنع
شخصاً مكلفاً من اَداء تكليفه اذا كانت مؤمنة بوجوبه كما يبدو من
ادبياتها في الفترة الأخيرة فضلا عن كونها تدعي انها تمثل خطا اسلاميا
يفترض ان يدفع ويشجع على اداء الواجب لا منعه اذا كان ذلك واجبا حسب
زعمهم؟
الثاني: لو كانت هذه النساء تملك القناعة التامة لوجوب مشاركتها
باعتباره حكما شرعيا يجب الالتزام به لما رضخت لموقف هذه التنظيمات
لانها لا يجوز ان تمتنع عن حكما يرتب اثما كبير كما انها وبمنطق العقل
لا تترك فعلا يجلب منفعة و (ثواب عظيم) ثم أليس من الاولى ان تلتزم
بالقاعدة الشرعية (لا طاعه لمخلوق في معصية الخالق) لا ان تستسلم
لرغبات هذه الجماعات المسلحة وتترك ثوابا يناله الرجل دونها بالرغم من
انطباق هذا التكليف عيهما في هذا الموضوع.
ومع ذلك فان مشاركة المرأة في هذا النوع من العمليات لا يزال محل
رفض من اغلب الفقهاء والعلماء. وان هناك شبه اتفاق عام على رفض مشاركة
المرأة في هذا النوع من العمليات وقد استثنى بعضهم مشاركتها في الحالات
التي لا قتال فيها.
ج – كما هو معلوم ان رد المفاسد مقدم على جلب المنافع ولا يخفى ان
في مشاركة المرأة بالعمليات العسكرية محاذير عدة: كالاختلاط والتبرج
ولباس فاضح وخلوات محرمة وسفر بلا محرم...... الخ من المحرمات والمفاسد
التي لا يجوزها الشارع, ويدركها كل عاقل يعرف المتطلبات العسكرية
ابتداء من مرحلة التدريب والاعداد والتواجد مع هذه الجماعات في حصونها
ومواقعها وانتهاء بالمواجهات الفعلية وهذا الامر لا يرضى فيه مسلم يخشى
الله سبحانه ويعرف احكام دينه ولذلك حتى العلماء الذي اجازوا مشاركة
المرأة في اعداد العدة وتهيئة الطعام ومعالجة الجرحى فقد اشترطوا ان
يرافق المراة التي تخرج للجهاد محرم وان تكون مستورة ملتزمة بالحجاب
بالرغم من كون اغلبهم اشترطوا في وجوب الجهاد الشروط التالية:
1-الاسلام
2-البلوغ
3- العقل
4- الحرية
5-الذكورة
6-السلامة من الضرر
7-وجود النفقة
وقد دل على هذه الشروط ما ذهب اليه علماء المذاهب الاربعة في فتواهم:
الاحناف:
قال الكاساني في البدائع: (7/98): (ولا جهاد على الصبي والمرأة لان
بنيتهما لا تحتمل الحرب عادة).
المالكية:
قال الدسوقي في حاشيته: (2/175): ولا يلزم الصبي والانثى وهذا اذا
لم يعينا او عينا غير مطيقين والا لزمهما).
وقال العدوي في حاشيته (2/4): (وهو فرض كفاية على الحر الذكر المحقق
العاقل البالغ القادر لا على أضدادهم).
الشافعية:
قال الشافعي في الأم: (4/162): (فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في
كتابه وعلى لسان نبيه (صل الله عليه واله وسلم) أنه لم يفرض الخروج الى
الجهاد على مملوك او انثى بالغ ولا حر لا يبلغ.. وقد قال لنبي: (صل
الله عليه واله وسلم) (حرض المؤمنين على القتال) فدل على انه اراد بذلك
الذكور دون الاناث لان الاناث: المؤمنات.
وقال عز وجل (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) وقال: (كتب عليكم
القتال) وكل هذا يدل على انه أراد به الذكور دون الاناث).
قال في المهذب: (ولا يجب الجهاد على المرأة لما روت عائشة قالت:
سألت رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) عن الجهاد؟ فقال جهادكن: الحج
, او حسبكن الحج , ولان الجهاد هو القتال وهن لا يقاتلن). (المهذب مع
المجموع 19/270).
قال ابن حجر في الفتح (6/76): (وقال ابن بطال: دل حديث عائشة على ان
الجهاد غير واجب على النساء..... وانما لم يكن عليهن واجبا لما فيه من
مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال).
وقال ابن النحاس في مشارع الاشواق (1/99): (ولا يجب الجهاد على صبي
ومجنون وامرأة ومن به مرض يمنع من القتال).
الحنابلة:
قال ابن قدامه في الكافي: (4/253) وهو يعدد شروط الحج: والرابع:
الذكورية: فلا يجب على المرأة لما روى عن عائشة انها قالت: قلت: يا
رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال جهاد لا قتال فيه , الحج والعمرة ,ولان
الجهاد القتال والمرأة ليست من اهله لضعفها وخورها.
وكذا قال في المغني (9/162): (واما الذكورية فشرط.. ثم ساق نحو
كلامه هذا.
قلت: وقد نقل الاجماع غير واحد على انه ليس بفرض في اصله على جنس
النساء.
قال ابن المناصف (ص 107): (واتفقوا كذلك ان المرأة ومن لم يبلغ
,والمريض الذي لا يستطيع القتال لا جهاد فرضا عليه)
وقال ابن النحاس في المشارع (1/99): (ولا يجب الجهاد على صبي ومجنون
وامرأة.. وما أظن فيه خلافا)
ولو افترضنا ان الشروط الاخرى متوفرة فعلى اقل تقدير هناك شرطان
اساسيان غير متحققين هما الذكورة – السلامة من الضرر. وهذا خلل يجب
الالتفات اليه والاحتياط فيه خصوصا وانه يعالج امرا خطيرا فيه قتل
ودماء ثم أن اغلب العلماء أجمعوا على وجود تلازم بين تشريع التكليف
والاستطاعة من خلال اشارتهم الى ضعف المرأة في موضوع الجهاد, والذي
يبدوا انهم اصابوا في هذا الرأي لان كل التكاليف (من حيث التشريع)
ترتبط بالطاقة والمقدرة على ادائها لان الفرد او الامة اذا عجزت عن
تهيئة مستلزمات التكليف او أدائه سقط عنها فضلاً عن فقدانها المقدرة
على ادائه سواء كان ذلك لعوارض ذاتيه او عوارض موضوعيه فكيف اذا اجتمع
العارضين معاً كما في تكليف المرأة في موضوع الجهاد, لان الشارع لم
يرخص او يلزم الا لعله يدور الحكم مدارها. |