العراق... من الديمقراطية الى الثيوقراطية

عدنان الصالحي

 

شبكة النبأ: إسقاط دكتاتورية البعث وإقامة الحياة التعددية في البلاد وإيجاد حكومة تقوم على التمثيل النسبي للشعب مع حفظ حقوق الأقليات الأخرى، هكذا كان المطلب الرئيس لأغلب الكتل والأحزاب السياسية المنطوية تحت لواء معارضة النظام السابق.

اليوم وبعد مضي سبع سنوات على دخول القوات الأمريكية للعراق وإسقاط نظام البعث وتغيير المعادلة الى حالة استثنائية في المنطقة من حيث طبيعة وطريقة الحكم، حققت الأحزاب السياسية غايتها في الجزء الأول من تغيير النظام الشمولي الى نظام تعددي ديمقراطي، إلا إنها اختلفت كثيرا وذهبت بتفسيرات شتى للطرح والهدف القائل بتشكيل حكومة تمثيل نسبي بل لم تفلح لحد الآن في إنشاء دولة ديمقراطية بمعناها المتعارف تكون قادرة تحقيق النموذج الجديد في المنطقة.

وبعيدا عن سابق الحال لا نبالغ إذا ما قلنا بان احد لا يعرف ما يريده الساسة العراقيون بالضبط، فجميعهم تقريبا يتحدثون عن بناء دولة القانون والمؤسسات وإنشاء شراكة سياسية لا تهمش أحدا وإيجاد حكومة وحدة وطنية قادرة على خدمة البلاد وتسير الأمور باتجاهها الصحيح.

 غير إن تفسيراتهم تكاد تسير بأزقة متعاكسة تماما، ولذا تجدهم مابين الفينة والأخرى يدخلون في أزمات خانقة تأكل الشهور كي يستطيعون الخروج منها او لا يخرجون إلا (بدفعة) خارجية دولية أو إقليمية.

ما يجري اليوم على الواقع خير دليل من عدم تفهم الأغلب لما يريده الساسة العراقيون بل إن الكثير منهم لا يعرف ما يريد هو نفسه، فالخوف من التهميش والإبعاد والإقصاء ونظرية المؤامرة مازالت عالقة بذهن الكثير منهم رغم إن اغلبهم كما اشرنا كانوا في خندق واحد قبال الحكم الدكتاتوري القائم آنذاك.

هذه الطريقة في التفكير والتعامل مع الأمور لن تجدي نفعا في حل الأزمات بل ستكون هي مثار الأزمات, و إذا ما بقي الساسة العراقيون على طريقة تفكيرهم (إن لم تكن معي فأنت ضدي) سيجدون إن الجميع ليسوا معهم على اقل تقدير.

بلا شك إن مثل هذه الطرق في التفكير لن تكون وسيلة لبناء دولة المؤسسات التي يتحدثون عنها بل هي طريقة لاحتكار الحكم والاستبداد به سواء كان ذلك الاستبداد فرديا ام حزبيا.

أن تشكيل الإطار العام للفكر السياسي العراقي لم يأت من فراغ بل إن تتالي الإحداث المأساوية شكل محور أساسي في تركيبة هذا الفكر لدى الساسة وحتى عامة المجتمع العراقي، بعض المحللون يعودون بالذاكرة الى حالة المجتمع في عهد الدولة السومرية التي كانت دولة (ثيوقراطية) الطابع كما يعبرون غير إنها كانت تمتلك أساسا للفكر السياسي القائد للدولة او المملكة في ذلك العصر وكان هذا الفكر يستند الى طبيعة الإله وطريقة تعامله مع الإنسان أو تأثيره فيه وهو ما يشكل الأساس الفكري لبناء الدولة وطريقة إدارتها.

هذا التقليد في التفكير ظل متناوبا بشكل ومسميات متعددة الا انه اخذ الطابع ذاته والأساس نفسه في تأليه الحاكم وتقديسه عن الأخطاء والتبرير له، وهذا بدوره أنتج من الويلات ما نتج لحد يومنا هذا.

لذا فنحن اليوم أمام فرصة لتغيير نمطية التفكير واستبدالها ولو تدريجيا بطريقة محدثة ومعقلنة بشكل يتماشى مع الأسلوب والطرح الجديد لشكل النظام الحالي وهو ما نعتقد بان الفرصة مؤاتيه له و قد تكون فريدة في حدوثها وسريعة في ذهابها إن لم تستثمر.

 فإجراء إعادة ترتيب وإنتاج الوعي السياسي المحلي وصولا الى مقاربات مقبولة على اقل تقدير لإنشاء جيل سياسي يصنع مؤسسات دستورية فعالة وحكومة مهنية قادرة على ترجمة ما كانت تلك الكتل تتفق عليه في زمن المعارضة واختلفت عليه في زمن حكمها، يمكن أن يكون في متناول اليد وليس على حساب احد ولا خسارة فيه لأخر.

الطريق اليوم في بدايته لمشروع الحكومة القادمة والدورة الثانية للبرلمان العراقي بعد الخروج من مأزق التناوش الإعلامي والسياسي في الأحقية بتشكيل الحكومة، ويبدو ان الأمور تسير وفق قناعات الجميع بان هنالك إرادة دولية مقتنعة بان أهم ما يجب الحفاظ عليه هو عدم إخفاق العملية الفتية في العراق وسيرها نحو النمو ليشتد عودها، وقد يكون هذا الرأي فيه الكثير من الصحة في الوقت الحاضر على اقل قدير.

تعريف الثيوقراطية

الأصل اللغوي للمصطلح مشتق من الكلمة اليونانية Theokratia وتعني "حكم الله" ولكن في استعماله الشائع، فإن المصطلح يقصد به "حكم رجال الدين".

ونظام الحكم الثيوقراطي هو نظام الحكم الذي يعتبر أن الله هو السلطة السياسية العليا وأن القوانين الإلهية هي القوانين المدنية الواجبة التطبيق وأن رجال الدين بوصفهم الخبراء بتلك القوانين الإلهية فإنه تتمثل فيهم سلطة الله والتي يكون لزاماً عليهم تجسيدها من خلال فرض وتطبيق قوانينه السماوية، وأول من استخدم مصطلح "ثيوقراطية" بهذا المعنى المؤرخ اليهودي جوزيف وإن كان قد قصد به، على وجه التحديد، المفهوم اليهودي للحكومة كما هو وارد في التوراة حيث تؤكد أن القوانين الإلهية هي مصدر الالتزامات الدينية والمدنية على حد سواء.

وهناك نماذج تاريخية أخرى لنظم حكم ثيوقراطية منها فلورنسا تحت حكم سافونارولا وجنيف تحت حكم كالفن.

وقد جاءت كلمة ثيوقراطية من كلمتين يونانيتين: الأولى كلمة ثيو، وتعني إله، والثانية كلمة قراط وتعني الحكم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/تشرين الثاني/2010 - 16/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م