هل أصبحت أوربا حاضنة للتوتر الديني؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كانت ولا تزال عيون العالم النامي أو الثالث، كما اصطلح عليه بعض المفكرين والكتّاب السياسيين، تتطلع الى أوربا كنموذج في الحريات، وترى في هذه البقعة من العالم، هي الأجمل والاكثر تطورا وسعادة في المعمورة، بفضل الحريات الواسعة التي يتمتع بها ساكنو أوربا، ومنها الحريات الدينية، التي تكفلها الدساتير الاوربية، التي يبدو أنها اصبحت حبرا على ورق، وأن مفعولها لم يعد يتعدى الكلام والتبجح بها فقط.

فبعد سلسلة طويلة من الكفاح الانساني، التي خاضتها الشعوب الاوربية، لاسيما أبان التسلط الكنسي ومحاكم التفتيش سيئة الصيت، وترسيخ الحريات الدينية والسياسية وغيرها في هذه المجتمعات بعد تضحيات جسيمة، أخذت تلوح في الافق الاوربي بوادر توترات دينية وبزوغ بؤر احتقان دينية هنا وهناك على مرأى من السياسيين وغيرهم من القادة والمفكرين، وهو أمر يدعو للريبة والشك في أصالة المبادئ التي قامت عليها الحريات هناك ناهيك عن الخلل الفاضح في التطبيق العملي لتلك الافكار على ارض الواقع.

وقد سلط التقرير الامريكي السنوي الخاص بقمع الحريات الدينية في العالم، والذي أصدرته مؤخرا، وزارة الخارجية الامريكية، سلط الضوء على التوترات الدينية في عدد من بلدان العالم، من اجل رصدها ومحاولة القضاء عليها، او الحد من تناميها وتأثيراتها السيئة على العالم، واذا كان هذا الامر لا يثير جدلا، او مفاجآت كبيرة، حينما يتحدث عن وقوع مضايقات على الحريات الدينية، في دول كمصر والسعودية وايران والصومال وغيرها، باعتبار انها دول لاتزال تمر في طور التقدم السياسي والاجتماعي، فإن ما يثير الاستغراب حقا، أن الحريات الدينية تتراجع في أوربا نفسها، وهو أمر يدعو الى القلق حقا، لأنه ينم عن تراجع خطير للحريات، في هذه البقعة التي ينظر إليها الناس، على أنها المكان الذي تتوافر فيه الحريات الدينية والفردية وغيرها بأوسع مدياتها.  

فقد ورد في التقرير السنوي الامريكي عن الحريات الدينية في العالم، إتهام واضح لدول   أوروبية بقمع تلك الحريات، كفرنسا التي حظرت ارتداء النقاب وسويسرا التي حظرت بناء المآذن مما يحد من حرية التعبير الدينية.

وتُعد هذه التهم إشارات جلية وواضحة لتكوين بؤر توتر ديني في عقر المجتمعات التي تدّعي حماية الحريات ورعايتها، ولهذا السبب أثار هذا التقرير وغيره من الوقائع التي أثبتت السلوكيات الاوربية المناهضة للحريات الدينية، أثار جملة من التساؤلات المثيرة والمشككة بالتوجه السليم نحو حماية الحريات في أوربا، وهناك من يؤكد بأن هذه الاشارات البالغة الوضوح تشي ببداية نشوء حواضن وبؤر توتر ديني في اوربا نفسها التي تدعو الى نبذ العنصرية وحماية الحريات.

وقد أكدت هذه السلوكيات المناهضة لمبادئ التحرر، زيف الادّعاء التحرري وبطلانه في بعض الدول الاوربية، كفرنسا التي بدلا من أن يتنبّه ساستها الى الخطأ (العنصري)، الذي يتبنونه ومعالجته بطريقة سليمة تحفظ الحريات وتسوّرها من خطر القمع، فإن ساستها يوغلون في السلوك العنصري الخاطئ، حيث أعلن بعض قادتها السياسيين أن السياسة الفرنسية الداخلية لا تُفرَض عليها من الخارج، في إشارة الى ما ورد في التقرير الامريكي من اتهام واضح لفرنسا حول منعها ارتداء النساء المسلمات للنقاب.

وهذا يعني أن هؤلاء السياسيين ماضون في سياستهم العنصرية وهو ما يثير القلق فعلا على تدهور الحريات في هذا البلد واحتمال انتشارها الى بلدان اوربية اخرى، ما يعني بالنتيجة تحوّل اوربا الى حاضنة للتوتر الديني، وهو أمر تحاول الانسانية وتكافح من اجل تجاوزه الى نشر التسامح الديني والتعايش والتعدد والتشارك والانسجام لاسيما في مسألة حرية الاديان.

لذلك لابد من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، التي بدأت تتنامى في أوربا، ولابد للساسة والمفكرين المعنيين، من وضع الحلول التي تحد من انتشار قمع الحريات الدينية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/تشرين الثاني/2010 - 13/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م