رأس الخيمة وعيون إيران المترقبة

 

شبكة النبأ: تعكس وفاة الحاكم العربي "في 27 تشرين الأول/أكتوبر" الذي خدم فترة طويلة في إحدى مشيخات الخليج العربي المغمورة، إمكانية تغيير العلاقة المتوترة بين دول المنطقة العربية وإيران، وفي الوقت نفسه تشكل أيضاً اختباراً لنمط الحكم والقدرة على التكيف مع نظم الدول العربية التوريثية شبه الملكية.

إن إمارة رأس الخيمة الصغيرة التي تحتل موقعاً استراتيجياً هي جزء من دولة الإمارات العربية المتحدة ولها نزاع إقليمي طال أمده مع طهران: إن فقدان جزيرتين في عام 1971 إلى السيطرة الإيرانية وهو الأمر الذي [ترك ندوباً في وجدان] الشيخ الراحل صقر بن محمد القاسمي، الذي أدرك تماماً أوجه قصور بلاده في تلك الخطوة. والآن اثنين من أبنائه هم على خلاف حول من ينبغي أن يخلفه.

فالابن الأكبر الشيخ خالد بن صقر هو بالفعل رهن "الإقامة الجبرية في قصره"، حيث ثُبتت حديثاً أسلاك شائكة لتحيط بالمجمع السكني الذي يقطنه كما تحرسه قوات الأمن الاتحادية لدولة "الإمارات" بمشاركة ناقلات جنود مدرعة تعمل كحراسة، بحيث تمنعه من حضور جنازة والده.

وهذا الموقف يذكرنا بفوضى وقعت في إحدى عطل نهاية الأسبوع في عام 2003، عندما حول الشيخ الراحل صقر لقب ولي العهد من خالد إلى الابن الأصغر سعود وهو الأخ غير الشقيق لخالد (انظر " نشرة المرصد السياسي باللغة الانكليزية # 769 "سياسات الخلافة في دول الخليج العربية المحافظة: أحداث نهاية الأسبوع في رأس الخيمة").

وفي ذلك الحين، أطلقت أعيرة نارية، واحتج أنصار خالد في الشوارع وأجبروا أفراد الحرس المحلي على التراجع وراء الجدران العالية لقصر الحاكم قبل أن تتدخل قوات الإمارات العربية المتحدة. بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

ومنذ ذلك الحين يشن خالد معركة تمثلت في حملة علاقات عامة وصلت إلى الولايات المتحدة نفسها، بدءاً من التأثير على كل أروقة السلطة وحتى لصق الإعلانات على جوانب الحافلات في العاصمة الأمريكية واشنطن. وقد شملت تكتيكاته أيضاً تصوير اسلوب حكم سعود "الذي شغل منصب الحاكم الفعلي منذ عام 2003 نظراً لشيخوخة والدهم وصحته المعتلة" بأنه نمط يوالي إيران.

الخلفية

تقع رأس الخيمة عبر الخليج من جهة إيران وعلى بعد بضعة أميال جنوب "مضيق هرمز" الذي تعبر من خلاله ما يقدر بنحو 40% من شحنات تجارة النفط العالمية يومياً. وهي رابع أكبر إمارة من بين الإمارات السبع التي تكون الإمارات العربية المتحدة.

وأبو ظبي "الأكبر والأغنى نفطياً" تهيمن على الاتحاد الفيدرالي؛ ودبي لديها فقط قدر صغير من النفط لكنها تتفوق كمركز تجاري؛ والشارقة التي تبدو فعلياً للعين العادية بأنها جزء من العاصمة دبي تشارك حقلها النفطي الرئيسي مع إيران، وقبلت معها على مضض إدارة مشتركة لجزيرة أبو موسى؛ والإمارات الثلاث الباقية هي عجمان (الأصغر) وأم القوين (الأقل سكاناً) والفجيرة (على الجانب الآخر من "مضيق هرمز").

وتاريخياً كانت رأس الخيمة إحدى ما تسمى بـ "الإمارات المتصالحة". وقد كانت هذه مشيخات أُجبرت في أوائل القرن التاسع عشر على قبول هدنات مع البحرية البريطانية التي كانت عازمة على إنهاء نزعتها للقرصنة.

وهذه المشيخة التي يبلغ حجمها نصف حجم ولاية رود آيلاند الأمريكية لديها فقط بلدة واحدة كبيرة من أي حجم كان، وهي المدينة المسماة على إسم رأس الخيمة وتحتضن مرفاً طبيعياً.

والشيخ صقر الذي غالباً ما يرتدي غطاء على إحدى عينيه التي فقدها بسبب غرامه بصقر أليف كان يربيه، كان قد حكم لمدة اثنين وستين عاماً بحذر بارع. ورغم أنه كان قد استاء من فقدان جزيرتي "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" لإيران "وكلتيهما تقعان بين ممرات ملاحة ناقلات النفط الرئيسية في الخليج" إلا أنه كان حذراً بتجنبه الخصومة المباشرة مع طهران. لكن عندما غادرت القوات البريطانية الخليج "تلك القوات التي أذعنت إلى استيلاء إيران على الجزيرتين في عهد الشاه" أحجم الشيخ صقر عن الانضمام إلى الإمارات العربية المتحدة المنشأة حديثاً حتى تلقيه ضمانات بعدم تخلي الدولة الجديدة عن مطالبتها باستعادة الجزيرتين. ومنذ ذلك الحين تصْدِر "الإمارات" بانتظام بيانات تحتج فيها على ما تعتبره احتلالاً لجزرها كما قاومت دعوات إيران [للتوصل إلى] اتفاق عن طريق التفاوض حول مستقبل الجزيرتين، معتقدة أن هذه الوسيلة ستسمح لإيران بالاحتفاظ بسيادتها على الجزيرتين.

دعم "الإمارات" لحاكم جديد

في الوقت القصير منذ وفاة الشيخ صقر، دفعت أبو ظبي باتجاه تولي الشيخ سعود للخلافة. كما أن حكام المشيخات الأخرى التي استقرت في "المجلس الأعلى للاتحاد" قد عبروا عن دعمهم الكامل له معلنين أنه: "يواصل حمل ميراث أبيه لدعم اتحاد الإمارات العربية المتحدة". ورغم هذا، نشر الشيخ خالد فيديو له على موقع "يوتيوب" يعلن فيه نفسه الحاكم الجديد حيث يقول: "في الأيام والأسابيع القادمة سألتقي بعائلتي وأصدقائي وأعضاء 'المجلس الأعلى للاتحاد' وحكام الإمارات وأطلعهم على أجندتي لأول مائة يوم من قيادتي المشروعة التي سأنفذ فيها قانونياً رؤية والدي لرأس الخيمة".

ويتوقع المحللون أن يثبت حكم سعود ويترسخ ولا يعطي المسؤولون الأمريكيون أية مصداقية للادعاءات المضادة التي يطلقها خالد، وفي العام الماضي، قيل أن سفارة "الإمارات" كانت قد عممت رسالة قالت فيها إن الشيخ خالد قد مثل نفسه بصورة غير صحيحة كمسؤول رسمي لدولة "الإمارات". ورغم أن خالد يصور الآن نفسه بأنه موالي لأمريكا إلا أنه كان ينتقد سياسة الولايات المتحدة سابقاً.

وخلال مقابلة معه في وقت سابق من تشرين الأول/أكتوبر، وصف الشيخ سعود، الذي تلقى تعليمه في جامعة ميشيغان الأمريكية، مزاعم أخيه بأنها "مشينة" لكنه أيضاً عبر عن أمله في أن يتصالح معه.

إيران تراقب

منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، وإيران تزدري القيادات التوريثية لدول "مجلس التعاون الخليجي": المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان.

وستراقب طهران عن كثب النزاع الحالي على الخلافة وخاصة لو أدى هذا الخلاف إلى حدوث أي تغيير في النية المعلنة لـ "الإمارات" لاستعادة الجزر المتنازع عليها.

وفي الحالة الفعلية للأمور وخلافاً لما هو متوقع، يبدو أن خطاب دولة "الإمارات" حول هذه القضية قد ضعف خلال العقد الماضي.

وقد تزامنت وفاة الشيخ صقر مع اندلاع حرب إعلامية حول ما إذا كان المسطح المائي بين إيران ودول "مجلس التعاون الخليجي" يصح تسميته بشكل مناسب "الخليج الفارسي" أم "الخليج العربي".

ويقال إن المشاحنة قد بدأت عندما أشار مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية والعسكرية أندرو شابيرو إلى "الخليج العربي والشرق الأوسط الأكبر" عند إعلانه في 20 تشرين الأول/أكتوبر عن صفقة مبيعات الأسلحة المقترحة بمبلغ 60 مليار دولار إلى السعودية.

وقد قفز المدونون الإيرانيون "إلى نشر تعليقاتهم" تجاه ما أعتبروه إما وجود خطأ من قبل مسؤول أمريكي أو قيام تغير في السياسة الأمريكية.

وتقليدياً، التزمت وزارة الخارجية الأمريكية وبصرامة باستخدام صيغة "الخليج الفارسي" (على الرغم من أن الصحفيين قد أشاروا إلى أن الجيش الأمريكي يأخذ الأمر بصورة أخف).

كما أن الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط تستخدم كذلك اسم "الخليج الفارسي" وهي الخريطة التي يمكن تحميلها من الموقع الالكتروني "ورلد فاكتبوك" التابع لـ "وكالة الاستخبارات الأمريكية".

ووفقاً لملاحظة على الموقع حول استخدام الأسماء، "يتبع فريق 'فاكتبوك' إرشادات 'المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية'. إن 'المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية' هو جزء من الحكومة الأمريكية ومهمته تطوير السياسات والمبادئ والإجراءات التي تنظم هجاء واستخدام وتطبيق الأسماء الجغرافية... وتمكِّن قراراته كافة الوزارات والوكالات التابعة للحكومة الأمريكية من الحصول على الأسماء الموحدة ذات الخصائص الجغرافية".

وفي الواقع، يتضمن موقع "المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية" تقريراً بعنوان: " 'المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية' و 'لجنة الأسماء الأجنبية' و'سياسة توحيد الأسماء الجغرافية': إيران، النسخة 2.31". وبموافقة " 'فريق لجنة الأسماء الأجنبية' التابع لـ 'المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية' " و" 'قسم الجغرافيا السياسية' في 'وكالة الاستخبارات الجيوفضائية الوطنية' "، ينص التقرير بأن "إيران ودول شبه الجزيرة العربية تستخدم أسماء مختلفة للمسطح المائي بينهما.

فإيران تستخدم اسم 'الخليج الفارسي'، بينما تستخدم الدول العربية اسم 'الخليج العربي'. وقد وافق 'المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية' على الاسم الدارج لهذا المَعلم وهو 'الخليج الفارسي' ".

والخطأ اللساني الواضح لمساعد وزير الخارجية الأمريكية شابيرو كان قد سبقته بأيام قليلة زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران، والتي أفرزت هي الأخرى جدلاً لغوياً خاصاً بها.

ففي 18 تشرين الأول/أكتوبر تم تصويره وهو يصافح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام خريطة كُتب عليها بوضوح "الخليج الفارسي". وتميل دول الخليج وتحديداً السعودية بالفعل إلى النظر إلى المالكي كعميل إيراني، ومن المرجح أن تكون صورته التي التقطت في إيران قد أكدت تحيزهم ضده.

الخاتمة

لقد أُعلن عن أسبوع من الحداد الرسمي في رأس الخيمة؛ وعند انتهائه سينتظر الناس ليروا كيف سيتم حل الخصام داخل عائلة القاسمي، وفيما إذا كانت الإمارات العربية المتحدة أو رأس الخيمة ستُظهر أي تحول دقيق في الموقف فيما يتعلق بجزيرتي طنب المتنازع عليهما أم لا.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يشرح المسؤولون الأمريكيون ما إذا كان الاسم المعتمد من قبل "المجلس الأمريكي للأسماء الجغرافية" لـ "الخليج الفارسي" قد تغير أم لا.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الثاني/2010 - 7/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م