ظاهرة التحرش الجنسي في الشوارع المصرية

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: في غياب القانون والتشريعات الإسلامية لها، تتزايد نسبة التحرش الجنسي في مصر، لتتخطى حدودها الى درجة جعلت المرأة المصرية تشعر بأن حقوقها تنتهك من قبل الرجال، هذا ويعود السبب بحسب معظم المحللين الاجتماعيين الى أسبابا عديدة، أولها هو عدم وجود عقوبة محددة للردع، مما افضى الى تكرار التعدي وتفشي تلك الظاهرة في طبيعة مجتمع يصنف ضمن المجتمعات الذكورية، التي تعطي للرجل الحق في كل شيء حتى ولو كان خطأ.

في الوقت ذاته ترتفع أصوات المنظمات والجمعيات التي تدافع عن المرأة مطالبة الحكومة المصرية بإيجاد حلول لهذه المشكلة والتي تعتبر في الوقت ذاته ظاهرة سلبية على هذا البلد لاسيما وان هذه التحرشات لا تقتصر على المصريات وإنما حتى على السائحات الأجنبيات.

98% يتعرضن للتحرش

حيث لا يهم إن كانت شابة أو كبيرة بالسن.. ولا يهم أن تكون مصرية أو أجنبية ولا فقيرة أو من الطبقة الوسطى أو الثرية. كل هذه الأمور لا تهم، كما لا يهم إن كانت ترتدي الحجاب أو النقاب أو الملابس الغربية.

فإذا كنت تعيشين في القاهرة، فإن فرص التعرض للتحرش الجنسي واردة، بل وكبيرة، ذلك أن التحرش يحدث في الشوارع وفي حافلات النقل المزدحمة، وأماكن العمل والمدارس، وحتى في عيادات الأطباء.

إذ وفقاَ لدراسة أجراها المركز المصري لحقوق المرأة في العام 2008 وشملت 1010 نساء، تبين أن 98 في المائة من النساء الأجنبيات و83 في المائة من المصريات تعرضن للتحرش الجنسي.

ماري روجرز، الصحفية والمصورة في CNN، تعرضت للتحرش وبينما كانت تتجه إلى منزلها، اقترب منها سائق سيارة شاب وصرخ عليها قائلاً "عاهرة"، رغم أنها بعمر أمه أو أكبر. وقبل أن ترد عليه، كانت السيارة قد ابتعدت، بينما كان هناك شرطي في الجوار "يقهقه" على المشهد. وتقول ماري: "هذا الحادث يعتبر ثانوياً مقارنة بذلك الذي وقع عام 1994، بعد أن انتقلت للعمل في القاهرة، حيث كان الطقس شتاء وكنت أرتدي ملابس شتوية ثقيلة عندما اقترب مني رجل وأمسك بثديي، لكنني لكمته على وجهه، وكلت له الشتائم والسباب، فإذا به يشحب جراء المفاجأة ويعتذر بهمس." وبعد ذلك الموقف، لم تعد تمشي في الشوارع بين العمل والمنزل. بحسب وكالة أنباء السي ان ان.

بالطبع، التحرش الجنسي يتخذ أشكالاً مختلفة، فهي قد تكون عبارات نابية أو الملاحقة أو النظرات وتصل حد اللمس، وربما تصبح أكثر خطورة، وهو ما حدث لزائرة أجنبية، عندما قام سائق سيارة بالاقتراب منها كثيراً إلى حد أنه كاد يدهسها، لكنه ابتعد عنها في اللحظة الأخيرة، ثم توقف، وأخذ يضحك عليها.

لكن لماذا؟

ثمة أسباب عديدة لذلك، لكن كثيرون يشيرون إلى عدم احترام حقوق الإنسان بوصفه السبب الرئيسي. تقول نهاد أبو القمصان، مديرة المركز المصري لحقوق المرأة: "مصر تهتم بالأمن السياسي أكثر من اهتمامها بالأمن العام"، مشيرة إلى أن المسئولين يركزون على منع القلاقل والاضطرابات السياسية، أكثر من تركيزهم على أمراض المجتمع.

على أن البعض الآخر يلقي بالمسؤولية على التفسيرات المحافظة للإسلام، والتي أخذت تتدفق على البلاد من منطقة الخليج منذ 30 عاماً، والتي تطالب بمزيد من التقييد على المرأة وتدين النساء اللواتي يخرجن من منازلهن للعمل أو لأي شيء آخر. وتقول أبو القمصان: "ذهب نحو أربعة ملايين مصري إلى منطقة الخليج.. وعادوا بأموال النفط وثقافة النفط غير المنفتحة فيما يخص المرأة ووضعها.. كل هذه الأمور ساهمت في تغيير الثقافة الأصلية للمصريين، والتي تتضمن احتراماً كبيراً للمرأة."

أما الشابة الناشطة في مجال حقوق المرأة، سارة، فتقول إن مفهوم الاحترام لم يعد موجوداً وتعتقد أن مصر "تعيش في نكران للذات منذ وقت طويل.. وأن شيئاً ما حدث للمجتمع المصري خلال السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضية.. ويبدو أن نظام المجتمع كله تعرض للانهيار." وللرد على تفشي هذه الظاهرة، ونظراً لغياب القانون للتعامل مع هذه المشكلة، فإن الحكومة المصرية تدرس قانوناً لتعريف واضح للتحرش الجنسي.

بداية التحول

وبينما كانت المرأة التي تتعرض للتحرش تخجل من الإفصاح عن هذا الأمر، إلا أنها باتت تجهر به حالياً دون خجل، ففي العام 2008، صدر حكم على شاب بالسجن ثلاث سنوات مع العمل الشاق بعد أن تعرض للشابة نهى رشدي صالح وأمسك بثدييها، وهو ما أدى بها إلى التوجه للمحكمة ورفع قضية ضده، وهي القضية التي غطتها الصحافة المحلية بكثافة، وأبرزت قضية التحرش إلى العلن.

وهناك حملات ضد التحرش الجنسي للمطالبة بالوقوف في وجه هذه الظاهرة المتفشية في المجتمع المصري، خصوصاً في وسط مدينة القاهرة المكتظة. في العام 2008، وخلال عطلة عيد الفطر، كانت عصابات الشباب تجول في كل الأماكن وتمارس التحرش ضد الفتيات والنساء، وصلت حد تمزيق قمصانهن، وبلغت الظاهرة ذروتها خلال هذه الفترة، بحيث تناولتها وسائل الإعلام المصرية، وقامت الشرطة باعتقال العشرات من الشباب.

ورغم الحملات المناهضة للظاهرة، واحتمال إصدار قوانين ضدها، إلا أن الأمر الوحيد الذي قد يحمي المرأة من التحرش الجنسي في شوارع القاهرة هو التغيير في مواقف الرجال والذكور عموماً.

الشريعة الإسلامية

فيما اعتبر ناشطون حقوقيون مصريون أن بلادهم باتت في حاجة ملحة إلى إصدار قانون منفصل، يتناول مواد ونصوص قانونية واضحة لجريمة التحرش بالنساء والرجال على السواء، وهي أمور مختلفة في طرق إثباتها عن جرائم هتك العرض والاغتصاب.

واعتبر مراقبون أن جرائم التحرش تحدث في كل مكان بالعالم بشكل عام، غير أن المرأة العربية تتسم بخصوصية معينة، في ظل تمييز يقع عليها مجتمعياً، سواء في الشارع أو المدرسة أو العمل، مرجعين ذلك إلى العادات الثقافية والاجتماعية ذات العلاقة بالنشأة الخاصة بالمجتمعات العربية، فضلاً عن تقصير واضح لدى الأسر في تعليم المرأة حول كيفية تعاملها مع الرجل والعكس.

كما عزوا أسباب زيادة التحرش الجنسي بالمرأة في المجتمعات العربية عموماً، إلى أنها نتاج الفهم المغلوط لطبيعة المرأة، التي تحصرها في ركن "الجسد الذي خصص للمتعة فقط"، مشيرين إلى أن هذا التحرش مرتبط كذلك بالفساد المالي والإداري في بعض الجهات، الذي يتبعه فساد وانحراف أخلاقي بطبيعة الحال.

وعودة إلى التحرك الشعبي الحاصل في مصر، قال ناشطون حقوقيون مصريون إن القانون الوضعي الحالي يعتمد جرائم على غرار "الفعل الفاضح"، و"هتك العرض"، و"الاغتصاب"، في حين لم يتضمن تعريفاً شاملاً لكل أشكال الاعتداء على الحرية الجنسية للمرأة، ومحاولة استثارتها قصراً، وهو مفهوم التحرش الجنسي، الذي يعد مختلفاً في تصنيفه عن الجرائم السابقة.

ولم تستثن الجهات الأمنية المسئولة في مصر من الدخول في حيز الاتهام بالتقصير من قبل مراقبين، حيث ينظم الأمن العام ما أسموه "حملات موسمية" ضد معاكسة الفتيات والتحرش بهن في الشوارع، وغالباً ما تكون في المناسبات والأعياد والعطلات فقط، دون بقية أيام السنة. ولا يعترف قانون العقوبات المصري بفعل "التحرش الجنسي"، كما لم يأت ذكرها ضمن نصوصه الحالية، وبالتالي خلت المنظومة القانونية المصرية من عقوبة لتلك الجريمة، التي طالت 83 بالمائة من النساء في مصر، حسب ما ذكرته دراسة صادرة عن المركز المصري لحقوق المرأة في منتصف العام 2008.

غياب العقوبة

ولم يغفل القانون الوضعي المصري وحده عقوبة التحرش، حيث أكد فقهاء في الشريعة الإسلامية أن الدين كذلك لم يحدد عقوبة للمتحرشين بالنساء. وأكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق في جامعة الأزهر أن التحرش بالنساء يعد ضمن "العقوبات التعذيرية"، تلك التي لم يحددها الشرع، بل ترك أمر تحديدها للحاكم والمجتمع نفسه. وكان النائب في البرلمان المصري، محمد خليل قويطة، قدم اقتراحاً بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 لوضع مفهوم للتحرش الجنسي، واستحداث عقوبة له، مطالباً بتشديد العقوبات على المغازلات عبر الهاتف المحمول كذلك.

وقال قويطة، وهو أيضاً وكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب "البرلمان"، إن المشرع المصري لم يتعرض لظاهرة التحرش الجنسي بالتجريم، ووضع العقوبات المناسبة لها، وكذلك وضع مفهوم لها يحدد معناها، لأن النصوص والمواد العقابية، سواء في قانون العقوبات أو التشريعات الجنائية، خلت تماماً من نص يحدد معناها ويجرمها ويؤثمها ويعاقب عليها، وقد أصبحت الحاجة ملحة لإصدار هذا التشريع لمعاقبة المتحرشين جنسياً من الرجال والنساء.

تعريف التحرش

من جانبه قال الناشط الحقوقي، المحامي حافظ أبو سعدة، أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن جريمة التحرش الجنسي تختلف عن الفعل الفاضح وهتك العرض والاغتصاب، بحكم أنها أدنى من الأخيرة، بينما التحرش أكثر بكثير ومنتشر في المجتمع المصري. وأشار إلى  ضرورة وجود قانون خاص بهذا النوع من الجرائم، يحتوي على تعريف شامل لكل أشكال التحرش، والاعتداء على الحرية الجنسية للمرأة، أو استثارتها قصراً، وهي أمور مختلفة في إثباتها عن جرائم هتك العرض والاغتصاب.

لكن أبو سعدة، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، لم يعف الأجهزة الأمنية المصرية من مسؤولية زيادة هذا النوع من الجرائم في الشوارع، على اعتبار أن الحملات الأمنية تقتصر على المواسم والمناسبات الرسمية. من جانبه، عّرف الدكتور محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، التحرش بأنه "إتيان الرجل أمراً سواء بالقول أو الفعل تجاه المرأة، بصورة تخدش حياءها، ما يعد جريمة تستوجب العقاب." بحسب وكالة أنباء السي ان ان.

وأشارت مراكز حقوقية مصرية إلى ضرورة عدم السكوت عن الظاهرة، ومحاولة إزاحتها من قاموس المعتقدات الثقافية العربية لدى الرجل ضد المرأة أو العكس، خصوصا وأن النساء التي تم التحرش بهن يؤثرن الصمت والكتمان، لأسباب مجتمعية تتعلق بما درجت تسميته بـ "الفضيحة". بينما قد يعطي هذا الصمت إشارات للمتحرش بمشاعر الرضا من قبل المرأة، وبالتالي يزيد من نسبة الجريمة في المجتمع.

وبدت تحركات على شبكة الإنترنت من خلال ناشطين أسسوا مجموعات مشتركة لحملات على موقع facebook الاجتماعي، تضم بعضها ما يزيد على عشرة آلاف مشترك، من بينها حملة "دعوة للمشاركة في وقفة لإنهاء معاكسة الفتيات في مصر "كفاية تخلف"، وحملة أخرى بعنوان "ضد معاكسة البنات للأولاد" ذات العشرة آلاف عضواً.

وهكذا، فبين مشاعر العار والفضيحة والتسلط والإقصاء الاجتماعي، حذر حقوقيون من أن الزيادة في جرائم التحرش بالمجتمعات العربية، تؤدي إلى تأصيل ما يسمى بـ"السيادة الذكورية" عموماً، حين تستوطن السلبية الاجتماعية في عقيدة المرأة أو الرجل على السواء.

موقع للرصد

لكن مجموعة من الناشطات في القاهرة قررت الرد على ظاهرة التحرش بإطلاق موقع جديد على الإنترنت اسمه "خريطة التحرش الجنسي" (هاراسمنتماب دوت أورج harassmap.org) يتيح للنساء والفتيات الإبلاغ عن وقائع التحرش عن طريق الرسائل القصيرة باستخدام الهاتف المحمول أو من خلال موقع تويتر للتواصل الاجتماعي على الإنترنت. ويضم الموقع خريطة توضح الأماكن التي أبلغ عن وقوع حوادث تحرش فيها.

وتقول ريبيكا شياو التي شاركت في تأسيس الموقع إن الهدف هو إنشاء ساحة تجمع بين ضحايا التحرش والناشطين وربما المسئولين الذين يستطيعون تقديم المساعدة والمساندة إليهن. وأضافت ريبيكا "ما نحاول أن نفعله هو وضع مشروع يعيد اهتمام الرأي العام بهذه القضية لإحداث تغيير اجتماعي على الأرض وفي مجال التحرش الجنسي."

وذكرت ريبيكا أن الموقع يضم مجموعة من الأدوات التي يمكن اللجوء إليها للمساعدة في الحماية من التحرش ومنها لقطات مصورة لأساليب الدفاع عن النفس يمكن للنساء متابعتها عن طريق الإنترنت. لكن الأهم في رأي ريبيكا هو أن الموقع يسلط الضوء على قضية التحرش التي يحيط بها التكتم في معظم الأحيان في مصر.

وقالت "سيكون بوسعهن استخدام الخريطة لإثبات ان التحرش الجنسي لا يزال بالفعل مشكلة وأين يحدث والى أي مدى يحدث. وسنأخذ أيضا المناطق التي توضع في الخريطة كمناطق مشاكل وسنذهب لهذه المناطق مع فريق من المتطوعين من أجل التوعية الاجتماعية."

وعند إبلاغ الموقع عن واقعة تحرش يصل إلى الضحية رد منه يحوي إرشادات عن الإجراءات التي يمكن أن تتخذها لتقديم شكوى إلى الشرطة وطلب المشورة بخصوص الواقعة. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ولاقى موقع "خريطة التحرش الجنسي" ترحيبا من كثير من المصريات منهن هبة سعد عبد الظاهر التي قالت "موقع هائل جدا طبعا ... كل واحد عندما يشعر ان عنده مشكلة يريد أحد يسمعه. فعندما يجد أحدا يسمعه بدون ان يكون عقبة عليه مثلا أو سيضره طبعا تكون هذه حاجة جميلة."

المتطوعة إنجي غزلان أعربت عن تفاؤلها بأن يحقق الموقع نتائج إيجابية في مقاومة التحرش بعد تشغيله الكامل في المستقبل القريب رغم إقرارها بأن الموقع لن يستفيد منه الجميع. وقالت "نستطيع ان نقول ان العائق سيكون غير المتعلمات. السيدات غير المتعلمات هن اللائي لن يستطعن استخدام هذه الأداة.

وهذا شيء متوقع وموضوع في الحسبان ... نحن نحاول ان نصل لأكبر عدد ممكن من مستخدمي الانترنت ومستخدمي الهاتف المحمول في مصر." ورغم أن قضية التحرش الجنسي مستبعدة في معظم الأحيان من النقاش العام في مصر اتخذت الحكومة بعض الخطوات لعلاج هذا الموضوع الحساس وأطلقت برنامجا في الآونة الأخيرة للتوعية بخطورة الظاهرة من خلال خطب الأئمة في المساجد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/تشرين الثاني/2010 - 7/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م