ان الموقف المتذبذب والمتردد الذي تنتهجه (القائمة العراقية) من
العملية السياسية برمتها يعود الى سببين رئيسيين:
الاول: هو تبعية قرارها السياسي الى عدة قوى واجندات متناقضة تقف
خلف الحدود.
الثاني: هو انها قائمة بعدة رؤوس، وليست براس واحد، ينطبق عليها قول
الشاعر المعروف؛
رؤوس قومي كلهم ارايت مزرعة البصل
ان القائمة تتلقى اشارات متناقضة من عدة قوى تقف خلف الحدود،
اقليمية ودولية، ما ينتج كل هذه المواقف المتناقضة التي نلمسها يوميا
من القائمة ازاء العملية السياسية، فضلا عن التناقض في التصريحات التي
يدلي بها اعضاء من القائمة، فيما يسبب تعدد الرؤوس في القائمة الى
تناقضات من نوع آخر ليس له علاقة لا بالمصلحة العامة ولا بمصلحة الوطن،
وانما بمصالح شخصية يسعى كل راس من رؤوس القائمة الى تحقيقها، حتى اذا
جاءت على حساب وحدة الموقف.
ان تناقض وتضارب المواقف لهذه القائمة هو انعكاس حقيقي لتناقض
وتضارب مواقف القوى الخارجية التي تملي عليها اجنداتها الخاصة.
ويتوقع ان تتشتت القائمة وتتفتت صفوفها اذا ما استمرت على هذه الحال،
لان في صفوفها من القادة والزعماء الوطنيين من لا يرضى بمثل هذه
المواقف المتذبذبة التي تؤشر على خلل في القيادة الجماعية للقائمة، كما
ان فيها من لا يرضى ان يلحق ادنى ضرر بالعملية السياسية، خاصة بعد
الاتفاقات السياسية التي توصلت اليها مختلف الاطراف المشاركة فيها،
وكما هو معلوم فان مثل هذه المواقف المتذبذبة تضر بالعملية السياسية
وقد تعطل، اذا ما استمرت على هذه الحال، الانجاز الذي ينتظره العراقيون
من الحكومة الجديدة.
من هنا فان على القائمة العراقية ان تحسم امرها وعلاقتها بالعملية
السياسية ومن تشكيل الحكومة المرتقبة بشجاعة ووضوح وواقعية، بعيدا عن
كل محاولات الابتزاز والاستنزاف، ولا يمكن ان تحقق القائمة كل ذلك الا
اذا قررت الابتعاد عن الاجندات الخارجية والتمسك بالخيار الوطني، لان
المرحلة الحالية التي يمر بها العراق لا تتحمل مثل هذه المواقف
المتذبذبة او المترددة، بل لا بد من مواقف وطنية شجاعة، ترتقي الى
مستوى الشعور بالمسؤولية والاحساس بمعاناة العراقيين الذين لازالوا
يدفعون دماءا وارواحا كثمن لصبرهم وصمودهم واصرارهم على بناء تجربتهم
الديمقراطية الجديدة.
لقد كانت الظروف التي تشكلت فيها القائمة العراقية، والتي لعبت
اجندات وضغوطات خارجية من اجل تجميع كل هذا الكم الهائل من الاتجاهات
المتناقضة ما كانت لتجتمع تحت عنوان واحد لولا سعيها الى السلطة فحسب،
ولذلك فان القائمة ستتفتت لو لم تشارك في السلطة لان ذلك يعد بمثابة
انتفاء سبب اتفاقها، والا ما الذي يجمع اليساري مع اليميني؟ والديني مع
العلماني، والطائفي مع الليبرالي، والبعثي مع القومي؟ والقاتل مع
المسالم؟ سوى السعي الى السلطة وبهذه الطريقة الممجوجة التي اثارت
الكثير من الريبة والشك؟.
المهنية والشراكة الوطنية
وعن ما يتردد اليوم في بغداد بشان ضرورة ان يتم اختيار الوزراء في
الحكومة القادمة على اساس المهنية وليس على اساس الشراكة الوطنية، وما
اذا كان الامران متناقضان ام لا؟ فاني لا ارى اي تناقض بين الامرين،
فالشراكة الوطنية تخص القرار السياسي، اما المهنية فتخص التنفيذ، فاذا
كنا بحاجة الى تحقيق الشراكة الوطنية فمن خلال القرار السياسي وهذا ما
يتحقق تحت قبة البرلمان، وقد يتحقق في المجلس الجديد المقترح والذي تم
الاتفاق عليه من بين الصفقات السياسية التي اثمرت تشكيل مؤسسات الدولة
في جلسة مجلس النواب في يوم الخميس المنصرم، اما المهنية فلا علاقة لها
بالشراكة لا من قريب ولا من بعيد، فهي معيار يجب ان يتم العمل به
لاختيار الوزراء في الحكومة الجديدة، من اجل ان لا نكرر اخطاء الماضي
عندما تم اعتماد الحماصصة والحزبية والانتماء والولاء قبل اي شئ حقيقي
آخر لاختيار الوزراء في الحكومة السابقة.
فشل المبادرة السعودية
لقد منى، بتشديد النون، آل سعود انفسهم بمثل هذا النصر السياسي الذي
حاولوا ان يحققوه برأس العراقيين، من خلال اطلاق ابن سعود لمبادرته
الاخيرة، فعلى الرغم من الجهد الاعلامي والديبلوماسي والسياسي والمالي
الضخم الذي بذله آل سعود، منذ لحظة اطلاق الرياض للمبادرة، الا انها
فشلت فشلا ذريعا عندما ادار العراقيون ظهورهم اليها لدرجة التجاهل، ثم
جاء النجاح المتميز للمبادرة العراقية الوطنية التي اطلقها احد اعمدة
بناة العراق الجديد، واقصد به السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم
كردستان العراق، لتقبر المبادرة والى الابد، بعد ان كان آل سعود
يراهنون على فشل المبادرة العراقية الوطنية، وعلى فشل العراقيين في لعق
جراحهم من اجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا.
لقد تصور آل سعود ان العراق لبنان ثانية، يمكنهم ان يحققوا به نصرا
سياسيا، فلما فشلت المبادرة حركت الرياض (كلابها) المسعورة لتنبح وراء
القافلة العراقية الجديدة، وقديما قيل:
القافلة تسير ولا يهمها نبح الكلاب.
لقد اصاب العراقيون مملكة آل سعود بالاحباط الشديد، بتمسكهم بالحل
الوطني للازمة.
* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن |