يبدو ان البعض يعيش في زمان غير هذا الزمان.... فالاحزاب... والكتل
السياسية وغير السياسية... ، وعلى سبيل المثال لا الحصر،.. عند هذا
البعض تتشكل من اقناع فلان بالتعاون معه بدل التعاون مع فلان.
او نعطيكم الداخلية واعطونا الدفاع.. اما من يشغل المنصب؟ وكيف؟ وما
هي قدرته؟ فتلك قضية لم تعد ثانوية وحسب بل ليست بذات اهمية.
ويروي الرواة ان احد المشايخ اتصل ذات مرة بنوري السعيد وطلب اليه
تعيين ولده متصرفا اي (محافظ) فقال له الباشا معتذراً كيف يا محفوظ
يتعين متصرف وهو خريج ابتدائية؟ فرد الشيخ: (لعد حطه وزير).
والان فانه بعد الاجتماع الاول للبرلمان وبعد كل الاجتماعات التي
كانت قائمة على قدم وساق بين رؤساء الكتل ونواب رؤساء الكتل وحمايات
الكتل وسواق رؤساء الكتل حول التشكيلة الوزارية الجديدة.. والمناصب...
والرواتب... والامتيازات الغريبة العجيبة.....
وكل يحاول اقناع الاخر بالتعاون معه ليس من اجل هدف معين بالطبع بل
على (عناد) فلان.
ومقايضات يعرضها البعض على البعض.
وذوو الحكمة متأنون وليسوا كالمستجدين يقبلون فوراً بما يعرض عليهم...
فالاولون يتوقعون زيادة في الاسعار، وفرص افضل لمواقع افضل.
وكانت وما برحت لدينا امنية اسال الله ان تتحقق قبل ان نذهب الى
العالم الآخر نتمنى ان يتحول النقاش حول المبادئ وليس حول المناصب...
فعندما تحدد المبادئ فانه ينبغي اختيار الرجال الذين هم كفء لوضع
المبادئ في حيز التنفيذ..
ولا يجوز... بل هي استهانة بالشعب ان ينصب النقاش حول من يشغل ماذا؟
وكيفية توزيع المناصب بينما لا يفتح احد فمه بكلمة واحدة حول السياسة
الخارجية وثوابتها.. وحول التنمية واولياتها.. بل حتى حول الامن ووسائل
اقراره...
نحن ابناء الشعب المظلوم نتحدى اي تكتل ان زعم انه ناقش مع اطراف
اخرى قضية البطالة مثلاً، وداء الكهرباء المزمن، ونقص المياه، وقضية
النهوض بالريف... ومكافحة الفساد بكل اشكاله.... اذن كيف يمكن ان تسلم
مقاليد الامور الى اناس لا زال تاريخهم ملطخ بدماء العراقيين الشرفاء
وليس لديهم ادنى اهتمام بالشعب ومطاليبه؟.
والقضية الاخطر، اننا الان بلا دولة بالمعنى المتعارف عليه انما شبح
دولة او ظلال دولة.... فهل تناولت المحادثات بين الكتل كيفية اعادة
بناء الدولة من جديد؟... وبنظره فاحصه... وحتى نظره بسيطة نرى يقيناً
وزارات مفعمة بالبطالة المقنعة محدودة الانجاز... مؤسسات لم تعد تعرف
واجباتها وحتى مصيرها اهي باقية ام مشمولة (بالاجتثاث)... احزاب وكتل
متصارعة على المناصب تتفرج على بؤس الناس عبر الشاشات الفضائية وكأن
الامر لا يعنيها... او كأن ما يعرض على الشعب فيلما هنديا...
بينما كان المأمول بهكذا احزاب وكتل تعتبر نفسها وطنيه ان تكون قد
رأت وسمعت واستعدت لانتشال العراقيين من البؤس والجهل والأمية والخرافة...
وان فوجئوا بما تعرضه شاشات الفضاء فان المفروض والحالة هذه ان
يتسابقوا الى مكان الحدث حيث كل شيء كالح، متعفن، متشح بالسواد...
لكن البعض انسحب من اول جلسه للبرلمان كان قد طال انتظارها لتعقد...
لتريح... وتستريح ناشدتكم الله... اهو امر صعب على اية كتله برلمانية
او قائمه فازت بالانتحابات ان تبقى في قاعة البرلمان للتصويت بالرفض او
الموافقة ؟ فاذا كان هذا هو الصعب فكيف سنبني دولة لها وزنها بين
الدول؟..
هل المشكلة في ان البعض لا يميز بين الطبيعي وغير الطبيعي؟...
بين القذر والنظيف؟
بين ما هو كائن وما ينبغي ان يكون؟
قد يكون ذلك كله او جله صحيحا ولكن السبب الرئيس، في ظننا هو ان
المنصب صار شيئا مطلوبا لذاته وليس لاداء خدمة، وخير دليل على ذلك انه
لم يكن هناك في مباحثات قادة الكتل والاحزاب من مكان لهموم الشعب
والبرامج اللازمة لانقاذه بل هناك محادثات حول المناصب وتوزيعها...
ولا نظن نحن بعض كتاب المقالات بان شعبنا قد اقبل هذا الاقبال
الكثيف على الانتخابات ليكون فلانا وزيراً... والاخر نائبا.. انما توخى
مجلساً للنواب تنبثق عنه حكومة تخرج الشعب من محنته، فان لم يتحقق ذلك
فان المأساة ستزداد عمقا واتساعاً... ولات ساعة مندم.. |