مسلمو فرنسا ومقصلة العلمانية

 

شبكة النبأ: يعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا، ويفوق عدد أتباعه الخمسة ملايين، بنسبة 8% أو تزيد. وهذه الأرقام ليست رسمية أو حكومية، فقانون الإعلام والحريات يمنع تعداد المواطنين حسب انتمائهم العرقي أو الديني أو الفلسفي.

فطبيعة هذه الأرقام لا تتجاوز كونها استقراءات علماء الاجتماع واستطلاعات مختصّة للرأي.

وفرنسا دولة لا دينية منذ عام 1905، فهي لا تعترف بالأديان ولا تعاديها، فدستورها ينص في مادته الثانية أنها جمهورية علمانية، لكنها تحترم كل الأديان. فنظريا وقانونيا، يعامل الإسلام في فرنسا كما تعامل جميع الأديان بما في ذلك الكاثوليكية التي كانت فرنسا تعتبر ابنتها البكر قبل الثورة الفرنسية. هذا ما تنص عليه قوانين كثيرة أما في الواقع المعاش فيختلف الأمر حسب تعاقب السياسات وتقلب الأحداث المتعلقة بالإسلام محليا أو عالميا.

ويواجه المسلمون في فرنسا عدة مشاكل داخلية وخارجية، فعلى الصعيد الخارجي التصوير الإعلامي السلبي للإسلام والمسلمين وعداوة اليمين المتطرف للعرب والمسلمين خصوصا الجبهه الوطنية. وكذلك منع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس واقامة اشد العقوبات على المهاجرين غير الشرعيين المسلمين الذين يتوجهون إلى فرنسا وصعوبة اقامة الشعائر الإسلامية.

وعلى الصعيد الداخلي مشكلة قانون الجنسية والاحوال المدنية، يضاف الى ذلك الخلافات بين الجمعيات والجماعات المسلمة، التقرير التالي يبين علاقة فرنسا وطبيعة تعاملها مع المسلمين.

المسلمون والمدارس الحكومية

فقد أفاد تقرير رسمي فرنسي بتنامي الطلبات التي يتقدم بها الطلاب المسلمون وأولياء أمورهم الى نظام التعليم الرسمي في فرنسا وطالب التقرير المدرسين برفضها من خلال شرح المباديء العلمانية للدولة.

وأشار المجلس الاعلى للاندماج الى تنامي مشكلات الطلاب من أبناء المهاجرين والذين يعترضون على تدريس مواد عن المحرقة النازية أو الحروب الصليبية أو نظرية النشوء والارتقاء ويطالبون بتوفير وجبات حلال (على الطريقة الاسلامية) ويرفضون الثقافة الفرنسية وقيمها. بحسب رويترز.

وجاء في التقرير الذي نشرت مسودته صحيفة (جورنال دو ديمانش) أصبح من الصعب على المدرسين مقاومة الضغوط الدينية. وسيقدم التقرير النهائي الى الحكومة الفرنسية الشهر المقبل.

وقال التقرير يجب أن نؤكد مجددا الان على العلمانية وندرب المدرسين على كيفية التعامل مع المشاكل التي لها علاقة باحترام هذا المبدأ.

والفصل الصارم في فرنسا بين الكنيسة والدولة يقصر الدين على الشؤون الخاصة ويقف هذا الامر في مواجهة هوية اسلامية متنامية بين بعض المسلمين في البلاد وعددهم خمسة ملايين من أصل 65 مليون نسمة.

وقال باتريك جوبير رئيس المجلس الاعلى للاندماج للصحيفة ان المجلس قرر دراسة مدى تكيف الطلاب من أبناء المهاجرين مع نظام التعليم الرسمي لان هذا الامر يقع في قلب التحديات التي يجب على المجتمع الفرنسي مواجهتها.

ولم يقدم التقرير الذي درس عددا كبيرا من القضايا التي يواجهها الطلاب من أبناء المهاجرين أرقاما حول حجم المشاكل التي لها علاقة بالدين لكنه قال انها وردت كثيرا في الجلسات التي عقدها المجلس مما جعلها تستحق الاهتمام.

وتوصلت الدراسة الى أن المدرسين كثيرا ما يواجهون اعتراضات عندما يدرسون مواد عن الاديان في العالم أو المحرقة النازية ( الهولوكوست) أو حرب فرنسا في الجزائر أو عندما يناقشون الاحداث التي لها علاقة باسرائيل والفلسطينيين والوجود العسكري الامريكي في دول اسلامية.

وقال يجد المدرسون بشكل متكرر أن أولياء الامور المسلمين يرفضون تدريس المسيحية لابنائهم... بل أن بعضهم يرى أن هذا يصل الى حد التنصير.

"وتظهر معاداة السامية على السطح عند تدريس مواد عن الهولوكوست مثل ترديد نكات غير لائقة ورفض مشاهدة أفلام" عن معسكرات التعذيب النازية. وأضاف التقرير أن التوتر غالبا ما يأتي من طلاب يقولون انهم مسلمون.

ووجد المدرسون أن بامكانهم مناقشة تجارة العبيد عبر جانبي الاطلسي لكنهم يواجهون انتقادات من طلاب عندما يتطرقون الى تاريخ العبودية في افريقيا أو في الشرق الاوسط.

وفي اشارة الى تنامي الفكر المناهض لنظرية داروين للنشوء والارتقاء في الدول الاسلامية ينتقد الارتقاء من قبل طلاب يطرحون أفكارا دينية عن الخلق دون اي نقاش.

وفي بعض المناطق التي يوجد بها الكثير من المهاجرين لا يتردد العديد من الطلاب على منافذ الاطعمة والمشروبات في المدارس لاسباب دينية على الرغم من أن معظمها يقدم بدائل اذا كانت الاطباق تتضمن لحم الخنزير.

وقال التقرير ان طلب تقديم أطعمة حلال قوي حتى بالنسبة للصغار في دور الحضانة .. في بعض المدن تقدم طلبات لتقديم وجبات حلال بل وفي بعض الاحيان تطلب وجبات تتماشى مع التعاليم اليهودية.

وأكد التقرير على أن الدولة قد تسمح ببدائل للحم الخنزير لكن لا يمكنها السماح بوجبات حلال أو تتماشى مع تعاليم اليهودية لان سعر لحوم الحيوانات التي تذبح وفقا للتعاليم تشمل دفع ضريبة لمنظمات دينية حتى تقر بأن الذبح صحيح.

وقال بهذا المعنى لا يمكن للمدرسة أن تشارك في التعليم الديني لطلابها ولا الامتثال لمباديء لا تؤمن بها.

وتجيز فرنسا المدارس الدينية الخاصة وزاد عدد المدارس اليهودية فيها في السنوات القليلة الماضية. وهناك عدد قليل من المدارس الاسلامية لكن معظم أولياء الامور يجدون صعوبة في دفع مصاريفها.

وذكر التقرير أن بعض الطلاب المسلمين يضايقون المفطرين في نهار رمضان. ويضايق بعض الاولاد الذين يؤكدون على هويتهم الاسلامية ويرفضون القيم الفرنسية البنات اللاتي يبلين بلاء حسنا في الفصول ويصفونهن بأنهن متواطئات مع الفرنسيين القذريين.

وأفاد التقرير بأن بعض الفتيات يطلبن اعفاءهن من المشاركة في فصول الالعاب الرياضية أو السباحة لان اختلاطهن بالاولاد حرام.

وأضاف أن المدارس الفرنسية يجب أن تصر على مبدأ التعليم المختلط والحقوق المتساوية والاحترام المتبادل. وقال أن تكون مواطنا فرنسيا يعني أن يقبل المرء اراء مختلفة عن رأيه وهذا هو ثمن حرية الرأي والتعبير.

واستطرد هل يجب أن نتذكر أن جريمة التجديف لم تظهر في فرنسا منذ قيام الثورة الفرنسية..

ان مبدأ العلمانية يؤدي الى وضع الدين في اطار نسبي بحت. انها ثورة فلسفية تتقبلها الاديان بصعوبة.

رفض مطالب الطلبة المسلمين

وفي نفس السياق أوصى المجلس الأعلى للتكامل في فرنسا هيئات التدريس في البلاد برفض ما وصفه بالمطالب المتزايدة للطلبة المسلمين وأولياء أمورهم في البلاد.

وقال المجلس إن هناك مشاكل متنامية بسبب مطالبة طلبة من أبناء المهاجرين بتوفير اللحم الحلال لهم في الوجبات المدرسية، وبسبب الاعتراضات التي يقدمونها لدى تدريس بعض المناهج مثل الأديان والحرب الفرنسية في الجزائر، والأحداث المتعلقة بالفلسطينيين والإسرائيليين والأنشطة العسكرية الأمريكية في دول مسلمة، وكذلك مواضيع كالهولوكوست والحروب الصليبية والنشوء والارتقاء.

وأوصى المجلس برفض هذه المطالب وضرورة أن توضح هيئات التدريس لأولئك الطلبة المبادئ العلمانية للبلاد. حسب فرانس برس

وأشار إلى أنه أصبح من الصعب على المدرسين مقاومة الضغوط الدينية. وطالب بأن نؤكد الآن علمانيتنا وندرب المدرسين على كيفية التعامل مع مشاكل محددة تتعلق باحترام هذه المبادئ.

وبسبب الفصل التام في فرنسا بين الدولة والكنيسة يظل الدين من اهتمامات الأفراد والهيئات الخاصة.

إلا أن هذا المنهج يواجه تحديا كبيرا في البلاد بسبب تنامي تأكيد الهوية الإسلامية في صفوف جاليتها المسلمة التي يبلغ عددها 5 ملايين مسلم من أصل 65 مليونا هم عدد سكان فرنسا.

وقال باتريك جوبرت رئيس المجلس الأعلى للصحيفة إن مجلسه قرر دراسة تكيف الطلبة من خلفيات مهاجرة مع النظام التعليمي في البلاد، لأن ذلك "في قلب التحديات التي يتوجب على المجتمع الفرنسي مواجهتها.

وأضاف أعلينا أن نذكّر بأن جريمة الإلحاد ليس لها وجود في فرنسا منذ الثورة الفرنسية؟.

إن مبدأ العلمانية يؤدي جديا إلى جعل الدين مسألة نسبية، وهذه ثورة فلسفية لا تقرها الأديان إلا بصعوبة بالغة.

حظر الحجاب

وعلى صعيد آخر يتوقع ان يجري التصويت لصالح حظر البرقع والنقاب في فرنسا بشكل واسع في الجمعية الوطنية الفرنسية بعد ظهر الثلاثاء ليجتاز مشروع القانون مرحلة تشريعية جديدة بالرغم من بعض التحفظات القانونية والاستياء الذي اثاره النص في صفوف المسلمين.

وتريد فرنسا التي تضم اكبر عدد من المسلمين في اوروبا مع خمسة وستة ملايين مسلم، حظرا شاملا لارتداء البرقع او النقاب في كل الاماكن العامة بما في ذلك في الشارع.

وقد اوضحت وزيرة العدل ميشال اليو ماري اثناء مناقشة في مجلس النواب في السادس من تموز/يوليو ان اخفاء الوجه تحت حجاب كامل مخالف للنظام العام الاجتماعي، أكان ذلك بصورة طواعية او بالاكراه. حسب فرانس برس

ويأتي هذا التصويت تطبيقا للمبادىء الواردة في قرار للبرلمان الفرنسي تم التصويت عليه بالاجماع في ايار/مايو. ويحدد ذلك القرار ان الممارسات الراديكالية التي تمس الكرامة والمساواة بين الرجال والنساء، ومنها ارتداء الحجاب الكامل، تتعارض مع قيم الجمهورية.

ومن المتوقع ان تتم الموافقة على نص القانون المطروح لتصويت النواب اليوم الثلاثاء بشكل مريح. وسيصوت عليه اليمين بغالبية واسعة فيما لن يشارك الاشتراكيون والشيوعيون في التصويت. ويتوقع ان يعارضه عدد قليل جدا من النواب الخضر.

وتعول الحكومة على تبني النص بصيغة مماثلة في ايلول/سبتمبر في مجلس الشيوخ، الغرفة العليا في البرلمان، مما يسمح نظريا بتطبيقه سريعا.

لكن زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الرئاسي الاتحاد من اجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه يرغب في رفع كل العقبات القانونية التي تعترض هذا القانون، ويدعو لذلك الى رفع القضية الى المجلس الدستوري.

وقال في هذا الصدد تجنبا لاي غموض ولان البعض عبر عن شكوك لن يزيلها تصويتنا مهما كان واسعا، اود ان يطرح القانون بعد التصويت، اي قبل اصداره، على المجلس الدستوري تجنبا لاي احتجاج على تطبيقه.

وفي الواقع عبر مجلس الدولة الذي يعد اعلى سلطة ادارية في البلاد، عن تحفظات قانونية حول منع شامل بما فيه الشارع، واعتبره "بدون اساس قانوني". واوصى في اعلان غير ملزم بان يقتصر المنع على بعض الاماكن العامة (الادارات ووسائل النقل والمراكز التجارية).

وبحسب القانونيين فان فرنسا قد تتعرض لادانة المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان التي تعتبر ان بامكان كل شخص ان يعيش وفقا لمعتقداته شرط ان لا يسيء الى الاخرين. وانتقدت منظمة العفو الدولية ايضا هذا النص لاسباب مماثلة الى حد ما.

ويرفض المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية، الهيئة الرئيسية الممثلة للمسلمين، ايضا اي مشروع قانون يمكن ان يسيء الى الاسلام في حين لا يعني ارتداء الحجاب الكامل سوى الفي امرأة على اقصى تقدير بحسب احصاءات وزارة الداخلية.

وبالرغم من الاستياء الذي اثارته القضية بين مسلمي فرنسا، ارتأى المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية التحفظ منذ بدء العملية البرلمانية حرصا منه على عدم تسميم الامور.

ويتضمن النص حظر ارتداء الحجاب الكامل (النقاب والبرقع) في جميع الاماكن العامة تحت طائلة فرض غرامة بقيمة 150 يورو و/او تدريب على المواطنة. لكن هذه العقوبات لن تدخل حيز التنفيذ الا بعد ستة اشهر من تاريخ اصدار القانون، بعد فترة تربوية.

الى ذلك فان كل شخص يرغم امرأة على التحجب سيتعرض لعقوبة السجن لعام مع غرامة بقيمة 30 الف يورو. وتضاعف هذه العقوبات في حال كان الشخص المرغم قاصرا.

رفض الاسلام المتشدد

من جهته دعا رئيس الوزراء الفرنسي فرانسو فيون مسلمي فرنسا الى رفض أغطية الوجه بوصفها تشويها طائفيا مبالغا فيه للاسلام.

جاء ذلك قبل أسبوع من بحث البرلمان مشروع قانون يحظر البرقع والنقاب في الاماكن العامة.

وقال فيون في افتتاح مسجد في ضاحية في شمال غرب باريس ان المسلمين الفرنسيين عليهم محاربة الاقلية الصغيرة الراديكالية التي تستخدم النقاب كوسيلة لمحاربة الاندماج في الاسلام السمح الذي يحترم فصل الدين عن الدولة.

وقال فيون وهو أرفع مسؤول فرنسي يفتتح مسجدا منذ عقود ان اسلام فرنسا... الاسلام الذي تمارسونه كل يوم لا علاقة له بهذا التشويه المبالغ فيه الذي يطفئ نور ايمانكم. وصفق له الحشد. حسب رويترز

وأضاف عليكم أن تقفوا في خط مواجهة مع هذا الخطف للرسالة الدينية... انكم وحدكم القادرون على تحقيق نصر فكري على الظلامية و(تحقيق نصر) للتسامح على التعصب.

وتزايد شعور الاقلية المسلمة في فرنسا بالتهميش خلال العام الماضي حيث قادت حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي جدلا عاما بشأن الهوية الوطنية وقررت حظر الغطاء الكامل للوجه. والاقلية المسلمة في فرنسا هي الاكبر في أوروبا ويبلغ حجمها خمسة ملايين نسمة.

ويعتبر كثير من المسلمين الفرنسيين أنفسهم مواطنين مندمجين تماما في المجتمع الفرنسي. ولا يرتدي البرقع أو النقاب الا أقلية صغيرة للغاية صارت في الاونة الاخيرة مثارا للخلاف في عدة دول أوروبية.

وفيما كان فيون يتحدث كانت هناك امرأة في مدينة نانت الغربية تحاكم بتهمة قيادة سيارة وهي ترتدي النقاب. وأجبرتها الشرطة على دفع غرامة لارتدائها ملابس تحجب الرؤية الكاملة. وأحيلت هذه القضية الى القضاء بعدما طعنت وزوجها في هذا الاجراء.

ودافع فيون عن خطط منع النقاب الكامل قائلا ان الحكومة تريد بذلك الدفاع عن بعض مبادئ المجتمع.

وقال هذه الممارسة من جانب الاقلية والتي تقوض القواعد الاساسية للعيش المشترك وتعرض مواطنينا للفضيحة.. تعادل السلوك الراديكالي الذي لا يجسد حقيقة الاسلام.

واوضح رئيس الوزراء أنه يأخذ في الاعتبار مخاوف المسلمين بشأن مشاعر معاداة المسلمين التي يشهدونها في فرنسا مشيرا الى أنه جرى تشويه أو مهاجمة ستة مساجد خلال العام الماضي وجرى تخريب كثير من مقابر المسلمين في مطلع العام.

وقال 30 في المئة من جميع أعمال العنف العنصرية (في العام الماضي) ومعظمها تهديدات كانت ضد مسلمين.

وقال محمد موسوي رئيس مجلس مسلمي فرنسا ان فيون محل ترحيب بعد التوتر الذي أثاره جدل الهوية الوطنية والنقاب. وقال لصحيفة لا كروا اليومية ان وجوده بادرة احترام.

وقال الاشتراكي فيليب دوسيت رئيس بلدية بلدة أجرنتيل التي أقيم فيها المسجد ان رئيس الوزراء المحافظ يعوض عن خطأ سياسي متمثل في بدء جدل سياسي عاطفي بشأن الهوية والنقاب.

وفي محاكمة المرأة المنقبة اتهم محامي الدفاع الشرطة بالعنصرية وقال انه لا يوجد قانون يمنع السائقات من ارتداء النقاب الذي فيه فتحتان للعينين.

وقال النقاب ليس أسوأ من الخوذة التي يرتديها سائقو فورميولا واحد الذين يلفون المضمار بسرعة 320 كيلومترا في الساعة ويمكنهم على الرغم من ذلك النظر في المرآة لرؤية المشهد خلفهم.

مسجدا بضاحية باريسية

وفي أطار آخر دشن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الاثنين مسجد الإحسان بإحدى ضواحي العاصمة باريس والتي يعيش بها نحو 28 ألف مسلم في مبادرة هي الأولى من نوعها لرئيس حكومة بفرنسا. وأكد فيون بأن حقيقة إسلام فرنسا اليوم تتمثل في إسلام سلم وحوار واعتدال يمارس في ظل احترام "مبادئ الجمهورية.

اشاد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون الاثنين بالاسلام في فرنسا معتبرا انه دين سلم وحوار وان النقاب الذي تريد حكومته حظره في الاماكن العمومية، انحراف علن الرسالة الدينية.

وقبل ايام من النقاش البرلماني حول النقاب الذي سيبدا في السادس من تموز/يوليو، دشن رئيس الوزراء مسجد الاحسان في ارجنتاي (ضاحية باريس حيث يعيش نحو 28 الف مسلم) في اول مبادرة من نوعها لرئيس حكومة.

وامام العديد من ممثلي مسلمي فرنسا المستائين مما دار من نقاشات حول الهوية الوطنية والنقاب، اكد فيون ان حقيقة اسلام فرنسا اليوم تتمثل في اسلام سلم وحوار، انه دين اعتدال يمارس في ظل احترام مبادئ الجمهورية.

وفي الوقت نفسه اعتبر ان عدو اللحمة الوطنية هو الانكفاء الطائفي ومن اخطر اشكاله التطرف الديني.

وقال رئيس الوزراء ان بتقمصهم صورة حالكة ومتعصبة، يمثل الاشخاص الذين يخفون وجوههم بدعوى عقيدتهم، هم بوعي او بدونه، اعداء اسلام فرنسا الذي تساهمون في بنائه داعيا المسلمين الى الوقوف ضد هذا الانحراف في الرسالة الدينية. حسب فرانس برس

وتقول السلطات ان عدد النساء اللواتي ترتدين النقاب او البرقع لا يتجاوز الالفين في فرنسا من اصل ما بين خمسة الى ستة ملايين مسلم.

ويحظر مشروع القانون المطروح على البرلمان النقاب في الفضاء العام تحت طائلة غرامة ب150 يورو و(او) فترة تاهيل للحس المدني كما يواجه ازواج او رجال اللواتي ترتدينه حكما بالسجن سنة وغرامة قدرها 15 الف يورو.

وانتقدت الجبهة الوطنية ابرز تشكيلات اليمين المتطرف، ان يدشن رئيس الوزراء مسجدا.

وقال بيان للجبهة التي يزعمها جان ماري لوبن مر زمن طويل لم يدشن احد اكبر مسؤولي الدولة مكان عبادة. ويعود ذلك الى عهد الامبراطورية الثانية (1852-1870)، لكن اليوم سنة 2010 يدشن رئيس الوزراء فرانسوا فيون مسجدا.

مراقبة العنصرية

من جهة أخرى وقع وزير الداخلية الفرنسي بريس اورتفو مع هيئة ممثلي المسلمين في فرنسا محمد موساوي اتفاقا لـ تحسين مراقبة الأفعال والتهديدات المناهضة للمسلمين، التي ما انفكت ترتفع من سنة لأخرى والتي بلغ عددها 314 خلال 2009.

وقعت وزارة الداخلية الفرنسية مع الهيئة التي تمثل مسلمي فرنسا الخميس اتفاقا يهدف الى تحسين مراقبة الافعال والتهديدات المناهضة للمسلمين والتي بلغ عددها 314 خلال 2009.

ويرغب وزير الداخلية بريس اورتفو ورئيس مجلس مسلمي فرنسا محمد موساوي بذلك تفعيل عملية احصاء الافعال المناهضة للمسلمين على غرار الاتفاق الذي وقعته الدولة مع الطائفة اليهودية في فرنسا.

 واكد اورتفو في المجموع وقع 1026 عملا عنصريا خلال 2009، وذلك يشمل 220 حادثا و806 تهديدات.

 واضاف ان 314 من هذه الوقائع اسفرت عن اضرار طالت اشخاصا او مواقع اسلامية. بحسب فرانس برس.

ودعا موساوي الى مواجهة هذا الخطر المحدق بالوحدة الوطنية سويا. وقد حكم على اورتفو نفسه المقرب من الرئيس نيكولا ساركوزي، في مطلع حزيران/يونيو بدفع غرامة قدرها 750 يورو لانه ادلى بتصريحات في ايلول/سبتمبر 2009 اعتبرت مشينة بحق اشخاص من اصل عربي، لكنه قرر استئناف الحكم.

وقال اورتفو على هامش اجتماع سياسي الصيف الماضي دون الانتباه الى ان كاميرا كانت تصوره لا بد من وجود احدهم (العرب). لا باس عندما يكون واحد منهم، لكن اذا تكاثروا، هناك تبدا المشاكل.

حفل نقانق وخمر

من جانب آخر اعلنت الشرطة في العاصمة الفرنسية حظر حفل نقانق وخمر كان مخططا اقامته في وقت لاحق من الاسبوع الجاري في حي بباريس يقطنه العديد من المسلمين قائلة انه يثير مخاطر وقوع اضطرابات.

ووجه ساسة وجماعات مدنية انتقادات متزايدة للحدث الذي اعلن عنه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك facebook في اواخر الشهر الماضي في الايام الاخيرة حيث تضم صفحته صراحة شعارات مقنعة مناهضة للمسلمين اجتذبت اكثر من سبعة الاف عضو.

وكان من المقرر اقامة الحفل الذي اطلق عليه حفل خليط من المشروبات الروحية عملاق وهو موعد نظر اليه على انه استفزازي للغاية بسبب اداء المسلمين لصلاة الجمعة ومباراة كرة القدم في كأس العالم بين انجلترا والجزائر ذات الاغلبية المسلمة.

ويصادف الذكرى السنوية السبعين للمناشدة الشهيرة التي اطلقها الجنرال شارل ديجول في عام 1940 من لندن مطالبا فيها الفرنسيين بمقاومة الاحتلال الالماني لبلادهم.

وقالت الشرطة في بيان ان هذا الحدث الذي يقام في الهواء الطلق يخلق مخاطر شديدة لوقوع اضطرابات للنظام العام مشيرة الى المعاني الرمزية التي يحملها توقيت الحفل والمكان اللذين تم اختيارهما لاقامة حفل تباهي رخيص غوغائي. وقالت انه تم التخطيط لمكافحة المظاهرات. حسب رويترز

وكتبت المنظمة الرئيسية سيلفي فرانسوا انها كانت تريد ان يكون الحدث احتجاج مرح على اغلاق المسلمين الطرق في حي جوت دور كل يوم جمعة حيث يصلون في الشوارع خارج المسجد المكتظ هناك.

وقال برتران ديلانو رئيس بلدية باريس في بيان قبل الحظر ان الحفل من الواضح انه ملهم من حركات اليمين المتشدد ويبدو انه تم اعداده للتحريض ويحتمل على العنف.

واستنكرت فضيلة عمارة وزيرة الدولة للسياسة المدنية وهي مسلمة الحدث المزمع وقالت انه محاولة من قبل اليمين المتطرف لنشر الكراهية.

وبعد اعلان الحظر كتب مؤيدون على صفحة فيسبوك انهم سيواصلون التجمع في جوت دور وهي منطقة مختلطة عرقيا تقع شمال شرق باريس.

وكتب احد المؤيدين ويدعى انطوين انه رسمي -- يمكن للمسلمين الصلاة في الشارع لكن ليس لنا الحق في اكل لحم الخنزير هناك. الشريعة الاسلامية هي التي تحكم فرنسا الان.

كراهية وعداء

وتوالت ردود الفعل المنددة بهذا التجمع في الساحة الفرنسية، وتقدمت رابطة مناهضة العنصرية آس أو آس راسيزم بدعوى لوقف هذا التجمع وقالت إنه تجمع عنصري، منظموه يرتكزون على نفس الحيثيات التي ارتكزت عليها جمعية التضامن مع الفرنسيين التي نظمت في العام 2007 حساء بلحم الخنزير للأشخاص بدون مأوى في الشوارع .

من جهته، اعتبر رئيس رابطة مكافحة العنصرية والإسلاموفوبيا بفرنسا عبد العزيز شعمبي في اتصال مع فرانس 24 بأن هذا استفزاز مباشر للمسلمين من قبل اليمين المتطرف الذي هو وراء الدعوة، مضيفا هذه حلقة جديدة من معركته ضد الدين الإسلامي، ومن المؤسف أن شخصيات من اليسار ومن الجالية المسيحية بدأت تنضم لمثل هذه الدعوات التي لا هدف من ورائها سوى التعبير عن الكراهية والعداء للمسلمين والعرب.

خرق مباشر للقانون

وفي الأطار القانوني تابع عبد العزيز شعمبي قائلا: تنظيم تجمع كهذا في مكان 30 بالمئة من سكانه مسلمون، وفي يوم الجمعة دعوة مباشرة للمواجهة مع المسلمين، لذلك فنحن نتخوف كثيرا من أن تنحرف الأمور عن مسارها الطبيعي.

وكان المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد قدم طلب رسمي للسلطات الفرنسية لمنع تنظيم هذا التجمع. فرئيس المجلس محمد موسوي يرى أن اليمين المتطرف، يقف وراء هذا التجمع بعد ما كان وراء الملصقات الدعائية خلال الحملة الانتخابية وحملة منع بناء المساجد قديما وحديثا، وهو معروف برسالته العدائية للمسلمين والعرب والأجانب، ويواصل: بما أن الدعوة مبنية أساسا على المواجهة مع المسلمين وعلى العداء والكراهية، فإن ذلك خرق مباشر للقانون، ولا نظن بأن السلطات الفرنسية ستسمح بمثل هذه الخروقات.

تعديل قانون الجنسية

وأعلن وزير الداخلية الفرنسي بريس أرتوفو أنه ينوي تعديل قانون الجنسية لكي يصبح بإمكان الدولة تجريد الأشخاص الذين يثبت أنهم يعيشون في وضعية تعددالزوجات. واعتبر أرتوفو أن تعديل القانون ليس من المحرمات.

أعرب وزير الهجرة الفرنسي إيريك بيسون عن مساندته لوزير الداخلية بريس أرتوفو في مساعيه للقيام بتعديلات لقانون الجنسية الفرنسية بغية مكافحة حالات تعدد الزوجات، وذلك عن طريق حرمان الرجل المتزوج بأكثر من امرأة من جنسيته في حال حصل عليها بفضل زواجه بسيدة فرنسية. وأعلن أرتوفو أن قرار التعديل لن يتم إلا في حالة موافقة رئيس الوزراء والرئيس الفرنسي عليه. حسب فرانس برس

وجاء قرار أرتوفو في إطار آخر تطورات قضية الفرنسي الجزائري الياس حباج الجزائري. وقد اندلعت القضية في أبريل/نيسان الماضي، عندما رفضت زوجته المنقبة دفع غرامة مالية فرضها عليها شرطيا لقيادتها سيارة في ظروف غير مريحة. وبعد قيامها بجذب أنظار وسائل الإعلام إلى قضيتها، فُجّرت قضية زوجها الذي اكتشف أنه قد يكون متعدد الزوجات ومشتبه به في التحايل على الدولة للحصول على مساعدات اجتماعية والعمل بصفة غير شرعية بحسب وزير الداخلية الفرنسي الذي كان طالب منذ أبريل/نيسان بفتح تحقيق بحق الياس حباج وبحث إمكانية سحب الجنسية الفرنسية منه.

لكن القانون الفرنسي الذي يعرّف تعدد الزوجات على أنه زواج شخص ما مدنيا في حين أنه متزوج مدنيا من امرأة أخرى، يعقّد مأمورية السلطات الفرنسية في إثبات ما إذا كان شخص ما متعدد الزوجات أم لا بحسب وزير الداخلية، الذي أوضح أنالقانون لا يأخذ بعين الاعتبار الزواج الديني ولا أشكال أخرى من العلاقات التي قد تجمع بين رجل وامرأة والتي تجعل من الرجل في واقع الأمر متعدد الزوجات، لأنه مرتبط بعدة نساء في الوقت نفسه، بالرغم من عدم وجود أوراق تثبت ذلك. وهو ما يجعل الزوج يستفيد من المساعدات الاجتماعية المادية التي تقدمها الدولة لزوجاته ليس بصفتهن زوجاته ولكن لأسباب اجتماعية أخرى.

تعدد الزوجات

وبالرغم من أن لا أحد أو تقريبا يعد متعدد زوجات في فرنسا في نظر القانون، فإن تقريرا للجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان أظهر أن ما بين 16 ألفا إلى 20 ألف عائلة أي حوالي 180 ألف شخص، من بينهم أطفال، يعيشون في واقع الأمر وسط حالات تعدد الزوجات بحسب تصريح لبريس أرتوفو.

وينوي الوزير من خلال تعديل القانون ضرب عصفورين بحجر واحد، أي تجريد الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية من خلال زواجهم بفرنسيات في حالة ثبت أنهم يعيشون في وضعية تعدد الزوجات لأنه بحسب أرتوفو "اكتساب الجنسية عقد يمكن فسخه كأي عقد آخر وبالتالي حرمانهم من الاستفادة من المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة لفرنسية لزوجاتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/تشرين الثاني/2010 - 2/ذو الحجة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م