للسياسة العراقية ولعبتها التي تجري في العراق قوانين وقواعد يجب
على من أبحر في عباب بحرها ان يعرف الحد الادنى منها كي يبقى صامداً
متماسكاً في قاربه المسافر في خضم تياراتها المتلاطمة التي لاتُسلم
نفسها لاي سياسي على نحو سهل طالما كان هذا السياسي العراقي جاهلا
بفنونها غير مدركا لألاعيبها ولا واعيا بالمسارات والخطط التي تقتضيها.
وفي أتون مايحدث في العراق من صراعات ومخاضات حول انتقال السلطة
وتشكيل الحكومة الجديدة، نجد ان الكتل السياسية التي تتنازع فيما بينها
حول المناصب والاستحقاقات الانتخابية والوطنية تقوم باتخاذ الكثير من
القرارات التي تتعلق بالمرحلة السياسية الحالية التي يعتبرها الكثير من
المحللين والمراقبين مفصلية وحرجة من خلالها يمكن ان نثبت فاعلية
ومصداقية الديمقراطية وآلياتها في العراق.
واحدة من القرارات التي بصدد ان تُتخذ من قبل القائمة العراقية هو
ما اعلنته الاخيرة يوم الخميس، 4-11-2010 والسبت 6-11-2010، من انها "
ستنسحب من العملية السياسية في حال حاولت بعض الكتل السياسية سلب
استحقاقها الانتخابي والدستوري"، وان " غالبية من أعضاء مجلس النواب عن
العراقية قد وضعوا استقالاتهم تحت تصرف قيادتهم للتصرف بها حسبما تراه
مناسبا لصالح موقف الائتلاف والعملية السياسية" كما جاء على لسان حيدر
الملا وهو احد الناطقين باسمها الذين يتحملون الكثير من الاثام
السياسية حول التناقضات التي يجدها المواطن في تصريحاتهم المتضاربة حول
مواقف القائمة العراقية.
الغريب في الامر ان زعيم قائمة حيدر الملا،وهو الدكتور اياد علاوي،
والذي من المفترض ان يتوافقا في الراي، اعلن، وفي مقابلة مع صحيفة
(الغارديان)،الثلاثاء 2-11-2020 من انه " قد ينسحب من مباحثات اقتسام
السلطة بشأن تشكيل الحكومة القادمة للعراق ويقود المعارضة" وانه قال
للصحيفة " ان المعارضة هي موقعنا الحقيقي، ونحن في الايام الاخيرة
للوصول على قرار بهذا الشأن".
والتناقض واضح بين كلا التصريحين الذي بينهما فرق كبير حيث ان
المعارضة تبقى تتحرك وتعمل تحت ظل العملية السياسية وهي جزء مهم من اي
نظام ديمقراطي، اما الانسحاب منها فالامر يختلف تماما فهو رفض قاطع لها
وتنصل عنها وهو أمر يعود بالعراق الى السنوات الاولى بعد سقوط نظام
صدام حيث عزفت شريحة كبيرة من الشعب العراقي على عدم المشاركة في
العملية السياسية في قرار اعتبره الكثير فيما بعد قرار خاطئ وغير صحيح.
وبغض النظر عن التناقض بين التصريحين وهو عينة فاضحة لما يحدث في
القائمة العراقية الذي يحتاج لدراسة وبحث مفصل عن هذا الموضوع يدرس
اسبابه ويبحث عن نتائجه ويتأمل في دلالاته، فان اتخاذ العراقية قرار
التنحي والجلوس في مقاعد المعارضة سيكون له تبعات خطيرة وعواقب وخيمة
تنعكس بضلالها على القائمة العراقية نفسها قبل غيرها من القوائم
السياسية الاخرى.
انه انتحار سياسي بامتياز ستحصد القائمة ثماره على المدى القريب
والبعيد على حد سواء وسيكون الناخب الذي منح صوت لهم هو الخاسر الأكبر
في هذا القرار الخطير الذي لازال قيد الدراسة من قبل بعض اعضاء القائمة
كما يهدد بعض منهم به كلما احسوا ان هنالك تهديد حقيقي وتجاهل واضح
لاستحقاهم الانتخابي في الحكومة المقبلة.
بداية.. يجب المرور والتذكير بحقيقة تتعلق بالتجربة الديمقراطية في
العراق اذ ان الناخب العراقي، شأنه شان السياسي، لم يصل الى مرحلة
النضج السياسي للديمقراطية بحيث يستطيع ان يفهم معنى المعارضة
البرلمانية التي تُكمل المشهد السياسي للبلد الديمقراطي خصوصا اذا ما
شكّلت هذه المعارضة هيئة او لجنة تطلق على نفسها حكومة الظل.
الناخب العراقي لايفهم ذلك ولايستطيع خلال هذه الفترة البسيطة من
عمر الديمقراطية ان يدرك حقيقة المعارضة البرلمانية، ولهذا من الصعب
على الناخب الذي انتخب القائمة العراقية في محافظات الموصل وصلاح الدين
وكركوك وديالى والانبار وحتى بغداد، ان يقتنع باتخاذ العراقية موقف
المعارضة البرلمانية، اذ انه بانتخابه للعراقية كان يأمل ان تتحسن
اوضاع محافظاتهم الخدمية فضلا عن ايجاد حلول لمشكلات البطالة الذي
يشعرون به.
نعم في العراق المواطن ينتخب سياسيه، في بعض الاحيان، لاسباب بسيطة
ربما لاتعدو ان تكون متعلقة بايجاد فرصة عمل له او تحسين وضع مدينته او
ارجاع الكثير من الموظفين الذي طالهم قانون اجتثاث البعث الى وظائفهم
او ربما تكون ضد فكر وتيار سياسي اخر احس انه لايمثله ولايعبر عن
مطالبه ولايوفر له حاجياته، وناخب العراقية قد صوت لها لهذا الاسباب
وحينها اذا اصبحت معارضة فلن يتحقق اي هدف من هذه الاهداف.
نعم بالطبع سوف يأخذ اعضاء العراقية في البرلمان العراقي ممن
التحقوا بالمعارضة رواتب ضخمة مدى الحياة وسيسافرون اي بلد يرغبون فيه
ويتمتعون بحمايات وحرس تمنع عنهم الاغتيالات والارهاب...ولكن في
المقابل لن يحصل المواطن والناخب الذي اعطاهم صوته جزء ضئيل من
الامتيازات المالية والمعنوية الذي سيحصلون عليها وهو في البرلمان في
موقف المعارضة.. وحينها سيتساءل الناخب، ومن حقه اي يفعل ذلك، هل منحت
صوتي لاشخاص من اجل ان يتمتعوا بامتيازات لم يكن جميعهم يحلم بها ثم
ابقى انا في وضع مزري بائس؟
الم يكن حرّي بي ان انتخب غيرهم ممن سيكون لهم صوت فعلي و واقعي
ومؤثر في مؤسسات ومفاصل الدولة؟
هل واجهت الموت والتهديدات والارهاب من اجل ان يسافر هذا البرلماني
الى دول الجوار من اجل قضاء عطلته مع اهله واطفاله وانا ارزح هنا مع
اهلي في العراق في وضع لا احسد عليه؟
ومن جانب اخر.. ماذا لو اصبحت العراقية في المعارضة؟ لن يحصل شيء
بالنسبة للمسيرة الديمقراطية في العراق ولن تحصد العراقية ماتطمح له،
فقطار الديمقراطية سوف يستمر بالانطلاق وان تعثر احيانا، بل ان المرحلة
القادمة ستكون مرحلة لطوي ملف الامن والاتجاه نحو ملف الاعمار والبناء
وهو مايمكن ان تنجح به الحكومة خلال السنوات القادمة، وفي وقتها ستكون
الانتخابات الاخرى القادمة في عام 2014 موعد لعقاب اعضاء القائمة
العراقية الذين تخلو عن ناخبيهم وجلسوا في مقاعد المعارضة ولم يفعلوا
شيئا يستحق الذكر لهم.
ان خيار المعارضة البرلمانية بالنسبة للقائمة العراقية هو قرار خاطئ
وانتحار سياسي بامتياز وسوف لن يجني الكثير من الثمار، اذا كان لقرارهم
نتائج اصلا، وأشك تماما في اتخاذهم هكذا قرار، خصوصا وان الكثير من
اعضاء القائمة كانوا من ضمن المعارضة في المرحلة السابقة، وهؤلاء
يعلمون بصورة اكيدة ان أسهم المعارضة البرلمانية في بورصة السياسية
العراقية الحاضرة لاقيمة لها.
[email protected] |