الفضائيات العراقية ومعايير حرية التعبير

قناة البغدادية مثالا

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: حرية التعبير مكفولة للجميع، تقول الدساتير والتشريعات في دول العالم حتى الدكتاتورية منها، وتضيف انها محددة بأنظمة وقوانين. وهنا مصدر الخلاف الذي ينشا احيانا بين وسائل الاعلام والحكومات صاحبة التشريع.

وسائل الاعلام ترى ان لا شيء يجب ان يحدّ من حرية التعبير والوصول الى المعلومة والمشرعون يرون ان ذلك مرهون بجملة من الانظمة والقوانين التي لا يجب تجاوزها. وهي ان لم تكن مذكورة في التشريعات فهي اعراف قد تكون سياسية او اجتماعية او دينية لا يجوز المساس بها حسب وجهة النظر الثانية. وهناك ضوابط مهنية خارج هذه السياقات تعارف عليها العاملون في الوسط الاعلامي تشكل ضابطا اخر من الضوابط.

الاعلام سلطة رابعة مستقلة مثلما باقي السلطات الثلاث (التشريعية – التنفيذية – القضائية) ومبدأ الاستقلال بالنسبة للسلطة الرابعة مبدا جوهري لا يجوز المساس به تبعا لإستقلالها المالي بالنسبة للسلطات الثلاث اعتمادا على المساهمين وعلى الاعلانات او الاستثمارات في مجالات اخرى.

هذه الاستقلالية تشوبها احيانا توجهات المساهمين في ملكيتها او التقاطعات الحاصلة بسبب ما ينشر فيها احيانا والتي لا تنسجم مع بعض القوانين المرعية في تلك الدول رغم شفافيتها واستقلال سلطاتها القضائية.

في العام 2003 وعلى وقع التغيير العنيف الذي حدث في العراق بعد حرب الصدمة والترويع انفجر الوسط الاعلامي العراقي الى شظايا عديدة من الصحف والمجلات والمحطات الاذاعية والتلفزيونية الارضية منها والفضائية.

وبعد ان كانت الصحف التي تصدر في العراق تعد على اصابع اليدين والرئيسية منها تعد على اصابع اليد الواحدة (الثورة – الجمهورية – القادسية – بابل – العراق) اصبحت طوفانا يوميا تعدى الرقم المائة بكثير.

كانت البدايات مرتبكة بالنسبة لمعظم تلك الوسائل الاعلامية فهي خرجت لتوها من سطوة الصوت الواحد واللون الواحد وحفلات المديح للقائد الضرورة والقيادة الرشيدة. واصبحت الان تتحدث بحريتها الكاملة بعد عقود من الكبت والقمع ومصادرة الاصوات المختلفة.

ولا يمكن النظر الى تلك الوسائل الاعلامية بمعزل عن التوجهات السياسية والثقافية وحتى المذهبية للمؤسسين لها او القائمين عليها او حتى العاملين فيها.

فهي قد تعلن صراحة عن مثل هذه التوجهات او انها قد تكون مضمرة في موادها التي تقدمها للجمهور (اخبار – تقارير). الا انها في معظمها وتحديدا في برامجها السياسية تنتقد الحكومة مشخصنة برئيس الوزراء لأنه من توجه سياسي اخر يختلف عنها ولا تنتقد المكونات الحكومية الاخرى التي يدير ممولوها مفاصلها في عدد من الوزارات او الدوائر.

قد نحتاج الى بعض الامثلة:

الاتفاقية العراقية الامريكية انتقدتها الوسائل الاعلامية التابعة للكتل السياسية وانتقدت توقيع المالكي عليها ونسيت ان تنتقد نوابها الذين صوتوا عليها بالموافقة داخل البرلمان واصبحت قانونا.

قانون المساءلة والعدالة الذي تهاجمه القائمة العراقية من خلال منابرها الاعلامية والمنابر المحسوبة عليها ولا تتطرق الى تصويت نوابها عليه داخل البرلمان.

بعبارة اخرى لا يمكننا الحديث عن مهنية اعلامية محترفة في سياق الخطابات اليومية لتلك الوسائل.

يكتب جمعة الحلفي في موقع الفيحاء الالكتروني، "الإعلام الجيد الذي يحترم نفسه هو الذي يعتمد الصدقية قبل السبق الصحفي والإثارة. وهو الذي يستند إلى المعلومة الصحيحة ويدقق في مصادرها قبل الإقدام على نشرها أو بثها. وهو الذي يختار الأخبار والمعلومات التي يستحق القارئ والمشاهد سماعها والإطلاع عليها بدون انحياز أو أغراض جانبية غير موضوعية. فالواجب المهني يحظر على الإعلام اجتزاء الحقائق أو تشويهها أو استخدامها في غير مقصدها. والمعايير المهنية تستوجب الحذر من أي تحريض على العنف أو على النزعات الطائفية والعنصرية".

ما حدث قبل أيام مع فضائية البغدادية يستحق أن نتوقف عنده ونعيد التأكيد على حقائق تغيب عن البال أحيانا. فحرية التعبير يجب أن تكون مصانة ومحترمة ولكن قبل ذلك يجب أن تصان أرواح الناس وتحترم حقوقهم. وحرية التعبير في أرقى الديمقراطيات لها سقف تقف عنده عندما يتعلق الأمر بحرية الآخرين فكيف الأمر معنا في العراق حيث يضرب العنف والإرهاب ذات اليمين وذات الشمال بين يوم وآخر؟

نعود لنقول أن البغدادية وسيلة إعلام لكنها أو لكن البعض ينسى ذلك أحيانا ويتعامل معها كحزب سياسي. وهي نفسها تتصرف بهذه الطريقة وتصدر بيانات تشبه بيانات الانقلابات العسكرية حول قضايا مهنية لا تستوجب كل هذا الصراخ والتهديد والوعيد واستعداء الآخرين، إنما تتطلب مناقشات هادئة ورصينة تشرح وتوضح وتكشف وتعزز روح الحوار البناء سواء كان يتعلق الأمر بالإعلام أم بسواه.

مساء الاثنين وعندما جاء بضعة عناصر من الشرطة مع موظفين فنيين من هيئة الإعلام والاتصالات لتبليغ البغدادية بقرار تعليق رخصتها قال مقدم البرنامج الذي كان يبث على الهواء حرفيا (إذا كانت القوات العسكرية تطوق البغدادية فالشعب العراقي يطوق الآن هذه القوات).

في كتاب ادبيات الاعلام/ ديونتولوجيا الاعلام لجان كلود برتراند الصادر عن المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع يكتب المؤلف:

لا خلاف عميق بين الممتهنين والمراقبين الجامعيين ونجوم المنتفعين حول ما يتوجب على الوسائل الاعلامية ان تفعله وما لا يتوجب عليها ان تفعله.

القانون المنهجي:

* قيم اساسية

1- احترام الحياة

2- اعلاء شان التضامن بين البشر

* محظورات اساسية

1- عدم الكذب

2- عدم الاستيلاء على املاك الاخرين

3- عدم التسبب بألم غير مبرر

*مبادئ صحفية

1- ان يكون الصحفي كفؤا وبالتالي واثقا من نفسه ومستعدا بالتالي للاعتراف بأخطائه.

2- ان يكون مستقلا حيال القوى السياسية والاقتصادية والثقافية.

3- الا يفعل ما يضعف ثقة الجمهور تجاه الوسائل الاعلامية.

4- ان يحدد الاعلام تحديدا واسعا وعميقا (اي الا يقتصر على البديهي والمثير والسطحي).

5- ان يقدم تقريرا دقيقا وكاملا ومفهوما عن الفعالية.

6- ان يخدم جميع الفرقاء (الاغنياء والفقراء منهم والشبان والمسنين واليساريين واليمينيين).

7- ان يدافع عن حقوق الانسان والديمقراطية وان يعلّي من شانهما.

8- ان يعمل على تحسين المجتمع المحيط به.

في العام 2003 عقد في العاصمة اليونانية اثينا اجتماع لتحديد ميثاق العمل الصحفي في العراق على مدى ثلاثة ايام من 1-3 من حزيران، ومن اهم الاقتراحات التي تمخضت عن ذلك الاجتماع ما يأتي:

1. اعتماد قانون عقوبات اعلامي، يتراوح بين اعتذار علني الى اغلاق المؤسسة بسبب الافتراء وتشويه السمعة، والدعوة الى العنف وتصريحات تدعو الى الكراهية.

2. تشكيل مجلس للمساعدة بوضع مبادئ سلوك للصحفيين، وحل الشكاوى المرفوعة ضد وسائل الاعلام.

3. تشكيل هيئة لتنظيم وسائل الاعلام، مع منح سلطات لتحديد موجات البث الاذاعية والتلفزيونية، ومراقبة المحتوى، والاصغاء للشكاوى.

4. اصدار الصحف والمجلات من دون ترخيص، والسماح للصحفيين الافراد بالعمل من دون اذونات قانونية.

5. منح الافراد والصحفيين حق الوصول الى وثائق وقرارات صادرة عن السلطات الحكومية الانتقالية تحت قيادة الولايات المتحدة.

كما تضمنت الوثيقة توصيات مفصلة بشأن الاجراءات القانونية والتنظيمية اللازمة للنهوض بحرية الاعلام في العراق مع توافر الأطر القانونية الكافية للحيلولة من دون إساءة استخدام هذه الحرية بطرق قد تضر بعملية بناء الحرية والديمقراطية على حد تعبير الوثيقة.

ولا يمكن فصل التوجهات السياسية لهذه الفضائيات عن الجهات الممولة لها او القائمة على ادارتها. فصاحب التمويل هو من يحدد التوجه السياسي للفضائية المعينة. عندها لا يمكن الحديث عن حيادية اعلامية.

تؤكد الدكتورة ارادة زيدان الجبوري، الاستاذة في كلية الاعلام جامعة بغداد، (ان استراتيجية أي مشروع اعلامي، وبضمنها المحطة التلفزيونية، مرتبطة بالتمويل، وما دام التمويل هو الذي يتحكم فإنه من الصعب ان تكون القناة حيادية).

وتضيف الجبوري قائلة (انه من الصعب ان نجد قناة عراقية باعتبارها حيادية، فهناك انحياز باختيار الخبر او الصورة او اية قصة اخبارية، حيث تتحكم في انحيازها توجهات القائمين عليها مهما حاولوا ان يكونوا حياديين).

ويشير الدكتور عماد الطائي، استاذ في قسم الاذاعة والتلفزيون في كلية الفنون الجميلة، جامعة بابل، الى انه من الصعب جدا، بل من النادر ان نجد فضائية عراقية، وحتى عربية او غربية، تدعي الحيادية، اذ ان لكل محطة رسالتها التي يريد القائمون عليها او الممولون لها ايصالها الى الرأي العام، وعلى العموم تحاول هذه الفضائية او تلك ان تبدو حيادية، ولكنها سرعان ما ستكشف عن انحيازها وميولها).

ويمكن للمتابع ان يرصد عددا كبيرا من تلك الفضائيات واكتشاف توجهاتها وبعدها قد يمكن الحديث عن حيادية مهنية او لا. من هذه الفضائيات وهي المعروفة اكثر من غيرها.

قناة الفرات الفضائية: عائدة الى المجلس الاسلامي الاعلى، بدأت بثها في 2005، مديرها (حميد معلة الساعدي)، تُروج للمجلس الاعلى.

قناة بلادي الفضائية: بدأت بثها في 2006، عائدة الى (ابراهيم الجعفري) رئيس الوزراء السابق. برامجها دينية. ودعايتها واضحة للجعفري.

قناة المسار الفضائية: بدأت بثها في 2006، كانت بالأساس عائدة الى حزب الدعوة / تنظيم العراق، وكان مديرها (عيسى حسن الفريجي)، ولكن الانقسامات والصراعات داخل الحزب انعكس على المحطة ايضاً ويبدو ان جناح (عبد الكريم العنزي) هو الذي سيطر عليها.

قناة آفاق الفضائية: عائدة الى حزب الدعوة الاسلامية / نوري المالكي، لها مكتب كبير في القاهرة.

قناة السلام الفضائية: مدعومة من السيد (حسين الصدر).

قناة الفيحاء الفضائية: بدأت البث في 2004، مديرها (محمد الطائي)، ممولة من تجار عراقيين شيعة مقيمين في الخليج، بعد ان اُجبرت على غلق المحطة في الامارات العربية المتحدة قبل ثلاث سنوات، توجهت الى السليمانية وما زالت هناك. تحاول ان تبدو مستقلة.

قناة كردستان تي في الفضائية: عائدة للحزب الديمقراطي الكردستاني. معظم برامجها بالكردية.

قناة فين الفضائية: قناة منوعات، خاصة، ومرتبطة بصورة غير مباشرة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، معظم بثها بالكردية.

قناة زاغروس الفضائية: قريبة الى الحزب الديمقراطي الكردستاني. بثها بالكردية والعربية.

قناة الحرية الفضائية: عائدة الى الاتحاد الوطني الكردستاني / جلال الطالباني. تبث بالعربية.

قناة جي كردستان الفضائية: عائدة الى الاتحاد الوطني الكردستاني، برامجها بالكردية والعربية.

قناة كوردسات الفضائية: عائدة للإتحاد الوطني الكردستاني، بثها بالكردية والعربية.

قناة ك ن ن الفضائية: عائدة لكتلة (تغيير) بقيادة نوشيروان مصطفى. بالكردية.

قناة جماور الفضائية: عائدة للحزب الاشتراكي الكردستاني. بالكردية.

قناة بغداد الفضائية: بدأت بثها في 2006. عائدة الى الحزب الاسلامي العراقي، الذي كان يقوده (طارق الهاشمي) سابقاً. وحدثت بعض المنافسات بين الهاشمي والحزب الاسلامي على ملكية المحطة بعد ان إنشق الهاشمي وشكل حزباً جديداً، ولكن كما يبدو فان الامر إستقر للحزب الاسلامي العراقي.

قناة البغدادية الفضائية: بدأتْ البث في 2005 قناة مالكها عون حسين الخشلوك رجل أعمال عراقي ثار حوله كثير من الجدل لانتمائه إلى النظام البعثي السابق للرئيس صدام حسين وقربه من ابنه عدي.

كان مسؤول شعبة قلعة السكر في حزب البعث العراقي بين عامي 1991 و2003، وقيل إنه كان ضابطاً بمخابرات نظام صدام حسين ثم استقر بعد استبعاده من الخدمة في اليونان وعمل بالتجارة وتصدير السجائر إلى دول البلقان ودول أوروبا الشرقية.

واستطاع في التسعينيات أن يوطد علاقته مع المصانع المنتجة للسجائر في قبرص وأصبح فيما بعد ـ عبر مجموعة شركات العون للتجارة ـ المهيمن الأول على سوق السجائر في العراق وصديقاً مقرباً لعدي صدام حسين.

في سنة 2003 أشترى الخشلوك مطبعة في بغداد وأصدر منها جريدة الفرات بأشراف ابن أخيه فتيان محمد حسين، ثم أنشأ قناة البغدادية، ومقرها الرئيسي في مدينة الإنتاج الإعلامي في مدينة 6 أكتوبر بمصر، ولها مكاتب في بغداد ودمشق وعمان، وبدأ بث القناة في سبتمبر/أيلول 2005.

قناة الشرقية الفضائية: مؤسسها ومالكها (سعد البزاز) صاحب مؤسسة الزمان الاعلامية. بدأت عملها في 2004، تمتلك إمكانيات مالية ضخمة، تتوضح من خلال صرف اموال كبيرة على برامج ترفيهية ومسابقات شبابية مقلدة للغرب، وتبرعات مدروسة بدقة، ومسلسلات هابطة المستوى وتفوح منها روائح طائفية. مديرها(علاء الدهان)، وهي بالمجمل تعمل بالضد من التغيير الحاصل في العراق. وتروج بصورةٍ غير مباشرة لـ (اياد علاوي)، لها مكاتب في مصر ودبي وغيرها.

قناة البابلية الفضائية: بدأت بثها في 2007. استوديوهاتها في الاردن، مديرها (صادق محمد المطلق) وتوجهها واضح في تأييد البعثيين، مما يُشير الى مصدر تمويلها.

قناة السومرية الفضائية: بدأت في 2005، بتمويل لبناني/ عراقي، ترفيهية مديرها (جاسم اللامي).

قناة الديار الفضائية: تأسست في 2005، رئيسها ومؤسسها (فيصل الياسري)، وتمويلها من شبكة اي. ار. تي العربية. محطة منوعة، موالية للوضع الجديد عموماً، تقترب من قائمة وزير الداخلية (جواد البولاني).

قناة الرأي الفضائية: والتي كان اسمها سابقاً (الزوراء)، مؤسسها وممولها (مشعان الجبوري) عضو مجلس النواب الذي اُسقِطتْ حصانته بتُهمة دعم الارهاب. تُبَث من سوريا، وهي بوقٌ علني لكافة الجماعات الارهابية والبعثية المُعادية للعملية السياسية في العراق.

قناة الرافدين الفضائية: اسسها (حارث الضاري) رئيس هيئة علماء المسلمين، وهي تُبث من القاهرة، وممولة من السعودية وغيرها، المحطة منبرٌ علني للتكفيريين والارهابيين، وفيها نفسٌ طائفي واضح.

قناة الرشيد الفضائية: قريبة من قائمة الحدباء الموصلية و(عراقيون) اسامة النجيفي. فيها نفحة عنصرية.

قناة المشرق الفضائية: وهي محطةٌ سنية صوفية، يملكها الشيخ (نهرو محمد عبد الكريم) احد شيوخ الطريقة الكسنزانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تشرين الثاني/2010 - 29/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م