
شبكة النبأ: يتميز العراق بتعدد
قومياته وأقلياته، وتنوع ثقافاته، وهي ميزة جيدة من جانب، لكنها من
جانب آخر، تحمل الكثير من عناصر التفرقة والصراع، فيما لو أساءت مكونات
المجتمع التعامل معها، بمعنى أوضح، عندما تسود ثقافة المصادرة والقسر
والتهميش وما شابه، بقوة النظام السياسي الاحادي التوجّّه، فإن ميزة
التنوع تتحول الى نقمة على الشعب، والعكس صحيح.
النقمة تتأتى من حالات التصادم التي تحدث بين القوميات والاقليات
بعضها مع بعض، في ظل نظام المصادرة والإجبار، فالكبت والقمع والتكميم
لا يمكن أن يلغي الهوية، او السمات التي تميز هذه القومية او هذه
الأقلية عن تلك، والأصح دائما، هو فتح الآفاق والفضاءات واسعة أمام
التنوع والتعايش والانسجام، بين الجميع مع الاحتفاظ بسمات الهوية، وهو
أمر معمول به في المجتمعات المتقدمة.
في وقت يدفع النظام الشمولي، الى مصادرة الرأي والحقوق معا، ما يدفع
بالنتيجة الى التصادم بين القوميات بعضها مع بعض وبين الاقليات بعضها
مع بعض، فيدخل الشعب في دوامة من الصراعات التي يصعب التكهن بنتائجها،
أو السيطرة عليها حتى لو تم ذلك بالحديد والنار، لينشغل الجميع،
بالصراع المتعدد الجوانب والغايات، بدلا من الانشغال في التطور
والازدهار ومواكبة العصر.
ما حدث في الجريمة النكراء، التي طالت كنيسة سيدة النجاة مؤخرا،
يعتبر محاولة واضحة لإعادة العراق الى المربع الاول، ممثلا بالاقتتال
بين القوميات والطوائف والاقليات، هذه المحاولة، لم تكن وليدة اللحظة،
ولا يمكن أن تسجَّل على أنها حادثة ارهابية عشوائية، حدثت ضمن عمليات
ارهابية معتادة او متوقعة، إنها عملية نوعية، اذا صحّ التعبير قياسا
لما سبقها، والتوصيف النوعي الذي ينطبق عليها، متأتٍ من خطورة ما ترمي
إليه، إنها نقلة إرهابية، مصممة مسبقا لنشر ثقافة الرأي الواحد،
والمصادرة، والقسر، التي تتميز بها الانظمة القسرية الشمولية التي تعج
بها المنطقة.
السياسيون العراقيون، لا يريدون الاعتراف بمثل هذه النتائج المتوقعة،
بل لم يتنبّهوا لها أصلا، لأنها لا تدخل ضمن اهتماماتهم، وقد أخذهم
الصراع كليا، على المنافع السياسية هنا وهناك، متناسين أن إغفال نتائج
مثل هذه العمليات، يشكل خطأً استراتيجيا كبيرا، لذا ما مطلوب الآن، هو
دراسة معمقة من لدن المعنيين، للأسباب التي تقف وراء مثل هذه العمليات،
ومطلوب أيضا، وضع النتائج المتوقعة منها، ولابد من الاعتراف بأن ضرب
الاقليات، يمثل الخطوة الاولى نحو العودة الى الاستبداد والدكتاتورية.
لهذا ينبغي من النظام السياسي الجديد (أحزابا وكتلا وشخصيات سياسية
مخلصة)، أن يتنبّه لخطورة ما يجري في غفلة منه، هذه الغفلة التي تقف
وراءها حالات اللهاث والانشغال التام بالمصالح والمنافع الفردية
والحزبية وسواها.
ثمة خطوات مهمة لابد من اللجوء إليها من لدن الحكومة العراقية، ولا
يمكن إغفالها او تأجيلها والانشغال بغيرها، منها رسم استراتيجية واضحة
المعالم، لحماية الشعب عموما، بدءً من الاقليات كونها الحلقة الأضعف،
وهناك خلل واضح للعيان، يتعلق بتعدد الولاءات التي تؤدي بدورها الى خلق
الثغرات الكثيرة في بنية الدولة عموما، سواء في الجانب الامني أو غيره،
مما يتسبب في ضعف الدولة واركانها عموما.
كذلك لابد أن تنتبه الحكومة، الى الكفاءات وأهمية توظيفها في المكان
الصحيح الذي ينبغي أن تشغله، وأن يتم رفض التفضيل الولائي، على حساب
الكفاءة، كما يحدث الآن في مجالات عديدة، ادارية وانتاجية وغيرها.
فالأمر برمته يشبه حلقات السلسلة المترابطة ببعضها، بمعنى أن الخطأ
في الولاء يؤدي الى خلل في الأمن، وهذا يؤدي الى ضعف الحكومة، ما يقود
الى سهولة في تحقيق مآرب الجهات المعادية، فتسهل عملية ضرب الاقليات،
كما حدث في كنيسة النجاة، علما أن الثغرات لا تتعلق في الامن حصرا، بل
تمتد الى البنى المتعددة للدولة.
وأخيرا لابد للمعنيين حكومة وسياسيين، تجنب الانزلاق في المسببات
التي تحاول أن تعيد العراق الى نقطة الشروع الاولى، وتنسف ما تحقق عبر
السنوات الماضية من تغييرات في المنهج السياسي والحياتي للعراقيين، وأن
يتواصل منهج التعايش ونبذ التصادم والإحتراب، مهما كانت المبررات. |