العنف الاسري وتبادل الادوار

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: لا يخلو منزل في العالم ومهما اختلفت الثقافات والأديان بل وحتى الدول من مشاكل عائلية، لاسيما وان المصاعب والضغوطات التي تفرضها الحياة على العائلة هي من أهم وأكثر الأسباب التي تؤدي الى ذلك، بالإضافة الى الفروقات الأخرى مثل التباين بين مستويات الثقافة بين الزوجين او عدم الاتفاق في الآراء والأفكار خلال حياتهم، وعادة ما تنهي بصورة او أخرى بدون تعقيد الأمر أكثر مما هو عليه، وغالبا ما يتهم الرجل إذا وصل الحال الى الضرب او العنف بأنه الجانب المعتدي وان المرأة هي الضحية.

ولكن ما يحدث اليوم ومن خلال الدراسات والبيانات التي توصلت إليها البحوث من قبل بعض المؤسسات والجمعيات التي تهتم بالحياة الزوجية وبحقوق الزوجين عكست الأمر، حيث بينت ان هناك أعدادا كبيرة من الرجال يتعرضون لوسائل العنف كالضرب والشتم وتصل حتى الى الطعن والقتل وذلك من قبل زوجاتهم عندما يحتد الصراع بينهم في مشكلة عائلية تبدأ بسوء تفاهم وتنتهي بالدماء.

40 في المائة من الضحايا رجال

حيث أظهرت أرقام نشرتها صحيفة الـ"أوبزرفر" البريطانية ان اثنين من خمسة من ضحايا العنف المنزلي هم من الرجال، مما يتعارض مع الاعتقاد الشائع بأن النساء هن من يحملن آثار ضرب وكدمات. وغالبا ما تهمل الشرطة الرجال المعرضين للعنف من قبل شريكاتهم، وتترك المعتديات عليهم طليقات، وفقاً لما أظهرته جمعية الدفاع عن حقوق الرجل البريطانية. وتظهر تحليلات الجمعية والمتعلقة بالعنف الأسري ان عدد الرجال الذين يتعرضون لاعتداءات من قبل زوجاتهم وصديقاتهم أعلى من المعروف.

وجاء في التقرير الذي حمل عنوان "العنف الاسري من وجهة نظر الذكور": "غالباً ما ينظر الى العنف المنزلي على ان ضحيته أنثى، وان المشكلة سببها ذكر. لكن الأدلة تظهر ان هذه الصورة خاطئة". وأظهرت إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية ودائرة الجريمة في بريطانيا ان الرجال شكلوا حوالي 40 في المئة من ضحايا العنف في القترة بين الأعوام 2004-2005 و2008-2009، وهو آخر تاريخ وثقت السلطات فيه معلومات عن العنف المنزلي. وفي الفترة 2006-2007، شكل الرجال 43.4 في المئة من مجمل حالات ضحايا العنف المنزلي، لترتفع النسبة الى 45.5 في المئة للفترة 2007-2008، وتعود وتنخفض الى 37.7 في المئة للفترة 2008-2009.

وتعتبر حملة الدفاع عن حقوق الرجل ان الذكور يعاملون كـ"ضحايا من الدرجة الثانية"، وان كثيرين من رجال الشرطة لا يأخذون شكاويهم على محمل الجد. وقال جون مايز من الجمعية ان "الملاجئ تهتم بالنساء أكثر من الرجال، بحيث سجل 7500 امرأة في المآوي مقابل 60 رجلاً فقط.

آفة عالمية

وأشارت دراسة بريطانية أن واحد من كل ستة رجال في بريطانيا يتعرض للعنف من شريكة حياته، وقالت الدراسة أن 40% من الرجال يتعرضون للضرب والكدمات من قبل الزوجات، وأظهرت إحصائيات وزارة الداخلية البريطانية منذ عام 2004 :2009 أن الرجال شكلوا حوالي 40% من ضحايا العنف، وأن هذه النسبة ارتفعت في عام 2006 إلى 43.4 % .

وكشفت الدراسة أن نسبة كبيرة من ضحايا العنف الأسري والعائلي هم من الرجال مؤكدة أن العنف الأسري لم يعد قصراً على النساء فقط، وعرضت قناة "إم بي سي" قصة رجلاً من مدينة "بدريدجارومس" بجنوب شرق بريطانيا من ضحايا العنف الأسري تعرض للضرب والطعن بالسكين من قبل زوجته، مما أدى لأول مرة بتاريخ المحاكم البريطانية إلي الحكم على الزوجة بأربع أعوام كاملة مع فقدان كليهما الحضانة لولديهما وتسليمهما لدور الحضانة التابعة للدولة.   

الزوج البريطاني "كيرن بيل" تحدث عن مأساته، وأظهر آثار الضرب الذي تعرض له من قبل زوجته خلال التقرير التليفزيوني، وعن الحادثة يقول : تشاجرنا ولكنني فوجئت بالاعتداء بالطعن بالسكين، وتركتني ملقي على الأرض، بعدها نجحت فى الاتصال بالشرطة والإسعاف.

ونفي الزوج أنه هو من بدأ بالعنف على زوجته التي أحبها فوق كل شئ ولم يلمسها بسوء في يوم ما ، وأن كانت تربطهما قصة حب وطيدة "على حد قوله" .

ولم يجد "بيل" الذي خضع لعملية جراحية أنقذت حياته في بداية الأمر أي مساعدة تذكر لتفهم وضعيته، بعكس ما تجده الزوجة عندما تتعرض للعنف من قبل زوجها، وعلق عن هذا الأمر : "كثيرا ما تهمل الشرطة الرجال المعرضين للعنف وتترك المعتديات طليقات". الدعم الوحيد الذي وجده كان من قبل جمعية إنسانية أنشئت مؤخراً تسمي "man kind " ، وعن حالات العنف التي تستقبلها الجمعية يقول رئيس الجمعية "مارك بروكس" : واحد من 6 رجال ببريطانيا يتعرضون للعنف من قبل شريكات حياتهم، وفي بلد عدد سكانها 60 مليون نسمة ، فإننا بذلك نتحدث عن ملايين من الرجال يتعرضون للضرب "

مؤكداً على أن العنف الأسري يخلف أثاراً اجتماعية ونفسية كبيرة أما "كيرن بيل" الذي تقضي زوجته عقوبة أربع أعوام فى السجن فقد حضانة ولديه، وأصبحا الآن تحت رعاية أسرة أخرى تكفلت برعايتهما، ولا يحق للأب استرجاعهما إلا بعد أن يبلغا سن الثالثة عشر وعمرهما الحالي لا يتجاوز سن الثالثة. ولمواجهة هذا العنف نشأت منظمة تدعي "المنظمة البريطانية للتكافؤ" والتي تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة، وعدم تعنيف الرجل، وفى برلين فُتح أول ملجأ للرجال الذين تعرضوا للضرب المبرح.

ظاهرة عربية

بينما كشفت الدراسة الاجتماعية البريطانية النقاب عن حقيقة معدلات العنف الأسري  في المجتمع البريطاني، وأن ضحاياه ليست النساء فحسب بل الرجال يدفعون الثمن أيضاً، ولكن ما هو واقع هذه الظاهرة الاجتماعية على مجتمعاتنا العربية، هل لا تزال لا تزال المعدلات الحقيقية طي الكتمان، أم لازالت نساء العرب تنطبق عليهم العبارة الشهيرة "الجنس اللطيف"؟

لاشك أن الظاهرة بدأت تتنامى أيضاً بالدول العربية ، مع زيادة عدد الحالات وظهور جمعيات عديدة تدافع وتطالب بحقوق الرجل منها :

* المغرب : ظهرت حديثاً بالرباط جمعية حقوقية لمجابهة العنف ضد الرجال ، واستقبلت "الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال" نحو 750 حالة عنف ضد الرجال من قبل زوجاتهم ، بالإضافة إلى سيل من الشكاوي عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني : ويتوزع العنف الذي يتعرض له الرجال في المغرب بين الجسدي والمعنوي والقانوني ، ويصل العنف الجسدي في الحالات التي توصلت إليها الشبكة إلى ما يقارب 20 % من الحالات التي سجلتها الشبكة.

وعن أشكال العنف التي تتلقاها الشبكة يشير رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجال عبد الفتاح البهجاجي تتلخص في الحرمان من صلة الرحم، أو الاستيلاء على الأموال، أو الطرد من بيت الزوجية، وقد يصل الأمر إلى ممارسة الضرب، وكذلك عدم احترام الرجل أمام الأبناء والجيران والأقارب ، لكن الأخطر هو دس السم في الأكل أو الشرب.

* السعودية : تزايدت جرائم العنف على الرجال في السعودية بصورة كبيرة ، وحذّرت جوهرة العنقري رئيسة لجنة الأسرة في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان من تزايد هذه الجرائم, مؤكدة على تسجيل عدة حالات ضرب وقعت على الرجال تتراوح ما بين عنف نفسي وجسدي كالتعذيب وصب الزيت الساخن.. وغيره

* الجزائر : كشفت دراسة أجريت لمختص الطب الشرعي البروفسور رشيد بلحاج أن هناك 54حالة عنف في المحاكم الجزائرية ضد الرجال من طرف زوجاتهم خلال السنوات الأخيرة بمصلحة الطب الشرعي أدى بعضها للقتل.

وأكد بلحاج الخبير لدى المحاكم أن "مصالح الطب الشرعي على مستوى الجزائر العاصمة فقط ، تستقبل يوميا 5 حالات ضرب وجرح متبادل بين الأزواج، ما يؤكد أن ظاهرة العنف الأسري استفحلت في الجزائر وبشكل مخيف".

وتشير التقديرات النسبية للمختصين  أنه يوجد أكثر من 1000 حالة اعتداء بالضرب والجرح العمد من طرف نساء ضد أزواجهن متفاوتة في الخطورة، ويعتبر عدد حالات الاعتداء المتبادل بين الأزواج في رأي البروفسور، أكبر بكثير بالنسبة للرقم السابق ، موضحاً أن هذه الأرقام ضئيلة مقارنة بالواقع، وهي تعكس فقط ما تسجله مصالح الطب الشرعي.

* مصر : ولعل من أبرز الدراسات التي كانت جرس إنذار لزيادة معدل ضرب الأزواج كانت للدكتور السيد عوض أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة قنا , مشيراً إلى تفاقم عنف الزوجات ضد أزواجهن، موضحاً أن غالبا ما يسبق ممارسة العنف ضد الأزواج نشوب خلافات زوجية بين الطرفين, وأن أكثر حالات العنف عدداً تكون ضد الزوج الذي يتخطى سن الخمسين عاماً من عمره, وتكون في الحضر والريف معاً, وغالبا ما يكون الأزواج تجاراً أو يعملون خارج البلاد أو موظفين أو فلاحين في المزارع بل إن بعضهم مدربـون رياضيون.

كما كشفت الدراسة عن أساليب العنف ضد الأزواج ، حيث قالت الزوجات المتهمات بالعنف ضد أزواجهن في الريف إن الأساليب تبدأ بالشتائم ثم تتصاعد إلى التهديد بالضرب ثم بالاعتداء البدني وربما القتل في بعض الأحيان, أما زوجات الحضر فقلن إنها تبدأ بالمناقشة والحوار ثم تتطور إلى الشتائم والتهديد بالضرب واللجوء إلى الشرطة وفي بعض الأحيان إلى القتل أيضا.‏

وكشفت دراسة مصرية أخرى لمركز ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان حول العنف ضد الرجال عن ارتكاب 111 جريمة بحق الرجال في المجتمع المصري خلال النصف الثاني من عام2005‏، وأوضحت أن الجرائم المرصودة توزعت على 85 جريمة قتل, 15 جريمة سرقة, 11 جريمة اعتداء بالضرب.‏

أما الدافع لارتكاب هذه الجرائم بحق الزوج فكان على خلفية خلافات أسرية بنسبة 65% وخيانة الزوج بنسبة 15% وخيانة الزوجة بنسبة 5% و السرقة أو الاستيلاء على أموال الضحية بنسبة 15%.‏

* تونس : خلال السنوات الأخيرة استقبلت بعض الجمعيات والمنظمات الأهلية التونسية حالات عديدة من الرجال يمارس عليهم العنف بجميع أنواعه من قبل زوجاتهم ، يقف فيها الرجل شاكياً عنف زوجته، فيما حوّل أحد المعنّفين بيته ملجأ لزملائه الهاربين من عنف زوجاتهم، وصولا إلى الإعلان عن تأسيس جمعية للدفاع عن الرجال أطلق عليها اسم "الجمعية التونسية للدفاع عن الأزواج المعنَّفين".

وعن هذا الواقع رصد المخرج التونسي  فخر الدين السراولية هذه الظاهرة من خلال فيلم "الملجأ" الوثائقي الذي ارتكزت قصصه على حالات واقعية لرجال يعيشون بملجأ خاص للمضطهدين من قبل زوجاتهم، واستطاع "الملجأ" منذ فتح أبوابه سنة 2002 استقبال ما يقارب 120 زوجاً معنَّفا مابين تونسيين وجنسيات عربية أخرى، ولكن أثيرت حوله عدة إشكاليات فيما يتعلق بوضعية الرجل التونسي والعربي، وخاصة بعد الأرقام التي أشارت إليها دراسة صادرة عن الديوان الوطني للأسرة تتعلق بظاهرة العنف داخل الأسرة والمجتمع التونسي والتي كشفت أن 10% من الزوجات يضربن أزواجهن و30% منهن يعتدين عليهم بالعنف اللفظي. 

اختلال للتوازن

وعلق الباحث الاجتماعي د.خليفة المحرزي عن هذه الظاهرة التي يصعب على الأرقام الإفصاح عنها بصورة دقيقة قائلاً : هناك أرقام ومؤشرات ترصد الظاهرة وتكشف أنها تتجه نحو الزيادة بل وتتفاقم، بعد أن كانت المجتمعات العربية في السابق تكاد تخلو من مثل هذه الظواهر، ولكن للأسف الآن بدأت تتضح، وظهرت بالفعل شكاوي بالمكاتب الاستشارية لرجال يطلبون منا أن نتدخل لأخذ تعهد من الزوجات بعدم التعرض بالضرب، ومعظم هؤلاء الرجال ينتمون إلى " MPH أو الشخصية الضعيفة الهزيلة" وهي شخصية حسية ترتضي بالعنف كوسيلة من وسائل البقاء مع الزوجة، ومعظم النساء اللآتي يقمن بالاعتداء على الرجل عادة ما تصنف شخصياتهن إلي "HPA أو الشخصية العنيفة القوية " وهي شخصية قيادية تمتلك القدرة على إدارة زمام المنزل، ومعظم النساء المعتديات يتميزن بقوة الشخصية أو "المازوخية العنيفة" وهى التي تحمل السيطرة والقوة على إدارة الصراع مع الطرف الآخر، ومن جانب آخر فإن معظم الرجال المعنفين يعتبروا الضرب وسيلة وليس إهانة ، بمعني أنه يرتضي ما يحدث له كي يبقي مع المرأة ، والعجيب أن البعض يستمتع عندما تفرغ المرأة مشاعرها العاطفية عن طريق الضرب والعنف على خلفية تربية سابقة بالمنزل.

وألقي د. المحرزي الضوء على أن معظم نساء المجتمعات العربية تستخدم الضرب كردة فعل ، لذلك نري أن بعض النساء تستخدم لسانها وكلامها بطريقة عنيفة عندما تتحدث إلى الرجل وقد تلجأ أثناء الشجار إلى "التكسير" والتدمير بهدف تفريغ شحنة الغضب، ولكن تطور الأمر إلى الإيذاء الجسدي للزوج، وفي حالة تغاضيه عن هذه التصرفات فإن الأمر يتفاقم بصورة أبشع .

ولفت د. المحرزي الانتباه إلى أن سواء كان المعنف رجلاً أو امرأة فالتأثير السلبي يذهب ضحيته الأطفال، وإذا كان ضرب الرجل للمرأة يولد سبع مشاعر مدمرة عند الطفل، فضرب المرأة للرجل تولد لدي الصغار أكثر من 19 أثر سلبي ينعكس على حياتهم، لأن اعتداء المرأة على الرجل يعني اختلال القيم داخل المنزل، وذهاب مفهوم الاحترام والقيم الأخلاقية والسلوكية فى التعامل مع البشر داخل المنزل أو خارجه.

ويضيف : وبوجه عام سوف يتعرض الطفل إلى مزيد من الانهيار، وسوف يتعامل مع المرأة بنظرة أحادية، فعندما يري أبوه يتعرض للضرب سيلجأ إلى ردة فعل عكسية ليحمي بها نفسه وسيتعامل مع زوجته بطريقة معاكسة تماماً قد يؤذيها ويتعمد أن يمارس عليها العنف حتى لا تتكرر مأساة والده، ولن يتعامل بمفهوم المرونة على الإطلاق، لأنه يعتقد أن مرونة الأب كانت وسيلة للاعتداء عليه ومن هنا يأتي مفهوم الاختلال فى القيم ولن يعرف شيئاً عن الاحترام أو التقدير أو الانسجام ولن يفهم هذه المفاهيم بطريقتها الصحيحة، بالإضافة إلى عجزه عن استمداد بعض القيم التي من المفروض أن يأخذها من الأب والأم، الأمر الذي يجعله متذبذب في حياته، ولن يضع للأمن النفسي والعاطفي أي اعتبار أثناء التعامل مع المرأة.

ويشير د. المحرزي أن هناك نساء تلجأ للعنف دفاعاً عن نفسها من العنف الواقع عليها الرجل ، وهذا طبيعي لأنها بذلك تمتنع عن تلقي المزيد من الألم ، ولكنه يلقي الضوء على أن أغلب حالات العنف تقع من المرأة العنيفة بدرجة مرضية ، والتي تبرز تصرفاتها لتصريف "طاقاتها الذكورية" بحيث تؤذي الرجل ليصل الأمر إلي الإيذاء الجسدي والتعذيب الذي قد يصل إلى القتل ، وتتعامل مع  الرجل بطريقة عنيفة.

ويرجع د. المحرزي سر كارثة العنف الأنثوي الذي يحمل طابعاً ذكورياً ، وانتشار مراكز التأهيل النفسي للرجال المعنفين إلى اختلال القيم بالمجتمعات العربية ، وتغير طريقة تفكير المرأة التي تفكر أن العنف سيجعلها تنال حقوقها من الرجل ، والسيطرة والهيمنة على المنزل لا تأتي إلا بالقوة ، وبذلك تتعامل بعض النساء بهذا المنطق ، وبالتالي لا تسير العلاقة بالطريقة الصحيحة ، وبالتالي اختل التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة وضاع مفهوم القوامة.

زوج الأم

الى ذلك حملت ثلاث فتيات شقيقتهن ذات السبع سنوات وشقيقهن ذا التسع أعوام بعد أن فكوا أسرهم من داخل دهاليز سجنهم والذي كانوا يلقون بداخله شتى أنواع التعذيب بدءا من الحرق بالنار والربط بالسلال في بيت الدرج وحتى شرب الماء الحارق والمنع من النوم لفترات طويلة. حكاية واقعية ضمن حلقات مسلسل العنف الأسري التي لا تنتهي في عالمنا اليوم.  

تقول (خالة) الضحايا بعد أن لجأ إليها أبناء شقيقتها لإنقاذهم من ظلم زوج أمهم وعدم مبالاة والدتهم، بعد وفاة زوج شقيقتي قامت بالزواج وكان لديها خمسة أطفال أربع بنات وطفل الآن أكبرهم في سن السابعة عشرة وأصغرهم في سن السابعة وبعد سنوات قليلة من الزواج بدأ الزوج في تعذيب أبناء أختي ولم يكن لإختي أي دور في منعه ولا نعرف السبب وامتد به الأمر لسجنهم في المنزل وضربهم ومنعهم من الدراسة والأكل أحياناً واستخدامهم كخدم وكثيراً ما يقوم بالتسول بهم، وقد لجأنا لصحيفة "الرياض" لنقل معاناتنا ولكم أن تسمـعوا منهم.

سألنا الطفل ذا التسع سنوات تقريباً عن المدرسة وقال ببراءة، أنا لا أدرس سألناه وماذا تعمل قال: أقوم بتنظيف البيت والحمامات وغسيل الصحون وإذا رفضت ذلك تقوم زوج أمي بضربي وكيي بالنار ونزع ملابسي وقال شاهدوا هذه آثار التعذيب وهذا الماء الحارق أشربه ويقوم (بنثره) فوق جسمه وأيضاً يقوم بربطي في الدرج بالحديد عدة أيام دون أكل.

لا مجيب

من جانبها صرخت شقيقته، وكأنها تستحضر حالة الرعب اليومي الذي تعيشه، لتحكي بكلام متسارع، أني أشاهد أخي وأخواتي كل يوم يتعذبون أمامي وعندما أبكي يقوم بضربي وحرقي بالنار وربطي مثلما يربط أخواني في بيت الدرج بالسلال ويقوم بنثر الماء الحار على جسمي وعندما نزعت خالتها ملابسها وملابس شقيقها.

ظهرت الكثير من آثار العنف والجروح والحروق على أجسام الطفلين في مواقع حساسة من الجسم، فيما أكدت شقيقاتهم أنهم يتعرضون لأنكل أنواع التعذيب وأن شقيقهم الصغير وشقيتهم الصغرى غالباً ما يكون سجنهم داخل دورات المياه فيما يتم ربطهن في بيت الدرج.

وقلن أنهن حاولن الهرب أكثر من مرة وطلب المساعدة من الجهات المعنية لكن محاولاتهن فشلت في كل مرة حتى وصلن هذه المرة لخالتهن لطلب حمايتها فيما قالت خالتهن أنها لا تملك القدرة على توفير الحماية لهن وطالبت الجهات المعنية بتوفير الحماية لأبناء أختها وتوفير مسكن لهم وجهة تتولى رعايتهم وتوفير الأمن والصحة لهم.

ربط الأسلاك الحارقة

من جانبه أكد المهتم بشأن العنف الأسري ومدير التعاون الدولي بجامعة نايف العربية للعلوم الأمية الدكتور صقر بن محمد المقيد أن قضايا العنف الأسري من القضايا التي أصبحت تهدد أمن المجتمعات وتتسبب في كثيراً من المخاطر الأمنية على مستوى الفرد والمجتمع، وأضاف الدكتور صقر المقيد أننا في هذه القصة أمام جريمة استثنائية بعيدة كل البعد عن المجتمع السعودي، الذي يصنف ضمن أكثر المجتمعات معيارية، في العالم كنتيجة حتمية للضبط الاجتماعي الناجم عن تطبيق الشريعة وكذا الموروثات الاجتماعية، وقد تنبهت المملكة لمثل هذه القضايا والتي تعد من قضايا العنف الأسري ولعل برنامج الأمان الأسري الوطني وهو من البرامج النشطة جداً، ويحظي برعاية كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز، وصاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز وكذا الدكتورة مها المنيف لن يقف صامتاً أمام هذه القضية، بل سيسعى بقضه وقضيضه لتبني مشكلة هؤلاء الرياحين وإيوائهم في دور الرعاية وتوفير سبل العيش الكريم لهم خاصة وأننا في بلاد كريمة عمت مكارمها دول العالم أجمع، حيث صنفت بأنها الأولى في الرعاية الإنسانية والإغاثة على مستوى العالم.

تبدأ بالشجار وتنتهي بالتعذيب

لم يعد ممارسة العنف الأسري حكراً على الرجال بعد أن كان ملاذاً لبعضهم عندما ينشب خلافاً عائلياً، وكذلك لم تعد حواء هي الضحية الأولي لهذا النوع من العنف، بعد أن كشفت العديد من الدراسات الأوروبية والعربية الحديثة تعرض نسبة كبيرة من الأزواج إلى  الضرب والقهر على يد زوجاتهم.

ويبدو أن العنف الأنثوي أصبح ظاهرة عالمية، بعد أن تخلت بعض النساء عن رقتها وفضلت استخدام أظافرها على طريقة أفلام مصاصي الدماء، ففي الهند تقدر نسبة الأزواج الذين يتعرضون للعنف على يد زوجاتهم " 11%, وفى بريطانيا 17%, وفى أمريكا 23%, وفى العالم العربي تراوحت النسبة ما بين 23% و 28%, وتبين أن النسب الأعلى تكون في الأحياء الراقية والطبقات الاجتماعية الأعلى أما في الأحياء الشعبية فالنسبة تصل إلى 18% فقط.

الضرب والطعن على يد والدها وشقيقها

فتح مركز شرطة العويقيلة بمنطقة الحدود الشمالية تحقيقاً في حادثة تعرض فتاة سعودية لحادث عنف أسري بشع من والدها وشقيقها, وترقد الآن في مستشفى العويقيلة العام تُعالَج من طعنات عدة في أجزاء متفرقة من جسدها, وسط حراسة أمنية مشددة.

وكشفت المصادر أن الفتاة البالغة من العمر "35 سنة" تم تزويجها قبيل شهر رمضان الماضي من شخص مدمن مخدرات ومسكرات؛ فلقيت على يديه معاملة غير إنسانية؛ حيث تعرضت للضرب والإهانة على يديه, واستولى على ذهبها وحليها وما تملك من أموال؛ لينفقه على المخدرات والمسكرات, ثم طلقها بعد أيام عدة فقط من الزواج, وعادت الفتاة إلى بيت والدها وقد أُصيبت بحالة نفسية سيئة؛ بسبب ما لقيته على يد زوج مدمن من إهانات وضرب.

وقالت المصادر إن الفتاة وجدت معاملة قاسية من والدها وشقيقها بعد عودتها إلى منزل أبيها بعد طلاقها, وكان الاثنان يتناوبان على ضربها بزعم أنها شديدة العنف, في حين أكد المقربون منها أن الفتاة طبيعية, ولا تعاني أي شيء سوى أنها تمر بحالة نفسية سيئة.  وأشارت المصادر إلى أن والد الفتاة وشقيقها قاما بالاعتداء عليها بالطعن في أنحاء متفرقة من جسدها؛ فتم نقلها إلى مستشفى العويقيلة العام, الذي قام بإبلاغ الشرطة بتعرض الفتاة لاعتداء جنائي. وقد فُرضت حراسة أمنية عليها, ومُنع الاتصال بها, وسُحب جهاز الجوال منها, وتم فتح تحقيق في الحادث.

سجينة زوجها

ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة. قصة أم فهد تجعلها حتما حلقة وسطى في سلسلة ضحايا العنف الأسري في مجتمعنا، جور الزوج وقهره القاسم المشترك في تلك الجرائم والتعديات المرتكبة في حق «القوارير»، بعض تجاوزاتهم تحطم المرأة جسدا ونفسا بلا رحمة.

تبدأ تفاصيل معاناة أم فهد بعد وفاة زوجها الأول، ومواجهتها وحيدة مسؤولية تسعة أبناء، متسلحة بالصبر في مواجهة أعباء الحياة وعقباتها، واضطرت الظروف ابنها البكر ذا الـ 11ربيعا إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل ليسد حاجة والدته وأخواته.

استمرت حياة أم فهد وأبنائها على الوتيرة نفسها، حتى اللحظة التي تقدم فيها رجل أبدى رغبته في الزواج منها، ونظرا لظروفها المعيشية الصعبة، وافقت بلا تردد أو شروط، بعد أن وعدها بحفظها وأولادها، لكنها لم تكن تعلم أنها بذلك فتحت على نفسها أبواب جحيم لم تغلق بعد.

حيث تقول أم فهد: إن معاناتها بدأت بعد أيام قليلة من الزواج، إذ بدأ الزوج الجديد في الإخلاف بوعده، فمنعها من رؤية أولادها التسعة وأبعدهم عنها، وأجبرها على قطع رحمها وحرمها رؤية أمها، بل وأجبرها على الاتصال بأهلها هاتفيا وشتمهم وقذفهم، وحبسها في بيت منيع مغلق لا تستطيع الهرب منه هي وأولادها الأربعة الذين أنجبتهم منه خلال السنوات التسع التالية لزواجهم.

وتؤكد أن الزوج استمرأ تعذيبها جسديا ونفسيا، مستخدما كل الوسائل المتاحة لها لضربها وكيها وتقييدها، وحتى إرغامها وأولادها على ما يكرهون. وتضيف أم فهد: إن زوجها لم يكتف بفظائعه السابقة، فقذفها باتهامات لا أخلاقية، إذ اتهمها أولا بتعاطي المخدرات، وأجبرها على مرافقته إلى مستشفى الأمل في جدة، حيث أثبتت الفحوصات الطبية أنها غير مدمنة وإنما تعاني ضغطا نفسيا كبيرا، وصرف لها الأطباء علاج استمرت عليه طوال عامين.

وتشير إلى أنه لم يسمح لها في أي من الزيارات اللاحقة بالبقاء وحيدة مع الأخصائية، خشية أن تصرح لها بمعاناتها، إلى أن شكت الأخصائية في الأمر، وطلبت مغادرة الزوج الغرفة لتتحدث إلى المريضة بمفردها، فما كان منه إلا أن تعدى على زوجته وأجبرها على المغادرة معه، واكتفت الأخصائية بوقف صرف العلاج فقط.

وتوضح أم فهد أن اتهامات زوجها لها انتقلت إلى اتهامات حساسة وخطيرة، فأرغمها على السفر معه إلى إحدى الدول العربية لإجراء تحاليل طبية لإثبات نسب أولاده، بعد أن حذره أحد أصدقائه من إجراء تلك التحاليل داخل المملكة، لاحتمال تعرضه لإجراءات عقابية في حال ثبوت نسب أولاده إليه بعد طعنه في شرف زوجته، وبالفعل أثبتت الفحوصات سلامة نسب الأبناء للأب. وقبل شهرين، علمت أم فهد أن أمها مرضت مرضا شديدا، فرجته وتوسلت إليه أن يسمح لها برؤيتها بعد انقطاعها عنها طوال السنوات التسع الماضية، فسمح لها بزيارة أمها التي فارقت الحياة قبل أن تتمكن من رؤيتها.

في هذه اللحظة، حزمت الزوجة أمرها بالهرب من ظلم زوجها، ولجأت إلى الجهات المختصة، لكنها تؤكد أنها لم تلق تجاوبا مع معاناتها، إذ لم تعمل الشرطة على التحقيق في شكواها لإثبات جرم الزوج، واكتفت بإعداد محضر لإثبات البيانات الشخصية وبعض الأسئلة حول الشكوى..

وتشير أم فهد إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام فلم تزد بعد شهر ونصف الشهر من إحالة القضية إليها على إعادة الملف إلى الشرطة لاستكماله، فيما تستقبل المحكمة كل دعوى يتقدم بها الزوج للتشويش عليها وتخويفها، حتى وإن كانت الدعاوى غير صحيحة. وقالت الزوجة إنها واجهت مصاعب في إثبات الهوية، إذ تطلب الأحوال المدنية خطابا رسميا لطباعة المستخرج، والشرطة تحيل الأمر إلى الادعاء العام، الذي يكتفي بالتحقيق الروتيني دون التعمق في التحقيق للتوصل إلى حقائق حول اتهاماتها لزوجها،

وتستطرد: «حتى الحماية الأسرية وجدت فيهم خوفا من العنف الاجتماعي، فكل ما وجدته منهم مجرد مواساة قدمتها لي موظفة: زوجك هذا يعتبر شخصا خطيرا على المجتمع، ولا بد من إبعاده عنه.

73% تعرضن للاضطهاد الجنسي

قال المشرف على الطب الشرعي في منطقة عسير رئيس فريق الحماية من العنف في المنطقة الدكتور عبدالعزيز سعيد آل حبشان إن فريق الحماية من العنف الأسرى بالمنشآت الصحية في منطقة عسير تعامل مع 118 حالة عنف أسري خلال 12 شهراً، وكان عدد السعوديين الذكور الأطفال الذين تعرضوا للعنف الأسرى خلال تلك الفترة نحو 11 حالة، وعدد الإناث 90, بينما كان عدد غير السعوديين من الإناث اللواتى تعرضن للعنف الأسرى خلال تلك الفترة 17 حالة, بينما لم تسجل أية حالات عنف أسرى لذكور غير سعوديين , مشيراً إلى أن 73% من البنات الهاربات من المنازل تعرضن للاضطهاد الجنسي .

وأضاف آل حبشان أن البيانات المتوفرة حول حجم ظاهرة العنف في السعودية قليلة بشكل عام، وترجع معظم الدراسات أسباب عدم توفر البيانات حول ظاهرة العنف ضد الأطفال إلى حساسية القضية، ومحدودية التبليغ عن مثل هذه الحوادث، وغياب الوعي بالآثار السلبية لهذه الممارسات على المعنف، بالإضافة إلى أن الموضوع لم يحظ بالأهمية بين الدارسين والباحثين إلا في الآونة الأخيرة.

وبين أن نتائج دراسة حديثة، أظهرت تفشي ظاهرة إيذاء الأطفال في المجتمع السعودي بشكل عام، وأن 45% من الأطفال المشاركين في الدراسة كانوا يتعرضون لصورة من صور الإيذاء في حياتهم اليومية، بحيث إن 21 % من الأطفال يتعرضون للإيذاء بشكل دائم، و24% من الأطفال السعوديين يتعرضون للإيذاء أحيانا. وأشار إلى أن دراسة حديثة أخرى أعطت نتائج عن أنواع العنف ضد الأطفال في السعودية، وجاءت نتائجها على النحو التالي:

العنف النفسي وهو أكثر أنواع الإيذاء انتشاراً 33.6 %. وكان أهم أنواعه: الحرمان من المكافأة المادية أو المعنوية 36%، والتهديد بالضرب 32%، والسب بألفاظ قبيحة والتهكم 21%، وترك الطفل في المنزل وحيدا مع من يخاف منه (خاصة الخادمات).

العنف الجسدي ومثل 25.3 %, وكان في الغالب مصحوبا بإيذاء نفسي، وكانت أكثر صور العنف الجسدي انتشاراً هي الضرب المبرح للأطفال21%، وتعرض الطفل للصفع 20% ، والقذف بالأشياء التي في متناول اليد 19% ، الضرب بالأشياء الخطيرة 18% .

أما الإهمال: فكان ممثلا بنسبة 23.9%، لافتاً إلى أن دراسات حديثة في هذا الصدد أشارت إلى أن المتسببين في العنف، هم زوجة الأب أو زوج الأم بنسبة 95%، والمربين 4%، وآخرين 1%.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/تشرين الثاني/2010 - 27/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م