القيادة السياسية وبناء الدولة الناجحة

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: عندما توصلت الانسانية في مراحلها المتقدمة - أي في التأريخ المنظور- الى إبرام العقد بين الحاكم والمحكوم، حقق ذلك قفزة كبيرة في مجال التنظيم السياسي لحياة الافراد والحاكم والعلاقة المتبادلة بينهما، فبموجب هذا العقد تنازل الفرد للحاكم عن بعض حقوقه، ومنها أن يأتمِر بأوامره وينصاع لتوجيهاته وينفذ طلباته مقابل الحقوق المترتبة له بذمة الدولة، ومنها حفظ الكرامة الانسانية والعيش الكريم وتوفير التعليم وفرص العمل والعدالة في توزيع الثروات وما شابه.

لكن طالما أن النفس تنطوي على الشر والحاكم ليس منزها عن الخطأ، تصاعدت وتيرة الظلم التي تعرض لها المحكوم من لدن الحكام، وغالبا ما كان الحاكم هو الذي يحنث بتعهداته وينقض ما جاء في العقد المبرم بين الطرفين، لذا ظلت الامم والشعوب تبحث وتجتهد دائما في بناء الدولة المتوازنة والحكومة النزيهة والحكام العادلين، وحين تفشل الشعوب بتحقيق هذا الهدف فإنها تكون عرضة للذبح وإزهاق الارواح وانتهاك الحقوق من لدن حكامها الجائرين.

وحين ظهر الاسلام وبدأ عصر الرسالة المحمدية في الجزيرة العربية، تأسست الدولة الاسلامية التي تحلّت بأعظم المواصفات المطلوبة للدولة الحديثة، ويُثبت ذلك قدرتها على تحويل المجتمع المتشرذم والمتقاتل والقبلي الى مجتمع متحضّر – قياسا الى زمانه- وظهرت بين نسيجه ومضات النور والتماسك، وبُنيت الدولة الاسلامية الراسخة التي تمكنت من نشر الاسلام وتعاليمه السمحاء في بقاع نائية من المعمورة.

حدث هذا عندما كانت الدولة الاسلامية تتحلى بالقيادة العظيمة متمثلة بالرسول الاعظم (ص) الذي تمكن من تطبيق الافكار الاسلامية في الميدان العملي، وليس كلمات فحسب، أي كان هناك انسجاما رائعا بين مبادئ الاسلام وتطبيقها، لهذا نجحت الدولة الاسلامية، وليس كما يحدث الآن في بعض الدول الاسلامية التي فشلت في تطبيق الاسلام.  

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) كما ورد ذلك في كتاب (من عبق المرجعية): إن (تطبيق الاسلام بصورة ناقصة يعطي صورة مشوهة عن الاسلام، وهذا هو حال بعض الدول الاسلامية اليوم المتبجحة بتطبيق الاسلام مع انها لا تطبق إلا جَلْد الزاني وقطع يد السارق، فهل هذا هو الاسلام وحسب؟).

فالاسلام لا يعني تطبيق الصورة او الشكل او الاسم بل الجوهر هو الذي ينبغي تطبيقه فعليا من لدن الدولة والحكومة وقادتها السياسيين، ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد أن: (الدولة غير الاسلامية هي الدولة التي لا تحكم بالاسلام أي لا تطبق قوانين الاسلام، وإن كانت تسمي نفسها إسلامية، فليس المهم الاسم بل التطبيق).

لذا ينبغي أن يسير الناس وراء العمل المتحقق على الارض، وليس الشكل أو الاقوال الخالية من الشواهد والافعال، وهنا يؤكد أيضا سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (إننا لا نسير خلف الاسماء والشعارات بل خلف الواقع).

وهكذا ينبغي أن تكون الدولة الاسلامية عملية عادلة قادرة على تطبيق الجوهر الاسلامي في الحياة اليومية لمواطنيها، وهذا لا يتحقق من دون وجود الحاكم ذي المواصفات الصحيحة المتمثلة بنكران الذات والعدل والمساواة وما شابه، لكن ما يحدث أن معظم الحكام الين يدَّعون الاسلام هم باحثين عن السلطة لكي يتربعوا على عرشها أطول مدة ممكنة حتى لو تم ذلك بقتل الناس وهضم حقوقهم، لكن الحكم في الاسلام ليس فرديا ولا وراثيا، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(الحكم الاسلامي لا جمهوري ولا ملكي، بالمعنى المصطلح لهما في قاموس عالم الغرب اليوم، بل إستشاري، ويصح أن يطلق عليه هذا الاسم باعتبار الاستشارة اسم .. لـ (الجمهوري) فإنه ليس الحكم في الاسلام ملكيا وراثيا).

وثمة مواصفات واضحة ومهمة ينبغي أن يتصف بها الحاكم الاسلامي لكي يتسنى له النجاح في دوره بقيادة الدولة، ويرى سماحة المرجع الشيرازي أن:

(مواصفات الحاكم الاسلامي أنه رجل مؤمن، متفقه في الدين تماما، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلى بالعدالة التامة، فكلما توفرت في الانسان هذه الشروط، ورضى به أكثر الناس صار حاكما، واذا فقد احد هذه الشروط عزل عن منصبه فورا، ولكن اذا لم ترض الامة ببقائه رئيسا حق لهم تبديله الى غيره ممن جمع الشرائط).

لذا لابد من تطبيق جوهر التعاليم الاسلامية في الدولة وخلاف ذلك ستكون وخيمة لاسيما على الفقراء والضعفاء من المجتمع، كما يحدث اليوم بخصوص المسلمين (دولا وحكومات ومجتمعات) ويرى سماحة المرجع الشيرازي أن: (السبب فيما نراه في البلاد الاسلامية اليوم من نواقص ومشاكل، يعود الى انها اسلامية بالاسم فقط، والشعار فحسب، وليس أكثر من ذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/تشرين الثاني/2010 - 27/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م