....وها هي في الأفق مشكلة جديدة إذ هدد ائتلاف الكتل الكوردستانية
بالامتناع عن المشاركة في التعداد العام للسكان نهاية العام الحالي،
إذا استمرت وزارة التخطيط بإلغاء حقل القومية في استمارة التعداد
العام. معتبرا أن هذا القرار "يصب في زرع الفتنة العنصرية والطائفية في
المحافظات التي تتميز بوجود تعدد اثني فيها"، ومتهما الجهات التي تقف
وراء هذا القرار بمحاولة تسويف المادة 140 من الدستور العراقي. ويعني
أيضا أن التعداد العام للسكان تحول من أداة تخطيطية الى أداة سياسية..
فمع أن الاستعدادات قد اكتملت ووصلت الى مراحلها النهائية، ومع أن
مبالغ ضخمة قد أنفقت، وأن هناك تخصيصات مالية قد رصدت لتوفير باقي
مستلزمات التعداد السكاني.. ومع أنه كان من المؤمل أن يحل يوم الخامس
والعشرين من هذا الشهر وندخل فيه الى مصاف العالم المتحضر، حيث كل
الأمور تتم بالتخطيط الذي يعتمد على معطيات سليمة توفرها قاعدة بيانات
موثوق بها توفر من خلال اجراء التعداد العام للسكان، لكن ضيق الأفق
ومقتضيات السياسة وخفاياها وما يدور خلف الكواليس أفضى إلى تأجيله
للمرة الثالثة في اقل من ثلاث سنوات.
وهكذا فإن مجلس الوزراء قرر تأجيل التعداد الى الخامس من شهر كانون
القادم. وكان يبدو للوهلة الأولى أنه شأن حكومي واستحقاق وطني الا ان
الكتل السياسية استبقته بمواقف متباينة، فالتحالف الكردستاني الذي حرص
على تنفيذ الاستحقاق في موعده، اعتبر ان مسألة التأجيل تقف ورائها
رغبات سياسية. والقائمة العراقية التي وقفت بالضد من اجراء التعداد
السكاني قالت بعدم توفر الظروف الملائمة. وهو موقف بني على اساس سياسي
وأن لم يصرح بذلك... الا ان موقف التحالف الوطني كان داعيا الى اجراء
الاستحقاق في موعده لكن على اساس الضرورة الوطنية.
والمنطلق في ذلك هو أن اجراء التعداد السكاني في العراق اصبح حالة
ضرورية ووطنية وتنموية، واستحقاقا سكانيا للتمكن من التوزيع العادل
للموازنة على السكان، ويساعد في ضبط قوائم الناخبين في الانتخابات.. إن
الضغوط السياسية الت أدت الى تأجيل التعداد العام للسكان تقف ورائها
أهداف مشبوهة تريد من استمرار الوضع على حاله تمرير أجندات لا تخدم
المصالح الوطنية، ومن المفيد الإشارة الى أن محافظ نينوى أثيل النجيفي
قام بإيقاف دورات التدريب والتأهيل للعدادين في المحافظة لأكثر من
ثلاثة أسابيع مما شكل أحد أسباب التأجيل، مع العرض أنه لا مجلس محافظة
نينوى، والذي أصدر قرارا بالتأجيل الى إشعار آخر قبل قرار الحكومة آنف
الذكر، ولا غيره من مجالس المحافظات أو أي من مواقع المسؤولية يملك
صلاحية تأجيل اجراء التعداد، والتأجيل في نينوى أو غيرها يشكل إضرارا
بالمسيرة التنموية في باقي المحافظات...
إن ذلك يأتي إستجابة لضغوطات قوى سياسية بعينها، وربما لأغراض
سياسية مرحلية أجلت الحكومة التعداد العام للسكان الى شهر كانون الأول
من هذا العام، وربما سيكون هذا التأجيل الى أجل غير مسمى تسويفا
للاستحقاقات المترتبة على إجراء التعداد، ومن بين الاستحقاقات تطبيق
المادة (140) من الدستور والخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وقد بانت
ملامح التسويف لتطبيق هذه المادة وغيرها من الاستحقاقات، فقد أعلنت
وزارة التخطيط عن إلغاء حقل القومية في استمارة التعداد العام للسكان،
وهو تصرف مريب في وقت مشبع بالمشكلات، ويبدو هذا القرار وكأنه افتعال
لأزمة جديدة نحن في غنى عنها، ناهيك عن أن يكون مخالفة صريحة للقوانين
الاتحادية، فمن المعلوم أن اقليم كوردستان العراق قد أقر وضعه دستوريا
وهو تحصيل حاصل لواقع نشأ على الأرض ابتداء من آذار 1991، وترسخ بعيد
الإطاحة بنظام صدام عام 2003، بيد أنه ومع وجود بنية متكاملة تقريبا
لمؤسسات فدرالية اقليم كوردستان، إلا أن هناك مشاكل على الأرض تتعلق
بجغرافية الإقليم لن يكون من الميسور حلها إلا من خلال التعداد العام
للسكان، ومن خلال تثبيت قومية الذين يتم إحصائهم بأسلوب مهني موثوق به،
وتحت رقابة قضائية وإشراف دولي لكي لاتبقى أي ثغرة يمكن أن تتوسع لتصبح
فجوة تنفذ من خلالها المشكلات..
إننا نعتقد أن وراء التأجيل والتسويف بأجراء التعداد العام للسكان،
مخطط يرمي إلى افتعال الأزمات، بقصد عرقلة العملية السياسية برمتها،
وبقصد تمرير أجندات معروفة في مقدمتها تمييع استحقاقات التنمية وتمثيل
السكان والتخصيصات المالية، وفي الذاكرة ان العراق ومنذ عام 1957
ولغاية اليوم لم يجر فيه تعداد عام للسكان بمخرجات ملموسة، وهذا لم
يحصل إلا لخدمة توجه معروف قاد العراق طيلة كل هذا الزمن لمصلحته. |