العراق والسعودية... مبادرة ام فخ؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: أطلقت صحيفة الشرق الاوسط وعلى لسان احد كتّابها مبادرة (نداء الغيور) على الدعوة التي وجهها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الى الكتل والفعاليات السياسية العراقية الفائزة في الانتخابات للاجتماع في السعودية تحت مظلة الجامعة العربية وبرعاية المملكة من اجل طائف عراقي شبيه بالطائف اللبناني.

ردود الافعال حول المبادرة تفاوتت بين كتلة واخرى، فالقائمة العراقية والتي سلمت على مضض بحسم منصب رئاسة الوزراء لنوري المالكي نتيجة مالمسته من اطراف عديدة داخل العملية السياسية وضغط العامل الزمني المتسارع لانعقاد مجلس النواب، وجدت في هذه المبادرة طوق نجاة لها يمكن ان يرفع من شرعية مطاليبها فيما لو كان الحسم نهائيا في موضوع رئاسة الوزراء. واشترطت حضور سوريا وايران الى الاجتماعات.

ائتلاف دولة القانون يحتاج الى وقت لدراسة المبادرة كرد اولي، ثم قام برفضها، فيما ذكر العضو المستقل في الائتلاف عزت الشابندر ان: (التوقيت هنا محل بحث لأن المستوى الذي وصلت إليه التفاهمات بين الكتل السياسية العراقية جيد، وإذا جاءت المبادرة لتتويج ودعم هذه النتائج فستكون المبادرة جيدة جدا).

الائتلاف الكردستاني لم يحسم امره اتجاه المبادرة قبولا او رفضا الا انه وعلى لسان النائب فيه محمود عثمان اتفق مع الشابندر حول مستوى التفاهمات الجيد الذي وصلت اليه الكتل السياسية في مباحثاتها وراى في المبادرة عاملا سلبيا سيعقد المفاوضات بين الكتل حسب ماجاء في تصريحه لقناة العربية، ومعروف ان الاكراد ونتيجة لتجارب مريرة على مدى عقود يشككون بالأدوار العربية.

المضمون السياسي للمبادرة عبر عنه عبد الرحمن الراشد في عموده اليومي في نفس الصحيفة التي كان يرأس تحريرها قبل انتقاله الى فضائية العربية المملوكة للسعودية حين قال:

(حتى لو حقق طرف من القيادات النصاب المطلوب لبلوغ رئاسة الحكومة، فإن ذلك سيظل محل شك عراقي وعربي ينتقص من شرعية الحكم العراقي الجديد. ومهما يكن، وإن اتفقت القوى على شخص بعينه لرئاسة الحكومة، فإن السعودية لا تستطيع أن تلغي أو تفرض اسما أو حزبا، لكن الذي تستطيع أن تفعله هو منح الفائز الشرعية الكاملة، كما حدث تماما في مؤتمر الطائف اللبناني).

واضاف قائلا: (رئيس الحكومة المقبل، سواء كان المالكي أو غيره، سيحتاج إلى أن يحكم في مناخ عربي مؤيد بدلا من الرئاسة الماضية التي شابها الكثير من الإشكالات السياسية والشكوك والقطيعة العربية. المؤتمر السعودي لن يقرر من يحكم العراق، بل سيمنح من يرضى به العراقيون الشرعية العربية تحت علم الجامعة العربية. عمليا السعودية تمنح النظام العراقي ما عجز عن الحصول عليه في السابق، الاعتراف الكامل والرعاية السياسية).

وعن الدور السعودي المضمر اكثر منه المعلن يقول الراشد: (من الخطأ افتراض أن النتائج محسومة قبل أن يلتقي العراقيون في الرياض ويعلنون خيارهم في الرئاسات الثلاث. ربما يتفق قادة الأحزاب قبل أن يغادروا بغداد إلى مؤتمرهم في الرياض، وبالتالي يصبح دور المؤتمر تتويج الخيار العراقي وتعميده عربيا، والاحتفال بمرحلة جديدة. أما إذا وصلوا إلى الرياض وهم في حالة الاشتباك السياسي، فسيفعلون ما فعل اللبنانيون في الطائف قبل عشرين عاما، حيث تصبح القمة طائفا آخر للنقاش حتى الاتفاق. ولا يمكن مقارنة أزمة لبنان آنذاك بإشكالات العراق اليوم لأنها مختلفة. فالسياسيون العراقيون متفقون تماما على النظام السياسي وإطاره، لكنهم عاجزون عن الاتفاق حول الأنصبة التي تحدد مواقع الحكم).

يفيدنا في التعليق على هذه المبادرة العودة الى سنوات سابقة قليلة لمعرفة الاعتبارات التي تحكم مقاربة السعودية لما يحدث في العراق.

1 – الخوف من ان عدم الاستقرار في العراق قد ينتقل الى السعودية.

2 – الخوف من تغلغل النفوذ الايراني، الحقيقي منه والموهوم بواسطة حلفائها (وعملائها) من الشيعة (المشكوك في وطنيتهم وعروبتهم)، وكلمة الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي التي القاها في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك 23 ايلول 2005 عبرت بوضوح عن هذا القلق حيث قال: (ان الايرانيين يدخلون في كل دائرة حكومية في العراق فيدفعون الاموال ويفرضون عليها من يشاؤون من اشخاص محسوبين عليهم ويشكلون لانصارهم قوات شرطة مع اسلحة وميليشيات لتعزيز وجودهم).

3 – البعد النفطي في الاهتمامات السعودية هو من المسائل ذات الاهمية الكبرى في المدى الطويل. كما يذهب الى ذلك جوزيف مكميلان في مقاله (العربية السعودية والعراق: النفط والدين والمنافسة المستديمة) المعهد الامريكي للسلام / 2006 .

4 – بروز قوة الشيعة في العراق لانها قد تهدد الهوية الاساسية للدولة السعودية القائمة على اساس المذهب الوهابي.

طيلة السنوات السابقة نأت السعودية على المستوى الرسمي عن دعم العنف في العراق، الا ان الكثير من فعالياتها الشعبية كانت تفعل ذلك تحت انظار تلك الجهات، لمحاولة افشال العملية السياسية في العراق والتي تعتقد السعودية ان الارث السياسي السني فيها اخذ يتعرض للاقصاء والتهميش بصعود الشيعة الى سدة الحكم.

فكيف سيكون عليه الحال بعد اربع سنوات اخرى لو سارت الامور لصالح الشيعة في وزارة جديدة، يقصى منها اياد علاوي والقيادات الاخرى في القائمة العراقية المدعومة من السعودية؟ انه يعني من وجهة نظر المملكة ضياعا تاما للعراق واختطافه من هويته العربية السنية.

المبادرة السعودية، مع تقديرنا لمكانة السعودية، جاءت متأخرة يراد منها محاولة انقاذ القائمة العراقية انصبة حكم معينة قد تكون على حساب الاخرين، او انها ترمي الى تغيير المعادلات، ويكون ترتيب الرئاسات الثلاث على الشكل التالي:

رئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة كما ترتب ذلك في الطائف اللبناني الذي رعته السعودية، واصبح دستورا نافذا. والا لو بقيت المعادلة على حالها فان العراق لا يحصل على الاعتراف الكامل والرعاية السياسية وبالتالي ستكون شرعية اي حكومة قادمة ناقصة ومعرضة للقطيعة العربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/تشرين الثاني/2010 - 24/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م