الحضارة المادية تسير نحو حتفها

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ثمة فرق شاسع بين الغرب والشرق في طرق العيش والتفكير، والأهم من ذلك في الايمان، فغالبا ما يكون الغرب ماديا في تفكيره وعمله وحتى إيمانه، أي أن رصيده الأول هو النظرة المادية البحتة للأمور وكيفية التعاطي معها، أما الشرق لاسيما المجتمع الاسلامي فإنه يتحصّل على رصيدين الأول مادي يتعامل مع الحياة بصورة واقعية بحتة، والرصيد الآخر هو الكنز الروحي الذي تدعمه تعاليم الدين ويتعلق بتعميق الايمان في الذات الانسانية وعدم الاكتفاء بالنطرة المادية فقط.

إن الاستناد الى الرصيد المادي بمفرده كما هو الحال في حياة الغرب يتأتى من عوامل كثيرة أهمها قوة الاقتصاد وتعدد أنماط الحياة والتداخل الكبير بين جميع المجالات العملية والانتاجية، فيصبح المال هو المحرك الأهم لعموم أفراد المجتمع، يرافق ذلك لهاث محموم وصراع مستديم على الربح والكسب بغض النظر عن الطرق والمبادئ التي يستند إليها هذا الكسب، كل هذا وغيره يجري في ظل غياب شبه تام للدور الروحي الذي ينبغي أن يكون له حضوره في موازنة الحياة الانسانية.

لذا فإن التخمة المالية للفرد والمجتمع (في ظل غياب الدعم الروحاني) ستدفعه الى سبل خطيرة لتفريغ المال الفائض ومنها كما تشير الوقائع في المجتمعات الغربية الى انتشار صالات القمار والملاهي الليلة والصخب وانتشار الجريمة وما شابه، الامر الذي أدى الى تزايد حالات الانتحار على نحو مريع في الغرب.

يذكر أحد المختصين، حول جانب المقارنة بين المادي والروحاني، أن الانسان المادي حين يتعرض الى مشكلة ما، اقتصادية، أو عاطفية، أو مرضية، أو غيرها، سيستند الى رصيده المادي (المال والوقائع الملموسية المرئية) فمثلا اذا تعرض الى مرض عضال سيلجأ بقوة أمواله الى أشهر الاطباء ليعالج نفسه، وحين يفشل المال والطب في معالجته سيُصاب باليأس والقنوط التام والاستسلام للموت القادم، في حين أن (الانسان المؤمن) يتمتع برصيدين هما المادي والروحي الايماني، فإذا نفذ المال وعجز الاطباء، هناك قوى روحية مصدرها الايمان ستشكل مرحلة أخرى لمعالجة المرض، وهناك دلائل قاطعة عن قوة الايمان في معالجة الكثير من المشكلات المستعصية سواء مرضية او غيرها، وبهذا فإن الانسان المؤمن يتفوق على الانسان المادي بقدراته الروحانية.

لذلك حين يتعرض الانسان المادي في المجتمع الغربي الى مشكلة كبيرة وتفشل القدرات المادية في معالجتها سيذهب الى أسرع الحلول وهو الانتحار، وهذا ما يفسر كثرة عمليات الانتحار في المجتمعات الغربية حسب الاحصائيات الغربية نفسها.

والمشكلة تكمن في الايغال المادي المتواصل للغرب، فهم من اجل الحصول على المال والكسب والربح يلجؤون الى شتى الوسائل والسبل التي تحقق لهم ذلك، حتى الجوانب النفسية التس تؤثر على الناس وتضعهم تحت ربقة الاستنزاف المادي.

يقول الكاتب كاظم الحلاق في كتابه الذي حمل عنوان "القمار والانتحار في كازينوهات أميركا": (في العشرين سنة الأخيرة أصبحت الكازينوهات تستأجر الاختصاصيين والمستشارين والخبراء في علم النفس بغية السطو والتأثير على العقل البشري. تحت الأضواء الساطعة للكازينوهات والفنادق الضخمة ينساب الظلام حيث أنفاق المتشردين. ثمة المئات بل الآلاف منهم لفظتهم أضواء ليل المدينة بعد أن سلبت كل ما يمتلكونه واحرقت جلودهم الحياة القاسية وشمس صحراء نيفادا). وهكذا يكون السطح العلوي للاضواء والكازينوهات والقمار واللهو وامتصاص الاموال، أما القاع او الارض السفلى فتكون بمثابة أنفاق تأوي مئات بل آلاف المشردين الذين أخذت منهم اضواء المدن كل شيء ولفظتهم الى الظلمة، وهذه الحالة تشكل مظهرا مستديما للمادية الغربية القاتلة، فهل يعني هذا أن المجتمعات الغربية تسير بقدميها الى حتفها؟.

ثم يصل الحلاق في كتابه نفسه الى القول: (اذا كان ثمة لوم، فانه يقع على الحضارة الغربية، حضارة لا تثمن قلب الإنسان وحاجاته، حضارة ترسل الإنسان خارجا بدون وسائل عاطفية لتجنب او تحمل مشاعر الرفض، الفشل، الخسارة، الوحدة والشك. حضارة تقيّم الإنسان على عمله، اذا كان عاطلا عن العمل تلك التقاليد تقول له: أنت لا شيء).

وهكذا يبدو الفرق شاسعا بين أساليب الحياة الغربية والشرقية على المستويين الفردي والمجتمعي، ولهذا السبب تسعى بعض أنماط الثقافة الغربية لتوريط الأمم والمجتمعات الأخرى بالمنهج المادي الصرف الذي لا يترك حيزا لغيره في تسيير الحياة.

من هنا دعا العلماء والمعنيون من المسلمين وغيرهم الى أهمية الاحتراز من المحاولات المحمومة لطمس الهوية الثقافية لمجتمعات الشرق الاسلامية وغيرها، لاسيما أننا نعيش عصر القرية الكونية بفضل وسائل الاتصال الحديثة التي أنتجتها المادية الغربية نفسها وتحاول أن توظفها لتكريس النهج المادي، في الوقت الذي ينبغي أن يكون الجانب الروحاني الايماني حاضرا وفاعلا من أجل تحقيق الموازنة الصحيحة للوصول الى حياة أفضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تشرين الأول/2010 - 22/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م