الاعمال الابداعية بين النظرة والفنية والاطماع المادية

ظاهرة سرقة اللوحات

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: يعتبر فن الرسم من الفنون الإبداعية المهمة التي تبرز إمكانية الفنان على تصوير الحياة من حوله وجمعها في مجموعة من الألوان على لوحات بسيطة ويترجم الأحداث عن طريق فرشاة صغيرة، ولكن رغم بساطة العملية لكنها صعبة جدا وبالأخص على أولئك الذين لا يملكون خيالا واسعا ومهارة كبيرة في تصوير ما يدور في أذهانهم وغرائزهم ونسخها على ورق.

فالفنان الحقيقي هو من يستطيع ان يوصل إليك فكرة اللوحة وقضيتها الى داخل روحك، ويملئ ألوانه ورسوماته بمشاعره لينقلها الى نفسك ليفجر في داخلك ما هو مكنون وإذا بك تعشق اللوحة لأنها تجسد ما يحزنك او يفرحك أو أي انفعالات أخرى.

ولهذا فأن هناك العديد ممن يعشق هذا المجال، لاسيما وان فيه الكثير الكثير من الفنانين المبدعين ومنذ سنين طوال، ورغم أنهم انتقلوا الى العالم الآخر لكنهم تركوا لنا ثروة فنية وجعلوا أرواحهم في لوحاتهم وهم بذلك مازالوا أحياء يتنفسون من خلال رسوماتهم، بالإضافة الى معجبيهم والمهتمين بأعمالهم ولكن هذا لا ينفي ان هناك بعض الذين لا يعرفون قيمة اللوحة إلا بقيمتها المادية فهذا ما دفعهم الى سرقة اللوحات لكسب المال بعد بيعها.

سرقة منحوتة في وضح النهار!

فقد سرقت منحوتة برونزية تقدر قيمتها بأكثر من مئة ألف يورو للفنان السوريالي الاسباني سلفادور دالي في وضح النهار من معرض في بروج في غرب بلجيكا. فقد اشترى رجل بطاقة للدخول الى معرض دالي الذي ينظم حاليا في المدينة على ما ذكرت لصحيفة الفلامكنية "هيت لاتستي نيوز".

وجال الزائر بين الأعمال قبل ان يفك المنحوتة عن قاعدتها من دون ان يلفت الانتباه. وعمد بعدها على إخفائها في كيس وتمكن من مغادرة المكان من دون أن يتنبه إليه احد على ما أوضحت الصحيفة. ويبلغ طول منحوتة "المرأة ذات الأدراج" العائدة للعام 1964 حوالي خمسين سنتيمترا ووزنها حوالي عشرة كيلوغرامات. وهي تمثل امرأة مستلقية يخرج من بطنها وصـدرها ستة أدراج. بحسب وكالة فرانس برس.

وأكدت شرطة بروج عملية السرقة موضحة ان قيمة المنحوتة تتراوح بين مئة و120 ألف يورو. وقد صورت كاميرا مراقبة عملية السرقة وتقوم الشرطة بتحليل الصور على ما أوضحت وكالة بلغا للأنباء. وقال احد المنظمين ان المنحوتة مؤمنة لكنها لم تكن تتمتع بأي نظام إنذار محدد. وأوضح ان الحارسين العاملين في قاعة العرض كانا أيضا مكلفين ببيع البطاقات وقد يكون شريك للسارق حجب عنهما الرؤية خلال العملية.

واتت عملية السرقة هذه بعد حوالي سنة على سرقة لوحة في وضح النهار أيضا للفنان السورالي البلجيكي رينيه ماغريت من متحف في بروكسل. وقدرت قيمة هذه اللوحة بين 750 ألف يورو وثلاثة ملايين يورو.

اتساع نطاق سوق الأعمال الفنية

من جانبها نظمت قاعة سوذبي في لندن أكبر مزاد من نوعه في تاريخها لبيع أعمل فنية عربية وإيرانية. وعرض أكثر من 80 عملا فنيا للبيع منها أعمال نحتية ولوحات لكبار الفنانين المعاصرين مثل الإيراني سهراب سبهري والمصري محمود سعيد. علاوة على أعمال من الفن المعاصر للفنانين يوسف نبيل وفرهاد مشيري.

وفاق المزاد التوقعات حيث بلغت حصيلته ثلاثة ملايين جنيه إسترليني أي أكثر من خمسة ملايين دولار. وذكرت داليا إسلام نائبة مدير قسم الشرق الأوسط في قاعة سوذبي ان المزاد كان الأهم من ناحية الجودة والتنوع وتوقعت أن يتسع نطاق سوق الأعمال الفنية في الشرق الأوسط. وقالت "أنا متأكدة من أنه مع زيادة قيمة الفنانين ومع اتساع نطاق ومجال الفنانين ومع بناء المتاحف وتزويدها (بالأعمال الفنية) في المنطقة ودخول الجيل الجديد إلى الساحة.. أعتقد أننا سنشهد اتساعا كبيرا في السوق."

وقد بيعت في المزاد لوحة مرسومة بألوان الزيت على القماش للفنان الإيراني سهراب سبهري من مجموعته المسماة (من جذع الشجرة) لأحد أعضاء حكومة شاه غيران السابق. ومن أهم الأعمال التي شملها المزاد لوحة (النائمة) للفنان المصري الكبير محمود سعيد التي بيعت بمبلغ يزيد على 240 ألف جنيه استرليني (نحو 370 ألف دولار) رغم أن السعر الذي كان مقدرا لها قبل المزاد لا يزيد على 120 ألف جنيه استرليني.

وأوضحت داليا إسلام أن الكثير من هواة جمع الأعمال الفنية يعتبرون شراء الأعمال الفنية ضربا من الاستثمار. وقالت "أعلم من واقع خبرتي أن هواة جمع الأعمال الفنية يضعون في اعتبارهم احتمال زيادة قيمة العمل الفني. بعضهم يولي ذلك أهمية أكثر من غيرهم والبعض الآخر أكثر اهتماما بالجانب الفني الصرف للأعمال." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وأضافت "لكني أعتقد أنه عندما يشتري أحد شيئا ما وينفق مبلغا كبيرا من المال على شيء فهو يريد الاطمئنان إلى أن الاستثمار سيكون جيدا." ومن الأعمال الفنية التي شملها مزاد سوذبي لوحات لفن الخط العربي وأعمال نحنية وصور فوتوغرافية. وذكرت سوذبي أن نجاح المزاد يؤكد وضع لندن كسوق دولية للفنون يؤمها المشترون من أنحاء العالم بما في ذلك من الشرق الأوسط وآسيا.

وقالت داليا إسلام "في الغالب يكون المشتري من المنطقة.. عرب أو إيرانيون. ليسوا بالضرورة عربا وإيرانيين يعيشون في الشرق الأوسط بل في الخارج.. في الولايات المتحدة وأوروبا. لكن هناك أيضا بعض هواة جمع الأعمال الفنية المهتمين من خارج المنطقة.. مشترون من بريطانيا أو حتى صينيون." وتأمل قاعة سوذبي بعد نجاح المزاد أن يجري حوار بين الشرق الأوسط وأوروبا بما يتيح للفنانين في المنطقة عرض أعمالهم في الخارج.

رقما قياسيا في آسيا

بينما حققت لوحة زيتية لمارك شاجال رائد الفن المعاصر رقما قياسيا في آسيا وبيعت في مزاد بمبلغ 4.18 مليون دولار بعد مزايدات مثابرة في مزاد بهونج كونج.

وباعت صالة مزاد سول لوحة (الحيوانات الرمزية والموسيقى Bestiaire et Musique) وهي لوحة زيتية رسمها شاجال عام 1969 لمشتر اسيوي لم يكشف عن هويته. وتعكس اللوحة أسلوب الفنان الفرنسي الروسي المولد الخيالي الغني بالألوان. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال منظمو المزاد ان العمل سجل رقما قياسيا في منطقة آسيا التي تنامت مكانتها في سوق الفن العالمي. لكن على الرغم من ارتفاع السعر بالنسبة لآسيا الا انه لا يزال متواضعا نسبيا مقارنة بالملايين التي تدفع في لندن ونيويورك مقابل أعمال لفناني المدرسة الانطباعية وأشهر الأعمال الغربية من القرن العشرين. وكانت لوحة شاجال التي تصور عروسا وعازف كمان وسط مجموعة من لاعبي السيرك والحيوانات هي أهم عمل في المزاد الذي أقامته صالة سول.

تزوير اللوحات الفنية

فيما تم الكشف في ألمانيا عن عملية تزوير كبيرة للوحات فنية، كان لها أصداء واسعة في الأوساط الفنية العالمية. في البدء كان الحديث عن 5 أو 7 لوحات مشكوك في كونها مزورة، لكن العدد تصاعد ليصل إلى أكثر من 30 لوحة. وجميع هذه اللوحات تنتمي إلى مصدر واحد، وهي "مجموعة فيرنر يغير، التي يشكك في وجودها أصلاً.

ومع تطور تداعيات هذه الفضيحة أُلقي القبض على 3 من المشتبه فيهم، يقبعون في السجن الاحترازي في مدينة كولونيا. وأدعى هؤلاء الأشخاص الثلاثة أنهم ورثوا اللوحات ثم قاموا ببيعها عن طريق صالات مرموقة لبيع الأعمال الفنية وعرضها. وبعد أن تم فحص اللوحات من قبل الخبراء والتأكد من صحتها تم بيع إحداها بمبلغ 2.4 مليون يورو. أما ضحية هذه الفضيحة فلم يكونوا من الهواة فقط، وإنما متاحف أيضاً.

تحديد عمر اللوحة

في حين بدأ كل شيء بلوحة واحدة فقط، كان يعتقد أنها مفقودة، والمسماة بـ "لوحة الخيول الحمراء"، للرسام هينريش كامبندونك، وهو من رواد المدرسة التعبيرية. وبُيعت هذه اللوحة في صالة "لمبرتس" للأعمال الفنية التي تعد أكبر صالة للمزادات في مدينة كولونيا الألمانية.

لكن المشتري راوده بعض الشك حول أصل اللوحة، فطلب فحصها، فقد وصل ثمن هذه اللوحة إلى 2.4 مليون يورو، وهو أكبر مبلغ دفع في احد أعمال هينريش كامبندونك. واثبت التحليل الكيميائي للألوان أنها تحتوي على عنصر لم يكن موجوداً في وقت رسم اللوحة آنذاك. وقد يتساءل المرء لماذا لم يتم فحص اللوحة بعناية، وخاصةً مع هذا المبلغ الكبير، إذ يتوفر لخبراء الفنون والترميم أجهزة أشعة فوق البنفسجية وكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء وأجهزة أشعة.

وبواسطة هذه التقنيات يمكن الكشف عما هو في داخل اللوحات، كما تقول خبيرة الترميم كارولين فون زاينت غيورغ. وتضيف غيورغ قائلة: "تحتاج هذه العملية إلى الكثير من الوقت. وقد يستغرق الفحص التقني للأعمال الفنية عدة أسابيع".

لكن ليس لدى صالات المزادات الكبرى الكثير من الوقت، إذ أن سوق الأعمال الفنية يشهد رواجاً كبيراً، رغم الأزمة الاقتصادية. وفي هذا الإطار يؤكد هينرك هانشين، صاحب صالة لمبرتس للأعمال الفنية، أنه يستشير الخبراء المختصين في قضايا الميراث وبذلك يتجنب المشاكل القضائية قبل وقوعها. لكن على الرغم من ذلك فإن الحقيقة الماثلة للعيان تظهر أنه تم تضليل الخبراء بخصوص مجموعة فيرنر ياغر المشكوك في صحتها ووجودها أصلاً. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

واللوحات ترجع لفنانين مثل ماكس بيششتاين وفرديناند ليجير وماكس إرنست، بل وصل الأمر إلى تضليل وخداع الخبراء في أعمال ماكس إرنست وفريوند فرنير. هؤلاء الخبراء انتابتهم السعادة بالعثور المفاجئ على المجموعة المفقودة، كما يقول مؤرخ الأعمال الفنية هنري كياتسور. ويضيف كياتسور قائلاً: "هذا شيء مألوف في مجال التزوير، وهو ما يراهن عليه المزورون، فهم يعملون حيثما يوجد احتياج أو حاجة ملحة. ويعود هذا الأمر إلى سببين أولهما الحصول على ثمن مرتفع، وثانيهما أن الخبراء لن يكون حريصين بشكل كبير، حيث يعتريهم تشوق كبير".

التكعيبة التحليلية

وانطلت هذه الحيلة أيضاً على رايموند شتاكير، مدير متحف فيلهم ليمبروك في دويسبورغ، الذي يتولى أيضاً مسؤولية اختيار اللوحات المشاركة في المعارض. وفي أحد المعارض الجوالة الخاصة بالتكعيبية تم عرض إحدى اللوحات المشكوك في كونها مزورة. واللوحة عبارة عن بورتريه تكعيبي لعارض اللوحات اليهودي الأسطوري ألفرد فليشتهيم، والتي كان يُدعى أنها للرسام لويس ماركوسيس. وأثار اكتشاف هذه اللوحة حماسة مدير متحف دويسبورغ، لأن هذه اللوحة المرسومة عام 1914، تجتمع فيها بواكير ونهايات المرحلة التكعيبية. وفي هذا السياق يقول شتاكير بصراحة: "في هذه الصورة تجسيد رائع لمرحلة ما بعد الحداثة. ومن الممكن أن تعود الصورة لعام 1995، حيث يتوافر في هذه الصورة جميع ميزات التكعيبية التحليلية، وما إلى ذلك. هذا ما يجعل أي مؤرخ يشك فيها، ولكني لم أشك فيها".

تشديد الإجراءات

أما بورتريه فليشتهيم فقد كان له دور محوري في الفضيحة الفنية، ولا يُعد البورتريه نفسه مشكوك في أصله فقط، ولكن يوجد على ظهر كل الصور المشكوك فيها تقريباً، ملصق عليه صورة فليستهيم، والذي يشبه علامة المنشئ لصالة الأعمال الفنية، لكن ثبت أنه مزور. وهذا درس يوضح أن المزورين المحترفين لا يتملكون فقط المقدرة على التزوير، ولكنهم يخترعون تاريخ للأعمال الفنية. وهذا ما صرح به هنري كياتسور قائلاً: "من الممكن لنا أن نلاحظ، كيف أن كل شيء سار بطريقة مُحكمة جيداً في هذه القضية. وذلك لأننا نعرف القليل عن هذه المجموعة، فكان كل شيء يبدو على ما يرام. واللوحات في هذه المجموعة لم تعرض بصورة واسعة، أو لم تعرض في أي معارض أصلاً، مما جعلها أعمال فنية غير معروفة، مما جعلها تلقى اهتمام كبير في سوق الفن".

ويؤكد رايموند شتاكير، مدير المتحف، أن كل ما هو جديد في السوق يحمل معه مخاطرة كبيرة. ويقول في هذا السياق: "أعتقد أن الحد الأدنى من البحث والتحري سيكون مرتفعاً أكثر مما هو عليه الحال الآن. واعتقد أن هناك واجبات على البائع، لإثبات أن القطع الفنية أصلية، وجعل هذا الإثبات إلزامياً، ولا يكون الإثبات قائما على ظن أو اعتقاد البائع". ولن يُكتفي في المستقبل بوثيقة توزيع الميراث أو الوصية، فقد حانت ساعة استعمال التقنية في مجال الفنون.

"حوض النيلوفر"

بينما ستطرح لوحة "حوض النيلوفر" احد ابرز لوحات الرسام الفرنسي كلود مونيه في مزاد علني في نيويورك على ان يعود ريع عملية البيع الى المؤسسة الوطنية لنصرة الفن على ما أعلنت دار سوذبيز للمزادات.

ويقدر سعر اللوحة بين 20 و30 مليون دولار وستكون من الأعمال الرئيسية المعروضة للبيع في مزاد أعمال الفنانين الانطباعيين الذي ينظم مرتين سنويا في تشرين الثاني/نوفمبر وايار/مايو. واللوحة تعود الى مجموعة خاصة وقد قرر صاحبها ان يذهب ريع بيعها بالكامل الى برنامج "يونغ ارتس" التابع للمؤسسة الوطنية لنصرة الفن على ما أوضح ناطق باسم سوذبيز. بحسب وكالة أنباء فرانس برس.

وفي المزاد أيضا لوحة "جان هيبوترن والقبعة" لاماديو مودلياني يقدر سعرها بتسعة ملايين الى  12 مليونا وسيذهب ريعها كذلك الى المؤسسة نفسها على ما جاء في بيان لدار المزادات. "يونغ ارتس" برنامج أطلق العام 1981 في ميامي (فلوريدا جنوب الولايات المتحدة) من قبل الملياردير تيد اريسون ويقدم منحا الى شباب يتمتعون بمواهب فنية وتراوح أعمارهم بين 17 و18 عاما.

وكان مالك "حوض النيلوفر" الحالي اشترى هذه اللوحة في مزاد علني نظمته سوذبيز في نيويورك بسعر 9,9 ملايين دولار العام 1998. ويقام معرض استعادي كبير للرسام مونيه في قاعة "غران باليه" في باريس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/تشرين الأول/2010 - 20/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م