الحرية ركيزة في ارتقاء المجتمع

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم يكّف الفلاسفة والعلماء عن طرح أفكارهم التنويرية التي تقف الى جانب الانسان في سعيه الدؤوب لبناء المجتمع المثالي، وقد استمد معظم هؤلاء العلماء والمهتمون رؤاهم وأفكارهم من التعاليم الواردة في الاديان السماوية، إذ يشكل الاسلام المنبع الأعظم للافكار الانسانية التي تحث على التطور والتحديث والتفاعل المتبادل الذي يخدم البشرية ويضع خطواتها على الطريق السليم.

فالانسان حين بدأ مشواره القاسي مع الحياة، لم يكن مشذبا بعدُ من خطاياه ولا نوازعه المضمخة بنوايا الشر، وغالبا ما كانت تحكمه المصلحة الذاتية التي كانت تعميه عن رؤية مصالح غيره، فيلجأ الى القوة والعنف لتحصين مصالحه وتعظيمها حتى لو تحقق ذلك على حساب الآخرين أفرادا أو أمما، وهذا ما حدثنا به التأريخ البشري المتلاحق، حيث المعارك الطاحنة بين بني البشر لتأمين الحياة الأفضل على حساب الغير، وهو أمر بات مرفوضا ومستهجنا في عالم اليوم.

حدث هذا بفضل الاسلام الذي دعا الناس اجمع من دون استثناء - وأولهم المسلمين- الى احترام الآخرين وحرياتهم، ومنح الجميع حرية التفكير والعمل وحرية طرح الرأي والرأي الآخر، بل وأثنى كثيرا على أهمية المشاورة قبل اتخاذ القرارات من لدن المعنيين وهم كبار او قادة القوم لكي يتحقق شرط الحرية الذي يؤدي بدوره الى تحقيق أفضل النتائج في مجال البناء الأمثل للمجتمع.

في هذا الصدد، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه المتميز (السياسة من واقع الاسلام):

(الإنسان حرّ بنظر الإسلام في مزاولة كل أنواع الأعمال، بمختلف أشكالها، وأحوالها، في أي زمان ومكان ما لم يضرّ بالآخرين).

ولعلنا نتفق على أن حرية العمل متأتية من حرية الرأي، وهكذا يستمد الانسان حريته العملية من حريته الفكرية التي أتاحها له الاسلام شريطة أن لايتسبب ذلك العمل بأذى للغير وهو مالاتقبله التعاليم الاسلامية مثلما يرفضه المنطق الانساني القويم تماما، ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا المجال بكتابه نفسه:

(إنّ الإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين، بل وحتى لغير المسلمين من سائر البشر، كامل الحريّة في جميع المجالات المشروعة، مادام لا يضر بحريّة غيره).

وهكذا نلاحظ تركيزا كبيرا يوليه الاسلام لحرية الرأي والعمل، والسبب كما هو واضح، أن أجواء الحرية تسهم على نحو كبير بخلق عناصر النجاح والتقدم والمعاصرة التي تتطلبها حياتنا الراهنة، استنادا الى قانون التجدد الذي لابد للانسان أن يؤمن به ويحسب حسابه ويسعى الى تجديد أفكاره ورؤاه وأعماله، في ظل الشرط الذي اقترحه الاسلام والمنطق الانساني معا، متمثلا بعدم الاضرار بمصالح الآخرين، فليس من العدل بشيء أن تتسبب حريتك في الأذى لغيرك مهما كانت حدود الضرر، لأن الاهم في التقدم والتطور والحرية نفسها أن يتحقق الوئام والانسجام بين الجميع في ظل نظام حياتي يضع توافر المواصفات الانسانية في المقدمة من أهدافه.

ولكن يبقى الاسلام حريصا على حرية الآخرين، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في كتابه نفسه:

(أول ما يبدأ الإسلام بتحرير الناس فيه: الفكر، واختيار الدين فإنّ الإسلام لايجبر الناس على دين معيّن أبداً، ولو كانوا في بلاد الإسلام وتحت رعايته وحمايته).

والأهم عند الاسلام أن يكون الانسان سعيدا وناجحا في حياته، بل هدف الاسلام أن يتحقق الخير لعموم الناس، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال:

(إنّ الإسلام جاء لإسعاد البشر حتى الذي لا يؤمن بالإسلام يريد لـه الخير ويحب لـه النجاة... إنّها من أبعاد الحرّية في الإسلام).

والهدف الأهم في المسعى الاسلامي أن تُشاع الحرية من دون إلحاق الضرر بالآخرين، عند ذاك سوف تُشاع حرية العمل والانتاج المتنوع في ظل منظومة سلوك عصري متوازن قائم على مراعاة حقوق الآخرين وآرائهم ومشاعرهم، مما يؤدي بالنتيجة الى تحقيق المجتمع العصري الناجح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/تشرين الأول/2010 - 20/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م