حبّة زرقاء للبرلمان العراقي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يقول أحد الكتّاب الذين يعيشون في ظل الاستبداد في احدى البلدان العربية والذين يُحسّون بالحرمان من أوطانهم: إنّ هذه الحبة الزرقاء تجعلني أشعر أني أمتلك (1.5) مترا مربعا من هذا الوطن.

قرار المحكمة الاتحادية والقاضي بالطلب الى رئيس السن في مجلس النواب العراقي بتوجيه دعوة الانعقاد لنوابه، تكون تلك المحكمة ورغم تاجيل الحكم في القضية المرفوعة من قبل بعض منظمات المجتمع المدني اكثر من مرة، قد وضعت البرلمانيين امام استحقاق تعليق جلستهم المفتوحة والتوجه الى جلسة جديدة تكون فاتحة عهد لجلسات يستقيم معها عمل البرلمان الذي انتخب من اجله.

في صيفنا المستمر منذ شهور والذي خفّت حدته قليلا وخصوصا في الليل حدثت انتفاضة الكهرباء الاولى في مدينة البصرة جنوب العراق وقد تناولتها الصحف ومحطات التلفاز كل من منظار معين.

وقد انفردت احدى الصحف العراقية بتقريرها حول الموضوع بذكر شهادة لاحد مواطني تلك المدينة وهو عدم قدرة البصريين على الاستمتاع بعلاقاتهم الحميمة مع زوجاتهم بسبب انقطاع الكهرباء او تكدس الاطفال مع ابويهم في غرفة واحدة..وكان العنوان الذي حمله التقرير على الشكل التالي: (قالوا إن الحياء منع من كتابة شعار عريض يطالب الحكومة بتسهيل علاقاتهم الحميمة.

متظاهرو البصرة: ازمة الكهرباء تخلف تأثيرات بالغة على الحياة الزوجية فالاسر مضطرة للنوم في غرفة واحدة.

احد المتظاهرين اقترح أن تسمى هذه الساعات (بالكهرباء الجنسية أو يوم النسل الحكومي! لأنها الطريقة الوحيدة التي تتيح للناس معاشرة أزواجهم، وبذلك تسيطر الحكومة على انفعالات المواطنين وتخفف من همومهم).

ويقول اخر معللا سبب اشتراكه في هذه المظاهرة (لم يكن لي هدف سياسي عندما شاركت بالتظاهرة وتعرضنا لإطلاق النار لكني فقدت الصبر على أوضاعنا الأسرية وحياتنا الحميمة).

وكانت تلك اشارة صريحة لعلاقة الجنس بالكهرباء والسياسة.

وقد قام المسؤولون كل من موقعه باصدار عدد من التصريحات المتفائلة والمشجعة حول العمل على اصلاح المنظومة الكهربائية المتهالكة مما يعني انهم اعطوا لمواطني مدينة البصرة حبة زرقاء لاستعادة نشاطهم الحميم.

الحبة الزرقاء يشير بها كاتب السطور الى حبة الفياغرا الشهيرة لمعالجة العجز الجنسي لدى الرجال وهو العجز الفيزيولوجي تحديدا وليس العجز النفسي الذي لا تفيد معه جميع انواع المنشطات والذي يحتاج الى اجواء رومانسية حالمة بعيدا عن مخاوف الانفجارات وكواتم الصوت الذي لو توفرت سيطغى عليها سماع الاصوات الحميمة فقط.

الحبة الزرقاء تاريخ عهدها في التداول قريب يعود الى سنوات قليلة وتحديدا العام 1995، شكل نزولها الى الاسواق فاتحة خير لملايين الرجال العاجزين في المعمورة، وقد ترافق استعمالها في البداية مع الكثير من الحوادث المضحكة والمفجعة احيانا، بسبب الافراط في تناولها تعويضا عما فات من سنوات العجز وضياع اكثر من فرصة لاقامة علاقة حميمية مع الشريك.

الحبة الزرقاء لها عدة مناشىء اشهرها الامريكي وهو صاحب براءة الاختراع والتصنيع ومنها الهندي الذي الذي تجد فيه طعم البهارات الهندية الاصلية الممزوج بانفاسهم في كتاب عشقهم الشهير (الكاماسوترا) والذي يضم جميع فنون الحب الهندية.

ومنها الصيني رمز الحضارة الاسيوية، وقد اطلق عليها المصريون لقب (منديل المتعة)، والى جانب اقراص الفياجرا توجد في مصر سوق أخرى تبدأ ببيع الوهم على الارصفة في أكياس وعلب بلاستيكية مجهولة الاسم والمنشأ وعندما تقترب منها تجدها ذات اسماء غريبة مثل (هورس الرهيب) و( لا تؤجل عمل اليوم الى الغد).

لم تسلم الحبة الزرقاء الاصلية من المنافسة من قبل الاخرين حيث خرجت علينا الأسواق الطبية بأشكال عديدة للفياجرا علكة جديدة يزرع فيها المركب النشط للفياجرا، كما استخلص باحثون هنود، أحمر شفاه من الاعشاب الطبيعية يحمل المفعول نفسه لأقراص الفياجرا، الا أن تأثيره يمتد أيضاً الى النساء.

وابتكر باحثون في جامعة سنترال لانكاشير لصاقة جديدة للفياجرا مخصصة للنساء فقط ليصبح بإمكان السيدات في منتصف العمر وسن اليأس, التمتع بحياة جنسية مستقرة عن طريق عقار الفياجرا المفيد في حالات العجز الجنسي.

تقول الإحصائيات: إنّ حوالي (100) مليون شخص في العالم يعانون من العجز الجنسي، ومن بينهم (30) مليون في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

أما في فرنسا وإنكلترا فتصل النسبة إلى (35%) من الرجال فوق سن الأربعين، فالضعف الجنسي مشكلة كبيرة من حيث النسبة المئوية ولكنَّ الذين يراجعون الأطباء هم (10%) من الناس والسبب في ذلك أنّ الجنس وتحديدا (الضعف الجنسي) لا يزال من المحرمات في كل دول العالم وبدرجات متفاوتة، فالشخص المصاب بالعنانة يخشى أن يُفتضح أمره لأنّ ذلك يُعتبر من النقائص المدمرة للشخصية في المجتمع.

وقد قيل: استهلك السوريون في عام (2005م) حوالي (2) مليون علبة من الحبة الزرقاء حيث تحتوي العلبة الواحدة على (4) حبات وهذا ما يعادل (400) مليون ليرة سورية باعتبار أنّ ثمن الحبة الواحدة (50) ليرة سورية، وأكدت احدى الدراسات ان المصريين ينفقون 12.5 مليار جنيه أكثر من مليار دولار سنويا على الفياغرا.

وقد اصبح للعرب حبتهم الزرقاء ايضا (سورية – مصرية) والتي تعالج عجز رجالهم في ميادين السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا اضافة الى عجزهم الجنسي في ميادين الفراش، نتيجة النكبات والنكسات والامية والجهل والتخلف والبطالة وعجزهم عن التنمية والتقدم الذي انعكس سلبا على قدرتهم على الاستطالة والتقدم نحو الشريك في المخدع الزوجي.

في دراسة نشرتها جمعية للصحة النفسية في البرازيل حول الحبة الزرقاء أسهبت في الحديث عن البطالة والكساد والغلاء والمديونية والدخل المحدود، وختمت الدراسة بعبارة: من لا يستطيع أن يكون رجلا خارج البيت يصعب عليه أن يلعب دور الرجل الطبيعي داخل البيت.

ويؤكد احد اطباء الأمراض النفسية والعصبية ان الانكسار في ساعات النهار يولد انكساراً مماثلا في الليل.

وقد اهتم العرب كثيرا بموضوعة الجنس والفوا فيه الكثير من المصنفات، والتي اسهبوا فيها بذكر طرق العلاقة الحميمة واوصافها واسماء الاعضاء وذكر الحالات والاوقات المستحبة والمكروهة وذكر مايزيد الشغف والمحبة بين الزوجين الى اخر ما يتعلق بهذه الممارسة الحميمة التي جعلها الله غريزة في الانسان لحفظ النوع وادامة النسل والحياة.

كثيرا ما ارتبط الجنس بالسياسة في مختلف بقاع العالم وفي الكثير من الحضارات التي سادت ثم بادت، وقصة كليوباترا ليست بعيدة عن الذاكرة.

وفي التاريخ القريب قصة المشير عبد الحكيم عامر مع الممثلة هند رستم والتي ادت الى النكسة في حرب العام 1967 كما يذكر بعض الكتاب.

وقصة الرئيس الامريكي بيل كلينتون مع المتدربة مونيكا لوينسكي وبينهما السيجار الكوبي الشهير.

على الصعيد العربي لا تخرج مثل هذه العلاقات التي يتداخل فيها الجنس مع السياسة الى العلن الا في النادر لا سباب تتعلق بالرقابة على المعلومة اكثر منها اسباب اخلاقية.

للكاتبة العراقية عالية ممدوح رواية حملت اسم (التشهي) تتناول فيها العلاقة بين الجنس والسياسة لتعكس من خلال القصور الجنسي لدى بطل الرواية العجز العراقي اليوم امام المحتل تماما كما كان بالامس امام الطاغية.

ويتوازى هذ الفشل مع مستوى استعاري للفشل السياسي القائم في البلاد وفي كل تلك الامكنة التي تبدو وكانها تضمحل وتخبو بعد خضوعها طويلا لارادة رجل المخابرات القادر على تحريك وتحويل كل شيء بجلد لا مثيل له، في عهد النظام السابق.

وفي السينما العربية عدد من الافلام التي عالجت قضية الجنس والسياسة وارتباطهما مثل فيلم (ألأوله في الغرام)، وفيلم (كشف المستور).

من المؤكد ان الكثير من السياسيين يود ان تنشر له بعض الصحف او الفضائيات بعضا من فتوحاته الجنسية التي تدلل على فحولتع الزائدة مثلما تتابع الاخبار فحولاته السياسية على ابناء شعبه.

يتساءل احد الكتاب العرب ناظرا الى الوضع اللبناني الشبيه بالوضع العراقي: كيف تستطيع أن تعطي عمرا سياسيا جديدا لمن انتهت مدّة صلاحيته ؟ كيف تعيد جدوى ورونقا لمن يبست اوراقه وذبلت ثماره؟ الوصفة الوحيدة هي حبة زرقاء.

وهو مافعله قرار المحكمة الاتحادية الذي سيجعل النواب ينتصبون وقوفا في اولى جلساتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/تشرين الأول/2010 - 19/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م