شبكة النبأ: أنفقت الإنسانية عبر رحلة
الحياة الشاقة قرونا بل آلافاً من السنين لكي تحفظ للكائن الانساني (فردا
كان او جماعة) كرامته، حدث هذا تدريجيا حين بدأ الانسان يرتقي سلّم
الوعي شيئا فشيئا، وأخذ يفهم ما ينبغي عليه من واجبات، وما له من حقوق
لا يجوز التنازل عنها او إهدارها، كي يتحقق السلوك والفكر اللذان
يحفظان كرامة الفرد وكرامة الآخرين على نحو متبادَل.
وهكذا بات حفظ الكرامة معيارا أساسيا لتقدم الامم والشعوب ومستوى
تطورها، ولاحت في أفق العلاقات والتعاملات الانسانية معادلة هامة
مؤدّاها، أن التقدم والكرامة رديفان متلازمان، فكلما كانت درجة تحقق
الكرامة الانسانية عالية كلما كانت درجة التقدم الانساني أعلى وهكذا.....ولهذا
حرص المفكرون والمصلحون والفلاسفة الايجابيون على الاهمية الكبرى التي
تنطوي عليها قضية الحرص على كرامة الانسان، وأثبتت التجارب والوقائع
الشاخصة أن لا إبداع ولا تطور ولا انتاج متميز للانسان في حالة تعرضه
للامتهان المستديم، فيما تتفتح في المقابل جميع نوافذ الابداع والقدرة
على الانتاج المذهل في حالة تمتع الانسان بالحرية والامان والتكافؤ،
وهي عناصر تحمي كرامته وتنمي اعتزازه بقدراته دائما.
هذا الكلام يقودنا الى الحالات التي يعيشها الانسان العربي في ظل
حكومات، بعضها تجهل ما تقدمه الكرامة للانسان الفرد او الجماعة، وأخرى
تعرف ذلك وتتغاضى عنه، فيما تحارب بعض الحكومات كرامة المواطن ذاتها،
بمعنى أن الحكام العرب يعرفون أن المواطن الحر سيتمتع بكرامة تامة، وأن
هذه السمة ستقوده الى صنع مجتمع حر كريم مبدع يعرف ما له وما عليه ولا
يفرّط بحقوقه لهذا الحاكم او ذاك تحت أية مبررات كانت، ولهذا السبب لا
يريد الحكام العرب أن يخسروا امتيازاتهم التي تقوم على الكرامات
المهدورة لرعيتهم.
ليس لدينا تفسيرات أخرى للإجراءات الكابتة والصارمة التي تقوم بها
الحكومات العربية تجاه مواطنيها، أفرادا أو جماعات، وهي في مجملها
خطوات تجهيل متعمَّد لاسيما في مجال الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها
المواطن، وتقع في المقدمة منها، حرية الرأي وتكافؤ الفرص والتعايش
والمساواة وما الى ذلك من قيم متحررة، وغالبا ما تقوم هذه الاجراءات،
على القسر والاقصاء والمحاربة والتهميش، فالجميع مضاد لهذه الحكومات،
إلا من يسايرها ويصمت عن تجاوزاتها، ويضحي بحقوقه من أجلها وأولوية
مصالحها، وأول هذه الحقوق التي يخسرها وأهمها كرامته التي تُهدَر من
أجل حكومته المتعطشة للسلطة ومنافعها، فتتم عملية تنازل المواطن عن
حقوقه السياسية وغيرها لصالح هذا الحاكم أو ذاك، من أجل بقائه على
العرش أطول مدة ممكنة، من دون مراعاة لمعاناة الشعب. والمشكلة أن
الحاكم العربي غالبا ما يظن بأنه إذا وفَّر ما يسد رمق المواطن، إنما
ينبغي أن يملكه (عبدا) مقابل ذلك، متناسيا -هذا الحاكم او ذاك- بأن
أبسط واجبات الحكام تتمثل بملء بطون شعوبهم، ومن أهم واجباتهم هي ملء
العقول بالعلم والفكر والوعي الذي يساعد الشعب على معرفة حقوقه
والمطالبة بها، بل وكيفية ممارستها أيضا، لأنها جميعا من مقومات
الكرامة الانسانية التي تسمو بالشعب الى مصاف الشعوب المتقدمة في
العالم.
فهل قدّم الحكام العرب مثل هذه الخطوات التي تحفظ كرامة الانسان
وتجعله فردا مبدعا في وسطه الذي ينشط فيه؟
الجواب سوف نستلّه من صورة الواقع المرئي والملموس في المشهد العربي
الراهن (وما خفي كان أعظم) وكما يلي:
- المواطن العربي محاصر بالرأي الأوحد.
- المواطن العربي محاصر بتحصيل القوت اليومي.
- المواطن العربي محاصر بالقمع السياسي.
- المواطن العربي محاصر بوسائل التجهيل المتعمَّد.
- المواطن العربي محاصر ببث الخرافات وإشاعة الرضوخ للقدرية
والحتمية.
- المواطن العربي محاصر بمخالب الفقر والمرض.
- المواطن العربي محاصر بوسائل التخويف بأنواعها.
- المواطن العربي محاصر بالسلبية والعدمية واليأس القاتم.
- المواطن العربي يعاني من منظومة الحكم الدكتاتوري التي تنتشر في
معظم الدول العربية، والدليل (بقاء الحاكم في منصبه حتى الموت).
وربما فاتتنا دلائل أخرى، ولكن لابد أن نعترف بأن العربي يمر اليوم
بمحنة هدر الكرامة التي يقف خلفها حكام (أبديون) صنعهم واقع لابد أن
يتغير جذريا، كونه نتيجة أكيدة لتراكم نهج سلطوي متجذّر، لذا فالكرة
اليوم في ملعب النخب المثقفة، المفكرة، المصلِحة، وكل من تُلقى على
عاتقه عملية التنوير الشامل لأمة ينبغي لها أن تبقى وتكون من أفضل
الأمم. |