الثقافة والتقدم صنوان لا يفترقان لإزدهار الشعوب

قبسات من أفكار المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: التقدم والازدهار والتطور من أهداف الانسان الكبيرة، سواء كان فرداً أو جماعة، وهكذا هي الطبيعة البشرية، غالبا ما تدفع بالانسان نحو التغيير الأفضل، لكن تبقى الوسائل وجودة التخطيط والأفعال الاجرائية المبرمجة هي التي تتحكم بالنتائج التي تتمخض عن الجهد المبذول من أجل الرفعة والتقدم الفردي او العام.

وتشترك طبيعة الثقافة بقوة في صنع القيم التي تسهم بالحركة الفكرية والعملية للمجتمع، وقد تنحدر الثقافة وتنتشر أفكار هابطة وسلوكيات لا تليق بالانسان، لذلك لابد أن تكون الثقافة المعتمدة رصينة ومستمدة من الجذور الانسانية الصائبة، كما هو الحال مع القيم المستقاة من التعاليم الاسلامية الراقية.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بهذا الصدد في كتابه الموسوم بـ (العلم النافع):

(إنّ الثقافة الصائبة وحدها القادرة على مواجهة وتصحيح ما نراه من ثقافة ضحلة في عالم اليوم، لأنّ القوّة أو المال أو غير ذلك يعجز عن مواجهة الثقافات وتغييرها، إذ لا يقارع الثقافة إلاّ الثقافة).

وهكذا يكون المال ضعيفا ازاء قوة الثقافة، فما بالك لو كانت تستقر على ركائز قوية وصائبة، هذا يعني استحالة ضربها بالمال او الاساليب المادية الاخرى، لكن الخطر الفكري المضاد للثقافات الاخرى هو الذي يشكل حالة الخطر التي قد تدمر الثقافة الرصينة وتحل محلها ثقافات هابطة تدمر بدورها القيم الانسانية الصحيحة، وهو ما يحد من حالة التقدم التي يهدف إليها المجتمع، لذا لابد من البحث عن الوسائل المساعدة في هذا المجال، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي أهمية تقويم النفس أولا وتثقيفها لكي تصبح عاملا فاعلا ومساعدا على التقدم إذ يقول سماحته في هذا الجانب بكتابه نفسه:

(لا يمكن للنفس البشريّة أن تستقيم هكذا بسهولة وبسرعة من دون حاجة إلى ترويض ومقدّمات، بل هي بحاجة إلى رياضة مستمرّة).

والترويض هنا يعني التعلم والتدريب على كيفية اكتساب الثقافة الصائبة، وهنا تبدو مسؤولية الفرد كبيرة في هذا الجانب، أي لابد للشخص أن يبذل جهدا فرديا كبيرا في تحصيل الثقافة، فالشعوب التي حققت ما تبتغي من رفعة وتطور لم تصل الى تلك النتائج الباهرة لولا انبثاق الشعور الفردي اولا ثم العام ثانيا، بضرورة التثقيف الذاتي لزيادة الوعي ومن ثم تحقيق درجات أعلى من التقدم في مجالات الحياة المتنوعة.

ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه في هذا المجال على أن: (زمام الأمر بأيدينا نحن وليس بأيدي غيرنا، وكلّ واحد منّا زمام نفسه بيده).

بمعنى أن الارادة الفردية في تحصيل الوعي المطلوب والثقافة الجادة تتعلق أولا بزمام النفس او بالجهد الفردي المبذول في هذا الصدد، ومن ثم تصبح ظاهرة عامة او فعل جماعي مشترك، كما هو الحال في حالة انتشار القراءة في بعض المجتمعات الاوربية واعتبار القراءة غذاءً عقليا ومعرفيا لايمكن الاستغناء عنه كما هو الحال مع الزاد المغذي لأعضاء الجسد.

ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أهمية الاسلوب المشجع على التعاطي السليم مع الثقافة الجادة، إذ لابد أن تتسم الكلمات والافكار باللطف والبساطة وجمال البيان والتعبير لأن هذه الامور تعد من المحفزات لهضم الثقافة، ويقول سماحته في هذا الجانب:

(يعتبر القلم والبيان في هداية الناس وإرشادهم بمثابة إناء الإرشاد وظرفه ووعائه. فالطعام مهما كان لذيذاً وطيّباً إلاّ أنّه قد لا يستساغ فيما لو وُضع في إناء أو وعاء غير نظيف أو غير صحّي، فترى الإنسان لا يفكر أن يمدّ يده نحو مثل هذا الطعام ليرى إن كان لذيذاً أم لا، وذلك لوجوده في وعاء غير مناسب. أمّا إذا جيء بطعام عاديّ ولكن في إناء نظيف وجميل فسوف تتناوله الأعين قبل الأيدي بشوق).

وهكذا يكون الاقبال الفردي والجماعي على هضم الثقافة الجادة متواصلا، وهو ما يساعد على توفير فرص التقدم بسبب زيادة الوعي والتنوير والفهم لطبيعة مجريات الحياة، من خلال صنع وترسيخ المنظومة القيمية التي تساعد الانسان والمجتمع معا على تحقيق فرص تقدم متواترة، وهو ما فعلته الامم والشعوب التي كانت تقبع في مهاوي الظلام ثم تمكنت بعد ذلك، بتعاضد مستمر بين الثقافة والتقدم، من تحقيق درجات متقدمة لحياة حرة وضامنة لكرامة الانسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/تشرين الأول/2010 - 13/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م