هل يسرق التربويون كتب أبنائهم؟

 

شبكة النبأ: الشعوب التي تعاني من التخلف والجهل بأنواعه، تطمح للخلاص الدائم وتبحث عن سبل كثيرة تفتح لها نوافذ وبوابات المعرفة لكي تحقق تطورا في الوعي والتعامل مع الحياة وشؤونها بصورة صحيحة لتعيش حياة تليق بالبشر، وغالبا ما تبدأ المعرفة على يد العارفين التربويين الذين يبدؤون جهودهم بالتعليم مع الفئات الأصغر للمجتمع.

أي يبدأ المعلمون والتربويون والتدريسيون كافة من مرحلة الابتدائية، فيستقبلون أطفالا بعمر الزهور (ثلاث الى ست سنوات) ويرضعونهم أبجديات العلم والمعرفة بتعليمهم الكتابة والحساب بصيغته المبسطة، صعودا الى ما هو أصعب وأهم بما يناسب ومستوياتهم في الاستيعاب والتفاعل، وهنا لابد من القول أن الأسس التربوية السليمة في هذه المرحلة تقود الى خطوات جيدة تنقل الطلبة الى مراحل التدريس المتتالية، وصولا الى النتائج المرجوة، ممثلة بصنع الشخصية المتعلمة العارفة المنتجة في آن واحد.

فالشعوب والمجتمعات الجاهلة لا يمكن أن تغادر جهلها إلا على أيدي التربويين المخلصين الذي يعرفون قيمة المعرفة ويؤمنون بدورها في صناعة المجتمع الواعي، ولذا يحرص التربويون على زراعة القيم النبيلة في نفوس طلابهم ويغرسون الاخلاق الحميدة والسلوك السليم والقول المهذب في عمق شخصياتهم لكي يبنوا أجيالا سليمة معافاة من التخلف وتوابعه المريرة.

هذه التوطئة تقودنا الى السؤال التالي: هل يقوم التربويون العراقيون بدورهم هذا في المرحلة الراهنة، وهل هم راضون على ما يقدمونه لأبنائهم من جهد تعليمي ومعرفي، وهل فعلا هم يحرصون على زرع القيم النبيلة في نفوس طلبتهم؟ الجواب كلا مع بعض الاستثاءات تحاشيا للتعميم.

فالواقع الراهن ينطق بالعكس تماما، ولا نريد أن نتفرع في الكلام عن النواقص والاخفاقات في قطاع التعليم والتربية، وسوف نكتفي بالاشارة الى ظاهرة مؤسفة لا تليق بالتربية كهدف انساني نبيل ولا تليق قط بالتربويين والتدريسيين وكل من ينتمي الى مؤسسات ودوائر التربية، مهما تعددت عناوينهم او صفاتهم او مراتبهم.

ونذكر هذه الظاهرة بوضوح لا لبس فيه فنتساءل هنا، لماذا تتسرب الكتب المدرسية المخصصة لطلاب الابتدائية والمتوسطة - وربما المراحل اللاحقة- الى الاسواق والمكتبات الاهلية، لتباع بأأسعار مضاعفة ؟

وحين تسأل عن السبب ينبري لك التدريسي متذمرا متبرما محتجا وحائرا في آن واحد، فيقول لا نعرف كيف تتسرب الكتب الى خارج المدارس، مع أن طلابنا يعانون من نقص كبير في الكتب، وحين تشك في (المذاخر) فإن الحيرة الغامضة نفسها تلف من يعمل بها، وهكذا تبقى ظاهرة بيع الكتب في المكتبات الأهلية غامضة ولا أحد يعرف لماذا تحدث، حيث يضطر اولياء الامور لشراء الكتب والمناهج المفقودة بالمبلغ الذي يفرضه صاحب المكتبة.

ولعل المشكلة لا تكمن في شكلها الظاهري، أي ليس في المبلغ المضاعف والجوانب المادية الاخرى، بل تتمثل المشكلة بالقيم التي تُزرع في نفوس الطلبة الصغار، حين يعرف ويعي الطالب الصغير او الصبي بأن الكتب المخصصة له تُهرَّب الى المكتبات ويضطر أبوه لشرائها، فيفقد الطالب شعوره الحميم بمدرسته وبالحماية المعرفية التي توفرها له، وقد تكبر معه هذه الظاهرة ليتعلم الظواهر المريضة من مدرسته بدلا من أن يتعلم منها الصحيح لكي يكون عنصرا صالحا وفاعلا في بناء المجتمع؟

ولو أردنا البحث عن المسؤول المباشر عن هذه الظاهرة المعيبة والخطيرة ايضا، فإننا لانبتعد عن الجهات الرسمية المسؤولة، إبتداء من التدريسي الى القمة التي تنتهي بالوزارة المعنية، لذا عليهم أن يقدموا الاجوبة العملية الدقيقة عمن يساهم بتسريب الكتب الى الاسواق والمكتبات، وعليهم أن يحددوا مسؤولية من يترك الطلاب من دون كتب وما يتبع ذلك من مضاعفات نفسية واخلاقية وعلمية ايضا.

ونكرر هنا أن المشكلة ليست مادية بحتة، بل هي أخلاقية تربوية تتعلق بالقيم التي تزرعها المدرسة في نفوس طلابها –مع أننا نفهم ونقر بأن المدرسة ليست السبب الوحيد في هذه الظاهرة- فالمادة يمكن تعويضها بمضاعفة العمل والجهد العضلي، لكن القيم اذا انحدرت واهتزت فإن المجتمع بكامله سينحط وتهتز قيمه بل وحتى أخلاقياته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/تشرين الأول/2010 - 12/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م