حرب النقاب... دوافع عدائية وانتهاكات حقوقية

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: تأخذ قضية النقاب مؤخرا اهتماما كبيرا على نطاق العالم وهي إحدى القضايا التي تصنف ضمن كبرى القضايا خلال هذا العام، لاسيما وان حظره (النقاب) اخذ منحى أخر في إحدى البلدان، حتى وصل بها الحال لما سجلته حالات الاعتداء على المرأة المسلمة في بلاد الغرب والمنقبة تحديدا تعدت الحدود وعليه قامت بإصدار قانون الحظر لتفادي المشاكل، ولكن مازادها (المشاكل) هو ان دول أخرى بدأت باتخاذ نفس القرار وبدأت بمحاربة النقاب على انه ظاهرة إسلامية خاطئة وغير محببة!

حظر النقاب في دولتين.. من التالي؟

فقد بدأت أولا فرنسا بحظر النقاب والآن قررت هولندا ان تحذو حذوها.. ومع اتساع نطاق الجدل حول النقاب في أوروبا فان حظرا ثالثا - وربما أكثر - قد لا يتأخر كثيرا. وتضع أقلية صغيرة من المسلمات في اوروبا غطاء الوجه ولكن النقاب اصبح رمزا ينذر بالشر للأوروبيين الذين يقلقهم مشاكل مثل الأزمة الاقتصادية والهجرة واندماج المسلمين في المجتمع.

ومع تحول المزاج السياسي في اوروبا تجاه اليمين فان خطوات منخفضة التكلفة ولكنها ذات قيمة رمزية مرتفعة مثل حظر النقاب أضحت نقطة التقاء للأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدق على أبواب السلطة.

وتلقى دعوتهم صدى لدى من يقلقهم تهديد امني محتمل من أشخاص يخفون وجوههم او يزعجهم ما يعتبرونه ضربة للمساواة بين الجنسين حين يرون امرأة تغطي وجهها. يقول رافييل سيموني الذي اثار كتابه (الوحش الوديع.. لماذا لا يتجه الغرب يسارا) جدلا في ايطاليا وفرنسا ان الاتجاه نحو اليمين يتناسب مع مجتمع استهلاكي في ظل العولمة يتسم بالفردية وفشل الجناح اليساري في أوروبا في فهمه.

وقال سيموني الأستاذ بجامعة روما لصحيفة لوموند في باريس "مع زيادة تعداد المسنين في اوروبا أفرزت الحداثة خليطا يتسم بالفوضى ويثير القلق من التهديدات والمخاوف يبدو ان اليمين واليمين المتطرف وحدهما هما القادران على التعامل معهما الآن."

وتسمع الآن دعوات حظر النقاب في أوروبا وتؤثر السياسة المحلية على مدى قرب تحولها لقانون. ووافق حزبان هولنديان ينتميان ليمين الوسط على حظر النقاب في الأماكن العامة ثمنا لحصول حكومة الأقلية التي شكلها الحزبان على تأييد حزب الحرية اليميني المتطرف الحريص على وقف ما اسماه بأسلمة هولندا.

كما يقضي اتفاقهما مع خيرت فيلدرز زعيم الحزب الذي يتمتع بشعبية كبيرة بتشديد قواعد الهجرة. وفي تكرار للاعتراضات التي سمعت في فرنسا قال يوسف الطنطاس رئيس لجنة الاتصال بين المسلمين والحكومة ان الحظر رد فعل مبالغ فيه مضيفا "لا يوجد حتى مئة امرأة ترتدي النقاب".

ويمسك بميزان القوة بين حكومة يمين الوسط والمعارضة حزب الديمقراطيين السويديين المناهض للهجرة. ولا يؤيد رئيس الوزراء فردريك راينفلت حظرا كاملا للنقاب بينما يرى وزير التعليم يان بيوركلوند انه ينبغي السماح للمدارس والجامعات بحظر النقاب. وبعد ثلاثة ايام من إقرار باريس الحظر تقدم حلفاء حزب رابطة الشمال الذي يتزعمه رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني بمشروع قانون مماثل في روما وتقدم حليف آخر لبرلسكوني بمسودة قانون لحظر النقاب لمجلس الشيوخ.

وأشادت صحيفة افينير الناطقة بلسان الكنيسة الكاثوليكية في ايطاليا بالحظر الفرنسي وذكرت ان ارتداء النقاب ليس من العقيدة الإسلامية بل "رمز هوية لشخصية إيديولوجية". ورفض البرلمان في اسبانيا التي يحكمها اشتراكيون مشروع قانون من المعارضة المحافظة في يوليو تموز لدراسة فرض حظر وطني على النقاب في الأماكن العامة.

غير ان قرارات حظر صدرت على المستوى المحلي. فقد حظرت برشلونة النقاب في المباني العامة في يونيو حزيران بعد ان أعلنت مدينتان صغيرتان في إقليم قطالونيا هما ليريدا والفندريل حظر النقاب في وقت سابق من العام. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

واقر مجلس النواب البلجيكي حظر النقاب في ابريل لكن الحكومة انهارت قبل ان يناقش مجلس الشيوخ الأمر. وفي سويسرا حث حزبان يمينيان وراء الاستفتاء الناجح المفاجئ لحظر المآذن عددا من الكانتونات على التقدم بمشروع قانون لحظر النقاب للبرلمان الاتحادي. ولم تتقدم أي جهة بمشروع قانون ولا يزال الجدل مستمرا.

واظهر استطلاع أخير ان 61 في المئة من الألمان يؤيدون حظر النقاب لكن المناقشات تركز أكثر على الجدل الذي أثاره تيلو ساراتسن الذي استقال من مجلس إدارة البنك المركزي عقب نشره كتابا يحط من قدر المهاجرين المسلمين.

ومن بين مؤيدي الحظر وزير دولة واسقف كاثوليكي في بافاريا المحافظة واليس شفارتسر من ابرز المدافعات عن حقوق المرأة في البلاد. ويعارض وزيرا العدل والداخلية في ألمانيا الحظر. وفيما يبدو انه رد فعل لشعبية ساراتسن بدأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تتخذ موقفا اكثر تشددا تجاه الهجرة.

وفي النمسا بدأ حزب الحرية المعارض يكسب أرضية في استطلاعات الرأي بموقفه المناهض للإسلام والهجرة. وقال المستشار الاشتراكي فرنر فايمان ان "يمكنه تصور" حظر وان الشركاء في ائتلافه المحافظ يريدون مناقشة الأمر. وأثير الأمر في البوسنة حيث يمثل المسلمون أكبر مجموعة عرقية ولكن عدد المنقبات قليل جدا.

محاكمة امرأة فرنسية

بينما طالب الادعاء بعقوبة السجن لمدة شهرين مع وقف التنفيذ لامرأة فرنسية نزعت النقاب عن سائحة إماراتية ثم قامت بعضها وخدشها بأظافرها عندما أعادته إلى مكانه. وأبلغت ممثلة الادعاء آن فونتيت محكمة في باريس "التعايش المشترك يتضمن انه يتعين علينا ان نتسامح مع الآخرين أيا كان ما يرتدونه."

وتأتي القضية بعد ايام من تأييد أعلى سلطة دستورية مشروع قانون يمنع ارتداء النقاب حيث ستواجه المخالفات غرامة مالية قدرها 150 يورو (189 دولارا) أو إلزامهن بحضور دروس عن المواطنة. ومن المقرر ان يبدأ سريان القانون بعد ستة أشهر بهدف إعلام النساء المنتقبات بشأن القانون.

وأبلغت مدرسة اللغة الانجليزية المتقاعدة التي لم يذكر من اسمها سوى مارلين الشرطة أنها طلبت من المرأة التي جاءت من الإمارات العربية المتحدة باللغة الانجليزية خلع النقاب. وعندما رفضت المرأة قامت بنزعه عن وجهها. وعندما أعادته قامت مارلين بلكمها وخدشها بأظافرها وعضها حسبما جاء في تقرير الشرطة.

ونسبت الشرطة الي مارلين التي تبلغ من العمر 63 عاما قولها "قصة البرقع هذه بدأت تغضبني." وقع الحادث الذي تواجه فيه مارلين أيضا غرامة قيمتها 750 يورو (1000 دولار) في أحد المتاجر الفاخرة في باريس في فبراير شباط. ودافعت مارلين التي لم تمثل أمام المحكمة ولم توكل أحدا لتمثيلها عن موقفها في وسائل الإعلام. وقالت وهي تتحدث الى صحيفة لوباريزيان انه أمر غير مقبول ان ترتدي النساء النقاب فيما وصفته بأنه مكان ميلاد حقوق الإنسان. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقالت للصحيفة "كنت مدرسة لغات في المغرب والسعودية." وأضافت قائلة "رأيت في تلك الدول كيف تعامل النساء... إنهن يسرن خلف أزواجهن بثلاثة أمتار." ونقلت الصحيفة عنها نفيها ارتكاب أي أعمال عنف. والطائفة المسلمة في فرنسا التي يبلغ قوامها خمسة ملايين نسمة هي الأكبر في غرب أوروبا لكن من المعتقد ان أقل من 2000 امرأة يرتدين النقاب. وقال زعماء كثيرون للجالية المسلمة أنهم لا يؤيدون النقاب ولا القانون الذي يحظره.

الالتزام بحظر النقاب

فيما حث القادة الإسلاميون الفرنسيون المسلمين على احترام حظر فرنسا لارتداء النقاب ودعوا الحكومة الفرنسية إلى عدم استخدام القانون لوصم المواطنين المسلمين.

وتحدث القادة عقب اجتماع مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في قصر الاليزيه. وأقر مجلس الشيوخ الفرنسي في فترة سابقة القانون الذي يحظر ارتداء النقاب مما يفتح الباب أمام الحظر الشامل على ارتداء النقاب في الأماكن العامة بعد فترة ستة أشهر لإعلام العدد القليل من النساء اللاتي يرتدينه في فرنسا.

واذا أقرت هذا القانون المحكمة الدستورية العليا فستصبح فرنسا أول دولة في أوروبا تفرض مثل هذا الحظر. ويفرض القانون غرامة قدرها 150 يورو على من تخالفه أو يطلب منها حضور دروس عن المواطنة.

وقال محمد موسوي رئيس مجلس مسلمي فرنسا بعد الاجتماع "بالنسبة لنا كمواطنين مسؤولين قد مضى وقت النقاش. لقد تم التصويت لصالح القانون." وعارض موسوي الذي لا يؤيد النقاب القانون خلال مناقشته التي استمرت عدة أشهر سبقت إقرار مجلس النواب له في يوليو تموز ثم إقرار مجلس الشيوخ.

وقال "سنقوم بكل العمل التربوي المطلوب لمساعدة النساء اللاتي يرتدين النقاب على الالتزام بالقانون". وأضاف أن المجلس الإسلامي سيراقب في الوقت نفسه تطبيق القانون"حتى لا يوصم هذا القانون المواطنين المسلمين." وفي إشارة إلى بعض الانتقادات المتوقع أن توجه إلى فرنسا من المتشددين الإسلاميين الذين أغضبهم القانون قال موسوي ان مجلس مسلمي فرنسا يستنكر "كل الأعمال التي توجه الى مواطنينا وبلدنا خاصة اذا ما ارتكبها أشخاص يزعمون أنهم مسلمون. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

"علينا أن نزيل من لغتنا مصطلح الإسلاميين الذي نصف به الإرهابيين. نفضل (ألفاظ) إرهابيين ومجرمين. ولا نقبل أن ترتبط كلمة الإسلام ولا دين الإسلام بأعمال الإرهاب تلك." وقالت وزيرة العدل الفرنسية ميشيل أليو ماري أمام مجلس الشيوخ قبل ان يصوت لصالح الحظر بأغلبية 246 مقابل صوت واحد ان القانون يعيد تأكيد قيم المساواة والكرامة لكل الأفراد وانه سيحول دون أن تكون المرأة عضوا لا وجه له في مجتمع عرقي أكبر. والمجتمع المسلم في فرنسا الذي يبلغ تعداده خمسة ملايين نسمة هو المجتمع المسلم الأكبر في أوروبا لكن أقل من 2000 امرأة فيه يرتدين النقاب.

منع امرأة منقبة

في حين منعت امرأة كانت ترتدي النقاب من حضور محاكمة في محكمة بوبيني بضاحية باريس، إذ طالبت منها رئيسة المحكمة إما الكشف عن وجهها في حال أرادت البقاء داخل القاعة أو مغادرتها، وذلك طبقا لقانون منع ارتداء البرقع الذي أقره المجلس الدستوري الفرنسي.

وقالت رئيسة المحكمة التي تنظر في قضية تأديبية في محكمة بوبينيي (قرب باريس) بعد التشاور مع القضاة المساعدين "يسمح لكل من كان وجهها مكشوفا البقاء في القاعة مع الاحتفاظ بالحجاب، اما السيدة في الصف الأول التي تظهر عيناها فحسب فلا". وتابعت "ندعوها إلى مغادرة القاعة او (نزع) نقابها".

واختارت المرأة المغادرة. "لم اتفاجأ، بل توقعت ذلك. لكنني قررت ان أخاطر". ورفضت الكشف عن هويتها مكتفية بالتصريح إنها في ال35 من العمر وتأتي من منطقة قريبة من سان دوني.  

وهذه المرة الأولى التي تقع فيها حادثة من هذا النوع بعد إقرار المجلس الدستوري قانون حظر النقاب (او البرقع) في الأماكن العامة في فرنسا (باستثناء دور العبادة المفتوحة للجمهور).  ويفسح هذا القرار المجال أمام صدور القانون، حيث ان الحظر نفسه لا يدخل حيز التنفيذ قبل ربيع 2011 بعد ستة أشهر من "التأقلم" و"التوعية". 

وكانت المحكمة تنظر في قضية رجلين اشتبه في تسللهما الى منزل إمام درانسي (ضاحية باريسية) حسن شلقمي رجل الدين المعتدل الذي يحترم قيم الجمهورية الفرنسية والذي كان أعرب عن تأييده لقانون حظر النقاب.

وخفت حدة الجدل حول مشروع القانون في الأشهر الفائتة بعد ان شغلت الساحة السياسية والإعلامية في فرنسا. وينص القانون على معاقبة كل من يجبر امرأة على وضع النقاب بالسجن عاما وبغرامة من 30 ألف يورو. وتتضاعف العقوبة عندما تكون الشابة قاصرة.

محكمة كندية تسمح

بينما اعتبرت محكمة استئناف كندية ان بإمكان مدعية المثول أمامها بالنقاب الذي يغطي الجسم والوجه ما عدا العينين ما لم يقدم الطرف الأخر في الدعوى أي المدعى عليه ما يثبت ان ذلك يخل بحسن سير المحاكمة.

وقضت محكمة استئناف اونتاريو، التي تقدمت إليها امرأة مسلمة تتهم عمها وابن عمها بالاعتداء عليها جنسيا، بالإجماع بنقض حكم محكمة أول معتبرة انه يمكن للمرأة الاحتفاظ بالنقاب طالما تم الالتزام ب"الحياد" في المحكمة.

وأوضحت المحكمة انها استندت في قرارها هذا، الذي يعد سابقة قضائية، إلى الحرص على إتاحة ممارسة العقيدة الدينية، وهو حق دستوري في كندا، مع احترام الإجراءات القضائية وخاصة المتعلقة بالاستجواب المضاد.

وكتب القضاة في حيثيات قرارهم "اذا اثبت شاهد ان ارتداء النقاب يشكل ممارسة مشروعة لحريته الدينية فعلى المتهم ان يشرح كيف يمكن ان تشكل ممارسة هذا الحق المكفول دستوريا مساسا بحقه المكفول أيضا دستوريا في الحصول على دفاع كامل". وأوضح القضاة الثلاثة ان كشف الوجه يمكن ان يطلب في "ظروف محددة" فقط عندما يكون هناك إثبات على ان المتهم لن يحظى بدون ذلك على الحق في محاكمة عادلة. بحسب وكالة فرانس برس.

وشددوا على ان وضع او سحب قطعة قماش لا يمكن بأي حال ان يكون مضمونا وان المسالة يجب ان تدرس من خلال كل حالة على حدة. وفيما يتعلق بقضية المرأة البالغة من العمر 32 عاما والتي لم يعرف عنها سوى بالحرفين الأولين من اسمها ان.اس اعتبرت محكمة الاستئناف ان حريتها الدينية انتهكت بالحكم السابق الذي أمرها بخلع النقاب وقت تقديم شهاداتها أمام المدعى عليهما.

ومن ثم تم إلغاء هذا الحكم الأول. وعلى ذلك يمكن ان تستأنف المحاكمة قريبا بعد تعليقها بسبب هذه المسالة. وتتهم ان.اس عمها وابن عمها بالاعتداء عليها جنسيا عدة مرات بين 1982 و1987 أي عندما كانت في سن السادسة وحتى السادسة عشر.

مسئول في الأزهر يؤيد

من جانبه أكد عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر عبد المعطي بيومي انه يؤيد قرار فرنسا بحظر النقاب في الأماكن العامة معتبرا ان ارتداءه ليس فرضا إسلاميا. وأضاف بيومي انه "لا سند في القران او السنة للنقاب".

وردا على سؤال حول هذا الحظر الذي اقره بشكل نهائي البرلمان الفرنسي قال "انا شخصيا مؤيد تماما لهذا القرار ونحن في المجمع نرى ان النقاب لا يستند إلى الشريعة ولا يوجد قطعيا لا في القرآن ولا في السنة" ما يلزم المرأة المسلمة بارتداء النقاب.

وأضاف "أريد ان ابعث برسالة للمسلمين في فرنسا وأوروبا لأؤكد لهم انه لا سند للنقاب في القران ولا في السنة". وتابع "كنت استاء عند زيارتي لفرنسا عندما أرى منقبات لان هذا لا يعطي صورة حسنة للإسلام". وتعتبر مؤسسة الأزهر القريبة من السلطات في مصر قطبا للوسطية في العالم الإسلامي.

ومنع الأزهر ارتداء النقاب في مؤسساته التعليمية ما آثار جدلا واسعا العام الماضي في مصر حيث اخذ هذا الزي في الانتشار في الآونة الأخيرة. حظر البرقع والنقاب قد يؤدي إلى تفاقم تهميش النساء اعتبر مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا توماس هاماربرغ أن حظر ارتداء النساء للبرقع والنقاب قد يؤدي إلى تفاقم تهميشهن، وأن هذا قرارا سيئا لا يتماشى و المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.

جمعيات تساعد

من جانب آخر، وعلى بعد 15 كلم شرق العاصمة باريس وبالضبط في حي "لي بوسكيه"، تفتح جمعية "أريفا"  أبوابها لاستقبال نساء الحي الذي شهد في العام 2005 أحداث شغب قادها شبان ضد الشرطة جعل من الحي نموذجا للمشاكل. الجمعية هي  إحدى ما يعرف بجمعيات "النساء الوسيطات"، وهي كيانات كانت تعتمد للقيام بأنشطتها الاجتماعية - الثقافية على متطوعات، قبل أن يتحول وضع النساء المتطوعات إلى نساء موظفات داخل الجمعية منذ العام 1999. بحسب وكالة فرانس برس.

وعلى الرغم من جهود إدماج النساء المهاجرات في فرنسا داخل النسيج الاجتماعي والثقافي الفرنسي على مرور السنين، لاتزال هذه الجمعيات  غير معروفة. في يونيو/حزيران 2009، ألقى النائب الفرنسي وعمدة مدينة "مو" حاليا، جان فرانسوا كوبيه المنتمي للحزب اليميني الحاكم في فرنسا، الضوء على هذه الجمعيات عندما اقترح أن توكل مهمة التواصل مع النساء اللواتي يرتدين البرقع والنقاب في فرنسا ومع أزواجهن لمحاولة فهم الأسباب التي قادتهم للجوء إلى هذا الزي.

"لما لا؟"

وسيطات جمعية "أريفا"، اللواتي يبلغ عددهن تسعة وينحدرن من أصول مغاربية وتركية وباكستانية ومالية، لا يعارضن اقتراح جان فرانسوا كوبيه. نسيمة تقول "لما لا؟، سبق وأن قمت بالشيء ذاته مع سيدة كانت تضع الحجاب ولم تجد عملا لأن رب العمل كان يرفضه. فحاولت إقناعها بالتنازل عنه خلال أوقات العمل وداخل الشركة. قلت لها أن أطفالها من مسؤوليتها وأن عليها أن تقبل العمل لكي تكسب قوتها وقوت أبنائها.

من جهتها بيندا، وسيطة من أصل مالي لا ترى مانعا هي الأخرى في قبول "المهمة" التي اقترحها جان فرانسوا كوبيه". وتقول إنها مستعدة للتحدث مع هؤلاء النساء، غير أن المشكلة المطروحة في نظرها هو محيط النساء اللواتي يرتدين البرقع "النساء هنا في مدينة مونفيرمي لا يردن الخروج عن تعليمات وتقاليد نساء ورجال بلدهن الأصلي. إذا كانت إحداهن ترى أن نساء بلدها يضعن البرقع فستضعه ولن ينجح أحد في إقناعها بخلعه لأن ذلك سيكون إخلالا بتعاليم أبناء بلدها وخروجا عما هو متداول بينهم وسينظر إليه بعين قاسية".

إخراج النساء من عزلتهن

وهذا بالضبط ما تهدف جمعيات "النساء الوسيطات" لحله، أي إخراج النساء الأجنبيات اللواتي يعشن في فرنسا من عزلتهن. عزلة ناتجة عن كونهن غالبا أميات وخاضعات لأزواجهن ومنهمكات في أعمال البيت وتربية الأبناء دون الاعتناء بأنفسهن كممارسة الرياضة أو لقاء الصديقات أو القيام بأنشطة ثقافية لمن يعرفن ما تيسر من كتابة وقراءة.

وإدراكا لهذا الواقع اليومي الذي تعيشه هؤلاء النساء، تقوم جمعية "أريفا" على غرار باقي "جمعيات الوسيطات" الاجتماعيات المنتشرة في مختلف أحياء المدن الفقيرة الفرنسية التي تأوي عائلات أجنبية ذات ظروف اجتماعية ومؤهلات ثقافية متواضعة بأنشطة لإخراج النساء من عزلتهن.

وتقول نسيمة بخصوص أنشطة الجمعية التي تعمل لحسابها، "نساعد النساء اللواتي يأتين إلى جمعيتنا في كل الإجراءات الإدارية، كإعداد الوثائق المطلوبة من الإدارة الفرنسية لطلب المساعدات الاجتماعية  أو أوراق طلب الإقامة في فرنسا أو الجنسية. نرافق بعض النساء إلى مدارس أبنائهن كي نتكلم بدلن عنهن مع المدرسين بسبب عدم قدرتهن على فهم أو تكلم اللغة الفرنسية. كذلك الأمر في المستشفيات، نرافقهن لأنهن لا يفقهن شيئا مما يقوله الأطباء عندما يشخّصون لهن أمراضهن أو يصفون لهن الدواء".

تضيف نسيمة بالإضافة إلى ذلك، تنظم الجمعية على مدار الأسبوع ورشات عمل تهدف إلى استقبال النساء في مقر الجمعية والهدف الأول من هذه الورشات يتجلى في "إخراج النساء من بيوتهن لكسر روتين الحياة اليومية وكذلك تمكين النساء من تجاذب أطراف الحديث حول موضوع معين مع سيدات أخريات وهو ما يساهم في إغناء معرفتهن وخاصة الاستئناس باللغة الفرنسية".

ويبلغ عدد الورشات ثمانية، منها ورشة تعنى بتبادل النساء أطباق طعام من بلدانهم الأصلية وبعد ذلك يتم عرض الوصفات على أخصائية تغذية لتقديم ملاحظتها على طريقة تحضير الوصفة بطريقة صحية.

في حين تختص الورشة الثانية في تعليم النساء الخياطة، وأخرى في ممارسة الرياضة في الهواء الطلق وورشتين للدردشة حول موضوع معين تهدفان إلى مساعدة النساء على الحديث باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى ورشة مخصصة للرقص والاسترخاء. وتحصل الجمعية على تمويلها من أطراف مختلفة من بينها بلدية المدينة والمجلس الإقليمي ووزارة الثقافة وجهات أخرى.

جمعيات ترفض

بينما موقف جمعية "أريفا" لم يكن مشابها لمواقف جمعيات أخرى من قبيل جمعية "الشباب" في مرسيليا وجمعية نساء بلفور التي عبرت عن رفضها لاقتراح جان فرانسوا كوبي.

جنوب فرنسا

في الأحياء التي نعمل فيها لا يوجد إلا عدد قليل من مرتديات البرقع أو النقاب. اعتقد أن هناك أربعة فقط من أصل 15,000 قاطن. ولا واحدة منهن تقول إن زوجها أجبرها على وضعه، وإنما عن اقتناع ديني. إذن فكيف يمكن أن نتدخل في اختيارهن في هذه الحالة؟ عندما يتعلق الأمر بالدين، من الصعب التدخل والاعتراض.

لقد استمعت إلينا اللجنة البرلمانية – التي قدمت توصيات بهدف سن قانون يحظر البرقع في فرنسا- وكانت إجابات النساء الوسيطات العاملات في جمعيتنا تصب في الاتجاه ذاته: هؤلاء النساء اخترن ارتداء البرقع ولسن مجبرات على ارتدائه. كما قلنا أنه من الضروري أن تنزع هؤلاء النساء النقاب أو البرقع أمام شبابيك المرافق العامة. لكن حظره تماما... أعتقد أنه من غير المعقول منع النساء من ارتداء ما يشتهينه".

موقف السيدة نيكول لاركا مديرة جمعية "النساء الوسيطات" في بلفور شرق فرنسا "أنا لا أقبل بالمهمة التي يريد السيد جان فرانسوا كوبيه أن نقوم بها لأنني لا أستطيع التصور كيف يمكننا التدخل في حياة هؤلاء النساء والحديث إليهن وإلى أزواجهن. بمجرد ما سنسألها عن السبب الذي يدفعها إلى ارتداء البرقع أو النقاب ستقول أنه اختيار شخصي.

فكيف يمكن مواصلة الحديث معهن؟ الموضوع حساس جدا. وقد ينقلب تدخلنا في حياتهن بما قد لا نشتهيه. هدف جمعيتنا هو إخراج نساء الأحياء الفقيرة من عزلتهن و في حال الحديث مع بعضهن حول موضوع البرقع قد يدفعهن إلى التشنج أكثر في مواقفهن والانزواء أكثر. ما يجب أن يعرفه السيد كوبي هو أننا لا يمكننا مساعدة شخص إذا لم يكن يريد هو أن نساعده".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/تشرين الأول/2010 - 12/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م