للشهادة ثقافة

جميل عودة

برزت - بعد سقوط النظام البعثي - العديدُ من المشكلات السياسية والاجتماعية والانسانية، وكان من أهم تلك المشكلات التي برزت بشكل واضح، وأنعكست على مجمل الاوضاع السياسية، وبالتالي، شغلت بالَ العديد من السياسيين، لاسيما في الحركة الاسلامية، هي مشكلةُ ذوي الشهداء في عهد النظام البائد؟ عشراتُ من المقابر الجماعية، الالف من الشهداء، ومئات الالف من ذويهم، من أين نبدأ؟ ماذا نعمل؟ كيف نعمل، ما هو الحل؟.

 حوالي ثلاثِ سنوات، ومشكلةُ ذوي الشهداء، تدخلُ في نفق وتخرج من نفق، ثلاثُ سنوات مشكلةُ ذوي الشهداء على طاولة من يريد حلولا إنسانية، قيمية، تاريخية، تمجدُ قيمَ الشهادة، وتحفظُ مواقف الشهداء، وتوفرُ لذويهم كرامة وأمنا ومستقبلا، وبين من يريد حلولا جزئية مادية محددة بوقت وتاريخ معيين.

 قبلنا مقترحَ تأسيس مؤسسة لذوي الشهداء، وتنازلنا مؤقتا عن وزارة  لذوي الشهداء، حتى لا تضيعُ ثلاثُ سنوات أخرى، وحتى لا نعطي وقتا للاخرين لتشوية قيمِ الشهادة والتضحية، وحتى نتمكن من تقديمِ الحدود الدنيا مما يجب أن نقدمه للصابرين والمضحين باموالهم، وحياتهم، ودمائهم، وهجرتهم.

 ولكن لم ينته الامر إلى هذا الحد، واجهتنا مشكلةُ تشريع قانون لمؤسسة الشهداء، كانت المرحلةُ الأولى في داخل مجلس النواب، فهناك من يتبنى هذا القانون ويدافع عنه، وهناك من يريد أن يجعله قانونا فارغا عقيما. والمرحلةُ الثانية كانت في رئاسة الجمهورية أثناء التصديق على قانون مؤسسة الشهداء.

 والمشكلةُ الثالثة التي واجهتنا هي مشكلةُ تأسيس مؤسسة الشهداء، وهيكل المؤسسة وفروع المؤسسة، والاخ رئيسِ المؤسسة، الدكتور خلف عبد الصمد، وبعضُ أعضاء مجلس الرعاية، وأنتم وجميعُ موظفي مؤسسة الشهداء، تحملتهم أعباء هذه المرحلة العملية الصعبة، وأثبتم أنكم قادرون على مواجهة التحديات والصعوبات، وقادون على العطاء والتواصل، ونحن عوائلُ الشهداء مدنيين لكم بالفضل، ونقدرُ تلك الجهودَ الكبيرة التي تبذلونها، ونعرفُ أنكم تعملون على مدار 24 ساعة، أوقاتكم لعوائل الشهداء، بيوتكم لعوائل الشهداء، هواتفكم لعوائل الشهداء.

 في الواقع، رغم كل التعقيدات السياسية والادارية التي تحيط بمؤسسة الشهداء، وتحدُ من قدرتها على إنجاز اهدافها ومهامها، فان النشاطات والانجازات التي حققتها المؤسسة خلال فترة ثلاث سنوات من عمرها، كانت بمستوى عالي، بالقياس إلى نشاطات وزارات ومؤسسات الدولة الاخرى، وبالتاكيد هناك رضا عام لدى الحكومة والحكومات المحلية، ولدى ذوي الشهداء عن ما حققته مؤسسة الشهداء في المرحلة الماضية.

 الخطوة الأولى من المرحلة الاولى لمؤسسة الشهداء الخاصة برفع المستوى المعاشي والتعلمي والصحي لذوي الشهداء، بدأت بمنحة السيد رئيس الوزراء والراتب التقاعدي، وتوزيع قطع الاراضي والمنحة العقارية، ومنحة الزواج ومنحة الدراسة، وتخصيص المقاعد الدراسية لذوي الشهداء في الجامعات العراقية والاجنبية، ومعالجة ذوي الشهداء في المستشفيات العراقية والاجنبية، واخيرا مبلغ بدل السكن للعوائل التي لم تحصل على قطة أرض. مضافا إلى المؤتمرات والندوات والقاءات والزيارات التي تقوم بها المؤسسة لذوي الشهداء للتواصل معهم والاطلاع على أحوالهم.

 والخطوة الثانية من المرحلة الأولى، وهي في طور الاستكمال (إن شاء الله)، هي معالجة مشكلة عدم قدرة بعض من ذوي الشهداء في الحصول على المستمسكات اللازمة للتسجل في مؤسسة الشهداء، خاصة شهداء الانتفاضة وشهداءالمقابر الجماعية، كما أن هناك العديد من ذوي الشهداء لم يتوجهوا إلى مؤسسة الشهداء لاعتبارات اجتماعية ومعرفية ومعنوية، قبل أيام جاءني صديق يطلب مني أن احصل له على تاييد من مؤسسة الشهداء، فقلت له هل لديك شهيد؟ قال نعم أخي شهيد ولدي مقتبس حكم باعدامه، قلت له هل هو مسجل في مؤسسة الشهداء؟ قال لا قلت لماذا؟ قال أمي لا تقبل تقول أخوك مازال حي!!

 لكن هناك سؤال يُطرح في المحافل السياسية، والاجتماعية، وربما يُطرح في مؤسسة الشهداء، علينا كمؤسسة شهداء وكذوي الشهداء أن نجيب عليه، و أن نقدم له اجابة منطقية وافية ومقبولة عند الجميع،

 السؤال هو ما هو العمل الذي يجب أن تقوم به مؤسسة الشهداء بعد ذلك؟ قدمتم الراتبَ التقاعدي عن طريق وزارة المالي، قدمتم الأرض عن طريق وزارة البلديات، وقدمتم التسهيلات الدراسية والبعثات الدراسية عن طريق وزارة التربية وزارة التعلم العالي، هل ينتي دور مؤسسة الشهداء إلى هذا الحد، أم هناك الكثير مما يجب أن تقوم به المؤسسة؟.

 الجواب، نعم هناك حاجات انسانية ومادية، علينا أن نستمر بتوفيرها وتقديمها إلى ذوي الشهداء، وعلينا أن نجتهدَ بتقديم أفضل ما يمكن تقدمه لهذه الشريحة المظلومة الصابرة، لعلنا نعوضُ ولو جزء من معاناتهم الطويلة في مقارعة النظام البعثي المستبد..

 لكن يجب أن نقول بشكل صريح، ويجب أن نعرفَ نحن عوائل الشهداء، وأنتم في مؤسسة الشهداء، أن مؤسسة الشهداء لم تؤسس لهذا الغرض فقط، مؤسسة الشهداء ليست مؤسسة خدمية فقط، بل تأسست مؤسسة الشهداء من أجل هدف استراتيجي عظيم، وهو الدفاع الدائم عن قيم الشهادة والتضحة، تأسست مؤسسة الشهداء للدفاع عن المواقف البطولية لشهدائنا الأبرار، وللدفاع عن مظلوميتم في حياتهم وفي قبورهم.

 تأسست مؤسسة الشهداء لضمان تحقيق العدالة الانتقالية، وامامنا طريقُ طويل وشاق لتحقيق برنامج العدالة الانتقالي، تأسست مؤسسة الشهداء من أجل تأهيل ودمج مئات الآلاف من ذوي الشهداء، ممن ابعدوا عن الحياة السياسية والعلمية والثقافية تحت عنوان معارضة النظام.

 هذه المهامُ والواجباتُ التي تكفلت بها مؤسسةُ الشهداء لن تنه لا في سنة، ولا في عشر سنوات، ولا في مئة سنة، هذه الرؤية الإستراتيجية لعمل مؤسسة الشهداء يجب أن تكون حاضرةَ في ضمائرنا، حاضرة في قلوبنا، حاضرة في عقولنا، يجب أن تكون حاضرة في مؤتمراتنا وندواتنا، هذه الرؤية يجب أن تكون حاضرة عند عوائل الشهداء، وفي مؤسسة الشهداء، سواء كانوا مسئولين أو موظفين، قبل أن نطالب الآخرين باستحضارها.

 في الواقع هذه الرؤية الإستراتيجية لعمل مؤسسة الشهداء تنبه لها رئيس المؤسسة الأخ الدكتور خلف عبد الصمد، عندما وضع في اولوياته، أن يكون للمؤسسة برنامج ثقافي هدفه :

- تجسيد قيم الشهادة والتضحية، كقيمة تحفظ عزة وكرامة وكبرياء واستقلال الشعوب التي تتمسك بها.

- وحفظ مواقف وبطولات شهدائنا في أبعادها الثورية والجهادية والنضالية والثقافية والإنسانية.

 وبالتالي، نحن نريد من البرنامج الثقافي الذي نحن بصدد مناقشة تفاصيله اليوم، أن يكون بمثابة الجسر الثقافي الذي يربط مؤسسة الشهداء بذوي الشهداء من جهة، وبالمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الثقافية والانسانية من جهة ثانية، وبالعالم العربي والاقليمي والدولي من جهة ثالث، خاصة ان هناك تجاربَ عالمية في هذا المجال، في العديد من الدول، في اليابان في ألمانيا، في إيران، في لبنان، في جنوب أفريقيا، في البوسنة، في المغرب، وغيرِها من الدول الاخرى التي شهدت تجارب شبيه بتجربة العراق.

 هذه في تصوري هي البداية الصحية، علينا أن نضاعفَ من العمل الثقافي للمؤسسة، وفي المديريات، بكل أنواعه الأدبي والفني، والكتابة والمسرح، والأناشيد، والقصص، والتمثيل، وهذا عمل ونشاط كبير يحتاج إلى جهود استثنائية طويلة المدى، تشترك فيه مؤسسة الشهداء وذوو الشهداء، والمثقفون والفنانون والادباء والكتاب والوطنيون الذين يقدرون قيم الشهداء.

 أتمنى في هذا اليوم، ونحن في مدينة سيد الشهداء، ان ننهي الحلقة الاخيرة من مناقشة البرنامج الثقافي، وأن نبحث آليات تشكيل الهيئات الاستشارية في المحافظات، وأيضا نتفق على الهيكل التنظيمي للشؤون الثقافية والاعلامية، أتمنى لكم ولمؤسسة الشهداء كل التوفيق، ويارب من نجاح إلى نجاح.

* كلمة ألقيت بمناسبة ورشة مناقشة البرنامج الثقافي لمؤسسة الشهداء للفترة 14-16/10/2010

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/تشرين الأول/2010 - 12/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م