ملاحظات حول تعدد النوافذ الثقافية في كربلاء

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من أهم المزايا التي أفرزتها سنوات ما بعد 2003 تعدد الانشطة الثقافية التي لم تعد أسيرة المسار الواحد، وتضاؤل أو انتفاء أشكال الرقابة من توجهاتها ومصادرها في آن. وثقافة كربلاء القائمة على ساحة الفعل لم تذهب بعيدا عن هذه النتائج التي كرستها الأجواء الجديدة، فقد أفادت المنظمات ذات التوجه الثقافي من هذه الميزة وجيّرتها لصالح أعمالها المتنوعة، وبعد أن كان اتحاد الادباء والكتاب هو الجهة التي تكاد تكون وحيدة في تفعيل الانشطة الثقافية وااقامتها، فإننا الآن ازاء عدد أكبر من المنظمات التي تُعنى بتقديم الثقافة عبر انشطتها الاسبوعية او الشهرية او الموسمية وغيرها.

واذا كنا جميعا هنا في كربلاء فرحين بتعدد النوافذ الثقافية كونها تسهم بصورة او اخرى في النهوض بثقافة المدينة، فإننا يمكن أن نلاحظ بعض الأنشطة الشكلية او الصورية التي تقيمها بعض المؤسسات والمنظمات الثقافية ومنها بعض منظمات المجتمع المدني. ومع الاهمية الكبيرة لدور منظمات المجتمع المدني بصورة عامة ومنها المنظمات ذات التوجه الثقافي إلا أننا نخشى من محاولات الالتفاف التي قد تحدث هنا وهناك باسم الثقافة ومن ثم استخدمها كجسر للوصول الى منافع لا ينبغي أن تكون الثقافة معْبرا أو جسرا لها، ولنكن أكثر وضوحا في هذا المجال.

إن الثقافة كما نفهمها ليست إقامة إمسيات ثقافية محدودة ومكرورة حد الملل، لأنها في هذه الحالة ستكون شكلية قطعا وتقل الفائدة منها الى ادنى حد، ولا تكمن الثقافة الحقيقية في اقامة مهرجانات قشرية لا يُعرَف مدى الفائدة منها، أو أنها غير مفيدة ولا تحقق ما ينبغي منها تحقيقه للصالح الأوسع في تطوير الوعي الشعبي والجماعي في آن، ولذلك فإن فعاليات ثقافية من هذا النوع لا تصب في المجرى الثقافي المطلوب والهدف منها واضح وضوح الشمس.

لذلك قلنا في اكثر من مناسبة بضرورة أن يكون الفعل الثقافي حقيقيا وواضح الاهداف، فالغالبية من الناس هم الاولى بتحصيل الوعي وهذا لا يتم قطعا بتقديم الأنشطة الثقافية الشكلية مهما كانت المبررات.

وما حدث في كربلاء نوعان من هذه الأنشطة، الأول نشاط محدود على فئة محددة ايضا ومثالها ما يقدمه مثلا (إتحاد الادباء والكتاب في كربلاء) حيث تقتصر الأنشطة على الكتاب والمبدعين الذين يعرفون بعضهم كتجارب وكشخصيات وهنا ستكون الفائدة الثقافية محدودة بطبيعة الحال وينطبق هذا القول على منظمات مقاربة من حيث الحجم، وربما نجد عذرا لاتحاد الادباء في كربلاء عن محدودية التأثير الثقافي بسبب قلة الموارد والدعم لا سيما المادي فيما يخص توسيع مفعول مثل هذه الانشطة الثقافية.

أما النوع الثاني فيمكن حصره ببعض المهرجانات التي تقام في المدينة هنا وهناك، وتقف وراءها هذه الجهة او تلك، ولكن المشكلة أنها رغم حجمها الاكبر وامكانيات الدعم الاكثر تبقى محدودة الاثر ايضا، لأنها تكاد لا تصل الى أهدافها في تفعيل الثقافة بسبب شكليتها وعدم التخطيط السليم لها، ومثال على ذلك مهرجان بابل الثقافي الذي أقيم في كربلاء، إذ مثل صورة للاخفاق في هذا المجال، كما أنه أخفق بالوصول الى أذهان الناس وتصوراتهم على الرغم من حجم التسمية الكبيرة التي أطلقت عليه.

لهذا تبدو قضية تعدد النوافذ الثقافية رغم فضائلها، قاصرة عن اداء ما هو مأمول منها، والسبب كما نراه عدم التنسيق والعشوائية والتشظي الذي يطال هذه الجهود. هنا لابد من التركيز على أهمية التنسيق بين جميع الجهات المعنية بالثقافة سواء كانت رسمية أو أهلية، وتذويب التقاطعات التي تتمظهر بأشكال وأهداف عدة، كما أننا لابد نجسّر الهوة بين الثقافي والسياسي، وبين المثقف وصانع القرار، وأن ينتفي التقاطع بينهما على الرغم من صعوبة ذلك، قد يبدو الطريق لتحقيق هذا الهدف طويل وشاق ولكننا ينبغي أن نخطط بجدية ودقة للسير فيه إنطلاقا من طرفيه المتباعديْن وصول الى نقطة التلاقي في منتصفه.

إن تحقيق هدف من هذا النوع يضمن تحشيد الجهد الثقافي ويدفع به الى أبعد الناس والى أكثر المناطق بعدا وسعة، ويقلص الى أبعد حد مساحات التشظي، ويركّز الفائدة من ميزة تعدد النوافذ الثقافية التي ينبغي أن نستغلها في هذه المرحلة أفضل الاستغلال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/تشرين الأول/2010 - 11/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م