نوبل... انتصار للحريات أم خوف من الصين؟

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: تعتبر جائزة نوبل من اكبر الجوائز العالمية قيمة وشهرة، لاسيما وان متطلبات او صفات الحاصل أو المرشح لنيل هذه الجائزة صفات عظيمة يتحلى بها ويتميز بها عن أقرانه في أي مجال، وهي تأخذ المجالات العالمية كافة من علم ودراسات وفن وحتى في حقوق الإنسان وغالبا ما تفتخر الدولة التي يستلم احد مواطنيها هذه الجائزة كونه فريد من نوعه، ولكن ما حدث مؤخرا في الصين كان مخالفا لهذا.

فقد عبرت الحكومة الصينية عن مدى استيائها لنيل احد أفراد المعارضين لها على شرف هذه الجائزة، معترضة في الوقت نفسه على الجانب النرويجي لما له من دور في اختيار هذا الشخص، معتبرة هذا الموقف تجاوزا على هيبة بكين وتجاوزا على نظام القضاء الصيني، واثر هذا على نمط العلاقات بين الطرفين في كثير من التعاملات، بالإضافة الى إن هناك اهتماما كبيرا من عدة دور على الصعيد السياسي وحماية حقوق الإنسان.

خوف الغرب

حيث قالت صحف حكومية صينية إن منح جائزة نوبل للسلام للمنشق الصيني ليو شياو بو أظهر أن الغرب لا يمكنه استيعاب فكرة نهوض الصين. وكانت بكين وصفت منح الجائزة لليو بأنه "خطأ فاحش".

وقالت بعض الصحف التي تسيطر عليها الدولة ان الجائزة أظهرت الغرب المتحيز خائفا من ثروة وقوة الصين الصاعدة. وقالت صحيفة جلوبال تايمز وهي صحيفة لها شعبية باللغة الصينية قادت الشحن الإعلامي ضد قرار نوبل "منح جائزة نوبل للسلام للمنشق الصيني ليو شياو بو ما هو الا تعبير آخر عن هذا الإجحاف ويكمن وراء ذلك خوف غير عادي من صعود الصين والنموذج الصيني."

وقالت الصحيفة في تعليق اذا اتبعت دعوات ليو للديمقراطية متعددة الأحزاب في الصين "ربما ما كان مصير الصين أفضل حالا من الاتحاد السوفيتي السابق ويوغوسلافيا السابقة وربما انهارت البلاد سريعا." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وكان ليو (54 عاما) شوكة في جنب الحكومة منذ عام 1989 عندما انضم الى الطلاب المتظاهرين في أيام الاضراب عن الطعام قبل أن يقمع الجيش حركة ميدان تيانانمين المؤيدة للديمقراطية وتعرض للسجن عدة مرات منذ ذلك الحين لحملته من أجل حرية التعبير والتحرر السياسي.

وقال محاميه شانغ باو جون انه غير قادر على الاتصال بليو شيا زوجة ليو. وقال شانغ نقلا عن رسائل عبر الانترنت "ليس لدي أي أخبار مباشرة.. إنها على الأرجح في المنزل مع قطع الاتصالات .. تحت المراقبة ..قالت إنها تحت الإقامة الجبرية."

عدم احترام

من جانبها قالت الحكومة الصينية ان منح جائزة نوبل للسلام لمنشق صيني مسجون ينم عن عدم احترام لنظام القضاء الصيني.

وقال ما تشاو شو المتحدث باسم الخارجية الصينية ان الجائزة التي منحت لليو شياو بو لن تؤثر على توجهات النظام السياسي في الصين وكرر ان ذلك أضر بالعلاقات مع النرويج التي تتخذ منها اللجنة المانحة لجائزة نوبل للسلام مقرا.

وقال ما في افادة صحفية في بكين "منح نوبل للسلام لمجرم يقضي عقوبة سجن يظهر عدم احترام لنظام القضاء الصيني." وأدانت الصين الحكومة النرويجية التي لا رأي لها في الجائزة وألغت اجتماعا مقررا مع وزير المصائد النرويجي. وقال ما "حكومة الصين وشعبها لديهما كل الحق في التعبير عن الاستياء" وأضاف ان النرويج أضـرت بالعلاقات بتأييدها قرار اللجنة.

ويقضى ليو عقوبة سجن 11 عاما بتهمة التخريب لمطالبته بتحول ديمقراطي في الصين التي تأخذ بنظام الحزب الواحد وقالت تقارير إخبارية وجماعات لحقوق الإنسان في الخارج ان زوجته ليو شيا أرسلت رسائل بأنها قيد الإقامة الجبرية في بكين.

وحاول دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي واستراليا وسويسرا زيارة ليو شيا في شقتها السكنية في غرب بكين لكنهم منعوا. وحثت السفارة الأمريكية في بكين الصين على رفع أي قيود على زوجة المنشق المسجون الفائز بجائزة نوبل للسلام الذي أثار منحه الجائزة توترات بشأن حقوق الإنسان. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وانضمت السفارة الامريكية في العاصمة الصينية الى الدعوات المطالبة برفع أي قيود على حركة ليو شيا. وفي وقت سابق طالب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالإفراج عن المنشق الصيني. وحين طلب من ما التعليق على تصريح أوباما قال "نحن نعارض اي شخص يستغل هذه المسألة لإثارة ضجة ونعارض اي شخص يتدخل في الشؤون الداخلية للصين."

الإقامة الجبرية للزوجة

فيما قالت جماعة أمريكية لحقوق الإنسان ان السلطات الصينية تحتجز زوجة المعارض الصيني السجين ليو شياو بو الفائز بجائزة نوبل للسلام في مسكنها في بكين.

وقالت جماعة (الحرية الآن) في بيان ان ليو شيا اتهمت بارتكاب جريمة ولم يعد مسموحا لها بمغادرة مسكنها أو استخدام هاتفها المحمول بعد زيارة زوجها في السجن لتخبره بنبأ فوزه بالجائزة.

ووفقا لما ذكرته الجماعة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها وتقول انها تمثل المعارض الصيني فان ليو شياو بو بكى عند معرفته بنيله لجائزة نوبل وقال ان "الجائزة لشهداء تيانانمين." وتعمل الجماعة على مستوى العالم من أجل إطلاق سراح سجناء الضمير وتقدم مشورات قانونية مجانية لهم. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقالت بيث شوانكه المحامية في جماعة (الحرية الان) والمتحدثة باسمها ان يانغ جيانلي وهو أحد المتخصصين في مجال حقوق الإنسان بالجماعة حصل على أنباء بشأن اعتقال ليو شيا من مصدر في الصين لا يمكنهم ذكر اسمه بسبب مخاوف من احتمال اعتقاله هو الآخر. وأضاف جيانلي الذي قالت الجماعة انه متواجد في تايوان حاليا " تتعرض ليو شيا لضغوط هائلة."

النرويج

بينما قالت السلطات النرويجية ان الصين ألغت اجتماعا مع وزيرة نرويجية بسبب منح لجنة نوبل النرويجية جائزة السلام للمنشق الصيني المسجون ليو شياو بو. وقالت الوزارة ان وزيرة المصايد ليزبيث برج هانسن موجودة بالفعل في الصين للتحضير لاجتماع في شنغهاي.

وقال مجلس تصدير الأغذية البحرية في النرويج انه كان مقررا ان يحضر وفدان من البلدين حفل استقبال في الصين التي بدأت استيراد اسماك السلمون النرويجية في عام 1988. وقالت الوزيرة لصحيفة داجبلادت النرويجية قبل توجهها للصين " لجنة نوبل مستقلة عن الحكومة والبرلمان." واضافت "لذلك ما من سبب لاتخاذ إجراءات ضد النرويج اذا كان هناك من لا يرضى عن الفائز بجائزة." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ووصفت الصين منح ليو جائزة نوبل بأنه "خطأ فاحش" وحذرت النرويج من ان منح الجائزة لمنشق صيني سيضر بالعلاقات الثنائية. واستدعت الصين سفير النرويج لدى بكين بعد الإعلان عن منح الجائزة للمنشق الصيني. والنرويج والصين أكبر دولتين تصدران الأسماك وتصنع الصين السلمون النرويجي وتصدره لليابان. ويتفاوض البلدان بشأن اتفاق للتجارة الحرة.

إهداء الجائزة

في حين قالت وسائل إعلام ان المنشق الصيني ليو شياو بو الفائز بجائزة نوبل للسلام أهدى الجائزة لضحايا حملة قمع الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في عام 1989 في حين ذكرت وسائل الإعلام الصينية ان الجائزة أظهرت خوف الغرب من الصين.

وكشفت ردود الفعل المتباينة تجاه جائزة ليو حدة التوتر بين الحزب الشيوعي الحاكم في الصين ومنتقديه في الداخل والخارج الذين يضغطون من اجل تغيير ديمقراطي. وما زالت هذه التوترات تعيد للاذهان ذكريات بالغة الحساسية لاحداث عام 1989 في الصين.

وأبلغ ليو -الذي يقضي حكما بالسجن 11 عاما بسبب دعوته لتحول ديمقراطي في الصين- زوجته ليو شيا بان الجائزة تمثل تقديرا للمحتجين الذين قتلوا عندما قمع الجيش احتجاجات في ميدان تيانانمين بوسط بكين. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ونقلت صحيفة داجبلادت النرويجية عن رسالة من زوجة ليو عقب زياتها له في السجن ان ليو قال لها "هذه الجائزة مهداة لكل من ماتوا في الرابع من يونيو 1989".

بكين مستاءة

بكين تعبر عن استياءها بعد منح جائزة نوبل للسلام للمنشق الصيني المسجون ليو تشياوبو منح المنشق الصيني المعتقل ليو تشياوبو جائزة نوبل للسلام، وهو الخيار الذي أدانته بكين التي استدعت السفير النروجي لديها لكنه أطلق دعوات من جميع أنحاء العالم تطالب بإطلاق سراحه.

وعقب إعلان لجنة نوبل النرويجية منح الجائزة للمنشق الصيني سارعت بكين بالتنديد بهذا الاختيار الذي اعتبرت انه مخالف لمبادئ جائزة نوبل واستدعت السفير النروجي لديها للتعبير عن "غضبها" بحسب ما اعلن في اوسلو.

من جانبها دعت فرنسا وألمانيا وايضا ليو شيا، زوجة لياو تشياوبو، إلى الإفراج عن هذا المنشق الذي يقضي حكما بالسجن 11 سنة بتهمة محاولة "قلب نظام الدولة".

كما دعا الزعيم الروحي للتيبيتيين الدالاي لاما، الذي سبق ان أثار حصوله هو أيضا على نوبل للسلام عام 1989 غضب بكين، الى إطلاق سراح تشياوبو في الحال. فيما هنات تايوان والأمم المتحدة الفائز.

رهان الحرية

من جهة أخرى هنا رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو الحائز على نوبل ورأى في ذلك "رسالة قوية لكل الذين يناضلون، عبر العالم، من اجل الحرية وحقوق الإنسان" لكنه لم يدع إلى الإفراج عن لياو تشياوبو.

كما أعربت منظمة العفو الدولية في بيان عن الأمل في ان يؤدي منح ليو جائزة نوبل الى "تشديد الضغوط الدولية من اجل الإفراج عنه وعن العديد من المعتقلين السياسيين" في الصين.

واعتبرت ان ذلك "يسلط الأضواء على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين".

وأعرب شانغ باوجون محامي لياو تشياوبو عن أمله في الإفراج سريعا عن موكله معتبرا منح موكله جائزة نوبل "خبرا سارا جدا". وقال "آمل ان يفرج عنه سريعا بفضل هذا القرار حتى وان كان من السابق أوانه التحدث عن ذلك" مضيفا "آمل ان تزداد الصين انفتاحا وان ترفض القيود على حرية التعبير".

وبعد ان أشار إلى ان الصين تحولت الى "ثاني اقتصاد عالمي" قال رئيس لجنة نوبل ثوربيورن ياغلاند ان "العظمة تفرض مسؤوليات". وكان النظام الصيني قد حذر مسبقا لجنة نوبل من "خطوة غير ودية" من شانها ان تسيء إلى العلاقات بين الصين والنرويج.

وحكم على ليو تشياوبو (54 سنة) أستاذ الأدب والشخصية البارزة في حركة تيان انمين الديمقراطية سنة 1989، بالسجن 11 عاما يوم عيد الميلاد سنة 2009، بتهمة "المساس بسلطة الدولة". واخذ عليه انه احد الموقعين ال300 على "ميثاق 08" الذي يطالب بصين ديمقراطية. وهذا الميثاق مستوحى من "ميثاق 77" الذي دعا الى إرساء الديمقراطية في تشيكسلوفاكيا الشيوعية ووقعه سنة 1977 عدد من المثقفين من بينهم فاتسلاف هافل. وقد دعا هذا المنشق السابق الذي أصبح رئيسا لجمهورية تشيكيا، الى منح ليو تشياوبو جائزة نوبل.

وقال ياغلاند ان "حركة المطالبة بفرض حقوق الإنسان في الصين يقودها العديد من الصينيين سواء داخل الصين او خارجها". وتابع انه "من خلال العقوبة التي وقعت عليه أصبح ليو الرمز الأساسي لتلك الجهود الواسعة من اجل حقوق الإنسان في الصين". بحسب وكالة فرانس برس.

ويأتي منح ليو تشياوبو جائزة نوبل للسلام بعد سنتين من تنظيم دورة الألعاب الاولمبية في بكين والتي قالت منظمات غير الحكومية أنها لم تأت بالتحسينات المرجوة في مجال حقوق الإنسان. ويرى المعلقون ان هذه الجائزة يمكن ان تقضي على آمال النرويج في ان تصبح قبل في نهاية هذا العام أول بلد أوروبي يعقد اتفاقية تبادل حر مع الصين.

وقال رئيس الوزراء النروجي يانس ستولتنبرغ ان "علاقاتنا عريقة ومستمرة والمناقشات حول حقوق الإنسان تندرج في إطار تلك العلاقات". وأعضاء لجنة نوبل الخمسة يختارهم البرلمان النرويجي إلا أنهم مستقلون عن الحكومة والمجلس.

وليو تشياوبو متزوج لكن ليس له أبناء وقد أمضى قسما كبيرا من حياته في السجون الصينية.

فبعد المشاركة في تظاهرات تيان انمين سنة 1989 ومحاولته التوسط بين الجيش والطلاب، اعتقل هذا المثقف المعارض للنظام، سنة ونصف السنة.

وبين 1996 و1999، احتجز ليو تشياوبو أيضا في معسكر إعادة تربية "من خلال العمل" لأنه طالب بإصلاحات سياسية وبالإفراج عن الذين ما زالوا قيد الاعتقال بعد حركة 1989. واقر رئيس لجنة نوبل بأنه لا يعلم من الذي سيأتي لتسلم جائزة نوبل وقال انه "ليس بالأمر الذي نأخذه في الاعتبار عندما نختار الفائز".

ومع المنشقة البورمية اونغ سان سو تشي عام 1991 وداعية السلام الألماني كارل فون اوسيتسكي عام 1935، يكون ليو تشياوبو ثالث فائز بنوبل للسلام يمنح هذه الجائزة وهو في السجن.

وتمنح الجائزة عادة في أوسلو في العاشر من كانون الاول/ديسمبر ذكرى وفاة مؤسسها السويدي الفريد نوبل. وتتمثل في ميدالية وشهادة وشيك بمبلغ عشرة ملايين كورونة سويدية (نحو مليون يورو).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الأول/2010 - 10/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م