الاتجار باللحوم الحية

أرواح يائسة تبحث عن الخلاص

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا آفاق حلول للمشاكل العديدة التي تظهر بين فترة وأخرى في المجتمع العراقي على الأقل في الأفق المنظور.

كل يوم تظهر مشكلة اجتماعية جديدة تتصاعد حدتها ونصبح ظاهرة تضاف الى الظواهر السابقة، ناهيك عن مشاكل العراق السياسية المستحدثة ومشاكله القديمة الموروثة فضلا على المشاكل الجديدة الناشئة عن عدم معالجة مشاكل قديمة.

واحدة من هذه المشاكل والظواهر هي الاتجار بالنساء وعودتها الى الواجهة من جديد، وهو جديد قديم يتكشف أحيانا عبر خبر او تقرير عابر تنقله وسائل الإعلام يخفي الكثير تحته ليعود مرة أخرى للانزواء والاختفاء ليس بسبب اختفاء المشكلة او الظاهرة بل بسبب ظهور أخبار وتقارير جديدة تتحدث عن مشاكل وظواهر أخرى.

تعود جرائم المتاجرة بالفتيات إلي الواجهة عبر الإعلام فقد اعتقلت الجهات الأمنية في محافظة البصرة عصابة متخصصة بالمتاجرة بالنساء وتسفيرهن الى دول مجاورة كما أفادت مصادر أمنية حين أكدت ان (العصابات المتخصصة بالمتاجرة بالفتيات تلجأ الى تزوير الوثائق والمستمسكات وتغيير الأعمار لتسهيل سفر الفتيات الصغيرات كما انها تتخذ من الزواج الصوري وسيلة لذلك). وذكر مراقبون ان (جرائم المتاجرة بالنساء تحتل المرتبة الرابعة بعد جرائم المتاجرة بالمخدرات والسلاح والآثار).

رجال القانون في العراق ارجعوا أسباب وجود هذه الظاهرة الى (انتشار الفقر وفقدان الأمن وعدم وجود سياسة لرعاية الأرامل والأيتام الذين ازدادت إعدادهم بسبب عمليات الإرهاب والعنف والتهجير).

الخبير القانوني طارق حرب أكد في تعليقه على هذه الظاهرة ان (هذه الجرائم خطيرة جدا وان أساس المتاجرة بالبشر ليس بالجديد وذلك أما لأجل الخدمة بالدول الأخرى او المتاجرة بهم في الخارج)، مضيفا ان (هناك حالات فقر مدقع كثيرة في العراق وهذا يجعل البعض ينجر نحو السفر الي الخارج ولوجود صعوبة في سفرهم يلجئون الي عصابات منظمة جدا تتولي سفرهم بخداعهم إنهم يذهبون للعمل الشريف ويجدون غير ذلك هناك)، مشيرا الي ان (منظمات المجتمع المدني تتدخل في هذه الأمور اذا اشتكت احدي النساء علي هذه العصابة وقامت بتقديم دعوي والعقوبة هي السجن المؤبد لكن خوف المرأة من الفضيحة يجعلها لا تقدم دعوي وهذا الذي جعل العصابات تكثر في جميع أنحاء العراق).

أورد تقرير أصدرته إحدى الشبكات الاجتماعية أن 3500 فتاة سجلت في عداد المفقودين، فيما يعتقد أنهن سافرن إلى أماكن مختلفة من الشرق الأوسط، لينخرطن في عباب الرذيلة والعهر، ويصبحن جواري في قصور الأثرياء والأمراء، في صورة من صور العبودية الجنسية، التي لا تقرها القوانين الإنسانية التي أصدرتها المنظمات الدولية، فيما يتعذر إحصاء الفتيات اللواتي يهربن عن طريق سوريا أو الأردن لعدم وجود إحصائيات دقيقة عن أعداد النساء اللواتي جرى إخراجهن قسرا من العراق، وقد أورد التقرير قصصا مأساوية عن حالات إنسانية لفتيات صغيرات تم بيعهن أو تأجيرهن لأشخاص يحملون جنسيات خليجية، بحجة العمل في البيوت، أو الزواج بالمسيار من أمير.

وكانت مجلة (تايم) الأمريكية قد ذكرت في تقرير لها يرصد للمرة الأولى جانبا جديدا في قضية الاتجار بفتيات عراقيات في بيوت الليل والدعارة، أن أمهات عراقيات يسهمن عمليا ببيع بناتهن الصغيرات بعمر 12 سنة بأسعار تصل إلى 30 ألف دولار، وتعبر بهن منظمات الاتجار إلى أسواق دول الجوار بشكل غير قانوني.

من جانبها، كشفت ينار محمد، رئيسة منظمة حرية النساء في العراق انه في عام 2008 توصلنا إلى بعض الأماكن التي تشهد اتجار بالفتيات الصغيرات، وتصل الأسعار إلى ما نسميه "الدفتر" (10 آلاف دولار) أو دفترين يعني 20 ألف دولار.

وأضافت: (نحن نخوض في المحرمات في مجتمع يعتز جدا بقضايا الشرف، وتعرفنا إلى أعداد غير قليلة في 2008 ما بين 70-80 امرأة، يتعرضن للإهانة يوميا في سوق النخاسة والجنس، وتعرفنا إلى ما يقارب 25 حالة بيع لفتيات صغيرات ومن الصعب تحويل هذه الأرقام إلى إحصائية).

وقالت (اكتشفنا في بغداد فقط الآلاف من النساء اللواتي يعانين من حياة ليست بشرية من استغلال من الصباح إلى الليل في الجنس والعنف الجسدي).

وأشارت الناشطة العراقية إلى وجود 3 أنواع من (أسواق النخاسة) موضحة: السوق المحلية تبتلع 80 % من النساء في هذا المجال و15 % يتم تهريبهم إلى سوريا، ولكن هناك سوق نشط وأغلى ثمنا وأكثر رواجا وهو إلى الخليج حيث يوجد طلب عال على بنات صغيرات أي طفلات تتراوح أعمرهن بين 11 إلى 16 سنة.

ويجب أن يكون معها محرم وهناك شبكات تسعى لتزويجها زواجا شرعيا لشخص ما حتى يسفرها خارجا ويتم تكبير عمرها في الوثائق الرسمية، وبعد الوصول تبقى مع الشخص الذي اشتراها سنة ثم يرميها في سوق النخاسة.

تجدر الإشارة إلى أن سوريا أصدرت عام 2008 قانونا جديدا، أعدت مسودته وزارات وخبراء مستقلون، ويعتبر النساء اللواتي يمارسن الدعارة بالإكراه (ضحايا)، وعدم معاقبتهن،في حين يشدد العقوبة على المتاجرين بهن، وذلك في سياق قانون شامل وضع عقوبات صارمة على الاتجار بالبشر وتجارة الجنس.

وأما تقرير مجلة (تايم) الأمريكية، فتحدث عن (جريمة صامتة تحصل في العراق)، قائلة إن أمهات يبعن بناتهن لبيوت دعارة ومنظمات للمتاجرة بهن، وهن في سن صغيرة، معتقدات أن وصول البنت إلى سن العشرين سوف يخفض من سعرها.

وأشارت إلى أن سعر الفتيات الصغيرات بين 11 و12 سنة وصل إلى 30 ألف دولار وأما الأكبر سنا فينخفض سعرهن إلى ألفي دولار أمريكي.

وأما منظمات الاتجار بهذه الفتيات – وفق تقرير (تايم) الأمريكية- فتقوم بنقلهن الى دول الجوار ودول الخليج، وذلك بشكل غير قانوني عبر جوازات سفر مزورة، أو تزويجهن بالقوة من رجال مجهولين سرعان ما يتم تطليقهن منهم فور وصولهن إلى البلد المطلوب.

ويقول تقرير صدر عن الخارجية الأمريكية قي وقت سابق بأن العراق قد يكون مصدر لتهريب النساء و الأطفال إلى سوريا و اليمن و قطر و الإمارات و تركيا و إيران لأغراض الاستغلال الجنسي.

في السياق نفسه تقدّر منظمة العمل الدولية قي آخر تقرير لها أرباح استغلال النساء والأطفال جنسيا بـ28 مليار دولار سنويا، كما تقدر أرباح العمالة الإجبارية بـ32 مليار دولار سنويا، وتؤكد المنظمة أن 98% من ضحايا الاستغلال التجاري الإجباري للجنس هم من النساء والأطفال.

ويتعرض حوالي 3 ملايين إنسان في العالم للاتجار بهم، بينهم 1.2 مليون طفل. ويتمّ الاتّجار بطفلين على الأقل في الدقيقة للاستغلال الجنسي أو العبودية. كما يتنقل ما يتراوح بين 45 ألف - 50 ألف من الضحايا إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنويا.

يشار إلى أن منظمة العمل الدولية تقدر وجود 12.3 مليون شخص قصّراً يعملون حول العالم، بينهم 2.5 مليون ضحية للاتجار بالبشر، ويوجد في الشرق الأوسط أكثر من 200 ألف من هؤلاء، بما يعادل تسعة في المائة من النسبة العالمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الأول/2010 - 10/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م