نظم استبدادية وديمقراطية عرجاء

هل يمكن الحديث عن مجتمعات مدنية عربية؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: نشرت صحيفة الجارديان البريطانية، تقريرا حول الانتخابات المصرية كشفت فيه عن أن التغيير قادم وإن كان بطيئاً مثل مياه النيل. ورأت الصحيفة فى التقرير الذي كتبه إيان بلاك، أن المعارضة، رغم أنها لا تزال ضعيفة، لكنها أقوى مما مضى باستخدامها وسائل الإعلام الاجتماعية والمدونات في التواصل والتنظيم. كما أن قضايا حقوق الإنسان أصبحت لها مكانة متقدمة على قائمة الأولويات.

ويرى بلاك أنه رغم بعض المخاوف بشأن التلاعب بالأصوات والقمع الذى يمكن أن تشهده الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن الحملة أثبتت بالفعل بعض المؤشرات المثيرة للاهتمام حول ما يمكن أن يحدث فى هذا البلد.

واعتبر بلاك أن رفض الحكومة السماح بوجود مراقبين دوليين لمراقبة الانتخابات فى نوفمبر القادم مبعث آخر للقلق، وذلك بحجة انتهاك ذلك لسيادة مصر.

وتقول الجارديان، لا يزال هناك أخبار جيدة تتمثل فى تنظيم منظمات المجتمع المدنى المصرية مراقبة الانتخابات، وقد قررت هذه المنظمات عدم قبول تمويل من المانحين الأجانب، وهى قضية حساسة دائمة، مما يعنى أنهم أقل عرضة للمضايقة، رغم أنه لا تزال هناك حاجة إلى السماح برصد الانتخابات.

ومن العراق في موضوع ذي صلة بجهود منظمات المجتمع المدني رفعت عدة منظمات مجتمع مدني دعوى قضائية ضد رئيس السن في مجلس النواب العراقي بسبب تعطيله جلسات البرلمان، وقد عدّ الخبير القانوني طارق حرب ان (الدعوة لمحاكمة رئيس مجلس النواب المؤقت فؤادد معصوم امر غير صائب لان معصوم لم يكن سببا في الازمة الحاصلة ولم يسهم في تأجيل تشكيل السلطة السياسية في رئاساتها الثلاث وتشكيل مجلس الوزراء).

مراقبة الانتخابات ومراقبة عمل السلطة السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي جزء من المهام التي تضطلع بها منظمات المجتمع المدني ، اضافة الى مهام اخرى تتفاوت احجام المشاركة فيها تبعا لحرية العمل وطبيعة النظام السياسي في البلدان العربية.

المشكلة الرئيسية التي يمكن تحديدها من خلال التقرير والخبر السابقين تتعلق بالفاعلية التي يمكن ان تقوم بها منظمات المجتمع المدني في البلدان العربية ودورها في نشر الديمقراطية ورفع مستوى الاداء السياسي والاجتماعي داخل البلدان التي تتواجد فيها.

ان جوهر مشكلة المجتمع المدني العربي تتركز في انتشار سلطة الدولة في كل مجالات الحياة المجتمعية مما يجعل من هذه السلطة اداة مراقبة مستمرة وعائقا امام امكانية تحرر الافراد واستقلال المؤسسات الاجتماعية.

يعبر برهان غليون عن علاقة المجتمع والدولة بقوله: (أصبحت الدولة مؤسسة خاصة توظف سيطرتها المطلقة وتغلغلها في كل ثنايا المجتمع من اجل خدمة مصالح الفئة الحاكمة وليس من اجل تعظيم المصالح العامة، وصارت تنظر الى أي حركة او نامة او إشارة تصدر عن المجتمع المدني على أنها معارضة سياسية ورفض لسلطة الدولة وتهديد مباشر لوجود الأمة والقومية والثورة ودفعها ذلك الى الانكفاء بشكل اكبر على نفسها وقواها الردعية الخاصة وتنميتها وبالتالي تخصيص القسم الأكبر من موارد الدولة لا لتوفير حاجات المجتمع وإنما لتعظيم وسائل القضاء عليه، بناء المجتمع المدني العربي: دور العوامل الداخلية والخارجية.

ان الإستراتيجية التي اتبعتها الدولة العربية من اجل فرض سيطرتها الشاملة على المجتمع سارت في ثلاثة مسارات:

اولا: القضاء على المعارضة السياسية او إضعافها.

ثانيا: إخضاع المؤسسات الاجتماعية من اجل خدمة مصالح الدولة.

ثالثا: القضاء على الأسس المادية لمؤسسات المجتمع المدني الحديث كالقضاء على النقابات المهنية والعمالية والأحزاب السياسية والتنظيمات السياسية والاجتماعية ومؤسسات التربية والدين ووسائل الإعلام.

وتبرز سمة أكثر وضوحا في النظم السياسية العربية كلها وهي أنها جميعا لا تقبل وجود أي حدود على سلطة الدولة فبعضها يملك دساتير وبعضها الآخر لا يقبل بالدساتير ومع ذلك يشترك الجميع في جعل سلطة الدولة هي الأعلى حتى لو اقتضى الأمر اتخاذ قوانين استثنائية تمس في غالبية الأحيان حقوق الإنسان وحرياته العامة.

وقد عرض (أيمن عبد الوهاب) في دراسة أنجزها في كتاب بعنوان:(المجتمع المدني العربي: السمات العامة، وإشكالية الفاعلية) أشار من خلالها إلى أن إشكالية وجود مجتمع عربي تبتدئ بالتطرق إلى العلاقة القائمة بين الدولة والمجتمع من خلال ثلاثة إشكاليات رئيسية وهي:

الإشكالية الأولى: من خلال قياس حجم الإسهام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمؤسسات المجتمع المدني.

الإشكالية الثانية: من خلال دور منظمات المجتمع المدني في تعظيم قدرات الدولة من خلال الأدوار الخدمية والرعائية المساهمة في عملية إعادة التوزيع التي يعرفها المجتمع.

الإشكالية الثالثة: ترتبط هذه الإشكالية بمدارج سياسات الدمج الوظيفي والهيكلي الذي تقوم به الحكومات تجاه المنظمات المدنية.

من خلال هذه الإشكاليات يمكن أن تتبدى لنا الهشاشة التي لا زالت تقوم عليها فكرة المجتمع المدني العربي نتيجة القيود التي تفرضها الدولة من جهة، ولغياب التمثل الصحيح عند النخبة القائدة للمجتمع المدني العربي لأساليب وفلسفة العمل المدني.

وهناك في جانب المجتمع المدني تبرز اشكالات متعددة تنبع هذه المرة من داخل كيانات هذه المجتمعات والنظر الى دورها والاعمال التي تضطلع بها:

1-  إشكالية الأدوار الذي يمكن أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني.

2 - ضعف الثقافة الديمقراطية لدى الإنسان العربي، والنقص الشديد في الوعي الحقوقي للعلاقة بين السلطة والمواطن.

3 - غياب المبادرة أو ضعفها على المستوى النظري والعملي، وعدم التوجه إلى دراسة الظواهر الجديدة.

4 - انشغال مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصا منظمات حقوق الإنسان، بالحقوق المدنية والسياسية على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..التي لا تتحقق تنمية مجتمعية متكاملة بدونها.

6 - توجه مؤسسات المجتمع المدني إلى الاحتجاجات والنقد والأهداف المطلبية، دون تقديم بدائل عملية من تشريعات او قوانين بموازاة ما تقدمه السلطات الحاكمة.

7 – التناقض في المواقف من بعض القضايا الحساسة وهذه تشمل قضايا مثل المرأة والموقف من المساواة، والأقليات القومية والدينية والفئات المهمشة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/تشرين الأول/2010 - 9/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م