القمة العربية أضحت من الأمور المثيرة للأسى عند المواطن العربي,
وهي ليست أكثر من محفل لجلد الذات, يتداعى إليها الإخوة الأعداء من
قيادات الأمة التي انغمست في نرجسيتها حتى الأذنين. وان التعويل على
قمة سرت او الدوحة وكأنها ستأتي بما عجزت عنه كل القمم العربية
السابقة, ليس أكثر من وهم تشترك في صنعه أجهزة الاعلام الرسمية, وذاكرة
الشعوب الضعيفة.
الناظر الى القمم العربية طوال العقود الأربعة أو الخمسة السابقة
بعين فاحصة عن حجم الانجازات التي قدمتها تلك القمم للأمة, سيجد انها
في معظمها سلبية من وجهة نظر الأمة.. ولا تخدم الا الأنظمة. وأن
المجادلة بأن لها ايجابيات أقلها انعقادها أو حضور كل القادة العرب..
مجادلة تدخل في باب مواساة الذات.. وهي من جانب آخر هروب ناتج عن عجز
عن مواجهة البؤس الذي أصاب مواقع القرار في الوطن العربي.
أن قراءة موضوعية للواقع العربي اليوم يدعو للشفقة أكثر من اي وقت
مضى, وبالذات منذ منتصف القرن الماضي. فعلى المستوى العام في طول وعرض
جغرافية الوطن العربي, نلاحظ ان القطرية قد أسفرت عن وجهها القبيح.
وصار الخطاب القطري مقدما على الخطاب القومي. وكرست الانظمة العربية
أجهزتها ومؤسساتها الإعلامية والثقافية لمحاولة ترسيخ ذلك الخطاب,
وتأصيله في الوعي وفي الممارسة, بينما وضع الخطاب القومي على رفوف
الإهمال.. وفي المناسبات كمؤتمرات القمة مثلا يتم مناولته من باب اشباع
العواطف عند شريحة من الجمهور العربي. أن من نتائج السياسة القطرية
الصرفة التي تبنتها معظم الأقطار العربية. ان دخلنا في مفاوضات سلام
كدول مفككة وليس ككيان عربي موحد في الموقف التفاوضي - على الاقل -.
فإذا كان الكيان العربي بمجملة لا يشكل قوة يعتد بها فما بالنا ونحن
اقطار هزيلة مفككة ومتنافرة ولا يوجد بينها اقل ما يمكن من قنوات
التنسيق, وبالذات في مسألة السلام مع إسرائيل – أقول مسألة السلام
طالما وان العرب توافقوا على شطب مفهوم الصراع مع إسرائيل باعتباره
كيان مغتصب للأرض العربية.
القضية الفلسطينية وهي أهم وأخطر التحديات التي تواجه العرب وهي
المعيار الحقيقي للإرادة العربية. فلسطين أرضا وشعبا أول الضحايا
للسياسة القطرية, ثم توالى الضحايا العرب الواحد تلو الآخر, العراق
لبنان الصومال السودان.. والحبل على الجرار. بخصوص القضية الفلسطينية
لم يكتف العرب أن يتركوا الفلسطينيين لوحدهم في مواجهة خصم لدود وقوي
ومدعوم من المجتمع الدولي, بل اسهموا بهذا القدر أو ذاك في تفتيت وحدة
هذا الشعب المنكوب على منهاج القطرية الذي ساروا علية ومن غير المستبعد
ان نرى على الخارطة دولتيين فلسطينيتين واحدة في الضفة وأخرى في غزة.
أن قضية القومية العربية وكل القضايا المتعلقة بها وفي مقدمتها قضية
فلسطين لن تحل في مؤتمر قمة عربية مادام الحال على ما هو عليه. أننا
نرى قمة الجبل ونريد ان نغفو في سفحه ونصحو على قمته, ولا نريد ان
نتسلقه خطوة بخطوة. اننا كعرب لم نتفق على المفاهيم حتى نتفق على
الإجراءات ناهيكم عن الخطوات. ان مجرد الاستماع ومشاهدة نشرة الأخبار
على قناتين عربتين يبين حجم الهوة في الرؤى والمفاهيم والهوة تتسع كلما
اتجهنا صعودا الى قمة الهرم السياسي. خذ مثلا " خيار السلام " و " خيار
المقاومة " لم نتفق كعرب على أي الخيارين انسب في صراعنا مع إسرائيل,
ولا يوجد اتفاق حتى على مفهوم الصراع مع إسرائيل. والاختلاف العربي عكس
نفسه على الفلسطينيين فنرى ان تيار السلطة مع خيار السلام وتعتبر خيار
المقاومة خيار عبثي بينما حركة حماس تتبنى خيار المقاومة. واذا سلمنا
بخيار السلام فهل هناك طرف أخر يرغب في السلام حتى تكتمل معادلة
السلام؟
مثال آخر يرى بعض العرب ان إيران أكثر خطرا من اسرائيل وغيرهم يرون
غير ذلك بل انهم طوروا علاقتهم بإيران الى مستوى الحليف
الاستراتيجي....
الزعماء العرب ليسوا اكثر من لاعبي بوكر في سلوكهم تجاه بعضهم
البعض. والقمم التي يعقدونها صارت ملهاه محزنة. ملهاة عند الأمم الأخرى
لمستوى الفكر والقرار السياسي العربي, والذي وصل الى الدرك الاسفل من
الانحطاط والضحالة. وهذا ما جعل معظم النخب من المثقفين و المفكرين
العرب يشعرون بالحزن.. واكثر من الحزن والمثل يقول "شر البلية ما يضحك
" بل ان اكثرهم تركوا اوطانهم ولجأوا الى أوطان أخرى.....
وموضوع القمة العربية كبير وكبير جدا لكن ما دام يعتقد بعض
المتفائلين ويأملوا ان تكون هذه القمة (قمة التصالح العربي مثلا). أقول
ان تصالح القادة مع شعوبهم أولى, لان أي بناء عربي صحيح وسليم لن يكون
الا بوحدات بناء صحيحة وسليمة, ووحدات البناء هي الدول العربية. واي
مصالحة بين القادة العرب لن يكتب لها النجاح طالما والمعادلة مختلة
وينقصها عامل رئيسي وهو مصالحة وطنية في كل دولة عربية قبل القفز الى
قمة الجبل. وجانب آخر يخص الشعوب العربية. هناك 22 شعب عربي موزعين على
22 دولة عربية. الشعب العربي بعامته ليس لديه مشكلة في اي توجه عربي
يخدم الامة العربية كأمة وليس كزعامات لها أجنداتها الخاصة, كما حصل في
النماذج الوحدوية العربية. وعلى كل حال وتجاوزا لما أوردناه. هناك سؤال
يفرض نفسه بالحاح وهو: هل أدوات هذه القمة ستتمخض عن انجاز تاريخي غير
مسبوق وهي نفس ادوات القمم العربية السابقة ؟ سنرى غدا وان غدا لناظره
قريب!! |