الاستعمار والعقبة الكأداء

عبد العزيز حسن آل زايد

قد يظن الظان أن الاستعمار رجل ملثم يضيق خناقه وهو يضع الدسائس في طريق نهضتنا، وتألق نجمنا، والحقيقة التي هي أغرب من الخيال أنّ للاستعمار ألوان وأردية متنوعة، قد تكون أشدها مرارة علينا هي تلك التي تتلون بطباعنا وتأتزر بهالة نحترمها، ونقدس خطاها، وهي تقوض نهوضنا وتسحق كرامتنا عن بكرة أبيها. الاستعمار يدخل علينا من أروقة مختلفة، فمن قال أننا لا نعيش الاستعمار؟!، وأطنانه ملأت أسواقنا وشوارعنا وبيوتنا وحتى غرف نومنا، ونحن معصبي العيون ومشدودة إلى حد الانتحار.. فما هي تلك العقبات التي يضعها هذا الملثم الغامض؟!، وما هي نوافذه التي يطل علينا من خلالها؟! قد لا يسعنا الحديث في هذا الموج الغاضب والمتلاطم، إلا أننا قد مسكنا الريشة لتضع في هذا القرطاس بعض ما فاضت من محبرتها..

الاستعمار في الخارج:

التطور والتغير يحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم، فما كان في السابق ممنوعاً أصبح اليوم متاحاً وكشربة الزلال، الخروج من حصن المملكة بدون تأشيرة جواز أضحى سالكاً بينها وبين البحرين والكويت، وقد تتسع...، نعم تتطلع الآمال أن نستغني عن (البطاقة الذكية) لعبور كلّ الدول، كما كان سالف العهد في زمن الرسول الأكرم (ص)، هذه الحدود وضعت بأيادٍ استعمارية مغرضة، إلا أن نفوسنا استملحتها لتصل الرغبة في الانفصال والتمزق حد التخمة ولنا في السودان تلسكوب مراقبة، فلماذا لا تجتمع الدول كالجسد الواحد وتتآزر كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً؟!، ما هذه الحدود التي تشرذم قوانا كتفرق العُصي أشتاتاً كأعجاز نخلٍ منقعر؟!، اليمن السعيد رغم التمام شمله إلا أنّ هناك من يعزف على نوتة الانشقاق، وقرآننا يربطنا بأخوة المعتقد بأداةٍ حاصرة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، إلا أن الاقتتال والاحتراب كان لنا الديدن والمأرب الذي لا مناص عنه !

ما أجمل أن تعود الجزيرة في حضن واحد، ما أروع أن يرتبط العالم الإسلامي في خارطة واحدة من غير تشققات وتصدعات وتجاعيد سلبت منا قوتنا ورمتنا على القارعة رجل عجوز هرم، يا ليت تلك الدولة الإسلامية العتيدة تعود من دون مشارط تقطع الكعكة الكبيرة فتلتهم قطعة قطعة..ولعل يهودية إسرائيل هي الفم الأول للابتلاع، وستلحقها لقمات أخرى لا ندري أين سيحين الدور فيها؟!

الاستعمار في الداخل:

 الأصر والأغلال جاء الدين ليحاربهما ويقتلعهما البتة، ونحن من يلجم أنفسنا بالكثير من القيود والسلاسل، (القابلية) التي يتحدث عنها المفكر الجزائري " مالك بن نبي" هي التي دمرتنا ولا تزال تفعل أفاعيلها في شرخ جماجمنا وضمائرنا الصدئة، الأقفال التي وضعناها بملأ إرادتنا هي التي قيدتنا وكبلتنا أمام الانطلاق والانفتاح الحر السليم، وتم بلع المفتاح كقرار اختياري وإنهائي دون رجعه.. فترى أن القطة البلهاء تبتلع أبنائها بشكل مريع ولا فت، وتهجم الأفعى الرقطاء بكل ضراوة على بيضها قبل الفقس، الكفاءة حينما تضيع في مهدها في صمت رهيب خلف جدران المطامير هكذا نشبهها، فأبناؤنا وإخواننا يقبعون في قعر السجون دون جناية، ماذا نستفيد من التوسع الجغرافي الذي تنشرح به خارطة الأحساء وأبناؤها يضيق بهم السجن ذرعاً وهم مكبلون ومعتقلون لوتر أرعن تترفع النفوس السليمة أن تشهره، أيّ قيمة لاتساع أرض وأبناؤها محتجزون في زنازن تكبل كرامتهم وحرياتهم، وفي شقيقتها قطيف الكرامة والصمود لا يزال المؤمنون يلهجون بالدعاء لتخليص أبنائهم من عضّ القضبان ووطأة السجان، وسادتنا وكبراؤنا يرفلون في الحرير والموائد الدسمة - كل من يأكل الدسم ويرفل في ما نسجه القز فهو معني ومحاسب بلا استثناء-، يا من تدعي بعليٍ وصلاً.. أما رفض علي (ع) دنيانا و طلقها؟!، يضعون العمائم فوق الرؤوس تشرفاً، والسيد المطاع من يكون خادماً لقومه لا متنمراً على قصعاتٍ يستمرأ أُكلهم، يدعون ويتبجحون ولا نرى في النهاية غير القرف !

القرف الذي تتلطخ به بياناتهم الخرقاء، ومواقفهم المخجلة التي يندى لها الجبين التي لا تمت بالنفع لدينٍ ولا لدنيا كريمة، هناك متمصلح واحد ليكون الإنصاف في موقعه ومحله الصحيح، المتمصلح هو الذات المتعملقة بين الرئاسة وحب الظهور، وشيء آخر هو التسيد على عظام الأبرياء المسحوقين، لا يهمهم غير داء العظمة الذي يقتتلون ويفنون دقات قلوبهم ثم يكون عليهم أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً. هناك من الرجال من أبناء جلدتي معروفون بالحراك واقتحام الصعاب، إلا فيما يخدم أبناء مجتمعهم، فهم منافقون بامتياز، يركضون خلف الأضواء ومكاييل المدح والثناء، ولا هم لهم غير مصالحهم الذاتية، إنهم لا يستحقون منا غير القذارة والإذلال، أليس الاستعمار هو تلك الظاهرة التي تسيطر فيها القوى القوية على القوى الضعيفة؟!، أليس هذا استعمار داخلي يشل مجتمعنا دون أن نشعر؟!، كان لنا في (علي بن يقطين) مثالاً رائعاً في خدمة الإخوان، وقد لا نجد مثل هذا الرقم الصعب في معادلة مخرومة من الجهتين!!

وما أدراك ما العقبة:

العقبة التي يتحدث عنها القرآن في هذا البلد وفي كل بلد هي تلك التي لم نعيها ولم نفهمها بعد، إذ تقول سورة البلد: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَة...) فمتى سيصدر العفو الملكي من صاحب الجلالة ؟! ومتى ستفك رقاب السجناء من ذل السجن والسجان؟! إننا نترقب ذلك المهرجان الكبير الذي سنحتفي به بخروج المظلومين مرفوعي الرؤوس، العفو والصفح من شيمة الكرماء، ولن يكون لنا كرم ولا كرامة إلا بالله العظيم، إننا لا ننتظر عطاءً يكون فيه العفن كالحرباء، فتارة يشرق ورداً وياسميناً وجه النهار، وفي آخره يزكم الأنوف من فضاعت ما يشم منه، لا نرتضي ثياب الملائكة التي تتأبط الخسة والنتانة المريعة، العقبة ليست المرقى الصعب من الجبال، العقبة ليست الصخرة الناتئة في عرض الجبل كما يقول أهل اللغة، العقبة في التمرد على المصالح الذاتية وتمترس في صف المصلحة الجمعية، أن تكون قبضتنا واحدة في مطالبتنا بحقوقنا وكرامتنا وبذلك نقتحم العقبة ونبلغ المراد، وإلا فإن الخصم سيكون في هناء يمتطي الظهور كما تمتطى الحمير، ولقد كرمنا الله عنها وعن نهيقها!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/تشرين الأول/2010 - 9/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م