الاضطرابات النفسية ودور العوامل البيئية والاجتماعية

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: يظن الكثيرين ان الحالة النفسية ليس لها تأثير كبير على الإنسان فهي مرحلة وقتية تمر بشخص ما وتنتهي، ولكن الواقع غير ذلك فحتى إذا استطاع المريض إن يخرج من الحالة النفسية فأنها ستطبع في حياته آثارا دائمة، لاسيما وان الأسباب التي تسبب الحالات النفسية كثيرة ومنتشرة في جميع العالم، ففي أي مكان لا نجد الفقر ونقص الرعاية الصحية وازدياد نسبة البطالة، فهذه كلها تجعل من الإنسان يدخل في صراعات نفسية ولا يقتصر تأثيرها على الحالة النفسية للمريض بل إنها تتعدى ذلك وهذا ما أكد عليه الأطباء النفسيين حيث إن التوتر النفسي يؤثر على القلب والعقل ويفقد مناعته ضد الأمراض.

وبعد أن استطاع الأطباء والباحثين ان يؤكدوا من خلال دراساتهم وبحوثهم ان سوء الحالة النفسية تأتي بعواقب جسيمة لابد الحذر منها، أكدوا على متابعة الأمراض النفسية التي تلقى إهمال كبيرا في العالم على أنها بسيطة وخاصة في الدول ضعيفة المستوى.

البلدان الفقيرة

حيث قالت منظمة الصحة العالمية ان مئات الملايين من الأشخاص في البلدان الفقيرة يعانون من اضطرابات في الصحة العقلية لم تخضع للعلاج يمكن القضاء عليها بوسائل رعاية غير مكلفة. وأصدرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة كتابا إرشاديا للأطباء والممرضين المتخصصين في الرعاية الأساسية لمعالجة المرضى المصابين بالاكتئاب والذهان وأيضا الإمراض العصبية ومنها الصرع والزهايمر وغيرها من إشكال الخرف.

وقالت مارجريت تشان المديرة العامة للمنظمة "نواجه سوء فهم يتمثل في ان الرعاية الصحية العقلية هي عنصر ترف في الأجندة الصحية. ولكنها تتكلف دولارين فقط للشخص في العام". والدولاران هو متوسط تكلفة توفير العلاج في البلدان النامية والتي تقول المنظمة ان بها 75% من المصابين بمشكلات في الصحة العقلية والعصبية على مستوى العالم. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ويهدف الكتاب الإرشادي المؤلف من 100 صفحة وعنوانه "فجوة الصحة العقلية. دليل تدخل". الى مساعدة موظفي الرعاية الصحية على تقييم وعلاج المرضى الذين يعانون من أعراض تشمل القلق والوهم وفقدان الذاكرة والأفكار الانتحارية. وجاء في الدليل انه يمكن علاج المرضى من خلال خدمات اجتماعية منخفضة التكلفة أو في وحدات صغيرة يشرف عليها مساعدون طبيون بدلا من المستشفيات المتخصصة.

ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي

كما قالت منظمة الصحة العالمية إن المصابين باضطرابات نفسية واجتماعية، هم إحدى أكثر الفئات عرضة للتهميش في البلدان النامية، لافتة إلى أن ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم.

وقالت المنظمة في تقرير على موقعها الإلكتروني بشأن الصحة النفسية والتنمية إن "غالبية البرامج الإنمائية وبرامج التخفيف من وطأة الفقر لا تشمل المصابين باضطرابات نفسية واضطرابات نفسية اجتماعية."

وأضافت "من الملاحظ، أن 75 إلى 85 في المائة من أولئك المرضى لا يستفيدون من أيّ شكل من أشكال العلاج النفسي.. وهناك علاقة بين تلك الاضطرابات وارتفاع معدلات البطالة إلى نسبة تناهز 99 في المائة في بعض الأحيان." بحسب وكالة السي ان ان.

ونسب التقرير إلى الدكتور علاء العلوان، المسؤول عن دائرة الأمراض غير السارية والصحة النفسية بالمنظمة قوله "لا بدّ للأوساط الإنمائية من إيلاء المزيد من الاهتمام لهذه الفئة حتى يتسنى عكس الأوضاع السائدة."

وتابع "معاناة المصابين باضطرابات نفسية واضطرابات نفسية اجتماعية من انعدام الرؤية والصوت والقوة إنّما يعني ضرورة بذل جهود إضافية من أجل الوصول إليهم وإشراكهم بطريقة مباشرة أكثر في البرامج الإنمائية."

وتشير تقديرات بيانات المنظمة إلى أن الأمراض النفسية تسبب في حدوث عدد كبير من الوفيات وحالات العجز، وهي تمثّل 8.8 في المائة و16.6 في المائة من عبء المرض الإجمالي الناجم عن الاعتلالات الصحية في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، على التوالي. وقال تقرير المنظمة "سيمثّل الاكتئاب ثاني أهمّ أسباب عبء المرض في البلدان المتوسطة الدخل وثالث أهمّ تلك الأسباب في البلدان المنخفضة الدخل بحلول عام 2030."

الإيمان بالقدر يساعد في تجاوز الأحزان

بينما خلص باحثون ألمان إلى أن الإيمان بالقدر يساعد الإنسان على التعامل بشكل أفضل مع مسألة فقدان شريك الحياة. ودرس باحثو علم النفس في مدينتي مونستر وماينز في غربي ألمانيا بيانات أكثر من 400 شخص ممن توفى عنهم شريك الحياة وتابعوهم بدقة لفترة تزيد على تسعة أعوام.

وكانت نتيجة الدراسة طويلة الأمد التي كشفت عنها جامعة مونستر أن الأشخاص الذين يؤمنون بأن القدر أو الصدفة هي التي تحدد حياتهم لم يفقدوا سعادتهم بالحياة مع فقدان الزوجة أو الزوج بنفس درجة الأشخاص الذين لا يؤمنون بالقدر. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ورأى الباحثون أن هذه النتيجة مثيرة للاهتمام لا سيما وأن دراسات سابقة كانت ترى أن الإيمان بالقدر غالبا ما يكون مشكلة لأنه يجعل الناس "أقل سعادة بالحياة وأقل نجاحا في العمل وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض". وقالت عالمة النفس المشاركة في الدراسة يوله شبيشت :"توضح نتائج دراستنا أن الإيمان بالقدر ليس كله عيوب بل يكون له مزايا في مواقف معينة" مشيرة إلى أن الإيمان بالقدر له تأثير وقائي.

شعر الرجال يكشف عن الضغط النفسي

فيما أثبت باحثون كنديون أنه بالإمكان اكتشاف إمكانية إصابة شخص ما بذبحة قلبية قبل ستة أشهر من حدوثها المحتمل، بحسب دراسة نشرت في مجلة "ستريس".

وكان فريق من العلماء على رأسهم فان أوم وجيديون كورين من جامعة "ويستيرن أونتاريو" قد أكدوا أن الضغط النفسي المزمن يشكل عاملا أساسيا في تطوير ذبحة قلبية، وذلك من خلال مستوى هرمون الضغط النفسي "كورتيزول" الذي نجده في شعر الرجال.

وأوضحت الدراسة أن "الكورتيزول كان ولغاية اليوم يقاس في البول والدم واللعاب. لكن ذلك يعكس فقط مستوى الضغط النفسي في الساعات أو الأيام الأخيرة، وليس خلال فترة طويلة". لكن فحص الشعر شكل للمرة الأولى مؤشرا حيويا موضوعيا لدور الضغط النفسي المزمن في الإصابات التي قد تطال الأوعية. بحسب وكالة فرانس برس.

وكان الباحثون قد تابعوا أوضاع 56 رجلا أدخلوا إلى المستشفى بعد إصابتهم بذبحة قلبية. فقارنوا عينات من شعر هؤلاء بعينات أخذت من 56 مريضا آخرا لم يتعرضوا أية إصابات في الأوعية. فتبين أن مستوى الكورتيزول كان مرتفعا بشكل واضح لدى هؤلاء الذين أصيبوا بذبحة قلبية.

وقد تؤدي عوامل كثيرة إلى إصابات في الأوعية منها ارتفاع ضغط الدم ومستوى عال من الكولستيرول والتدخين أو مشاكل سابقة في الشريان التاجي. لكن هذه المخاطر كانت متوفرة لدى المجموعتين اللتين تناولتهما الدراسة، الأمر الذي يثبت أن "مستوى الكورتيزول هو المؤشر الأفضل لتوقع ذبحة قلبية مقبلة".

إلى ذلك، من المتوقع تنفيذ دراسات على عينات أكبر تشمل نساء وذلك لإثبات دقة هذا الفحص. ويرى الباحثون أن نتائج دراساتهم هذه قد تدفع الأطباء إلى أخذ الضغط النفسي بالاعتبار بهدف الكشف عن المرضى المهددين ومعالجتهم.

واحد بين كل 10 أمريكيين

من جانبها كشفت دراسة استقصائية واسعة أعدتها "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية" الأمريكية، أن عشرة في المائة من الأمريكيين يعانون من أعراض الاكتئاب، وأن بعض الولايات أكثر عرضة للإصابة به عن غيرها.

وتضم "ميسيسيبي" أعلى نسبة اصابات بالاكتئاب في الولايات المتحدة، تصل إلى 14.8 في المائة، إذ يعاني سكان الولاية من اثنين أو أكثر من أعراض المرض، وتتمثل في الإحساس باليأس، وصعوبة التركيز.

ومن بين الولايات الأخرى التي "تعاني" من الاكتئاب، ويست فيرجينيا (14.3 في المائة)، ألاباما (13 في المائة) أوكلاهوما (11.3 في المائة)، وجاءت "نورث داكوتا" في أدنى اللائحة بمعدل اكتئاب بلغ 4.8 في المائة، بحسب المسح الذي أجري في الفترة ما بين 2006 و2008.

ولفت البحث إلى أن الولايات التي ترتفع فيها نسبة الاكتئاب ينتشر فيها، وبمعدل أعلى من المتوسط، السمنة وأمراض القلب والكثير من الأمراض المزمنة الأخرى، وهو ما قد لا يكون من قبيل المصادفة، وفق ليلا ماكنايت-إيلي، أخصائية علم النفس ألسريري وعلم الأوبئة في مراكز السيطرة على الأمراض. وشرحت قائلة: ""الاكتئاب يمكن، وعلى حد سواء، أن يعجل ويفاقم أعراض الأمراض المزمنة.. فبالتأكيد هذه الأشياء مرتبطة ببعضها." بحسب وكالة السي ان ان.

وساهم ارتفاع مستويات الفقر نسبياً، وعدم الحصول على الرعاية الصحية النفسية كذلك، في رفع معدلات الاكتئاب في الولايات الواقعة في جنوب شرقي البلاد. كما ساهم العامل الاقتصادي وارتفاع نسبة البطالة بدوره في زيادة حالات الإصابة به.

وتحتفل الولايات المتحدة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول باليوم القومي لفحص الاكتئاب، وحثت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية كل من قد يساوره الشك في إصابته بالاكتئاب، إجراء تقييم للذات عبر الإنترنت.

يُذكر أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أعلنت منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي أن المصابين باضطرابات نفسية واجتماعية، هم إحدى أكثر الفئات عرضة للتهميش في البلدان النامية، لافتة إلى أن ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم.

وقالت المنظمة في تقرير على موقعها الإلكتروني بشأن الصحة النفسية والتنمية، إن "غالبية البرامج الإنمائية وبرامج التخفيف من وطأة الفقر، لا تشمل المصابين باضطرابات نفسية، واضطرابات نفسية اجتماعية."

وأضافت: "من الملاحظ، أن 75 إلى 85 في المائة من أولئك المرضى لا يستفيدون من أيّ شكل من أشكال العلاج النفسي.. وهناك علاقة بين تلك الاضطرابات وارتفاع معدلات البطالة إلى نسبة تناهز 99 في المائة في بعض الأحيان."

وسواس المرض يفتك بالبالغين

في حين أوضحت دراسة أن أكثر من واحد بين كل عشرة من البالغين في هونج كونج مصاب بوسواس المرض ويعتقد او تعتقد التعرض لمرض خطير.

وقدر الباحثون في الجامعة الصينية أن 570 ألفا أو 11 في المائة من إجمالي البالغين يعانون من بعض أشكال وسواس التعرض لمرض خطير أو توتر مزمن غير طبيعي. وقال الباحثون إن المصابين بهذا الوسواس يقعون في مصيدة "متاهة شديدة" يكون فيها التوتر بشأن الأمراض التي يتـخيلونها عندهم تجعلهم غير قـادرين على التـوافق مع العـمل الطبيـعي ومـواقف العمل. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وتوصلت الدراسة التي شملت 3000 شخص إلى أن البالغين الذين تتراوح أعمارهم من 45 إلى 54 عاما هم الأكثر ميلا لوسواس التعرض للأمراض وأن حوالي ثلث المصابين به يعانون من مشاكل في النوم و27% يعانون من الإعياء.

وقال الباحثون إن بعض المصابين بهذا النوع من الوسواس يتنقلون بالأعراض التي يتخيلونها من طبيب إلى أخر لتأكيد معتقداتهم أنهم يعانون من أمراض خطيرة مثل السرطان.

وقال البروفسور لي سينج مدير مركز الاضطرابات المزاجية بالجامعة والذي قام بإجراء الدراسة "إن سلوك المصابين بوسواس التعرض لمرض خطير يمكن أن يسبب إزعاجا في الحياة اليومية". وأضاف "يجب على الأطباء أن يقيموا علاقة داعمة مع المرضى ومساعدتهم على تقليل الفحوصات غير الضرورية وزيارات الأطباء".

حل مستقبلي

من جانب آخر، تثير زيارة طبيب الأسنان الفزع في نفوس الكثيرين من المرضى، ويشعرون برجفة تهزهم حتى النخاع من مجرد التفكير في صوت آلة الثقب التي يستخدمها طبيب الأسنان.

إنهم يخافون الألم ويصرون على استخدام المخدر أولا، والذي غالبا ما يكون له آثار جانبية من بينها تورم الوجنة وذلك الألم المبرح بعد زوال أثر المخدر. بعض المرضى لا يمكنهم تحمل المخدر، ومن ثم يفضلون التفكير في استخدام التنويم المغناطيسي كبديل محتمل لمثل هذه الحالات.

تقول الجمعية الألمانية للتنويم المغناطيسي لمرضى الأسنان، إن المريض الخائف ينقل دون وعي شعوره، أو شعورها، بالتوتر إلى طبيب الأسنان، ويشعر بتزايد توتر الطبيب ويتفاعل معه بأن يصبح أكثر توترا والنتيجة هي حلقة مفرغة من الخوف والتوتر تكون لها عواقب وخيمة على المريض والطبيب وعملية العلاج نفسها، بحسب الجمعية.

تقول الجمعية إن هناك مرضى يصابون برهاب أسنان فعلي، حساسية مفرطة لتلك الأداة التي تبقي الفم مفتوحا، أو حساسية للمخدر الموضعي، وهؤلاء جميعا لا يمكن علاجهم إلا باللجوء للتنويم المغناطيسي، أو بمعنى آخر يمكنهم الرضوخ طواعية للتنويم المغناطيسي.

الهدف من التنويم المغناطيسي لدى طبيب الأسنان هو إيصال المريض لـ "حالة سبات" استرخائي تمهيدا للعلاج. يقول ستيفان أيتنر، طبيب أسنان ورئيس الجمعية الألمانية للتنويم المغناطيسي والعلاج بالتنويم المغناطيسي: "إنها حالة من الاسترخاء لا يوجه فيها انتباه المريض خارجيا.. بل داخليا ـ المريض يدخل في حالة سبات". بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وفي حالة الاسترخاء هذه "ينطفئ" إدراكه الخارجي. المريض يطرد المشاعر المزعجة خلال علاج الأسنان ويشعر بارتياح، تقول الجمعية إنه يتجلى فعليا في انخفاض معدل ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم والتنفس العميق من المعدة واسترخاء العضلات. يمكن إيصال المريض لحالة النوم المغناطيسي بالإيحاء، والاسترخاء، بمساعدة أقراص التنويم المغناطيسي المدمجة والتي تتضمن موسيقى تبعث على الاسترخاء، وأيضا التسلية.

وأشار إيتنر"التركيز هو أول شيء نقوم به" حيث يتحدث طبيب الأسنان مع المريض بطريقة تبعد أفكاره عن المخاوف وتركزها داخليا، مشبها الحالة العقلية بـ"أحلام اليقظة". وأضاف إيتنر أن المخاوف من الاستيقاظ فجأة من جلسة التنويم المغناطيسي خلال علاج الأسنان، ومن ثم الشعور بألم مبرح، لا أساس لها.

وقال إيتنر إن التنويم المغناطيسي لم يستخدم مع "مرضى لهم سجل قديم مع الأمراض العقلية". وأضاف أنه من الأفضل عدم استخدام هذا الأسلوب مع الأشخاص الذين يخضعون أو كانوا يخضعون للعلاج النفسي، ذلك أنه لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم أثناء مرورهم بمرحلة التنويم المغناطيسي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/تشرين الأول/2010 - 8/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م