شبكة النبأ: بدأ العديد من المخرجين
بإنتاج أفلام تظهر للعالم قضايا عربية كبيرة أخذت طابعا مأساويا على
العرب وخلفت ما خلفته من دمار وخسائر مادية إضافة الى الأرواح البريئة،
والملفت للنظر ان هذه الأفلام تحصد جوائز عالمية وحسب ما يراه النقاد
والمحللين الفنيين لأنها جاءت باتحاد عدد كبير من الخبرات السينمائية
لإيصال رسالة عالمية عن الواقع المؤلم.
حرب عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل
حيث فوجئ أهالي بلدة برج رحال الواقعة قرب مدينة صور في جنوب لبنان
لدى رؤيتهم حوالي 200 جندي إسرائيلي بكامل لباسهم العسكري وأسلحتهم
المميزة يرفعون علما إسرائيليا فوق المدرسة الرسمية في البلدة تحت
حماية أربع دبابات من طراز "ميركافا 4".
لكن سرعان ما تبين ان الأمر لا يعدو كونه تصويرا لفيلم إيراني عن
الحرب التي دارت بين حزب الله وإسرائيل في يوليو تموز عام 2006 وتدور
أحداثه في بلدة عيتا الشعب الحدودية التي خاض فيها حزب الله قتالا شرسا
في مواجهة الدبابات الإسرائيلية. كان حزب الله خاض حربا مع إسرائيل
استمرت 34 يوما في يوليو تموز من عام 2006 وأدت الى مقتل أكثر من 1200
لبناني معظمهم من المدنيين و160 إسرائيليا معظمهم من الجنود.
يحمل الفيلم عنوان "جنوب السماء" وهو من إخراج الإيراني جمال شورجة
وكتابة الإيراني علي دادراس واللبناني هادي قبيسي ومن إنتاج شركة "ريحانة
جروب" اللبنانية. يقول المنتج المنفذ اللبناني علي بو زيد ان الفيلم
يعتبر عملا سينمائيا ضخما من حيث الإنتاج ومواقع التصوير والديكور وان
فريق العمل يزيد عن 70 فنيا إيرانيا بالإضافة الى الاستعانة ببعض
الخبرات اللبنانية.
ويظهر في الفيلم حوالي 40 ممثلا معظمهم لبنانيون ويشاركهم بعض
الممثلين السوريين فضلا عن ما يقرب من 3000 ممثل ثانوي يجسدون دور
المواطنين النازحين عن قراهم. ويقول بو زيد انه كان من المقرر أن تلعب
الممثلة المصرية حنان ترك دور البطولة لولا أنها اعتذرت عن عدم
المشاركة في أخر لحظة " لأسباب قاهرة."
ويضيف "لقد هوجمت الترك في الصحافة المصرية وكتب على صفحات مجلة "روز
اليوسف" المصرية مقالة اتهمت الترك بممارسة الدعاية للمشروع السياسي
الإيراني في الشرق الأوسط وبدعم فكرة التشيع."
وقد استبدلت ترك بالممثلة السورية نسرين طافش التي تلعب دور امرأة
حامل زوجة مقاوم ترفض النزوح عن عيتا الشعب وترك زوجها في ساحة المعركة
فيُقصَف منزلها بصواريخ الطائرات الإسرائيلية ويدمر فوقها وتحاصر بين
ركامه مصابة بجروح بالغة. وبعد عمليات كر وفر بين جنود الاحتلال
والمقاومين تتمكن عناصر حزب الله من سحبها الى مكان امن حيث تلد قبل أن
تلفظ أنفاسها الأخيرة.
ويلعب الممثلون اللبنانيون باسم مغنية ويوسف الخال وكارمن لبس
والسوريتان نسرين طافش وكندة علوش أدوار مقاومين فيما يقوم اللبنانيان
بيار داغر ودارين حمزة بلعب دور ضابطين إسرائيليين غازيين.
ويشرح بو زيد أن التصوير يتم في بلدة أنصارية الى الجنوب من صيدا
حيث بنى الفنيون حيا يحوي منازل ومسجدا ومحال تجارية ومحطة محروقات.
كذلك تصور بعض المشاهد في قرية عدلون المجاورة وبلدة برج رحال قرب صور
ويتوقع إتمام التصوير والبدء بأعمال المونتاج أواخر اكتوبر تشرين الأول
الجاري. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.
وأوضح بو زيد أن "الجيش اللبناني قدم عونا لوجيستيا كبيرا للفيلم من
خلال وضعه عددا من جنوده بتصرفنا الى جانب عدد من الملالات (حاملات
الجند) و4 دبابات سوفيتية الصنع قام الفنيون الإيرانيون بإلباسها هياكل
من الحديد والفيبر جلاس محولين إياها الى دبابات ميركافا 4 كالتي
استخدمها الجيش الإسرائيلي في حرب تموز 2006."
خبرات خارجية
وقال المدير الفني علاء قبيسي أن تعاون الأهالي كان أساس نجاح أعمال
التصوير حتى الآن وعزا سبب التعاون الى ان "الفيلم يجسد معاناتهم التي
عاشوها في تموز وآب 2006 بفعل الإرهاب الإسرائيلي." وقال ان هناك من
الأهالي من قدم للتصوير منزله وأثاث بيته وبعض التجهيزات مجانا.
ولفت الى أن الفيلم استعان بفريق متخصص باللغة العبرية قام بتدريسها
للممثلين الذين يؤدون أدوار ضباط وجنود إسرائيليين ومشيرا الى أن فريق
التفجير والماكياج والتصوير المشاركين في الفيلم يضم أهم الأخصائيين
السينمائيين في إيران.
وعن التعاون مع حزب الله قال قبيسي ان "الحزب نظم لنا لقاءات مع
المقاومين ومع جهاز الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية ومعلومات
واقعية وتفاصيل دقيقة عن المعارك التي خاضها مقاوموه بوجه تقدم
الدبابات الإسرائيلية الى عيتا الشعب وكذلك عن بعض من فنون القتال التي
أداها عناصره خلال المعارك."
تضمنت بعض مشاهد الفيلم في أنصارية غارات استهدفت مسجدا وسيارات
مدنية. وتتضمن المشاهد المتبقية معارك ضارية بين الإسرائيليين ومقاتلي
حزب الله يسقط خلالها قتلى من الجانبين ومن المدنيين ويتم تدمير عدد من
دبابات الميركافا الإسرائيلية.
الثورة الإسلامية بإيران
كما لفت فيلم "الملكة وأنا" The Queen and I الذي أخرجته امرأة
شاركت في الثورة الإيرانية أنظار الكثيرين في مهرجان الفيلم الأوروبي
بالعاصمة الأردنية عمان في الآونة الأخيرة. فقد تابع الفيلم الذي
أخرجته المخرجة السينمائية الإيرانية ناهد بيرسون سرفيستاني حياة
إمبراطورة إيران المنفية فرح بهلوي واحتوى على مقابلات نادرة معها.
وغادرت فرح بهلوي طهران في عام 1979 بصحبة زوجها شاه إيران محمد رضا
بهلوي. ومنذ ذلك الحين عاشت في المنفى وكانت نادرا ما تقبل إجراء
مقابلات صحفية معها أو تتحدث عن حياتها.
وفي الفيلم الوثائقي "الملكة وأنا" ومدته 90 دقيقة والذي عرض في
مهرجان الفيلم الأوروبي في العاصمة الأردنية عمان تصف المخرجة ناهد
بيرسون سرفيستاني علاقتها المعقدة مع منافستها القديمة. وواجهت
المرأتان اللتان عاشتا في المنفى بعد الثورة الإيرانية بعضهما البعض
وبحثتا ماضيهما واكتشفتا وجود الكثير من الأشياء المشتركة بينهما. وأكد
منسق المهرجان رائد عصفور ان الفيلم لاقى استحسان الكثيرين. بحسب وكالة
الأنباء البريطانية.
وقال عصفور "فيلم اليوم هو فيلم سويدي ايراني..المخرجة طبعا عربية
إيرانية. كثير فيه حالة مميزة انه يحكي عن ما تم خلال قبل 20 سنة من
صبية تم نفي أهلها لأوروبا وبعد ذلك الذين نفوا أهلها طبعا ... صار
النفي عليهم." وعقب مشاهد الفيلم أكدت امرأة إيرانية كانت بين مشاهديه
تأثرها به.
وقالت المرأة واسمها باريانتي "أحببت الفيلم كثير. أحسست وبكيت بشأن
اثنتين.. هاتان امرأتان عانين ..." وأجبرت مظاهرات استمرت أسابيع
واحتجاجات عمت الشوارع الإيرانية الشاه وعقيلته الإمبراطورة فرح بهلوي
على الخروج من إيران. ومهد رحيلهما الطريق أمام عودة الزعيم الديني
الإيراني اية الله الخميني للبلاد بعد أن أمضى سنوات في المنفى وذلك
ليتولى قيادة إيران. وطرح فيلم "الملكة وأنا" عام 2009 ليتزامن مع
الذكرى الثلاثين للثورة الإسلامية في إيران.
تأجيل فيلم
بينما أرجئ عرض فيلم لمخرجة إيرانية ضمن مهرجان سينمائي في بيروت
بطلب من دوائر الرقابة وذلك بسبب تزامن عرضه مع زيارة للرئيس الإيراني
محمود احمدي نجاد الى لبنان.
وقال النقاد ان "دوائر الرقابة اللبنانية طلبت من إدارة مهرجان
بيروت الدولي للسينما إرجاء عرض فيلم الأيام الخضر (غرين دايز) للمخرجة
الإيرانية هانا مخملباف بسبب تزامن موعد عرضه مع زيارة احمدي نجاد".
وأكدت مديرة المهرجان كوليت نوفل ان "الفيلم لم يمنع، بل طلب منا
تأجيل عرضه، ونحن نعد الجمهور اللبناني وهواة السينما والمهتمين بأننا
سنعرضه بعد انتهاء المهرجان" في 13 تشرين الاول/اكتوبر.
ويتناول "غرين دايز" التظاهرات التي رافقت الانتخابات الرئاسية في
إيران العام الماضي. ويروي قصة آية، وهي شابة تعاني حالة يأس، وتشكك
بالرغبة في التغيير التي تحرك مواطنيها، وتقرر الذهاب لملاقاتهم في
شوارع طهران وإجراء حوار معهم. بحسب وكالة فرانس برس.
واثر إعادة انتخاب احمدي نجاد والتي تقول المعارضة الإيرانية ان
عمليات تزوير تخللتها، نظمت طوال أشهر تظاهرات احتجاجية في كافة أنحاء
إيران. وانتهت التظاهرات نتيجة حملة قمع أسفرت عن مقتل عشرات الأشخاص
واعتقال الآلاف.
وكان الفيلم عرض من خارج المسابقة في الدورة السادسة والستين من
مهرجان البندقية السينمائي في 2009. وقالت مخملباف حينها "انا مرآة
تعكس المجتمع الإيراني وأحاول ان اظهر تطلعاته ونضاله من اجل الحرية".
وهانا مخملباف (22 عاما) هي ابنة المخرج محسن مخملباف وشقيقة
المخرجة سميرة مخملباف، وقد نالت عام 2008 جائزة "الأسد الكريستال" في
مهرجان برلين السينمائي عن فيلمها "الدفتر". ويزور الرئيس الإيراني في
13 و14 تشرين الأول/أكتوبر لبنان حيث يلتقي كبار المسئولين اللبنانيين
ويشارك في احتفالات شعبية.
فرصة التغير السلمي
من جهة أخرى، وفي بعض الأحيان ينجح قدر قليل من السلام في قطع مشوار
طويل. اكتشف ذلك الهنود بزعامة المهاتما غاندي كما تعلمه أيضا
الأمريكيون السود من مارتن لوثر كينج زعيم الحقوق المدنية.
فعلتها أيضا قرية يعيش فيها الفلسطينيون والإسرائيليون بوحي من رب
أسرة عنيد وابنته التي لم يتعد عمرها 15 عاما. ووثق قصتهم التي لا
يعرفها كثيرون فيلم (بدرس) الوثائقي الجديد الذي يأمل صناعه ان ينشر
رسالة مفادها ان السلام يمكن ان يحدث تغييرا حتى في أرض تمزقها الحروب.
ومع محاولة الفلسطينيين والإسرائيليين إيجاد السلام بينهم حمل
الفيلم الذي عرض لأول مرة في نيويورك ويعرض في شتى أنحاء الولايات
المتحدة خلال فترة محددة معنى جديدا.
يظهر الفيلم الوثائقي ثنائي الأب والابنة وهما يقودان مجموعة من
القرويين الفلسطينيين وقد انضم إليهم في لفتة ذات معنى بعض الأنصار
الإسرائيليين في حملة لا تنطوي على أي عنف للدفاع عن قريتهم الزراعية
بدرس ضد الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل في عمق أراضي الضفة الغربية
التي احتلتها في حرب عام 1967 ليفصل بين السكان الفلسطينيين
والمستوطنين الإسرائيليين.
تقع قرية بدرس على بعد 31 كيلومترا من رام الله في شمال الضفة
الغربية ويوثق الفيلم لعملية الاحتجاج السلمي للمزارعين الفلسطينيين
على الجرافات الإسرائيلية وكيف إنهم لم يلجئوا الى العنف حتى مع اقتلاع
الجرافات لأشجار الزيتون حصادهم وثقافتهم الفلسطينية عام 2003 في حملة
استمرت عشرة أشهر لتغيير مسار الجدار.
وقالت جوليا باشا مخرجة الفيلم "انها قصة قصيرة وقرية صغيرة. لكن
هناك الكثير من الدروس التي يمكن تعلمها مما حدث هناك والكثير مما
فعلوه في هذا المجتمع يمكن ان يطبق على نطاق واسع."
وحتى تسرد القصة وتشحنها بالمشاعر جمعت باشا لقطات صورها المحتجون
والقرويون بعد الأحداث ومزجتها بلقاءات لاحقة مع اللاعبين الرئيسيين
سواء من جانب أهل القرية او من جانب الجيش الإسرائيلي. وقالت باشا "أردنا
ان نضع وجوه الجانبين في هذا الصراع في ضمير الناس. بدرس بدت كعالم
مصغر لرصد الحركة الديناميكية التي تحدث حين يقرر هذا المجتمع استخدام
إستراتيجية اللاعنف في المقاومة." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.
شملت المقابلات التي وثق لها الفيلم زعيما محليا من حركة المقاومة
الإسلامية (حماس) وقرويين محتجين ونشطين إسرائيليين وقائدة سرية من
شرطة الحدود الإسرائيلية وضابطا في الجيش الإسرائيلي برتبة كابتن.
آراء النقاد
ويقود الاحتجاج والفيلم رئيس بلدية بدرس عايد مرار وهو رب أسرة كان
نشطا سابقا في حركة فتح وقضى سنوات في سجون إسرائيل وتقود معه الاحتجاج
ابنته التزام التي كانت في ذلك الوقت عمرها 15 عاما. في لحظة من لحظات
الاحتجاج غامرت بحياتها حين وقفت في طريق الجرافة الإسرائيلية.
وتقول باشا ان مرار "رجل متواضع" وإنها أقنعته بعد أشهر طويلة
بالاشتراك في الفيلم الوثائقي. يقول مرار في أسى وأمل في أول الفيلم
"نريد ان نربي أطفالنا في سلام وأمل. نحن نستخدم إستراتيجية المقاومة
الشعبية واللاعنف."
وقوبل الفيلم باستحسان النقاد وكتب نيكولاس كريستوف في صحيفة
نيويورك تايمز انه "الفيلم الوثائقي الذي يجب ان يرى هذا العام" وقال
انه "نافذة مثيرة للاهتمام لما يمكن ان يكون ممكنا اذا لجأ الفلسطينيون
الى العصيان المدني على نطاق واسع" بينما وصفت الجارديان الفيلم بأنه
"يفتح العيون" على الحقائق.
وقالت باشا ان من النقاط الملهمة لاكتشاف قصة الفيلم كيف نشر سكان
بدرس قصة نجاح إستراتيجية احتجاجهم الى قرى أخرى وبنوا روابط ثقة مع
الإسرائيليين.
وقالت قبل ان تعلق على مشاركة بعض الإسرائيليين في الجهود "هذا
الفيلم الوثائقي لم يحافظ فقط على ما لديهم بل وسعه. إذا كافح الناس
معا يبدؤون في الإيمان بأنهم يتقاسمون قضية واحدة ويرون انك مستعد
للمجازفة من أجلي وأنا مستعدة للمجازفة من أجلك." ويقول مرار في نهاية
الفيلم "قلت لهم دوما هذا ليس مصيرنا. لدينا خيار. يمكننا اتخاذ قرار
بان نقاوم. |