ثروات العرب الطائلة تقمع حرياتهم

مخاطر الانغلاق والتحجّر ومزايا الانفتاح والتحرر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: كثيرون أولئك الذين ردّدوا جملة مؤلمة ومحزنة في الوقت نفسه تنص على أن نفط العرب جاء نقمة عليهم بدلا من أن يكون رحمة بهم، وأن ثرواتهم بدلا من أن تجلب لهم الرفاهية والازدهار، جلبت لهم القمع وكبت الحريات والتهميش، لتجعل منهم شعوبا تقبع في العربة الأخيرة من قاطرة التقدم البشري والسير الى الأمام نحو العيش الرغيد والكرامة المعززة بالفكر الحر.

فعلا هي مفارقة مشبعة بالأسى، حين يكون العرب مالكين لأضخم الثروات في العالم وفي الوقت نفسه هم أفقر الناس وأكثرهم بؤسا وجهلا! بسبب الحريات المقموعة من لدن حكوماتهم ذات النهج السياسي السلطوي الجاهل والعنيف في آن.

وبدلا من أن توظّف حكوماتهم دولارات الذهب الاسود لدفع العقل العربي كي يكون مؤهلا لمجاراة العالم المعاصر وقفزاته السريعة نحو النور، فإن هذه الاموال والثروات الطائلة تُستخدم بطريقة بشعة من أجل التجهيل والتقتيل والقمع المنظم من لدن السلطات التي تجهل كل شيء إلاّ محاربة الرأي الحر والمعارض لنهجها القمعي الذي لا يعرف سوى الحجر على الفكر الانساني المتنور.

ومن دواعي الحزن أننا أمة (بحكامها) لا تريد أن تقرأ التأريخ الانساني كي تستفيد من تجاربه، لذا فنحن غالبا ما نغض الطرف عن المفيد ونوغل في الحاضر القائم على الرأي الواحد في مجتمعات منغلقة على نفسها بسبب تسيّد القادة الطغاة الذين لا يعرفون في هذه الحياة سوى قوة السلطة والمال والنفوذ، أما الجوانب الاخرى من العالم المعاصر فهم بعيدون عنها كل البعد، بعيدون عن الفكر الانساني المتطور، بعيدون عن فوائد الحرية واجوائها الفاعلة، بعيدون عن الإنفتاح على الآخر والأخذ من تجاربه بما يصب في الصالح العام، بعيدون عن النظرة المسؤولة الى الحاضر والمستقبل، ومنغمسون حد النخاع بالاساليب التي تحد من حرية شعوبهم وتطور أفكارهم ومنهج حياتهم، فتتحول دولارات الذهب الاسود الى وسائل قمع وتعذيب وتجويع في الداخل، أما في الخارج فإنها تتحول الى فلل فارهة وقصور ذهبية ومنتجعات خرافية ويخوت لكل ما يمت للرذيلة بصلة.

يحدث هذا من لدن السلاطين الكبار المتنفذين وأمام مرأى العالم بل أمام مرأى شعوبهم من دون أن تحرك هذه الشعوب المستكينة والمغلوبة على أمرها ساكنا، وسلاحهم في ذلك حصر هذه الشعوب في مسار واحد، فهم بارعون بمحاربة حرية الأفكار والعقائد والرؤى المتحررة وجميع النشاطات التي لا تدعم مصالحهم، وهم بارعون في تكوين وتعضيد الجهات والجبهات المضادة لشعوبهم، فالحرية موءودة بسيف الدولار النفطي، والفكر الحر مقموع بشغف السلطة وسحرها، والكارثة التي تظل قائمة أن الأمة لا تريد أن ترفع رأسها وترى ما يفعل بها حكامها، وإذا فعل ذلك مفكروها وأحرارها فإن مقصلة الدولار النفطي جاهزة لقطع ألسنهم ورؤوسهم إذا تطلب الأمر.

تُرى هل قلّب سلاطين العرب صفحات التأريخ، وهل عرفوا ما آل إليه مصير السلاطين الأوربيين الذين كانوا يحرقون العلماء والمفكرين لمجرد أنهم ينتجون أفكارا متحررة آنذاك، لقد ظلت أوربا مكبلة بالظلام عقودا بل قرونا بسبب محاربة الفكر المتحرر، وبسبب قتل العلماء والمصلحين المتنورين، وبقيت شعوبهم تعاني الجهل والذل والتخلف بسبب أساليب القهر والقمع والتكميم التي كانت تمارسها سلطاتهم آنذاك، ولم تعبر أوربا قرون الظلام الحاكة حتى آمن قادتها ومتنفذوها وشعوبها أيضا بضرورة الانفتاح وتمجيد الفكر الحر وفسح المجال لحرية العقائد ونشر قيم التسامح والقبول بالآخر واحترام مبدأ التعايش وفتح ساحات الفكر واسعة أم التنافس والتلاقح الإنساني المبدع.

ولكن متى يؤمن قادة العرب ومتنفذوهم بهذه المبادئ، ومتى يكفون عن قمع الحرية بثروات العرب أنفسهم؟

إنه سؤال تطرحه ساحة الواقع العربي المتخم بالمال وبالقمع في آن واحد، أما من يقول بإطلاق الخطط التنموية ونشر الثقافة المعاصرة والسماح بتلاقح الأفكار وتوظيف الدولار النفطي لصالح الاغلبية، فهي أقوال لا ترقى الى الوقائع المرئية والملموسة ناهيك عن تلك التي تحدث بالخفاء وهي أعظم بكثير مما يظهر أمام العين.

إنه واقع محزن وشديد البؤس، وليس أمامنا سوى الضغط نحو فتح آفاق الحرية أمام الفكر والرأي الحر والرؤى المتنوعة، والكف عن توظيف الأموال العربية وثرواتهم الطائلة في محاربة مزايا العصر وسماته التي تتطلب الانفتاح المبدع على الآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/تشرين الأول/2010 - 8/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م